مستلزمات بناء مجتمع مدني علماني ديمقراطي في العراق

عباس النوري
abbasalnori@gmail.com

2007 / 2 / 13

المقدمة:

العراق مجتمع متكون من اتجاهات وأثنيات متنوعة، مثلها كمثل باقة وردة متلون، وله كنز من الثقافات وتاريخ مليء بالتجارب إن وظفت بصورة صحيحة وسليمة نحصل على مجتمع مدني متطور. أن اصحاب المصالح المقززة كرسوا همومهم من أجل تغيير الاتجاه الديمقراطي نحو هاوية وهم لايشعرون. التغيير المفاجيء الذي حصل بعد التاسع من أبريل 2003 وفرت للأعداء العراق فرص استغلال إرادة الإنسان العراقي المسلوب، وكان للنظام البائد دوراً مهماً في خنق الشعب العراقي لكي لا يطلع لما يجري حوله في العالم من تطور ونمو ثقافي.........

المجتمع العراقي _ مجتمع فيه من المدنية القليل (واللامدنية) ، والخرافات مسيطرة على أجزاء كبيرة من جغرافية العراق. فالبدوية قائمة، والعشائرية تحكم، والشعوذة مترسخة عند الكثيرين. المثقفين الذين يؤمنون بمصطلح المجتمع المدني ينقسمون إلى قسمين: الذين يسعون لتطبيق المدنية في نفوس العراقيين بكل ما أتوا من نشاط ثقافي وعلمي وسياسي، ولكن المثقفين الذين كرسوا جهدهم في التوصل للسلطة والمناصب بغية الحصول على مصالحهم الذاتية، وهؤلاء شجعوا أعداء المدنية أكثر من المتطرفين بكل اتجاهاتهم... وخطرهم أكبر من المفخخات والارهاب المحلي والمصدر.

التنوع الاجتماعي وتعدد الثقافات والاعتقادات يمكن أن تكون عوامل مساعدة لتكوين مجتمع مدني، ويمكن أن تكن من أهم المستلزمات لتغير الواقع المتردي من النواحي الاعتقادية الخرافية، ويمكن أن توظف لخدمة أعداء المدنية.

المجتمع العراقي _ ليس مدنياً، ولكن هناك أرضية خصبة لبث فكرة التمدن الديمقراطي إن توفرت المستلزمات اللازمة. لقد سعى النظام البائد وبشكل مبرمج تغيير الطابع المدني لوجهة قبلية من خلال نقل الأفكار العشائرية للمدنية ... ليس حباً بالأصالة والعروبية، بل تمهيداً لغسل دماغ الإنسان العراقي ليبقى متقوقع في المراحل المظلمة من تاريخه. وليس المعنى هنا أن الأفكار القبلية والعشائرية وأحكامهم فيه سوء، ولكن استخدم نظام التحول المدني إلى إشغال المجتمع بآفات تحطم المجتمع وتفرقه. فزرع مبدأ الانتماء العشائري والدفاع عنه مقابل مبدأ عشائري آخر، والتمسك بالتعصب القومي لمواجهة قوميات أخرى، واشاعة المذهبية وتفضيل وأحدة على أخرى. وجميعها كانت تصب في عسكرة المجتمع. لكي يخضع لرغبات الحاكم ويمتثل بأوامره. فأصبح المجتمع العراقي مجزء في واقع حاله، لكن ممتثل وموحد لغاية معينة ورغبة متغطرسة.

ترسبات الماضي المقيت ولدت من جديد في نفسية المجتمع العراقي، وساهم في ذلك مثقفون ومختصين في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي. فكل ما ترك من زمن العثمانيين والدولة الصفوية استخدم سلاحاً فتاكاً لتوجيه المجتمع العراقي نحو نزعة التضاد والصراع عوض التلاحم والمحية. فأصبح المجتمع العراقي مجتمع يمتثل بصورة مباشرة وغير مباشر لأمر شخص واحد يسيره بالاتجاه الذي يتلذذ له ويرغب إليه أو حسب رغبات قوى أخرى خارجية دون أن يشعر أويرغب لذلك.

فأصبح لدينا مجتمع متجزء متفرق لا يؤمن بالقوانين ولا تربطهم مباديء معينة، حيث أن القوانيين الاجتماعية كانت تتغير بين الحين والفين طبقاً لرغبات الحاكم، والروابط الاجتماعية أصبحت أكثر صرامة بين مكونة دون أخرى، ونشر العداء القومي المزيف، والعداء القبلي، وانتشر الجهل بكل أشكاله في صفوف المجتمع العراقي.


من يتحمل مسؤولية عسكرة المجتمع؟

من الطبيعي أن كل مأساة عسكرة المجتمع العراقي نرميه بعهدة النظام البائد، لكي نتهرب من مسؤوليتنا التاريخية. مع أن التاريخ الحديث للمجتمع العراقي يكشف عن أسباب أخرى يحاول تجاهلها البعض عن علم أو بلا شعور. أن من أهم الأسباب التي أدت لتقبل الناس الأفكار المفككة للمجتمع يكمن في الأيدلوجيات التي نشرت بين صفوف أبناء المجتمع وخصوصاً المثقفين منهم. وبالتالي روجت لها بصورة غير صحيحة وأستقبلها البسطاء وحوروها لمصالحههم الذاتية لتصبح مبتعده عن المصلحة الوطنية. فالأحزاب السياسية التي حكمت طيلة فترة ما بعد الاستعمار الأنكليزي ومهدت أرضية لحزب البعث التأمري ليستلم مجتمع متفكك سياسياً ويبني دكتاتورية متسلطة بالحديد والنار أشاع الخوف بين صفوف الكثير من المجتمع العراقي، وجلب في صفوفه الكثير من الشخصيات العلمية والثقافية والسياسية ليوظفوا طاقاتهم وإبداعاتهم لخدمة الطاغية ونواياه التسلطية. وهذه الأحزاب السياسية تخلت عن كل مبادئها القيمة لتصب في مجرى تفكك المجتمع وبناء مجتمع متعسكر متخلف لا يهمه إلا قوت يومه. وأستباحت المباديء والقيم الأخلاقية وتخل المثقف والسياسي عن مبدأ المواطنة ليكون جزءاً من نظام استبداي. مع أن كثير من هذه الأحزاب السياسية أعطت الكثير من التضحيات للوقوف أمام ذلك النظام لكن بعد فوات الأوان. وحتى النخبة التي وقفت بوجه النظام البائد لم تكن لديهم مشروع موحد، ولا توجه معين للتصدي للنظام. أي أن المعارضة التي واجهت النظام منذ نشئتها المتأخرة تنازعت بدل التلاحم، وبذلك أعطت فرصة ومساحة واسعة للنظام بأن يتم كل أستعداداته لتوجيه المجتمع العراقي نحو منزلق التطرفات والتعصبات ...فولد التخاصم بين مكونات المجتمع العراقي، وسيطر مبدأ عدم التعايش، وبدأت نزعة الخلاف للتخلف. وهدم إنسانية الإنسان العراقي حين سلبت منه الإرادة. فأصبح مطيعاً منفذا غير مكترث لما تقترفه الدكتاتورية من جرائم، وغير مبالية بما تنتهكه من جرائم بحق الإنسانية، ولا مهتمه لما تبذره من ثروات البلاد ...لأن العراق كان صدام وصدام كان العراق.

المدنية تعني التطور الصناعي والثقافي والعلمي، وتستلزم الترابط بين مكونات مجتمع تلك المدينة على أختلاف إنتمائاتهم الفكرية والقومية والمذهبية. فلم نشاهد في مدينة المجتمع العراقي أي تطور صناعي إلا من أجل عسكرة المجتمع، فتطورة الصناعة العسكرية، وأستبدل كل ما هو أنتاج مدني ليكون عسكري. ووجهت كل وسائل الابداع والثقافة ليكن في خدمة الحروب الداخلية منها والخارجية، وفكرة عسكرة المجتمع ليست جديدة، ولم تكن الأولى في المجتمع العراقي. لأن إخلاء ساحة المجتمع من عنصر( ارسال الذكور للحرب، وتوظيف الأناث في مرافق الدولة) سلب أمرين مهمين: أولهما قتل الترابط العائلي وثانيهما تفسخ المجتمع خلقياً. فتفشى الفساد الأخلاقي بين الكثيرين، وأصبح اللامبالاة للأسرة أمراً مسلماً وبذلك حاول القضاء على أهم مكونات المجتمع المدني. إن انعدام القانون الموحد لصفوف المجتمع العراقي يعد من أهم الوسائل المتفسخة للمجتمع، وأن اشاعة الفساد الاداري والمالي بين صفوف الموظفين بسبب العوز. أدى لخنق روح المواطنة وإنضاج نزعة الشخصنة وحب الذات وشاع مبدأ الامبالاة للوطن وكل ما فيه من معاني.

لم تكن في حسابات الأحزاب السياسية القومية منها ولا اليسارية تفاقم التفكك الاجتماعي بسبب نزعاتهم السلطوية وأحقيتهم في السيطرة من أجل خدمة الشعب. كل الشعارات كانت لها معان جميلة ومقاصد خيرة، لكن عدم تطبيق تلك الشعارات بسبب تدخلات اقليمية مضادة حين عرقلة المسيرة السليمة. أنقلبة الأفكار الايجابية لعوامل سلبية كانت نقمة على تلك السياسات وأدت إلى اندحارها. فأي جهة أستلمت السلطة كان همها تقوية الحزب وأركانه عوض اللتفات للشعب وتطوره وبناء المجتمع المدني، وتثبيت الركائز المهمة مثل الديمقراطية، والحرية ومباديء حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. فكان لكل حزب أولوياته في توزيع المهام والسلطات على أساس المحسوبية والمنسوبية (ونرى هذه الظاهرة تتكرر اليوم). ولم تكن لدى أفضلهم أي مبدأ للمواطنة ولا حتى تفسير لها، وإن وجدت شعارات. لكنها توجهة لخدمة الأمة العربية متناسية البيت العراقي وتطوره... متجاهلة الأسس القويمة لتكوين المجتمع المدني المتطور...لا ترغب في بناء وطن يعمه الرفاه لكي تتوجهه بعد ذلك لنجدة الآخرين. وعكس ما حدث في العراق توجه كثير من دول الخليج لمنحى آخر، فنرى نتئج ذلك التوجه الصحيح نسبياً في العمران والتطور الخدمي وانعاش الاقتصاد ومسيرتهم في ركب الدول المتطورة على الأقل بما يخدم مصالح المواطن الخليجي.

كل ذلك أدى لانعدام مباديء اساسية ومقومات مهمة في بناء مجتمع مدني مثل التسامح والحرية والتعدد القيمي والثقافي. والذي بدوره سبب في عدم احترام والاهتمام بالوقت والعمل الجاد لبناء الوطن.وعوض أن يتفاعل الجميع من أجل البناء من خلال الاستفادة من التنوعات والاختلافات والتعدد كعوامل مهمة لبناء مجتمع مدني حول كل ذلك ووظف لتفكك المجتمع وتأخره وجعله مجتمع قبلي متأخر. لم نلاحظ أي تيار أو حزب سياسي يعمل من أجل الاعمار الاجتماعي والتكاتف للبناء. حتى الحركات الديمقراطية رفعت شعارات تشير لتطبيق المدنية، لكن في واقع التطبيق أخفقت وأنتجت مساراً مخالفاً للمدنية.

المدنية العراقية أخذت مساراً عكسياً للمفهوم المتعارف عليه، وحتى من نواحي العمران فضلاً على التشييد الاجتماعي. فبوادر بناء المدينة توضحت بشكل مستمر ومزيف حيث رافقتها التأثيرات المركزية السلطوية في أنشاء المدن المتخلفة من نواحي عدة. الريفية والتخلف سيطر على أنشاء هذه المدن. لأن السلطة المركزية شجعت على العنف والاستبداد وتقبل الإنسان المتخلف ووضعه في مناصب مهمة، وتوكيل أهم المؤسسات الثقافية والعلمية لأشخاص هم أصل التخلف، وكانوا سبباً في أنتشار أوبئة التحجر الاجتماعي والسكون الثقافي وتوجيه كل الأنظار والأفكار نحو شخص واحد. حتى أن الكثيرين يرون الصنم في احلامهم، ويرمون الآخر بإتهاماتهم فتولدة نزعة التخلف المقصود والعدائية والتفرقة العنصرية والمذهبية في كل أطراف المدينة العراقية الحديثة.


المستزمات الضرورية لبناء مجتمع عراقي مدني

مع أن العنوان فيه مصطلحات كثيرة (مستلزمات بناء مجتمع مدني علماني ديمقراطي في العراق) المجتمع المدني يعني كل هذه المصطلحات.

المجتمع المدني هو ذلك المجتمع الذي يعمل جميع أفراده وفق نظام وقانون متفق عليه، ولا يصح أن نقول بأن يمكن أن يكون في العراق مجتمع مدني اسلامي. واذا أصبح المجتمع العراقي مدنياً، فأن من أهم مقومات المجتمع المدني مبدأ الديمقراطية في كل زوايا المجتمع...في نظام الحكم المركزي والمحلي، وحتى في نظام حكم العائلة الواحدة. فمصطلح المجتمع المدني يجمع في طياته كل المصطلحات المتطورة الأخرى... فالعمل بالمدنية هو بمثابة إقرار وتفعيل للحرية والعدالة والمساواة والعلمانية والديمقراطية اللبنة الأولى للبدأ في بناء المجتمع المدني، أو بالاحرى أن الديمقراطية تشمل وتحتضن كل تلك المصطلحات التي تشير للمجتمع المدني.

والسبب في ذلك لخصوصية المجتمع العراقي، والتنوع الأثني والعرقي والمذهبي يؤكد أن بعد الاتفاق وتوطيد العقد الاجتماعي بين جميع أفراد الشعب العراقي سيؤكد المباديء آنفة الذكر.

إن من أهم مستلزمات بناء مجتمع مدني عراقي هو الدستور، ولقد صوت الشعب العراقي على دستور فيه من الفقرات الكثيرة التي يمكن توظيفها من أجل بناء المجتمع المدني. ونظام الدولة العراقية المقرة دور رئيسي آخر. خصوصا النظام الفيدرالي التعددي، ومبدأ فصل السلطات يساهم بشكل فعال. ثم الفقرات الخاص بالحقوق والواجبات، وما إلى ذلك من ايجابيات البنود التي تخص المؤسسات المدنية، لكن يبقى على البرلمان العراقي أن يشرع قوانين تتلائم ومشروع بناء المجتمع المدني. كل ذلك أصبح متاحاً لتهيئة أرضية خصبة ومرنة للتطور المدني. لكن كل هذه الأمور لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع إن لم تتوفر الكوادر والكفاءات المثقفة والقادرة على التنفيذ لتطبيق المباديء الأساسية لمشروع المجتمع المدني. وبمعنى أوضح ... كل العناوين جيدة لكن بدون فائدة إن لم تطبق، ولا يمكن تطبيقها بشكل صحيح إن لم تتوقر الكوادر القادرة والمتنورة. فهذان الأمران متلازمان. يبقى أمرٌ مهم وهو الأرضية الشعبية لقبول الأفكار. وحسب ما ذكرنا سابقاً أن الشعب العراقي مرَ بأطوار مخيفة ومتخلفة أدت به لقبول الكثير من مخلفات الماضي بل تفاعلت وتتلاحمت معه، ولكن هذا التلاحم والتفاعل هشٌ قابل للتغيير الجذري لكن بحاجة للأمور التالية:

* القضاء على البطالة بشكل ملحوظ ومدروس، وهناك لا أقصد المقنعة والمصطنعة.
* حملة شاملة نوعية لنشر مباديء حقوق الإنسان.
* تنمية وتطوير المؤسسات لامدنية بطريقة علمية ونزيهة ومستقلة.
* التصدي لبوادر التخلف والعقائد المفسدة للإنسان.
* عدم التعرض لخصوصيات الجماعات. إن كانت قومية، أو دينية أو مذهبية أو غير ذلك.
*الاستقلالية في العمل الميداني، وحضر التسابق الحزبي غير المشروع.
* القضاء على الفساد الاداري والمالي.
* الأصرار على تنفيذ القوانين على الجميع، وتفعيل مبدأ القانون فوق الجميع.
* الأهتمام بالبيئة ومظهر المدينة وجماليتها.
* مكافحة التخلف بكل أشكاله.
* التصدي لترشيحات الأحزاب للمناصب المهمة في الدولة العراقية لأشخاص غير ذو كفاءة.

لكي نقطة هناك شروح وتفاصيل لا يمكن الخوض في غمارها، بسبب تحديد عدد الكلمات المسموحة.

خطر الجراثيم والفايروسات المستشرية في المجتمع العراقي يكون حائلاً دون إقامة المجتمع المدني، وأضع بين يدي القارئ العزيز مقتطفات من أفكار لفلاسفة أعتمده النظام البائد لتفعيله من خلال مثقفين باعوا ضمائرهم بابخس الأثمان...وحاووا قتل الضمير العراقي، لكنني أستبشر خيراً إذا وفقنا للمساهمة في وضع لبنة بناء وتشييد البيت العراقي الديمقراطي من أجل مجتمع مدني متطور.

لقد شخص أحد أكبر علماء الاجتماع العراقي وهو المرحوم الدكتور علي الوردي الأمراض الاجتماعية المصاب بها المجتمع العراقي. منها انفصام الشخصية (الشيزوفرينيا) ولهذا المرض أعراض كثيرة منها الشعور بالاضطهاد الريبة والتصورات الخاطئة وضعف المهارات والخبرة، العزلة عن العالم، التحجر الفكري وغيرها ( راجع مقالة للدكتور عبد الرزاق حسين – الحوار المتمدن العدد-1552 – 2006-5-16)

أدوارد بارنابز: ولد سنة 1891 وتوفى سنة 1995 يعتبر منشئ ما يسمى العلاقات العامة وهو أبن عم لسيغموند فرويد. عمل إدوارد على تطبيق الإكتشافات التي وصلت إليها علم النفس وعلم الإجتماع في ميدان الحقل العام. وقد كان من - *شركة بروكتر أند Calvin Coolige حرفائه: الرئيس الأمريكي كليفن كوليدج
وشركات أخرى كبيرة معروفة...............

ولبارنلابز كتابات عديدة يشرح فيها كيفية السيطرة على عقول العامة وتوجيههم وقد جلبت هذه الأفكار والكتابات إعجاب غوبلز رئيس البروباغندا الألمانية له.

بيار بور دو: ( 1930-2003) عالم اجتماع فرنسي من المراجع العلمية في علم الاجتماع. بدأ نجمه يبزغ بين الأخصائيين انطلاقاً من الستينات وازدادت شهرته في آخر حياته بالتزامه العلني إلى جانب (المغولبين) كان مصبَ عنايته تحليل إواليات تكرر التمرينات الاجتماعية من جيل إلى جيل وذلك بتسليط الضوء على العوامل الاجتماعية والرمزية فيه.............................................................

العنف الرمزي: انتقد بورديو تغاضي الماركسية عن العوامل غير الاقتصادية إذ أن الفاعلين الغالبين، في نظره، بإمكانهم فرض منتجاتهم الثقافية( مثلا ذوقهم الفني) أو الرمزية ( مثلا طريقة جلوسهم أو ضحكهم وما إلى ذلك). فللعنف الرمزي (اي قدرة الغالبين على الحجب عن تعسف هذه المنتجات الرمزية وبالتالي على إظهارها على أنها شرعية) دور أساسي في فكر بيار بورديو. معنى ذلك ان كل سكان سوريا مثلا بما فيهم الفلاحون سيعتبرون لهجة الشام مهذبة أنيقة واللهجات الريفية غليظة جداً رغم أن اللهجة الشامية ليست لها قيمة أعلى بحد ذاتها. وإنما هي لغة الغالبين من المثقفين الساسة عبر العصور وأصبح كل الناس يسلَمون بأنها أفضل وبأن لغة البادية رديئة. فهذه العملية التي تؤدي بالمغلوب إلى أن يحتقر لغته ونفسه وأن يتوق إلى امتلاك لغة الغالبين( أو غيرها من منتجاتهم الثقافية والرمزية) هي مظهر من مظاهر العنف الرمزي................

سان سيمونيون: السان سيمونيون: هي مجموعة أتباع سان سيمون الفيلسوف والاقتصادي الفرنسي(1760-1825) الذي يدعو إلى أن السلطة يجب أن تسلم إلى الصناعيين لا للعلماء، لأنهم هم الرؤساء الحقيقيون للشعب، فهم الذين يقودونه في أعماله اليومية. فالأمة هي ورشة صناعية واسعة، تزول فيها فروق المولد والنسب، وتبقى اختلافات القدرات. وقد كانت آراءه وراء بدايات (العلم الوضعي) والاشتراكية. رأى السان سيمونيون في مصر محمد علي فرصة لتطبيق أفكارهم، لذا فقد سافر الكثير منهم إلى مصر للمساهمة في نهضتها..............................
تفرد العالم الدكتور الوردي بالدخول بتحليلات علمية عن طبيعة نشأة وتركيب المجتمع العراقي الحديث خصوصا بعد عهد المماليك وفيضانات دجلة والفرات وموجات امراض الطاعون التي اما فتكت باعداد هائلة من المواطنين الذين كانوا يقطنون الولايات العراقية على عهد العثمانيين او ادت إلى هجرة اعداد غفيرة من مواطني الشعب العراقي إلى الولايات والامارات العثمانية شرق نجد والخليج او إلى الشام "سوريا ولبنان والاردن وفلسطين او إلى مصر. ولازالت الكثير من العوائل من الاصول العراقية محافظة على القابها العراقية.
كما حلل اصول المهاجرين وتميزت مؤلفات وابحاث الوردي بالصبغة الانثرولوجية حيث ما انفك يبحث عن الكثير في واقع مجتمع العراق و بغداد عاداته وتقاليده المتحدرة من عهود الخلافة العباسية.وعن المناسبات الدينية واهميتها في حياة الفرد البغدادي كالمولد النبوي الشريف وذكرى عاشوراء.

الخاتمة:

قد لم افصل الترابط بين هؤلاء العلماء، لكنني أرى أنه من المفيد الرجوع إليهم لمعرفة الأوبئة التي نشرها النظام البائد بواسطة مختصين في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي ليتسنى لنا تشخيص الأمراض الاجتماعية ومحاولة إيجاد السبل الكفيلة للقضاء عليها، وبدونها لا يمكن بناء مجتمع مدني عراقي.

المصادر: موقع الحوار المتمدن- ويكيبيديا، الموسوعة الحرة



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن