الأمازيغية / الأصولية، أو العملة ذات الوجهين.....17

محمد الحنفي
sihanafi@gmail.com

2007 / 3 / 1

إهداء إلى

كل من آمن بوحدة المغرب، والمغاربة، وعمل فكرا، وممارسة، على ترسيخ هذه الوحدة.

كل المغاربة الذين يتمسكون بوحدتهم، في شموليتها.

كل المغاربة من أصل عربي / أمازيغي، الذين امتزجوا في دم واحد، صار يحمل اسم الدم المغربي,

كل المسلمين المغاربة الذين يحترمون الدين الإسلامي، ويرفضون استغلاله في الأمور الإيديولوجية، والسياسية.

كل الذين يتكلمون اللهجات الأمازيغية، ولم يعتبروها، في يوم من الأيام، وسيلة لتقسيم المجتمع المغربي إلى طوائف.

كل الشهداء المغاربة، الذين استشهدوا من أجل المحافظة على وحدة المغرب، ووحدة المغاربة، أنى كان جنسهم، أو لونهم، أو لغتهم، أو دينهم.

من أجل مغرب واحد، بهوياته المتعددة.

من أجل إنسان مغربي قوي، في مواجهة تحديات العولمة.


• تساؤلات، واستنتاجات:

1) وانطلاقا مما رأيناه في تحليلنا لما طرحناه في الفقرات السابقة، نجد أنفسنا مضطرين إلى طرح سؤالين مركزيين:

السؤال الأول: هل من العلمية قيام دولة أمازيغية؟

السؤال الثاني: هل من العلمية قيام دولة أصولية؟

والسؤالان، معا، يحيلاننا إلى المفاهيم المتداولة، عادة، في المجتمعات التي تنخرها الطائفية، أو تتأهل لأن تسود فيها الطائفية، أو تحكمها طائفة معينة، كما هو الشأن بالنسبة لإيران، أو مجموعة من الطوائف التي تتقاسم السلطة فيما بينها، كما هو الشأن بالنسبة للبنان، وعراق ما بعد سقوط نظام صدام.

وبالنسبة إلينا في المغرب، فإن الإجابة على أحد السؤالين بالنفي، أو الإثبات، يعتبر من باب المجازفة، إذا لم يتم التأسيس للجواب المحتمل اعتماده.

فالمغرب يتميز بالتمازج بين الأعراق، واللغات، والتداخل بين مختلف المكونات الاجتماعية، نظرا لانفتاح الجميع، على الجميع. فمنذ القدم وقع التزاوج بين الأمازيغيين، وبين غيرهم من وفدوا على المغرب، قبل مجيء العرب، وبعد مجيئهم إلى المغرب، في إطار ما صار يعرف ب "الفتوحات الإسلامية"، التي أدى فيها الأمازيغيون ضرائب كبيرة، وعظيمة، قبل أن يقتنعوا بالدين الإسلامي، وقبل أن يؤسسوا دولتهم، ليستقلوا عن المشرق العربي، وليحصنوا أنفسهم ضد الدخلاء، مهما كانوا. وهذه الدولة، لا نستطيع اعتبارها عربية صرفة، ولا أمازيغية صرفة، وكيفما كان الأمر، فهي دولة مغربية، يومن سكانها بالدين الإسلامي، ويتكلمون اللغة العربية كلغة للقرآن، إلى جانب مختلف اللهجات الأمازيغية، وغير الأمازيغية، التي توحد المغاربة جميعا، لا فرق في ذلك بين أمازيغي، وعربي.

وإذا كان هناك اهتمام باللغة العربية، فإن اللغة العربية كانت مؤهلة لأن تنال ذلك الاهتمام، نظرا لانبناء ضوابطها النحوية، والصرفية، وهي ضوابط تفرض جعل اللغة العربية، باعتبارها لغة القرآن، هي اللغة الرسمية المغربية، ولغة التعليم، ولغة الإدارة، ولغة القضاء، ولغة التواصل بين الخاصة، والعامة، ولغة الإعلام، منذ اعتنق المغاربة الدين الإسلامي، ومنذ صاروا يحرصون على حفظ القرآن، ودراسة النحو، والصرف، والبلاغة، وغير ذلك من الآليات التي تساعد على ضبط الاستعمال اللغوي، وفهم القرآن، والتراث العربي، والإسلامي، في نفس الوقت.

والاهتمام باللغة العربية، وبنحوها، وصرفها، لا يعني، أبدا، إهمال اللهجات الأمازيغية، التي لا زال المغاربة يحرصون على المحافظة عليها، وإشاعتها في المجتمع المغربي، كل هذه القرون الخمسة عشر، من عمر وجود اللغة العربية في المغرب.

ومهمة الإصرار على اعتبار اللغة العربية لغة رسمية، ولغة التدريس، والإدارة، والقضاء، والتواصل، والإصرار على الاستعمال اليومي للهجات الأمازيغية، ليست مهمة الدول المتعاقبة، أو مهمة أحزاب، أو جمعيات معينة، إنها مهمة اجتماعية بالدرجة الأولى، وهذه المهمة الاجتماعية، هي التي فرضت، وبقوة الواقع المادي، اعتماد اللغة العربية لغة رسمي،ة في مجالات التدريس، والإدارة، والقضاء، وفرضت كذلك استمرار استعمال اللهجات الأمازيغية في التواصل بين المغاربة، في مختلف مناطق المغرب، وفي جميع أنحاء العالم، ودون أن يؤدي ذلك إلى انفراط وحدة المغاربة في اتجاه قيام مجتمع طائفي.

وانطلاقا من هذا التحليل، يمكن أن نقول: إما أن تكون الدولة المغربية محققة لوحدة المغاربة جميعا، أو لا تكون، حتى نستخلص أن قيام دولة أمازيغية مغربية، ليس من العلمية في شيء، لأن الدولة الأمازيغية لا يمكن أن تكون إلا دولة طائفية. والإقرار بقيام هذه الدولة، سيجر إلى قيام المتكلمين بكل لهجة من اللهجات المسماة أمازيغية بالمطالبة بتكوين دولتهم. وهو ما يعني قيام كل طائفة أمازيغية بإنشاء دولتها. وفي أفق ذلك، لا بد أن يجرى صراع لا ديمقراطي، يقود إلى قيام تناحر دموي، بين الطوائف الأمازيغية، وغير الأمازيغية من جهة، وبين الطوائف الأمازيغية فيما بينها من جهة أخرى. وإذا أدركنا خطورة هذا الصراع على مستقبل وحدة المغاربة، سنصل إلى خلاصة مركزة، تتمثل في ضرورة تجنب قيام مجتمع مغربي طائفي، على أساس لغوي، أو عرقي، أو ديني، خدمة للمغرب، وللمغاربة، وأن تعتبر اللهجات الأمازيغية من المكونات التي تسعى إلى نشر القيم الثقافية المغربية النبيلة، التي تتحقق معها وحدة المغاربة جميعا، ودون أن ننسى: أن الشروط الموضوعية التي نعيشها، والتي تعرفها مختلف اللهجات الأمازيغية، تفرض الاهتمام بهذه اللهجات، وفي أفق بلورة وحدة اللغة الأمازيغية، بقواعدها، وصرفها، وغير ذلك، مما يساعد على النمو الإيجابي، والطبيعي، للغة الأمازيغية، ودون التفكير في قيام تعارض بين اللغة الأمازيغية المفترضة، وبين اللغة العربية، ولا بين الأمازيغ، والعرب، لأن الأعراق المختلفة في المغرب، صارت متداخلة فيما بينها، ومكملة لبعضها البعض، لأن هذ التعارض غير قائم في الأصل، لأن كل مغربي هو أمازيغي، وعربي، في نفس الوقت.

وما قلناه عن عدم علمية قيام الدولة الأمازيغية، يمكن أن نقوله أيضا عن عدم علمية قيام الدولة الأصولية، لأن هذه الدولة، حتى وان كانت قائمة في الواقع على يد الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية في المغرب، فإنها في الواقع ليست دولة دينية، بقدر ما هي دولة الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية، اللذين يستغلان الدين الإسلامي لتضليل المواطنين، وادعاء الكلام باسم الدين، ومن منطلق الوصاية عليه، ومن أجل تأبيد الاستبداد القائم. وإلى جانب استغلال الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية، هناك توجهات أخرى تستغل الدين، وتسعى إما إلى تأبيد الاستبداد القائم، وإما إلى فرض استبداد بديل. وفي جميع الحالات، فقيام الدولة على أساس ديني، سيقود الى قيام مجتمع طائفي على أساس ديني، قد تسعى كل طائفة دينية فيه، إلى ركوب ممارسة العنف، ومن أجل فرض ما تريد، وعلى جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى وإن أدى ذلك إلى مصادرة الحق في الحياة، من أجل نفي استمرار الآخر في الوجود.

وانطلاقا من هذا التحليل، نجد أنه من الضرورين اعتبار المرجعية الأصولية، من المكونات الثقافية، التي تسعى إلى بث القيم النبيلة في المجتمع المغربي، وعلى أساس ديني، ودون أن تكون القيم المبثوثة سببا في انفراط وحدة المجتمع المغربي، الذي لا ينكر المرجعية الأصولية، التي يعتبرها مرجعيته، ولكنها ليست هي المرجعية الوحيدة، فهناك عند المغاربة مرجعيات كثيرة، ومتعددة، تتفاعل فيما بينها، وتسعى إلى قيام وحدة مغربية متكاملة.

واعتبار المرجعية الأصولية من المكونات الثقافية، يقتضي العمل على تطوير هذه المرجعية، من أجل صيرورتها منفتحة على العصر، وفي أفق الحيلولة دون مساهمتها في قيام طوائف على أساس ديني، حتى لا تسعى تلك الطوائف الدينية، إلى فرض قيام دولة، أو دول أصولية، كما تسعى إلى ذلك مختلف التوجهات الأصولية، أو التي تريد الوصول إلى الحكم.

وخلاصة ما نصل إليه، أن قيام الدولة على اساس أمازيغي، أو على أساس المرجعية الأصولية، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى تسييد الطائفية في المجتمع المغربي، هذا التسييد الذي لا يخدم إلا مصالح الجهات الخارجية، التي تسعى إلى إبقاء المغاربة على ضعفهم، وضعف دولتهم، حتى لا يقووا على التطور، والتقدم، والتصنيف إلى جانب الدول المتقدمة، التي لا وجود فيها لشيء اسمه الصراع على أساس طائفي: لغوي، أو عرقي، أو ديني، في الوقت الذي تعمل فيه على رعاية قيام صراع طبقي مشروع، يؤدى، بالضرورة، إلى التطور الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن