عازف الناي/ قصة قصيرة

جمال المظفر

2006 / 12 / 5

-استفيقي يا ليندا
تعالي نمرح وسط الوديان
نرقص.. نغني
نقطف ورود الياسمين”
هذه الاغنية كان يرددها الفتى -حسام- عندما كان يخرج كل صباح ليرعى الاغنام وسط الوديان المملوءة بالعشب الاخضر وبالورود الملونة الزاهية ثم يجلس تحت شجرة البلوط ويمسك نايه الطويل ويعزف به حتى تظهر -ليندا- ومعها مجموعة من الاغنام..
صوت الناي يسمع من بعيد، حتى اهل القرية اخذوا يعرفون عزفه ، فالناي هو اجمل شيء يسمعونه صباح كل يوم.. الكل يعرف بان حساماً يحب ليندا وسوف تتم خطبتهما يوم الاحد القادم، وكالمعتاد خرج حسام باغنامه وهو يردد اغنيته اليومية ويعزف بنايه الطويل كان في اشد الشوق لرؤية ليندا. فبعد يومين سوف تصبح مليكة له وسيملأ الدنيا صخباً ومرحاً.. جلس تحت شجرة البلوط لساعات وطال انتظاره فقد بدأت الشمس تتعامد لتدل على حلول فترة الظهيرة ولم تطل الجميلة.. مما زاد في قلقه فقرر ان يعود الى القرية للبحث عنها فراح يجمع الاغنام وعادأدراجه في وقت مبكر غير الوقت المعتاد له وجاء اهل القرية يسألونه عن سبب رجوعه مبكرا. اخبرهم بانه لم ير ليندا هذا اليوم ولا يدري فيما اذا كان شيء ما منعها من الخروج، اندهش الناس لانهم شاهدوها في الصباح وهي تقود الاغنام نحو الوادي فصرخت امها مفجوعة: “انها النسرة” هي التي سرقتها اذ يحكى ان الفتيات الجميلات يكن دائماً عرضة للاختطاف من قبل النسرة، فقد كانت في هذه القرية امرأة قبيحة المنظر لم تتمكن من الزواج وذلك لقبح وجهها واشمئزاز الناس منها حاولت ان تنتقم من الفتيات الجميلات بواسطة اختطافهن والتخلص منهن ويمكنها ان تتحول الى نسرة.
كانت تلك الليلة اسوأ ليلة تمر بها هذه القرية المسالمة فليندا شابة جميلة خفيفة الدم والعاطفة رقيقة الطبع. . فراح الكل يبحث عنها في الحقول والوديان وفي القرى المجاورة ولم يقعوا على اي أثر لها، أما حسام فلم يكل في البحث عنها ليل نهار، تارة يحمل نايه ويعزف علها تسمع صوت الناي ويتمكن من العثور عليها وتارة يصرخ بأعلىصوته : ليندا.. ليندا.. الا ان جميع المحاولات ذهبت سدى.
ذات ليلة وبينما هو جالس تحت شجرة البلوط اقتربت منه حمامة ناصعة البياض وبدأت تطلق صيحات غريبة اشبه بصيحات استغاثة اثارت انتباهه، لكنه عاد الى سكرته في التفكير بفتاته المفقودة.
ازدادت صيحات الحمامة واصبحت قريبة من النواح وغطت رأسها بجناحيها ورفرفت بهما وطارت.
وذات ليلة مقمرة خرجت حشود الناس ليلاً تحمل مشاعل النار لتخويف الساحرة وطرد الروح الشيطانية منها..
انتشرت النار في كافة ارجاء القرية بحثاً عن ليندا، وبعد بحث طويل يئست القرية مثلما في كل يوم وقررالاهالى العودة وطلب الاب من حسام ان يعود الى معه لانه منذ ليال لم ينم في منزله يمضي طول الوقت في الغابة يعزف بنايه الحزين.
فرد عليه حسام : لن اعود يا ابتي فانا انتظر ليندا. فعندما تعود سنأتي سوية فرد عليه الاب بصوتٍ اجش: إن الجو بارد هذه الايام وعليك ان تقي نفسك من الاصابة بالزكام لكنه تجاهل كلامه وأمسك نايه وبدأ يعزف. وترك الناي ثم قال له : ساعثر على ليندا حتماً وذهب الاب يجر اذيال الخيبة تاركاً حسام في وحدته القاتلة ، لم يبق احد في الوادي، القرية اطفأت انوارها ونامت، لم يبق إلا القمر البائس الذي يضيء وحدته ويزيد من حزنه.. ومع انسحاب اهل القرية تبقى اصداء اغنية ترافق خطواتهم وتهز مشاعرهم.. والصدى يتضح كلما ابتعدوا.
ليندا تعالي
إلي.. تعالي
ارسلت لكِ مع الريح.. سلاماً "
كل شيء نائم في هذه القرية ، الناس.. الطيور.. الاشجار لم يسمع سوى نقيق الضفادع وبينما هو في سكرته عادت اليه الحمامة الناصعة البياض وحطت بالقرب منه وراحت تطلق هديلها نظر لها كم هي جميلة هذه الحمامة ريشها كخيوط الحرير وبياضها مثل وهج الشمس اقترب منها كي يمسكها لكنها حالما راته طارت من حيث اتت .
رجع الى مكانه واعاد العزف على الناي فكلما امسك الناي وعزف جاءت له الحمامة البيضاء وكانها امتلكت اذناً موسيقية لصوت الناي..
وذات ليلة وبينما هو متكئ على شجرة البلوط جاءت اليه هذه الحمامة وحطت بالقرب منه وسمعها تحكي.. يا الهي هذه الحمامة تتكلم.. هل هذا معقول!!
اقترب منها وحدثها: من انت ايتها الجميلة؟!
ابتعدت عنه قليلاً ثم ردت عليه:- قبل أن أجيبك يجب ان ترجع الى اهلك لئلا تغدر بك الساحرة الشيطانة اما انا من اكون، فانا من تبحث عنها.
فصاح بها انت ليندا، اقترب منها اكثر، لكنها رفرفت بجناحيها وطارت وبدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً ويتداخل ضوؤها مع قرص القمر!!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن