لعبة حظ على طاولة الطعام

سامي البدري
sami_hasn@yahoo.com

2006 / 12 / 29

ثمة أمكنة يجعلك الدخول اليها ضحية للقاءات اصناف من الناس لاتود لقاءهم ،لأنك تعرفهم أكثر مما يجب او لأنك تحفظ أساليب تفكيرهم وطرق أخذهم للحياة عن ظهر قلب . وهذا ماضننته في الرجل الذي شاركني طاولة طعامي ظهر هذا اليوم في مطعم منزو وبعيد عن كل ماهو منتظر .. فقد كان مسطح المظهر والجعبة ، يأكل طعامه ببطء الاستمتاع وكأنه لايرغب بانتهاء وجبته . فجأة سألني الرجل عن الوقت دون اهتمام ،ولكنه سرعان ماألحقه بسؤال آخر..
ـ ماذا ستفعل بعد ازدراد وجبة غدائك ؟ سؤال مفاجئ من شخص لا اعرفه جعلني في حيرة من امري ..
ـ وبماذا يعنيك الامر ؟لم يلق بالا لجفاف اجابتي التي تقصدت جفافها كي اقطع عليه فضوله ..
ـ ان لم يكن ثمة ما يشغلك فسأطلعك على بعض ما تجهل من افكاري . كان هدوءه وثقته بنفسه من تلك التي تثير الاعصاب ..
ـ وبماذا تعنيني أفكارك ياسيدي ؟
ـ انها افكار ، وسيعنيك ان تطلع على افكار جديدة قد ترافقها بعض الاكتشافات الغريبة . للحظة ، بدا لي ان الرجل يستدرجني لغرض ما ..
ـ وان لم تثرني افكارك التي تتحدث عنها ؟
ـ لن تكون قد خسرت شيئا" سوى وقتك الذي قد يشكل عليك عبئا" في احيان كثيرة .
ـ نعم ولكن ليس اليوم أية حال .
ـ انت فقط تحاول تسفيه طرحي لتثبت لي انك أذكى من ان تكون ضحية لمحتال يحاول العبث بك او ابتزازك . أحرجتني صراحته ..
ـ ليس هذا ... فقاطعني بابتسامة انتصار، او هكذا بدت لي ..
ـ اذن استمع لي ولن يكلفك الامر سوى ان تنصت .. قبل عشرين عاما" ألحت علي ... فقاطعته بلهجة المنتصر ..
ـ هل ستحكي لي قصة حياتك ؟
ـ كلا طبعا" ، ولكنك تحاول تسجيل نقطة انتصار في هدفي المشرع لكل النقاط . ارجوك لاتقاطعني مرة اخرى كي ... في هذه اللحظة دخلت المطعم شابة برفقة زوجها فانشغل بتفحص عناصر الجمال في وجهها وقوامها ، حتى بدا لي انه نسي وجودي فنهضت على امل ان اتسلل من خلفه دون ان يشعر . ولكنه كان يرقبني بحاسة ما ، فامسك بذراعي وقال ..
ـ انتظر لحظة فسافرغ من ادخال هذه الصبية في برنامجي اليومي خلال دقائق .
أمرغريب ان يلحظ هذا الرجل محاولة هروبي مع كل ذلك الاستغراق ، ان لم أقل الذوبان في جمال تلك الصبية .. كان قد استدار بكليته باتجاهها ،بحيث صار بمقدوري رؤية مؤخرة رأسه المسلوخة الشعر بفعل حريق قديم ،من الاذن الى الاذن ،فكيف تنبه او لاحظ محاولة هروبي ، ولم تكن أمامه مرآة او أية زجاجة ؟ بعد دقائق اخرى أومأ برأسه متمما" على ادخالها في برنامجه اليومي ، الذي لم يعطني فكرة عنه وعاود الاستدارة باتجاهي ..
ـ امرأة جميلة . هذا كل شئ . ولكن كـ ... قاطعته ..
ـ ليس هذا ما كنت بصدد الحديث عنه على ما اذكر . فقال مداعبا ..
ـ من قال ذلك ؟ نهضت بسرعة ..
ـ عذاباتك الحيوانية لاتعنيني بشئ ... أمسك بذراعي واعادني الى مقعدي ..
ـ أعرف هذا ؛ وليس هذا ما كنت سأحدثك عنه .. انه مجرد عارض ملح يفرض نفسه !وما ساحدثك عنه شئ آخر بالمرة . ماذا تعرف عن لعبة الحظ او مواتاة فرصه لشريحة بعينها من الناس دون غيرهم ؟ كان قد ترك طعامه وتفرغ تماما لحديثه الجديد ، تحت تقطيبة حزينة من جبينه العريض . . وأضاف شارحا" ..
ـ انها لعبة غريبة تلفت النظر ؛ فكل الذين يخصهم الحظ برعايته هم من الهامشيين او انصاف البشر ، اذا توخينا الدقة .
ـ وكيف تقطع بهذا ؟
ـ من خلال مشاهداتي ومراقباتي لشطحات الحظ !
ـ حسنا" ، سأسلم بمراقباتك واحصاءاتك ، ولكن وفق أية معايير هي ؟ دفع صحن طعامه بعيدا" ليعطي المساحة الكافية لذراعيه في حركة اشاراتهما ليسعفاه في تأكيد مايقول ..
ـ لنأخذ على سبيل المثال أدولف هتلر ، كم كان حال البشرية سيكون افضل لو لم يسعف الحظ ذلك المتوه في الوصول الى كرسي السلطة في المانيا ؟ فقلت مشدودا لتساؤله ..
ـ اوافقك يارجل ، ولكني قصدت بسؤالي آلية عمل الحظ الذي تحدثت عنه وعن سبب تحركه باتجاه القطار وهو بممر واحد ، دائما" يعود الى محطة انطلاقه نفسها ؟
ـ ماذا تعني بقطارك ذي الممر الواحد ذاك ؟
ـ أعني ان الحظ مصر على دفع فرصه الذهبية لنفس (الهتلر)،او من يماثله ، على طول الخط والى أبد الدهر !
ـ اوه !يالمرارتك يارجل ، ها أنت في لب القضية ... فصرخت محتدا" ..
ـ ليس هذا ما اريد سماعه ، بل ما تحويه جعبتك من افكار لأعادة الحظ الى مساره الطبيعي في اسعاف من يستحقون فرصه الذهبية من أسوياء البشر . فصرخ مغتاظا" ..
ـ ومن يملك تلك الافكار يارجل ويجلس ليضيع وقته في مثل هذا المطعم البائس ؟ فقلت بهدوء ..
ـ أنا ! اتسعت عيناه وأومضتا لجزء من الثانية قبل ان ينهار وينزل ذراعيه عن الطاولة ويخور صوته ..
ـ أنت يارجل ؟ أنت أبأس من ان يلتفت اليك ظل حظ صغير ، فكيف تقف على سره ؟ مسح فمه بظهر كفه الايسر ونهض وهو يقطر يأسا" ..
ـ الى أين ؟ الا تريد أن تسمع بعض افكاري التي ستأخذ بيدك الى مملكة الحظ السعيد ؟ تجاهل كلماتي ..
ـ هل معك ثمن وجبتك ام ادفع عنك ؟ سأدفع عنك على أية حال .
ـ ولكني سمعتك حتى النهاية يارجل ، فلماذا ترفض سماعي ؟فقال وهو يهم بالمغادرة ..
ـ لالسبب سوى اني لااريد ان اضيع المزيد من وقتك . استدتر بعصبية وسار بخطى عجلة ليقذف بجسده الى زحام الشارع .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن