المشرف التربوي المدرسي المقيم …… ضرورة في المدرسة الحديثة الحلقة -2

ابراهيم حجازين
ibrahzin2@yahoo.com

2006 / 12 / 1

مراحل تطور الإشراف التربوي
يجمع الباحثون في العلوم التربوية أن الإشراف التربوي قد مر بمراحل عدة ، وفي هذا الصدد يشير الدكتور محمود المساد (د 0محمود المساد 2001) أن الإشراف التربوي مر على المستوى التاريخي والعالمي بثلاث مراحل يقابلهما على المستوى الأردني ثلاث مراحل أيضا وهذه المراحل على المستوى العالمي هي :
المرحلة الأولى :الإشراف التقليدي ويسمى أحيانا التفتيش وهو يشتمل على الإشراف الإداري والعلمي الذي يفترض أن المعلم قاصر في قدرته ويحتاج المساعدة والمراقبة والتوجيه دائما ، كما يحتاج إلى أن يلقن كيف يعمل ، لذا أكد التربويون أن هذا الأسلوب يهمل عواطف المعلم وشعوره ولا يولي الاهتمام بحاجاته واتجاهاته وأفكاره . ويعتبر المفتش نفسه ذلك العارف والسيد الأول والأخير في المادة وفنون تدريسها . وامتدت هذه المرحلة في العالم المتقدم من القرن الثامن عشر حتى عام 1930.(المساد2001)
ويقابل هذه المرحلة على المستوى الأردني مرحلة التفتيش التي بدأت مع تأسيــــس
الإمارة عام 1921 والتي استمرت إلى العقد السادس من القرن الماضــــي،ويصور هذا الأسلوب أن المعلم الناجح هو الذي يستعمل جملة من الأساليب الثابتـــة والمجربة بغض النظر عن موضوع التدريس أو فئات الطلبة أو ظروف التعلم . والوسيلة الرئيسة في أسلوب التفتيش هي الزيارة الصفية المفاجئة ، واستخدم التفتيش فــــي هذه المرحلة أساليب محبطة وقاتلة للإبداع لدى المعلمين الذين كان عليهم أن يتقيدوا بتعليمات المفتش. لقد أعاقت هذه المرحلة النمو المهني للمعلمين وأسهمت في تكوين اتجاهات سلبية لديهم ولا تزال قائمة نحو العملية الإشرافية بمجملها .
المرحلة الثانية : الإشراف الانتقالي واستخدم هذا المصطلح عام 1930للتأكيد علــى
التعامل الديمقراطي مع المعلم ، لأن الإشراف الديمقراطي كما يرى هذا المفهوم يعني نوعا من الممارسة التعاونية والتعامل بلطف مع المعلم الذي يدرب من قبل المشرف .وتطور الأمر حيث أصبح هدف هذه المرحلة إشراك المعلم في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بعمله وضرورة توفير الظروف المناسبة والكفيلة بنموه المهني .
ويقابل هذه المرحلة على الصعيد الأردني مرحلة التوجيه التربوي والتي بدأت مع مؤتمر أريحا عام 1964 الذي هدف إلى تطوير ممارسات التفتيش لتتلاءم مـــع المفهوم الجديد الذي يؤكد أن التوجيه التربوي عملية تعاونية إنسانية هدفها تطويـر العملية التعليمية التعلمية وتحسين أداء المعلم وتنميته ( وزارة التربية والتعليم 1975). وهي نفس الأفكار التي كانت مطروحة على المستوى التربوي عالميا ، . لكن في عام 1970اصبح دور المشرف أكثر تشويشا( د. أوجيني مدانات وبرزة كمال 1987) حيث رأى بعض المشرفين أنفسهم انهم موجهون التغيير مما يعني العودة إلى مرحلة التفتيش ، وكان ذلك هدفهم في استراتيجية التغيير ، أما البعض الأخر فرأوا أنفسهم مهنيين مساعدين لحل مشاكل التعليم والمنهاج ، مما ينم عن أن هذه المرحلة قد استنفذت نفسها وأن الأمور تتطلب الانتقال إلى مرحلة أعلى في تطور العمل الإشرافي على الصعيد الوطني الأردني .
المرحلة الثالثة: الأشراف المثير للجدل سميت هذه المرحلة على الصعيد العالمي كذلك لتباين وتشعب الاتجاهــات الحديثة . فبعض المختصين كانوا يركزون على مهارات التدريس وبعضهم يهتم بطبيعة المعلم والطالب والمشرف وأخرون يوفقون بين هذه الاتجاهات وبناء على ذلك ظهرت برامج تحلل وتقترح الحلول المناسبة للعلاقة بين المشرف والمعلم . كما أهتم أخرون بالجانب الإنساني حيث ركز هؤلاء على الإرشاد النفسي والعلاقات الشخصية الثنائية بين المشرف والمعلم ويشير الدكتور المساد( د.محمود المساد2001) إلى وصف بلمبرغ عندما وصف هذه العلاقة "بأنها تقوم على عملية تداخل ثنائية ولا تركز فقط على مشكلات التعليم بل تتعداه إلى فهم جزيئات علاقة المشرف والمعلم التي تؤدي إلى التعليم الشخصي لكل من أطراف العلاقة أو تمنعه" (ولهذه الملاحظة مكانة هامة في هذا البحث لأن تحقيق العلاقة المذكورة في وصف بلمبرغ بنجاح تتطلب جعل العلاقة يومية بين المشرف والمعلم وهذا يتم من خلال وجود مشرف مقيم في المدرسة وهو الهدف الذي يعتقد الباحث انه يعمل على تحقيقه).
ويقابل هذه المرحلة أردنيا مرحلة الإشراف التربوي كما نراه تقريبا بصورته الحالية الآن، فقد دفع التشويش الذي أصاب دور المشرف عام 1970 وما تولد عنه من قصور إلى تحقيق آثار إيجابية ، فتم عقد مؤتمر العقبة الذي عمل على بلورة مفهوم الإشراف التربوي الشامل ، وأوصى المؤتمر بأهمية استخدام أساليب إشرافية متعددة ، إلا أنه رغم ذلك ما تزال الممارسات الإشرافية أقرب إلى التفتيش القديم ، وظل سلوك المشرفين التربويين يسيء- في الغالب- إلى مشاعر المعلمين ، وهذه الشهادة هي للدكتور محمود المساد في بحثه القيم (تجديدات في الإشراف التربوي ).وكان قد أشار إليها أيضا (عبيدات 1971).
لكن وبغض النظر عن القدرة الفعلية المحلية على مواكبة التطورات النظرية التي طرأت على مفهوم الإشراف التربوي عالميا أو على الصعيد الأردني ، يجب أن نشير إلى أن التطور الذي شهده الأردن في هذا المجال لم يحدث لتأثير التطورات العالمية فحسب وإنما بسبب الضرورة الملحة التي فرضتها حاجة الأردن للنمو والتقدم من جهة وبسبب عملية التغيير النوعي التي جرت على التعليم في الأردن جهة أخرى وما يتطلبه ذلك من تغيير على مفهوم الإشراف التربوي .
نستطيع الاستنتاج أن الإشراف التربوي مفهوم يخضع في تغييره وتطوره المستمر كما رأينا إلى عوامل متداخلة عالمية ومحلية ويتأثر ليس فقط بمتطلبات سير العملية التعليمية التعلمية،بل وبالقدرة على فهم ما يطرأ عليه من تجديدات في داخل الجهاز الإشرافي نفسه والتدرب على ممارستها ،مما يشير إلى ضرورة توجيه الديناميكية الداخلية للعمل الإشرافي بما يتلاءم والحاجة الموضوعية والذاتية لتطويره من خلال إدخال التغيرات المناسبة على مفهوم الإشراف وإعداد المشرفين إعدادا مهنيا مناسبا لكل مرحلة .
ومن خلال استعراض تاريخ تطور مفهوم الإشراف التربوي في الأردن نستنتج أن بعض التطورات جرت على هذا المفهوم ليس فقط في إطار التغيير المرتبط بتغيير المراحل ، بل أنه في كل مرحلة لوحظ أن هناك تحسينات قد طرأت عليه وفق متطلبات المرحلة لمثل هذه التغيرات، حيث أشارت عدة مؤتمرات عقدتها وزارة التربية والتعليم أو دراسات قدمها تربويون أردنيون إلى مجموعة من الآراء والمقترحات الناجعة في هذا الصدد . انظر( وزارة التربية والتعليم 1983) و(عبيدات 1981)و(المساد 1983) .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن