ما هي الديموقراطية؟

عقيل عيدان
ayemh@yahoo.com

2006 / 11 / 15

ما هي الديموقراطية ؟ هو عنوان الكتاب الذي أصدره قبل أعوام عدة عالم الاجتماع الفرنسي (آلان تورين) . ولكن ما هي وجاهة هذا السؤال من جديد ولاسيما أن البعض الكثير يرى أن هذا المفهوم قد ترسّخ أو كاد في العقل والتاريخ .
فبعد كل الضجّة والثورات والنضالات التي حصلت في العالم من أجل الديموقراطية وكل التضحيات والدماء التي سالت من أجلها ، وبعد كتابة آلاف الكتب حول الديموقراطية وأزماتها وسبل الوصول إليها وتحقيقها ..الخ . هاهو تورين يعود ليطرح السؤال من جديد (( ما هي الديموقراطية ؟ )) .
لعل مجرد طرح السؤال يشكّل تشكيكاً ونقداً لتلك الديموقراطيات كما مورست منذ نشأتها وحتى الوقت الراهن . وبداية النقد تعود إلى بداية الفكرة ، وقد انطلقت بحسب تورين عبر نقض الأفكار التقليدية والاستبدادية .
ولأن المشكلة الأساسية كانت ، بالنسبة إلى أوروبا ، هي التوتاليتارية أي الشمولية في القرن العشرين ، فقد أعطيت الأولوية في تعريف الديموقراطية لفكرة ((الحد من السلطة)) ، الحد من سلطة الدولة عن طريق القانون أو عن طريق الاعتراف بالحقوق الأساسية .
إذاً فقد جاء التحديد الأولي للديموقراطية سلبياً باعتبار أنها نقيض التوتاليتارية والديكتاتورية والشمولية . إلاّ أن الحد من سلطة الدولة ، على ضرورته ، لا يمكن أن يقدم ضماناً للديموقراطية وقد حذّر الكثير من المفكرين والباحثين من غياب الدولة معتبرين أن ((الدولة أسوأ الشرور قاطبة باستثناء تلك التي ستنجم عن غيابها)) . والبديل من سلطة الدولة في المجتمعات ((المتقدمة)) و((الحديثة)) ، هو هيمنة سلطة رجال المال والإعلام . أما في المجتمعات الأقل تقدماً ، فستخضع لهيمنة العصبيات الطائفية أو العرقية أو الإثنية والهويات المنغلقة على نفسها .
من هنا يتميّز طرح تورين بنقده ما يسمى الضمانات المؤسساتية والدستورية والقانونية وعدم كفايتها في تحقيق الديموقراطية ، داعياً إلى تطوير فلسفة سياسية إيجابية تعتمد على ((الذات الفاعلة)) . هذه الذات ليست عقلاً محضاً ، ولا هي هوية ثقافية مخصوصة ، ولا حرية شخصية مجردة . إنها ذات تركّب وتجمع بين هذه المعطيات ، وهي ، بما أنها ((مركبة)) ، تستطيع أن تعيد تركيب العالم باستمرار .
من هنا ، لم تعد الديموقراطية عند تورين ((تشاركية)) أو ((تشاورية)) بمقدار ما أصبحت ((تحررية)) و((تركيبية)) في الوقت نفسه . وهي ((تركيبية)) لأنها تقوم على الاعتراف بالآخر ، والاعتراف بتنوع المعتقدات والأصول والآراء والمشاريع .
وعندما يقول آلان تورين إن الذات ليست عقلاً فقط ، فهو بذلك يقوم بـ ((نقد الحداثة)) وهو بالمناسبة عنوان كتاب للمؤلف نفسه . وهو نقد لمفهوم ((الذات العاقلة)) عند هيغل (1770- 1831م) – من دون أن يسمّيه – التي تقوم على العقل والذي حدّد دوره وغايته بالاعتراف بالآخر قبل أن تكون غايته المعرفة .
ونقد الحداثة يعني نقد تلك الثنائية التي قام على أساسها العقل الحديث و((عصر التنوير)) كثنائية الوعي واللاوعي ، التقدم والتخلّف ، العقل والدين ، التراث والحداثة ، الوحدة والتعددية ..الخ إنه نقد لهذا التجاوز والتستّر ، ولهذا الإهمال والنفي والاستبعاد والتهميش لما هو غير عقلي ، لهذا ((اللامفكر فيه)) بحسب تعبير محمد أركون .
فهذا اللامفكر فيه ، المكبوت ، عاد لينتقم وبشكل لا واع ولا معقول ، وهذا ما يفسّر عودة الأفكار التي توصف حيناً بـ ((الأصولية)) وحيناً آخر بـ ((العنصرية)) و((الرجعية)) وغيرها من مفردات مرادفة .
الديموقراطية = ثقافة
من هنا ، وجاهة طرح تورين الجديد وتحديده للديموقراطية باعتبارها ثقافة ، أكثر مما هي مجموعة من المؤسسات والتدابير الإجرائية . إنها ثقافة تنظّم الحوار بين الثقافات المختلفة وتقوم بدور التوفيق والجمع والدمج بينها . وهو يدعو أيضاً إلى ترجمتها ببرامج تربوية تولي أكبر الأهمية للاعتراف بالآخر ، والاعتراف بالفروقات والاختلافات ، هذا الاعتراف الذي يقوم على المساواة باعتبارها المسألة المركزية والدائمة لكل الأفكار والسياسات الديموقراطية .
لذلك كان لا بد من الإشارة إلى هذا الربط الذي قام به المؤلف بين ((مبدأ المساواة)) باعتباره مفهوماً مركزياً لكل الأفكار الديموقراطية ، وتبنّيه تعريف المفكّر الكندي شارل تايلور للديموقراطية بأنها ((سياسة الاعتراف بالآخر)) . فهل الاعتراف بالفروقات وبالاختلاف هو في الوقت نفسه اعتراف بالمساواة ؟ أليس في الاعتراف استسلام للواقع ؟ أم كان عليه أن يقول بأنها سياسة ((الاعتراف بالأقوياء)) ، أو على الأصح ((اعتراف الأقوياء)) ، أي اعتراف الأكثرية بالأقلية ، والأغنياء بالفقراء والسلطويين بعامة الشعب ؟
إلاّ أن الدعوة إلى المساواة التي يطلقها تورين لا تقتصر على المساواة في الحقوق أو على تكافؤ الفرص أو تقليص الفواصل المجتمعية والتوزيع المجحف للموارد المادية والرمزية . إنها مساواة تقوم على ((وعي بالانتماء المشترك لمجال بشري واحد لا يعتبر ملكاً لأحد ، لا للفقراء ولا للأغنياء ، لا للحديثيين ولا للقدماء )) .
ويبدو أن تورين استفاد في نظريته هذه من طروحات وسياسات الحركات المجتمعية والثقافية ذات البُعد الكوني . إنها حركات وسياسات ما فوق تعددية وما فوق قومية .
ويبقى الرهان في النهاية مع آلان تورين على ((الحركات المجتمعية)) كما يسميها ، أو على القوى المدنية والأهلية كما هو متعارف على تسميتها . وهو ليس رهاناً على تشكلها كجماعات ضغط سياسي فحسب ، بل على عمل أفراد يريدون أن يكونوا قوى مجتمعية فاعلة ومنتجة لثقافة توفّق بين أشكال التنظيم المجتمعي التي لا بد منها والذاتيات التي لا غنى عنها . إنها ثقافة ديموقراطية جديدة مدعوّة لإيجاد توجّه جديد لتطوّر المجتمع .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن