مقدمات تلخيص ستالين للفلسفة المادية التاريخية ونتائج الهجوم على ذلك التلخيص

المنصور جعفر
almanssour@hotmail.com

2006 / 10 / 29

مقدمات تلخيص ستالين للفلسفة المادية التاريخية ونتائج الهجوم على ذلك التلخيص

الصـراع الطبقي بين النواهج الجزئية والنهج الشمولي في التفكير وإثراء إنتاجه المستدام لكينونة الإشتراكيـة العلميـة بين الأفكار السياسية المختلفة المثالية والجزئية والخرافية.


1- أوليات تاريخية:

لأن إضافة نقطة حياتية جديدة تغير الصورة السابقة، فإن مما غيبته مقترحات التجديد بتناولها السكوني الجامد للإشتراكية العلمية المنحى والماركسية-اللينينية كان هو الوضع التاريخي لتهمة الجمود نفسها التي نشأت في نهايات القرن الــ19 وبداية القرن الـ20 بجهد الفريقين الخصمين للإشتراكية العلمية وللماركسية اللينينية وهما:
 الفريق المرتبط بالمثالية الفكرية التيى ترى الفكر والعقل سابقاً لوجود الأشياء المفكر فيها والإدراك سابقاً للمخ !
 والفريق الآخر المرتبط بالمادية المبتذلة الذين جعلوا أكبر همهم في تأكيد الطبيعة وقدراتها في مواجهة قدرة الإنسان والمجتمع على تغيير الطبيعة والإضافة إليها.

كذلك دعم تروتسكيو الثورة ومنتظريوها، تهمة الجمود، وكان أشهر المدعين بالجمود هم من منظري الأفكار الإشتراكية الأولية والخيالية التطبيق في السياسة، حيث نظر تهمة الجمود ضد الشيوعيـة كل من: دوهرنغ وماخ وبرنشتاين وكاوتسكي وبرودون وبلانك وهم أشخاص كان لهم سبق وباع في تأسيس أنساق متعددة من التفكير الإشتراكي، شنوا به هجمات ضارية على (تفرد) ماركس بأعماله التاريخية الإقتصادية السمة، وكذلك أيضاً على أعمال إنجلز الفلسفية السمة، هادفبن بهذه التهمة النيل من تناسق تكوين أعمالهما الفكرية وتمظهراتها.

وقد لحقتهم في دعايتهم الإنسانيـة والعلميـة ضد الشيوعيـة والسوفييت الدعايات البرجوازية، الوثيقة الصلة بأشكال التفكير الإقطاعي، القائمة بدارونية إجتماعية عنصرية، لهندسة المجتمع البشري وفـق مشيئة أصحابها، كالدعاية الصهيونية، والدعايـة الأنجلوساكسونيـة النفعيـة Pragmatism القائمة على"حرية السـوق" Free Market، وعقـله!

وقد سهل من هجوم المثاليين والماديين المبتذلين ومن لف لفهم على أعمال ماركس وأنجلز حينذاك، ذلك التشتت الظاهري الذي إكتنف إنتاج ونشر أعمالهما والوضع السجالي الذي ولدت فيه.

وكان السجال الطبقي بين البروليتاريا الصاعدة ومخلفات الإقطاع، وبوادر الرأسمالية التحررية آنذاك، قد شكل بيئة ولادة الفكر الثوري الحديث. وساهم الوضع والصراع السوسيولوجي الدولي والوضع الطبقي الداخلي في كل مجتمع وأحوال الفكر والفلسفة والأيديولوجيا والسياسة والإعلام والثقافة فيه فينشوء وتطور هذا السجال الذي أحاط بنشؤ وتطور أفكار "الاشتراكيـة العلميـة" والتنظير لعلمها المعرفي الثوري الإجتماعي ونشاطه الباتر الخلاق في ظروف إجتماعية معينة.

ومن ذلك السجال ما تمثل في أوائل القرن العشرين باتجاهات بيلخانوف المتناقضة بنزوعها الإقتصادوي الشديد الذي يجعل الإقتصاد المجال الوحيد في الحياة الإجتماعية لبلورة الوعي إلى عنايته بالمفاهيم الجغرافية والسكانية من عناصر بيئة الطبيعة، كمحددات أولية للوعي، وتجاهله في الحالين المغاليتين في المادية، طبيعة إرتباط الوعي الإجتماعي بالصراع الطبقي.

وكذلك ينكشف صراع الجزء والشمول في التفكير الإشتراكي بحال طروحات تروتسكي وتراجعه عن جزئية إعتبار حركة مفاعيل قانون القيمة وحال الملكية ومستوى الإنتاج أسساً للثورة الإجتماعية وروافد يحدد مستوى فيضها العملية الثورية، إلى إعتباره الشمولي لدور العملية الثورية نفسها كعملية قطع باتر وشامل لأسس ومظاهر الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والبضائع والسلع.

وبهذا الفهم، إنتقل تروتسكي من إنتظار التطور، وإرجاء الثورة لحين إرتفاع مستوى الخصب الإجتماعي لإنباتها، إلى إقتلاع جذور الفساد قياماً بتخصيب الأرض فأحدث بعد قيادة لينين عملية الثورة ما يعرف تاريخاً بـإسم "الشيوعية العسكريـة" التي إرتبطت بتنظيم الزراعة بشكل صارم لأغراض حرب الدفاع عن الثـورة في مواجهة هجوم جيوش أربعة عشـر دولة ملكية لإعادة القيصرية والنظام الإقطاعي-البرجوازي إلى روسيا. وقد تكون هذه الطريقة منه بذكاء منشفي قديم لكسر تحالف الفلاحين والكادحين المسلمين مع لينين والروس الأرثذوكس البلاشفة .

وقد فارق تروتسكي أسلوب التفكير القائم على شمول العمل الثوري، ورجع إلى أسلوب التفكير المعتمد للتطور الجزئي كسبيل للتغيير: وفي ذلك إعترض أيام ستالين على سياسات تنظيـم الزراعة وتجميع وتأليل وتمويل المزارع وتغذية التصنيع، وعلى البناء الكثيف لبنيـة تحتية واسعة لمصادر الطاقة والطرق ومؤسسات الخدمات، وعلى شن الحرب على بقايا الإقطاع والبرجوازية المعارضين عسكرياً هذه الخطى وحلفاءهم من بيروقراط الدولة، متهماً قيادة الحزب الشيوعي والدولة الإشتراكية بالتطرف القومي والعسكرة والبيروقراطية والكيد لليهود والعداء لهم، وكال إتهامه لقيادة الشيوعية متحججاً بتأثرها بالثقافة التقليدية للروس وعداءها لليهودية، ومتهماً قيادة الشيوعية بـ"الجمود"، وعدم تصدير الثورة وقتكان أشباه المناشفة في ألمانيا يتوقون للثورة كعمل يسانده السوفييت في وجه الصعود الجماهيري الواسع للنازية، وهو الوقت الذي كان إتحاد السوفييت فيه خارجاً ضعيفاً من الحرب العالمية الأولى، وحرب التدخل الإجنبي، ويستعد للثانية.

ومن واقع سيرورة تاريخ السجال الداخلي في الحركة الشيوعية بعد إصدار ماركس لكتابه العتيد "في المسألة اليهودية" يمكن الحديث عن تعارض عميق مستتر بين مايمكن تسميته بالتوجهات الوطنية للينين ومنها ما ورد في نداءه الشهير إلى شـعوب الشـرق، ولستالين بكتاباته في المسالة القومية|الوطنية، وإشاراتهما إلى البرجوازية الأجنبيـة وعملاء الكولاك والإستعمار مع المستوى المسيطر للبنية اليهودية في الدول شبـه الإقطاعية والرأسمالية الحديثة في أوربا.

ووفق إشارات كتاب أبراهام ليون Abram Leon "المسألة اليهودية" عن الوضع الثري لليهود في أوربا، يمكن القول أن السجالات الطبقية في أوربا، كانت ترتبط في جانب منها بصراعات إجتماعية قديمة حول حقوق المهاجرين والمواطنين، وعلاقتها بأنماط وأشكال الملكيـة الزراعيـة والصناعيـة والتجاريـة في الدولة، والتكوين العرقي والثقافي لبيروقراطيتها وبرجوازيتها المتوسطة والصغيرة، وعلاقة هذه التكوينات بتاريخ الحروب المحلية والدولية التي خاضتها الدولة والفظائع التي إرتكبتها حملاتها العسكرية ضد السكان المهاجرين أو ضد السكان الأصليين.


وهو تاريخ على تعدد تفاصيله السوسيولوجية قد يكون مما أسهم في تكوين إختلافات الدولية الثانية مع ماركس وخلافات المناشفة مع لينين، وخلافات المعارضة مع ستالين، ثم تكون المظاهر السالبة في الحزب والدولة، ضد ستالين ثم ضد الشيوعية ككل، والتفكك الدولي للشيوعية مع سياسات المؤتمر العشرين وصولاً للبيروسترويكا، التي رجعت، شكلاً على الأقل، لما يمكن تسميته بـ التفكيـر الجـزئي في أحوال البنــاء الإشتـراكي على ضوء أزمته أنذاك، بدلاً عن التفكير العلمي الشمولي بقوانين التاريخ وقوانين المادة في بنى الإشتراكية العلمية النظرية والعملية، أو على ضوء التاريخ العام للتشكيلات الإجتماعية والإقتصاد السياسي في الطبيعة الطبقية أو الدولية لأزمة إدامة الثورة الإشتراكيـة في ظروف إعادة العمل بقوانين القيمة-السوق في مجالات الإستهلاك دون مجالات الإنتاج، وأحوال التعارضات السوسيولوجية العميقة بين قوميات المسلمين والروس والخرز اليهود في طول إتحاد السوفييت وعرضه، وأحوال الحرب الباردة والساخنة ضده في نطاق حدوده الوطنية، وعلى المستوى العالمي.

ولكن من الهجوم على ماركس وإنجلز ثم الهجوم على لينين فستالين، ثم الهجوم على الحزب والدولة، فالهجوم على وجود الإشتراكية في الدول التي رادت طبقاتها المستضعفة التحولات الإشتراكية في تاريخها والعالم، ثم الهجوم على وجود الإشتراكيـة في السياسة والعلوم، إنتقل التفكير الجزئي في الإشتراكيـة بأشكاله الجزئية إلى حالة الهجوم على الماركسية بل وتجاوز هذا الهجوم في كثير من طروحه إلى حالة تخريب لمفاهيم الإجتماع والوجود الإجتماعي المدني والحضاري وصولاً إلى الهجوم على الحقوق الإجتماعية تحت رايات الخصخصة ونشر الديمقراطية. وفي كل هذه الهجمات كانت تهمة "الجـمود" هي التهمة الجامدة التي يقرع بها المستبعدين مستبعدينهم.

ويمكن تمييز إختلاف نمط التفكير الجزئي ونمط التفكير الشمولي، في المجتمع وقضاياه، عن بعضهما، وفق معايير عددا، منها:

1- المنظور له في المجتمع: طبقة، أو شريحة، ظرف مادي أو جمع من الأحوال والظروف المادية والمعنوية للمجتمع ككل؟

2- زمان النظر و زمان المنظور له: ماض|حال أو تاريخي-مستقبلي ؟

3- عدد الفعل الإجتماعي المنـظور له: مفرد أو مجموعة أفعال ؟

4- شكـل الفعـل الإجتماعي المنظور له: واحدي، جماعي، متقطع، متصل؟

5- مـدىالفعـل الإجتماعي المنظور له: تجاه عناصر محددة في سطح الوضع أو في العمق أو شامل لعناصر سابقة وجذرية في الحالين؟

6- جهة الفعل الإجتماعي المنظور له والجهة التي يقع عليها الفعل فرد او جماعة؟

7- طبيعة تحليل عناصر الفعل الإجتماعي المنظور له: تحليل عنصر واحد أم مجموعة عناصر رئيسة في الفعل؟

8- القيمة المعيـارية للنظر: قيمة واحدة أو بضعة قيم أو مجموعة قيم؟

9- أسلوب النـظر: مؤقت، محدود بظاهرة أو هو أسلوب متصل مستدام بوضع شامل لعدد من الظواهر؟

10- كيفية تقرير الملاحظات/النتائج: مباشرة أو إستخلاصاً، سلباً تجاه الوضع الأصيل أو بشكل موجب؟

11- الناظر ووضعه: فرد، جماعة، موجب فكرة أصيلة أو سالبها؟

12- الجهة العـارضة لوجهة النظر وظـروفها الإجتماعية: وضعها الطبقي والسياسي والمعرفي؟

13- الجهة المعروض لها وجهة النظر وظروفها الإجتماعية: وضعها الطبقي والسياسي والمعرفي؟

فالأسلوب الجزئي من أساليب التفكيـر، يمكن أن يكون جزءاً عميقاً من أساليب التفكير القديمة التي تنظر الأشياء ساكنة جمدية، مثلما تنظر إلى عمليات التفكير فيها بنفس الشكل ساكناً جمداً.

كذلك يمكن تفسيـر وضع عدد من إشـارات الأساليب القديمة للتفكير في المجال الإجتماعي الواردة ببعض المأثورات والآداب والتنطيرات القديمة، وإتجاهها المحدود الخلفيات والآفاق لتناول جزء من عناصر المجال الإجتماعي، ومن تاريخه، بشكل يوافق أفكارها المسبقة بطبيعتها الطبقية المعينة، ولكن لايمس تكوينها الأساس أو حركيتها أو مستقبل البنية التي تضمها.

وهو أسلوب لا يستطيع إلى الآن، تقبل حقيقة تطور الأفكار الإشتراكية من خيالات وأوهام أوضح خطلها التاريخي الإجتماعي ماركس وإنجلز ولينين، إلى الحال العلمية. التي تبحث بشكل علمي مادي جدلي تاريخي الوضع الإجتماعي وكدحه وفوائضه وتغـريبه وإستلابه، بحثاً يتم وفق معايير مادية محددة في الإقتصاد السياسي، والفلسفة العلميـة، والثقافة الإشتـراكية.


2- التـاريخ الثـقافي لأزمـات الإنتاج الأول للماركسيـة-اللينينيـة

كان الصراع الإيديولوجي ضد ماركس وإنجلز وتجلى ذاك الصراع بما يمكن تسميته بإسم عام هو "أزمة الماركسية الأولى ":
في تلك الأزمة قام الإشتراكيون الديمقراط القدامى بإتهام ماركس ورفيقه إنجلز الذي وضع "مخطط اولي لنقض الإقتصاد السياسي" بالجمود، وشتموهما بإفتقاد التفتح لأفكار جديدة وقلبوا ديالكتيكهما على عقبيه. وكان الرفيق يوسف ديغين Joseph Dietzgen قد توصل لجدل المادة ونظر لديالكتيكها، وكتب عنه رسالة لكارل ماركس الذي أجابه قائلاً: ((بعدما أنتهي من عبئي الإقتصادي سأتفرغ للديالكتيـك)) وحينذاك كان ماركس الأكاديمي الفقير عاكفاً على كتابـة كتاب: "رأس المال".

ورد أنجلـز هجوم الفاصلين بين الثورة في العلم والثورة في المجتمع، بكتاب ضوئي المعرفة هو: "السيـد دوهرنـغ يقلـب العلـم" المعروف باسم: "ضد دوهرنــــغ" Anti-Duhring. ومن سخرية التاريخ في زماننا شرط البعض لقيام الإشتراكية بـنظرة مثالية ترى في الفكر والعلم وليس الإقتصاد محركاً للمجتمع، بتكرار لدور دوهرنج في التاريخ حين قلب العلم مجدداً على رأسه بعدما عدلت الاشتراكيـة العلميـة وضع "العلم" والتفكير العلمي الذي كان مقلوباً في ركام التفكير المثالي.

ومن بعد كتب أنجلز كتابه: "ديالكتيــك الطبيعـة" Dialectic of Nature ولسجال الكتاب مع الهجمات المتنوعة للمثالية والمادية المبتذلة على الأفكار الشيوعية جاء كتابه "دياليكتيك الطبيعة" شمولياً في شكله ومادته بحيث تحولت به أفكار إنجلز وأفكار ماركس ونتائجها المبعثرة في جدل الطبيعة وجدل الطبيعة الإجتماعية للإنتاج والمعيشة، الى منظومة فكرية فلسفية متناسقـة ومتكاملـة.

وقد برز عمل إنجلز ولازال كـخريطة أولية لعلم الثورة الإجتماعية، أو كمخرطة لصنع ألة أو ألآت "علمية" و"فلسفية" جـديـدة، تـهـدم المعمار التقليدي للعـلـم والفلسفـة والفـكـر والـوعي، وتنشيء المعرفـة الأجـد والتـأريخ والـوعي الجديد، بصورة تشابه نقد الفيزيــاء.

وقد تبع هذه الأفكار التأسيس الثالث لأممية العمال في خضم طغيان الإمبريالية في العالم، بإجتماع دولي لممثلي التنظيمات العمالية في العالم عقد بقاعة القديس مارتن St. Martin Hall في مدينة لندن في 28سبتمبر1864 وكان ذلك بعد وفاة لاسال القائد القوي للدولية الثانية التي كانت النعرات القومية والعنصرية وتحالفاتها السياسية وتنازعاتها الفكرية قد مزقتها.

وبعد عقود ثلاث كان أنطونيـو لابـرولا Antonio Labrriola قد كتب في إيطاليا كتابه "حـول المفهـوم المـادي للتاريـخ" و"أحاديث عن الإشتراكية والفلسفة"، بينما كتب جـورج بيلخانوف في روسيـا القيصرية بنزعته المادية المفرطة "المفهــوم المـادي للتـاريـخ"، أما تلميذه النابغة الثائر لينين فأسس في هدوء جمعيـة أصدقــاء الماديــة الجدليــة في 1894 لمجابهة خطر الإشتراكيين الديمقراط، وللنضال ضدهم، فإهمالهم يروج للمفاهيم المثالية القائمة على الفكر المجرد، وأو على الإقتصادوية.

وبعد قلب ماركس وانجلز وبيلخانوف ولينين ونصبهم الفلسفة على قدميها، بدلاً عن رأسها، باتت الأولوية في التاريخ وأفكاره الجدلية للتوجه المادي الجدلي ضداً للتفكير المثالي في التاريخ كصراع مكرر قديم، حيث أصبح "التاريخ" بنية شاملة لموضوعات جدل الوجود ومعرفته مماثلاً في كيانه العلمي والفلسفي لموقع الشمس في الحياة.بالنسبة للفلسفة الماديـة ومنطقها الجدلي ونشاطها الثوري في العقل والمجتمع.

وبهذا الوعي أصدر لينين عام 1905 موجه تنظيـم الحزب وأدبه وقد أورد موجه أبداع الثورة الشيوعية: أن الأدب يوجه العمل الثوري من خلال توليد الأدب للوعي بالوقائع الإجتماعية وتحديده طبيعة التعامل معها في التوجيه والبناء الحزبي في خضم الصراع الطبقي.

كذلك أورد نفس الموجه الذي أسس القسم السياسي من تنظير العلاقة بين الإشتراكية العلمية والنشاط الجمالي للبشر على مختلف مناحيهم: أن "الحريــة الإشتراكيـة" هي أساس الإبداع في المجتمع، مبتعداً بقدر عن المفهوم والواقع البرجوازي للحرية بما فيه من إستلاب وتغريب.

وكان لينين في رؤيته إهتمام ماركس بالإقتصاد وهمة أنجلـز بالفلسفة، قد أحيا في عام 1921 بعد أزمة الماركسية الأولى، جمعيـة الرفــاق المادييــن الدياليكتيكيين المشار لها سابقاً للخروج من الدائرة الشريرة لتعاقب وتفارق الظروف الذاتية والموضوعية لتقدم الثورة البلشفية، وافكارها وكان موضوع تنضيــد الفلسفة الماركسية دائرة لعمل الجمعية.

كذلك نشر الرفيق تروتسكي دروس ثورة 1905 ومحور هذه الدروس هو: "أستدامة الثــورة". وهو مفهوم طرحته "العصبة الدوليـة لعمـال العالم" بعد فشل ثورات فرنسا وألمانيا في أعوام 1849-1848 و1871 وقمع منظماتها ومفوضياتها، وسحق جيوش البروليتاريا المسلحة وإغلاق صحفها وفرض الأمن والنظام البرجوازي على مناطقها.

والدروس التي وردت بكتاب تروتسكي هي:

*ان ديمومة الثورة وأستنفاذ قدرة الرأسمالية في قيادة الثورة الديمقراطية ضد الأقطاع ونخبته ينشأ فقط في حال خوفها ورعبها وأرهابها من العمال.

* في النضال لأجل الثورة الديمقراطية والإشتراكية لابد للطبقة العاملة من التمسك بإستقلالها للتحصن من خداع حلفاءها في صراعها ضد الرأسمالية ونخبة الإقطاع وقطاعات الطبقة الوسطى المرسملة.

* إرتباط هيمنة رأس المال بإصلاح الإقطاع لملكية الأرض وإستيعابها رأسمالياً بالملكية العقارية، إذ تصبح الملكية قاعدة مشتركة للنضال ضد البروليتاريا.

ومن أدب الشيوعية هذا إستخلص تروتسكي أن الطبقة العاملة بتحالفها مع الكادحين الفقراء، الذين هم بلا أرض، يمكنها ان تقود ثورة ديمقراطية فقط في صراع واضح للقضاء على الرأسمالية واعادة تكوين المجتمع على أسس إشتراكيـة المـوارد. حيث ان طلب الكادحين للأرض، والعاملين لموارد الإنتاج، لاتحققه بتناسق وأستدامة، إلا السيطرة الشاملة والسلطة المسلحة للطبقة العاملة والمزارعين وعموم الكادحين، التي تقسر الملاك والرأسماليين وتنتزع منهم موارد الإنتـاج والمعيشة، وتفرض هيمنة الشعب على مقاليد الأمور .

وكان تروتسكي في ممارسته للثورة الدائمة مرجئاً للثورة، ثم تحول مؤسساًً للجيش الأحمر بعد قيام الثورة!، وقاد الشيوعية العسكرية في نزع المحاصيل وتوزيعها، وعارض خطط لينين للسلام مع ألمانيا والزراعة التجارية. كما عارض "المسألـة الزراعيـة" في عهد ستالين لتجميع ومكننة وتخطيط إنتاج المزارع الصغيرة والزراعة ودعم الدولة للمزارعين، ونبذ الأسلوب العسكري للتغلب على تمرد الكولاك والمرابين وقوى الإقطاع الأسيوي وفساد قلة موظفين.

وفيما بعد إعتبر تروتسكي ومشايعوه في عدد من أعمالهم قيادة ستالين للسوفييات سلطة ريفية فظة وعنصرية عدوة لليهود، وبيروقراطية متكلسة عجزت عن دعم (محاولة) الثورة في ألمانيا ضد الإقطاع بعد الحرب العالمية الأولى وبرجوازية دولة تمنح السلام للإمبريالية بينما (تتضمن) عنفاً وإستبداداً هائلاً ضد مواطنيها من اليهود وغيرهم. وكانت مثل هذه الإنتقادات الهوجاء والعشواء من دواعى نفيه سنة 1930.

ومع تراكم نشاطاتـ(ـه) تروتسكي والمجموعات المتصلة بالنشاط الصهيوني والرأسمالي العالمي ضد الإشتراكيـة والدولة السوفييتية وتواشجهم بـ(ـمحاولات) تفتيت الحزب والإغتيال المعنوي ثم البدني لـ(الفلاح الجورجي) ستالين، وتدمير ذلك التواشج لتحالف الإشتراكيين و الشيوعيـين في حرب أسبانيا الشعبية والأممية ضد الفاشية، ثم تناول ذلك التواشج للثورة في الصين، ووصمه الحزب الشيوعي السوفييتي في مطلع الحرب العالمية الثانية بخيانة (قضية الإنسانية)،...قتل تروتسكي في المكسيك بقوة جهاز الأمن السوفييتي، مما أدى لتغذية عداء الصهيونية وكثير من اليهود ضد الإتحاد السوفييتي وشيوعيتـ(ـه)، ولنهوض هذا العداء في دول حلفائه في أوربا الشرقية والوسطى في المجر وتشيكوسلوفاكيا إلخ بعد المؤتمر العشرين، وفي قيام التقرير الوخيم للمؤتمر العشرين بإعادة الإعتبار لما سماه بإسم "ضحايا الستالينية" وهي: (=التبادل النقدي للمنافع، والمنشفية، وأربابهما واحبارهما)، وبأثر هذا التنافر إنعقدت في دول فرنسا وإيطاليا وأسبانيا الأحوال المائزة والمشهورة من حالات العداء ضد السوفييت والماركسية-اللينينية والإشتراكية العلمية ووشجت ما سمى بإسم "الشيوعية الأوربية" التي مثلت نسخة تقدمية نوعاً ما من مبادئي وتنظيمات وأفكار وتنظيرات الإشتراكية الديمقراطية وهلم جراً.


2- الأزمة الثانيـة للماركسـية:
الملخصات الأولى وجـدل تحدد الكتابة وتحـرر الفكـر:

في عام 1929 ولدت الأزمة الثانية للماركسية-اللينينية بعدما نضدت "جمعية الرفاق الماديين الديالكتيكيين" أعمال أنجلـز الذي كان قد أكمل قبل وفاته تنضيد الجزئين الثاني والثالث من كتاب رأس المال، بينما كان كاوتسكي قد نضد جزئه الرابع، وضمن إنجاز الجمعية لعملها نشر ستالين ملخصات "المادية الديالكتيكية" و"المادية التاريخية"، التي وصفها "قاموس روزنتـال ويودين" التقليدي في الفلسفة بأنها: عرض نظامي وكامل للمبادئي الأساسية للفلسفة الماركسية. ولكن رغم هذا التقدير جادل ماخ وأفيناديفسكي وكاوتسكي ضد هذه الفلسفة وبإندغام معين لوجهة نظرهم ضد كل من "أسـلوب" و"نسـق" هذه الفلسفة وجمـودهما، بينما دافع عن حيوية الماركسية وحقيقتـ(ـها) العامة بيلخانوف وشارنسكي ولوكاتش وستالين والأحزاب الشيوعية.

وقد إمتد النضال الفلسفي للرفاق الماديين الديالكتيكيين ضد تهم الجمود والمدرسية والتطرف العلمي والفلسفي والسياسي، وهي تهم تحججت بدعاو مثالية عددا مثل: "الإنسانية"، و"نبذ التجربة"، و"المعاصرة" وكذلك بدعاو مادية مبتذلة مثل "التهاون العلمي" أو "التطرف الفلسفي".

هنا لا يسعنا إلا ترك الحكم للقاري بأن نضع بين يديه أهم الملخصات التي ثار الخلاف بشأنها منذاك الحين بتأثير الإختلاف الطبقي بين البروليتاريا الروسية-الأرثذودكسية والكادحين القوقاز المسلمين بقيادة ستالين، وحلف البرولتاريا والبرجوازية الصغيرة وطليعتها اليهودية السياسية في روسيا بقيادة تروتسكي، وهي لخوص ستالين المسماة بـ"المادية الجدليـة" و"المادية التاريخيـة" التي ماتزال تمثل البنية الأساس للتفكير الشيوعي وأنشطته. وقد وضع ستالين هذا النص أصلاً في إطار إنفاذه تكليف لجنة الرفاق الديالكتيكيين كعرض للبنى النظرية لكتاب لينين الصعب المسمى بإسم "الماديــة ومذهب النقد التجريبي". وجاء عمله شمساً في المجرة الشيوعية قد يحجب نورها عن المراقب بعينه المجردة بقية عناصر هذه المجرة العقلية:



المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية ستالين

المادية الديالكتيكية هي نظرة الحزب الماركسي-اللينيني للعالم وهي تدعى مادية ديالكتيكية لأن نهجها للظواهر الطبيعية وأسلوب دراستها هذه الظواهر وتفهمها يتسم بطابع ديالكتيكي وكذلك تفسيرها لظواهر الطبيعة، وفكرتها عن هذه الظواهر أي نظريتها هي نظرية مادية.

بينما تمثل المادية التاريخية إمتداداً لمبادئ المادية الديالكتيكية في مجال دراسة الحياة الإجتماعية، وتطبيقاً لهذه المبادئي المادية الديالكتيكية على ظواهر الحياة الإجتماعية وعلى دراسة المجتمع وتاريخه.

لدى وصف ماركس وأنجلز أسلوبهما الديالكتيكي، يشيران عادة إلى هيغل باعتباره الفيلسوف الذي صاغ المعالم الرئيسية للديالكتيك. الا ان هذا لا يعني ان ديالكتيك ماركس وأنجلز متطابق مع ديالكتيك هيغل. ففي الواقع أخذ ماركس وأنجلز من ديالكتيك هيغل "نواته المعقولة" نابذين قشرته المثالية وطوراها ليصنعا منها بناء علميأ.

يقول ماركس: "ان الأسلوب المادي الديالكتيكي يختلف عن الديالكتيك الهيغلي، بل هو نقيضه المباشر. فهيغل يحول عملية التفكير، التي يطلق عليها اسم الفكرة إلى ذات مستقلة، ويعتبرها خالق العالم الحقيقي، ويجعل العالم مجرد شكل خارجي ومظهر للفكرة. أما بالنسبة لي، فعلى العكس من ذلك، فليس المثال سوى العالم المادي الذي يعكسه الدماغ الإنساني ويترجمه إلى أشكال من الفكر." (ماركس، رأس المال)لدى وصف ماركس وأنجلز ماديتهما يشيران عادة إلى فويرباخ باعتباره الفيلسوف الذي أعاد المادية إلى صوابها، إلا أن هذا لا يعني أن مادية ماركس وأنجلز متطابقة مع مادية فويرباخ. ففي الواقع اخذ ماركس وأنجلز من مادية فويرباخ "لبها" الداخلي وطوراه إلى نظرية وفلسفة المادية العلمية ونبذا "قشرته" المثالية الدينية الاثنية. ففويرباخ ولو أنه كان ماديا بالأساس لأعترض على أسم المادية. وقد صرح أنجلز أكثر من مرة ان " فويرباخ بقي مكبلا بالقيود المثالية التقليدية على الرغم من الأساس المادي،"، وان "المثالية الحقيقية لفويرباخ تظهر بوضوح حالما نأتي إلى فلسفته عن الدين والاثنية"( ماركس)
تأتي كلمة ديالكتيك من Dialog الاغريقية، الحوار والجدل والمثاقفة. ففي تلك العصور كان الديالكتيك فن التوصل إلى الحقيقة عن طريق كشف التناقضات بمجادلة الغريم والتغلب على هذه التناقضات. كان ثمة فلاسفة في العصور القديمة أعتقدوا أن كشف التناقضات في الفكرة وتصادم الافكار المتناقضة كان أفضل وسيلة للتوصل إلى الحقيقة.

هذه الطريقة الجدلية في التفكير، إمتدت فيما بعد إلى كشف الظواهر الطبيعية، وتطورت كأسلوب ديالكتيكي لتفهم الطبيعة، وهو الأسلوب الذي يعتبر الظواهر الطبيعية في حركة دائمة تطرأ عليها تغييرات دائمة، ويعتبر تطور الطبيعة نتاجاً لتطور الظروف في الطبيعة نتيجة التفاعل المتبادل بين قوى الطبيعة المتضادة. فالديالكتيك في جوهره هو النقيض المباشر للتصورات المطلقة، فالمعالم الأساسية لأسلوب الديالكتيك الماركسي هي كما يلي:

(أ‌) خلافاً للتصورات المطلقة، فالديالكتيك لا يعتبر الطبيعة تراكما عرضيا من مفردات أشياء أو ظواهر لا يرتبط أحداها بالآخرى، منعزل ومستقل أحداها عن الآخر، بل يعتبرها كيانا شاملاً مترابطا، تكون فيه الأشياء والظواهر مرتبطة عضويا ببعضها ويعتمد فيه أحدها على الآخر وتقرر أحداها الآخرى.

(ب‌) لذا فالأسلوب الديالكتيكي في التفكير يعتبر انه لا يمكن فهم أية ظاهرة طبيعية إذا أخذت بذاتها منعزلة عن الظواهر المحيطة بها، فأية ظاهرة في أي مجال من الطبيعة قد تصبح عديمة المعنى إذا لم تدرس بالترابط مع الظروف المحيطة بها، ودون التفكير العازل فأية ظاهرة يمكن فهمها وتوضيحها إذا درست في ارتباطها مع الظواهر المحيطة بها، أي كظاهرة تقررها الظروف والظواهر المحيطة بها.

(ج‌) وضداً للتصورات المطلقة يعتبر الديالكتيك ان الطبيعة ليست في حال سكون وعدم حركة وجمود وعدم تغير، بل في حال حركة دائمة وتغير وتطور متصل، حيث ينشأ شيء ما جديد ويتطور بإستمرار وشيء أخر يتناهى ويموت باستمرار. لذا فإن الأسلوب الديالكتيكي يتطلب دراسة الظواهر لا من وجهة نظر علاقاتها المتبادلة واعتمادها المتبادل، بل من وجهة نظر حركتها وتغيرها وتطورها، أي من وجهة نظر نشوئها وزوالها.

ان الأسلوب الديالكتيكيي يعتبر ذا أهمية أساسية ليس ما يبدو في اللحظة الراهنة دائماً مع انه قد بدأ فعلا في الزوال، بل ذلك الجديد الذي ينشأ ويتطور، حتى لو كان يبدو في اللحظة الراهنة ضعيفاً زائلاً. فالأسلوب الديالكتيكي في التفكير لا يعتبر شيئاً ما كلياً ودائماً الا ذلك الناشئ والدائم التطور.
يقول أنجلز: "الطبيعة كلها من أصغر الأشياء إلى أكبرها، من حبة الرمل إلى الشمس من البروستات إلى الإنسان، هي في حال دائمة من النشوء والزوال، في حال تغير متواصل، في حال حركة وتغير لا يتوقفان" ( أنجلز، ديالكتيك الطبيعة) لذا يقول أنجلز ان الديالكتيك "يأخذ الأشياء وصورها المحسوسة بالجوهر في ترابطها المتبادل، في تسلسلها، في حركتها، في نشوئها وفي اختفائها".

(د‌) على الضد من التصورات المطلقة، لا يعتبر الديالكتيك عملية التطور عملية نمو بسيطة، لا تتحول فيها التغيرات الكمية إلى تغيرات كيفية، بل يأخذها على أنها تطور من تحولات كمية تافهة غير محسوسة إلى تحولات أساسية مكشوفة، إلى تحولات كيفية، ويعتبرها تطورا، لا تحدث التغيرات الكيفيه فيه بصورة تدريجية، بل بصورة سريعة مفاجئة، تتخذ شكل طفرة من حال إلى حال أخرى، ولا تحدث بصورة فجائية بل كنتيجة طبيعية لتراكم تغيرات كمية غير محسوسة.

لذا فإن الأسلوب الديالكتيكي للتفكير يعتبر أن عملية التطور يجب تفهمها ليس كحركة في دائرة أو كتكرار بسيط لما كان قد حدث فعلا، بل كحركة إلى أمام وإلى الأعلى، كتحول من حال كيفية قديمة إلى حال كيفية جديدة، كتطور من البسيط إلى المركب، من الأدنى إلى الأعلى. يقول أنجلز: "ان الطبيعة اختبار الديالكتيك، ويجب ان يقال لصالح العلم الطبيعي الحديث انه قد زودنا بمواد غنية جدا ومطردة الازدياد يوميا لهذا الاختبار، انه اثبت بهذا ان عملية الطبيعة بالتحليل الاخير ديالكتيكية وليست مجرد تصورات مطلقة، بانها تتحرك في دائرة أزلية الأنسجام تتكرر على الدوام، بل هي تأريخ حقيقي. هنا يجب ان نذكر بالأساس داروين الذي وجه ضربة شديدة لفكر التصورات المطلقة عن الطبيعة ببرهانه على ان العالم العضوي المعاصر كله النبات، والحيوان، والإنسان، يخضع لعملية تطور متقدمة عبر ملايين السنين".( أنجلز، ضد دوهرينغ)

وفي سياق وصفه التطور الديالكتيكي كتحول من التغيرات الكمية إلى التغيرات الكيفية في الفيزياء .يقول أنجلز أنه يشكل كأي تغير تحولاً بالكم إلى كيف، فنتيجة لتغير كمي من شكل معين من الحركة تكون كامنة في الجسم أو موجهة له. فمثلاً درجة حرارة الماء ليس لها في البداية تأثير على حالته السائلة، ولكن حين ترتفع درجة حرارة الماء السائل أو تنخفض، تحل لحظة تتغير فيها هذه الحال من التماس وينقلب الماء فيها إلى بخار في الحال الأولى وإلى ثلج في الحال الثانية .. فكذا يلزم حد أدنى من التيار لتوهيج سلك المصباح. فكل معدن له درجة حرارة وإنصهار، وكل سائل له درجة حرارة يتجمد فيها، ودرجة غليان معينة تحت ضغط جوي معين نحققها بقدر ما نستطيع بالوسائل المتوفرة تحت تصرفنا. وأخيرا، فلكل غاز نقطة حرجة عندها، تحت الضغط والتبريد المناسب، يمكن تحويله إلى حال السيولة.

ان ما يعرف بدرجات التحول في الفيزياء وهي الدرجة التي تتحول بها حال معينة إلى حال آخرى هي في غالب الأحايين تعبير عن بلوغ نقطة عقدية تؤدي إلى تغيير كمي أو زيادة أو نقصان الحركة فيها مما يحدث تغيراُ كيفياُ بحال الجسم.

ويواصل أنجلز منتقلا إلى الكيمياء: يمكن تسمية الكيمياء علم التغيرات الكيفية التي تحدث في الأجسام نتيجة لتغيرات التركيب الكمي. وكان هذا معلوماً لدى هيغل ... خذ مثلا الاكسيجين، إذا احتوت الجزيئة على ثلاث ذرات بدلا من ذرتين في الجزيئة الاعتيادية، نحصل على الأوزون وهو جسم متميز جدا في الرائحة والتفاعل عن الاوكسيجين المعتاد. ومإذا يمكن القول عن الخواص المختلفة التي يتحذ فيها الاكسيجين مع النيتروجين أو الكبريت وكل مركب منها يشكل جسما مختلفا كيفيا عن الأجسام الآخرى؟" (نفس المصدر)

وأخيرا، لدى إنتقاد دوهرينغ الذي وبخ هيغل بكل كفاءاته ولكنه اختلس منه مقولته المعروفة بان الأنتقال من العالم غير المحسوس إلى العالم المحسوس، من مملكة المادة غير العضوية إلى مملكة الحياة العضوية، هو طفرة جديدة، يقول أنجلز:هذا هو بالضبط خط قياس العلاقات الهيغلية الحرجة التي فيها، في نقاط حرجة معينة، تؤدي الزيادة أو النقصان الكمي البحت إلى طفرة كيفية، فمثلا، في حال الماء الذي يسخن أو يبرد، تشكل نقطة الغليان ونقطة التجمد النقطتان اللتان فيهما، تحت الضغط الجوي المعتاد الطفرة إلى حال تكتل جديدة، تتحول الكمية بها إلى كيفية." (ضد دوهرينغ)

(هـ‌) على العكس من التصورات المطلقة يعتبر الديالكتيك ان التناقضات الداخلية متلازمة في جميع الأشياء والظواهر في الطبيعة لأنها جميعا تحتوي على جانبيها السلبي والايجابي، جانبيها الماضي والمستقبل، شيء زائل وشيء متطور، وان الصراع بين هذين النقيضين، وهو صراع بين القديم والجديد. بين ما هو زائل وما هو وليد، بين المضمحل والمتطور. يشكل هذا الصراع محتوى عملية التطور، محتوى تحول التغيرات الكمية إلى تغيرات كيفية. لذا فإن الأسلوب الديالكتيكي في التفكير يعتبر عملية التطور من الأدنى إلى الأعلى لا تحدث بصورة كشف منسجم للظواهر بل بصورة كشف عن تناقضات متلازمة في الأشياء والظواهر، بصورة "صراع" بين ميول متناقضة تعمل على أساس هذه التناقضات.

"فالديالكتيك بمعناه الاعتيادي هو دراسة التناقضات في جوهر الأشياء بالذات" (لينين، ملاحظات فلسفية)، والتطور هو ُصراع الاضداد" وهذه باختصار معالم الأسلوب الديالكتيكي الماركسي-اللينيني للتفكير والممارسة.

من السهل فهم أهمية إمتداد مبادئ الأسلوب الديالكتيكي إلى دراسة الحياة الإجتماعية وتأريخ المجتمع وأهمية تطبيق هذه المبادئ على تاريخ المجتمع وعلى الأنشطة العملية لحزب البروليتاريا مادامت ليست هناك ظواهر منعزلة في العالم.
وحيث ان جميع الظواهر متبادلة الاتصال ومتبادلة الإعتماد، فمن الواضح ان كل نظام اجتماعي وكل حركة اجتماعية في التاريخ لا يجب تثمينها من وجهة نظر "العدل الأزلي" أو أية فكرة آخرى مسبقة، كما يفعل المؤرخون في أحيان كثيرة، بل من وجهة نظر الظروف التي أنشأت ذلك النظام أو تلك الحركة الإجتماعية و المرتبطة بها.

فنظام العبودية يكون عديم المعنى، أحمقا وغير طبيعي في الظروف الحديثة. إلا انه في ظروف تحلل النظام المشاعي البدائي يكون نظام العبودية ظاهرة مفهومة تماما وطبيعية نظراً إلى انه يمثل تقدما بالنسبة لنظام المشاعية البدائية. وأيضاُ مع وجود القيصرية والمجتمع البرجوازي يكون معقولاً المطالبة بجمهورية برجوازية ديمقراطية ، ففي روسيا كانت هذه المطالبة مفهومة وصحيحة وثورية، اذ ان الجمهورية البرجوازية في ذلك العهد كانت تعني خطوة إلى أمام. أما الأن، في ظروف الإتحاد السوفييتي، فالمطالبة بجمهورية ديمقراطية برجوازية تكون عديمة المعنى ومضادة للثورة لأن الجمهورية البرجوازية خطوة رجعية بالقياس إلى الجمهورية السوفييتية.

فكل شيء يعتمد على الظروف والزمان والمكان. ومن الأوضح أنه بدون النهج التاريخي تجاه الظواهر الإجتماعية يصبح وجود وتطور علم الاجتماع مستحيلا، اذ أن نهجا كهذا فقط يقي علم الاجتماع من أن يصبح غابة من الأحداث الطارئة وجمعاُ لمفردات أكثر الاخطاء حماقة.

فمادام العالم بحال حركة دائمة وتطور مستمر، وكان زوال القديم ونشوء الجديد قانونا للتطور، فذلك يعني انه لا يمكن أن يوجد نظام اجتماعي ثابت وصمدي لا يتغير" أو أن توجد "مبادئ أزلية" للملكية الخاصة والإستغلال أو"أفكار أزلية" لخضوع الفلاح لملاك الأرض، أو العامل للراسمالي.

لذا فمن الممكن إحلال النظام الاشتراكي في المجتمع محل النظام الرأسمالي، بالضبط كما كان بالامكان في عهد الإقطاع إحلال النظام الرأسمالي محل النظام الإقطاعي.

ولذا يجب الا نتوجه إلى طبقات المجتمع المضمحلة، رغم انها تشكل في الحال الحاضر القوة السائدة، بل نتوجه إلى الطبقات التي تتطور وتملأ المستقبل أمامه حتى لو لم تكن في الواقع الحاضر تشكل القوة السائدة.

فقبل الثورة الإشتراكية في فترة الصراع بين الماركسيين والناروديين (الشعبيين) كانت البروليتاريا الروسية تؤلف أقلية ضئيلة من السكان وكان الفلاحون الصغار يشكلون الاغلبية الساحقة من السكان. إلا ان البروليتاريا كانت تتطور كطبقة، بينما كان الفلاحون كطبقة في حال تفكك. ولما كانت البروليتاريا طبقة متطورة إرتبط بها الماركسيون بحق فالبروليتاريا إنتقلت من قوة ضئيلة العدد إلى قوة تأريخية وسياسية من الدرجة الأولى. ولذا، فلكي لا يخطئ المرء السياسة عليه النظر إلى الأمام لا إلى الوراء.

وطالما كان الأنتقال من التغيرات الكمية البطيئة إلى تغيرات كيفية سريعة مباشرة قانونا للتطور، فإن الثورات التي تعلنها الطبقات الخاضعة للإستغلال تبقى ظاهرة طبيعية وحتمية ولذا فالأنتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية، وتحرير الطبقة العاملة من نير الرأسمالية لا يتحقق بتغيرات بطيئة، بالإصلاحات، بل بتغيير كيفي للنظام الرأسمالي، بالثورة.

ولذا لكي لا يخطئ المرء في السياسة، عليه ان يكون ثوريا لا إصلاحياً.و إذا كان التطور ينعقد بكشف التناقضات الداخلية، والتصادم بين القوى المتضادة فعلى أساس هذه التناقضات وللتغلب عليها، فالصراع الطبقي للبروليتاريا يتضح كظاهرة طبيعية جدا وحتمية. لذا لا يجب ان نستر تناقضات النظام الرأسمالي بل الأفضل للتطور أن نكشفها ونزيل القناع عنها.

علينا ألا نحاول وقف الصراع الطبقي بل أن نواصله حتى نهايته. لذا، لكي لا يخطئ المرء سياسة، عليه اتباع سياسة طبقية بروليتارية لا تساومية، لا سياسة إصلاحية توائم مصالح البروليتاريا بمصالح البرجوازية كسياسة الإصلاحيين في نمو الرأسمالية إلى الإشتراكية.

هذا هو الأسلوب الديالكتيكي في التفكير لدى تطبيقه على الحياة الإجتماعية، على تاريخ المجتمع أما مادية ماركس الفلسفية، فهي في الأساس الضد المباشر للمثالية في الفلسفة.


المعالم الأساسية لفلسفة ماركس المادية:
أ‌) على العكس من المثالية التي تعتبر العالم تجسيدا "لفكرة مطلقة"، "لروح كونية" "للوعي" تعتبر فلسفة ماركس الماديـة ان العالم بذات طبيعته مادة. وان الظواهر المتعددة الأوجه للعالم تؤلف اشكالا مختلفة لمادة في حركة. وان الترابط المتبادل والاعتماد المتبادل للظواهر الذي يحققه الأسلوب الديالكتيكي، هو قانون تطور المادة المتحركة. وان العالم يتطور بلا "روح كونية" وفقا لقوانين حركة المادة .

يقول أنجلز "ان النظرية المادية العالمية هي ببساطة ادراك الطبيعة كما هي، بدون أي تحفظ" فقد (لودفيغ فويرباخ) لدى التحدث عن وجهات النظر المادية للفيلسوف القديم هرقليستس الذي اعتبر ان "العالم، الكل في واحد، لم يخلق اي إله أو أي إنسان، بل انه كائن وسيبقى كائنا إلى الابد، يندلع اندلاعا منتظما ويخبو بانتظام"حين يصل لمقاطع الألحاد وعلق لينين عليه قائلا "عرض جيد جداً لبدايات المادية الديالكتيكية". (ملاحظات فلسفية، )

ب‌) فعلى العكس من المثالية التي تؤكد على أن عقلنا وحده موجود حقا, وان العالم المادي، الوجود، الطبيعة، لا توجد الا في عقلنا، في احساساتنا وافكارنا وإدراكنا، تعتبر فلسفة ماركس المادية ان المادة، الطبيعة، الوجود، هي حقائق موضوعية قائمة خارج عقلنا ومستقلة عنه، ان المادة هي الأساس نظرا لأنها مصدر احساساتنا وافكارنا وادراكنا، وان العقل ثانوي واشتقاقي نظرا إلى انه انعكاس للمادة، انعكاس للوجود، وان الفكر هو نتاج للمادة التي بلغت في تطورها درجة عالية من الاكتمال، هي المخ، وان المخ هو عضو التفكير، وانه بناء على ذلك لا يستطيع المرء ان يفصل الفكر عن المادة بدون ان يرتكب خطأ فاحشا. يقول أنجلز "ان مسألة العلاقة بين التفكير والوجود، العلاقة بين الروح والطبيعة, هي المسألة الكبرى للفلسفة بكاملها ... ان الاجوبة التي اعطاها الفلاسفة لهذه المسألة تفصلهم إلى معسكرين عظيمين:
أولئك الذين أكدوا على أولوية الفكر على الطبيعة ... معسكر المثالية.
والآخرون الذين اعتبروا الطبيعة أولية يعودون إلى شتى مدارس المادية". (ماركس أنجلز)،

ومهما يبدو من حساسية في الموضوع فالعالم المادي الملموس حسيا الذي ننتمي نحن اليه، هو الحقيقة الوحيدة الماثلة، و وعينا وتفكيرنا هو نتاج لمادة العضو الجسدي: الدماغ. فالمادة ليست نتاجاً للفكر بل ان الفكرة ذاتها ليست سوى تكوين أعلى للمادة. وفيما يتعلق بفصل الفكر عن المادة المفكرة يقول ماركس:"من المستحيل فصل الفكر عن المادة المفكرة، فالمادة ذات جميع التغيرات".

ويقول لينين في وصفه الفلسفة ماركس المادية :"ان المادية عموما تميز الوجود الحقيقي الموضوعي (المادة) باعتباره مستقلا عن الوعي، والاحساس والتجربة .. فليس الوعي سوى انعكاس للوجود، في أحسن الاحوال، بما يقرب من الأنعكاس الصحيح (المناسب، الدقيق، بصورة مثلى) للوجود". (لينين/المادية ومذهب التجربة)

(أ‌) فالمادة هي تلك التي بعملها على أعضائنا الحسية تنتج الاحساس، المادة هي الحقيقة الموضوعية المعطاة لنا بالاحساس ..فالمادة، الطبيعة، الوجود، الجسم الطبيعي هي الأساس، وأما الوعي والاحساس والكيان النفسي فهي ثانوية [تابعة].

(ب‌) ان صورة العالم تبين كيف تتحرك المادة، وكيف تـفكر المادةُ .

(ج‌) ان الدماغ هو عضو التفكير (نفس المصدر)

(د‌) فمادية ماركس الفلسفية على العكس من المثالية التي تنكر إمكانية معرفة العالم وقوانينه، وتنبذ موثوقية معرفتنا، ولا تميز الحقيقة الموضوعية وتعتبر ان العالم سر مليء بـ"أشياء بذاتها" لن يستطيع العلم معرفتها. فمادية ماركس تعتبر ان العالم وقوانينه قابلة للعلم كلياً وإن علمنا لقوانين الطبيعة بعد اختباره بالتجربة والتطبيق، هو علم موثوق له صحة الحقيقة الموضوعية، وانه لا يوجد أي شيء في العالم لا يمكن معرفته، بل توجد فقط أشياء ما زالت غير معروفة، ولكن من الممكن الكشف عنها ومعرفتها بمجهود العلم والتطبيق.

وبمعرض نقده لمقولة كانط ومثاليين آخرين بأن العالم لايمكن معرفته وأنه توجد "أشياء بذاتها" لا يمكن معرفتها، ودفاعه عن المقولة المادية الشائعة بان علمنا هو علم موثوق يقول أنجلز "ان افضل دحض لهذا ولكافة الفلسفات المتعصبة الآخرى هو التطبيق، أي التجربة والصناعة. إذا استطعنا اثبات صحة فكرتنا عن عملية طبيعية بان نصنعها بانفسنا، بأن نخرجها إلى الوجود خارج ظروفها، واستعمالها لاغراضنا ضمن هذه العمل، فهذا يعني نهاية ُ الشيء بذاته ُ الكانطي.

ان المواد الكيمياوية المنتجة في أجسام النباتات والحيوانات بقيت مثل هذه "الأشياء بذاتها" إلى أن بدأت الكيمياء العضوية بإنتاجها الواحدة بعد الآخرى حيث أصبح "الشيء بذاته" شيئا لنا. كما على سبيل المثال الـ... المادة الملونة في النبات الذي لم نعد نكلف انفسنا عناء زراعته في الحقول بل ننتجها أرخص وأبسط من القطران. وكذلك بقي نظام كوبرنيك الشمسي مجرد نظرية لمدة ثلاثمائة سنة مع ألف أو عشرة الاف فرصة إلى واحد لصالحه، ولكنه مع ذلك بقي دائماً مجرد نظرية، إلا انه حين قام ليفريير، بواسطة المعلومات المتوفرة من هذا النظام، ليس بالتوصل إلى ضرورة وجود كوكب غير معروف بل كذلك تمكن من حساب الموقع في السماء الذي يجب بالضرورة ان يحتله هذا الكوكب، وحين وجد غال هذا الكوكب فعلا كان ذلك برهانا على نظام كوبرنيك." (ماركس)

قال لينين في سياق اتهام بوغدانوف وبازاروف ويوسكفيتش وأخرين من اتباع إعتقاد ماخ [المادي المبتذل] وفي الدفاع عن المقولة المادية المعروفة بان معرفتنا العلمية لقوانين الطبيعة هي معرفة موثوقة، وان قوانين العلم تمثل حقيقة موضوعية:"ان الإعتقاد المعاصر لاينبذ العلم بتاتا فكل ما يرفضه هو "الادعاءات المبالغ فيها" للعلم، أي الادعاء بالحقيقة الموضوعية. فإذا كانت الحقيقة الموضوعية موجودة كما يتصور الماديون وكان العلم الطبيعي يعكس العالم الخارجي في "التجربة الإنسانية فهو وحده القادر على اعطائنا الحقيقة الموضوعية، فإن ذلك يدحض إعتقادهم كله دحضا مطلقا". (لينين)

هذه باختصار المعالم المميزة لمادية ماركس الفلسفية. ومن السهل أن يفهم المرء عظم أهمية توسيع مبادئ الفلسفة المادية إلى دراسة الحياة الإجتماعية، تاريخ المجتمع، وعظم أهمية تطبيق هذه المبادئ على تاريخ المجتمع وعلى الأنشطة العملية لحزب البروليتاريا إذا كانت الروابط بين الظواهر الطبيعية واعتمادها المتبادل لقوانين تطور الطبيعة، فذلك يؤدي أيضاً إلى ان الترابط والاعتماد المتبادل لظواهر الحياة الإجتماعية تؤسس قوانين تطور المجتمع وليست أشياء عرضية. فالحياة الإجتماعية، تاريخ المجتمع، لا تبقى/يبقى مجموعة أحداث طارئة منفصلة عن بعضها لارابط بينها بل يقوم تأريخ تطور المجتمع وفقا لقوانين معتادة معروفة وتصبح دراسة تاريخ المجتمع علماً.

ولهذا فالنشاطات العملية لحزب البروليتاريا يجب ألا تقوم على أساس الرغبات الطيبة "لأشخاص بارزين"، ولا على ما يمليه "العقل" أو "الاخلاق السامية" ..إلخ، بل على قوانين تطور المجتمع وعلى دراسة هذه القوانين. ثم، طالما كان العالم قابلا للمعرفة وكانت معرفتنا لقوانين تطور الطبيعة معرفة موثوقة لها صحة الحقيقة الموضوعية، فينجم عن هذا الوضع ان الحياة الإجتماعية، وتطور المجتمع، يصبح هو الآخر قابلاً للمعرفة وتكون المعلومات العلمية بخصوص قوانين تطور المجتمع معلوماتاً موثوقة لها صحة الحقائق الموضوعية، ولذا يمكن ان يصبح علم تاريخ المجتمع، رغم تعقد ظواهر الحياة الإجتماعية، علما دقيقا لنقل مثل علم الاحياء، علماً قادرا على الاستفادة من قوانين تطور المجتمع للاغراض العملية.

ولذا فعلى حزب البروليتاريا الا يتبع في نشاطاته العملية الحوافز العرضية، بل يتبع قوانين تطور المجتمع وبالاستدلال العملي من هذه القوانين.

ولذا فإن الإشتراكية تتحول من حلم بمستقبل افضل للإنسانية إلى علم. وهكذا فإن الارتباط بين العلم والنشاطات العملية، بين النظرية والنشاط، ووحدتهما، يجب ان يكون النجم الموجه لحزب البروليتاريا.
ثم، إذا كانت الطبيعة، وهي العالم المادي، هي الأساس، وان العقل، الفكر، ثانوي, اشتقاقي منها، وإذا كان العالم المادي يمثل الحقيقة الموضوعية القائمة بالاستقلال عن الفكر الإنساني، بينما يكون الفكر انعكاسا للحقيقة الموضوعية، ينجم عن ذلك:
ان حياة المجتمع المادية، كيانه، هو الآخر أساسي وان حياته العقلية ثانوية، مشتقة منه، وان حياة المجتمع المادية هي حقيقة موضوعية قائمة بالاستقلال عن إرادة الإنسان، وتكون الحياة العقلية للمجتمع انعكاساً للحقائق الموضوعية، انعكاسا للوجود. ولذا، يجب ألا نبحث عن مصدر تكوين حياة المجتمع الروحية، أصل الأرآء الإجتماعية، النظريات الإجتماعية، الأرآء السياسية والمؤسسات السياسية في الأرآء أو النظريات أو وجهات نظر المؤسسات السياسية ذاتها، بل في ظروف الحياة المادية للمجتمع، في الوجود الإجتماعي الذي تشكل الأرآء والنظريات ووجهات النظر الخ.. انعكاسا لها.

ولذا، إذا لاحظنا في فترات مختلفة من تاريخ المجتمع أرآء ونظريات ووجهات نظر ومؤسسات سياسية، إذا واجهنا في ظل النظام العبودي بعض الأرآء والنظريات ووجهات النظر والمؤسسات السياسية، وفي ظل الإقطاعية غيرها وفي ظل الرأسمالية غيرها أيضاً, فيجب الا نفسر ذلك بـ"طبيعة" أو "خواص" الأرآء والنظريات ووجهات النظر السياسية والمؤسسات السياسية ذاتها، بل بالظروف المختلفة للحياة المادية للمجتمع في الفترات المختلفة من التطور الإجتماعي. فأياً ما يكون وجود المجتمع وتكون ظروف حياته المادية، تكون أراء ونظريات ووجهات النظر السياسية والمؤسسات السياسية لذلك المجتمع.

يقول ماركس بهذا الصدد: ليس وعي الإنسان ما يقرر وجوده، بل، على العكس، وجوده المادي هو الذي يقرر وعيه". ولذا، لكي لا يخطئ حزب البروليتاريا في سياسته، لكي لا يجد حزب البروليتاريا نفسه في وضع الحالم التائه، ألا يؤسس نشاطاته على "مبادئ العقل البشري" المجردة، بل على الظروف الحقيقية لحياة المجتمع المادية باعتبارها المقررة الحقيقية لتطور الحياة المادية للمجتمع.

ان سقوط أهل المدينة الفاضلة، بمن فيهم الناروديين (الشعبيين)، والفوضويين والاشتراكيين الثوريين، يرجع، ضمن أمور آخرى، إلى واقع انهم لم يميزوا الدور الأساسي الذي تلعبه ظروف الحياة المادية للمجتمع في تطور المجتمع، وانغمروا في المثالية، إلى انهم لم يؤسسوا نشاطاتهم العملية حسب حاجات تطور الحياة المادية للمجتمع، بل، بالاستقلال عن وبالرغم من هذه الحاجات، أسسوها على "الخطط المثالية"وعلى "المشاريع الشاملة" بإنفصال عن الحياة الحقيقية للمجتمع.

ان قوة الماركسية اللينينية وحيويتها تكمن في واقع انها تبني نشاطاتها العملية على أساس حاجات تطور الحياة المادية للمجتمع وانها لن تعزل نفسها عن الحياة الحقيقية للمجتمع.

إلا انه لاينجم عن كلام ماركس ان الأرآء والنظريات الإجتماعية، ووجهات النظر السياسية والمؤسسات السياسية لا أهمية لها في حياة المجتمع ولا تؤثر على الوجود الإجتماعي، وعلى تطور الظروف المادية لحياة المجتمع. فقد كنا نتحدث لحد الآن عن أصل الأرآء والنظريات الإجتماعية ووجهات النظر السياسية والمؤسسات السياسية، والظروف التي تنشا منها، عن واقع ان الحياة العقلية للمجتمع هي انعكاس لظروف الحياة المادية.

أما بخصوص أهمية الأرآء الإجتماعية والنظريات ووجهات النظر السياسية والمؤسسات السياسية، بخصوص دورها في التاريخ، فإن المادية التاريخية، بعيدا عن إنكارها، تؤكد على دور وأهمية هذه العوامل في حياة المجتمع، في تأريخه.

وفي ذلك فهناك أنواع مختلفة من الأرآء والنظريات الإجتماعية: فثمة أرآء ونظريات قد تجاوزت عهدها وهي تخدم مصالح قوى المجتمع المحتضرة. وتكمن أهميتها في قيامها بإعاقة تطور وتقدم المجتمع. وثمة أرآء ونظريات جديدة متقدمة تخدم مصالح قوى المجتمع المتقدمة. وتكمن أهميتها في انها تسهل تطور وتقدم المجتمع. وهي أهمية تزداد كلما كان عكسها لحاجات تطور حياة المجتمع المادية أكثر دقة.

فالأرآء والنظريات الجديدة لا تنشأ إلا بعد أن يكون تطور حياة المجتمع المادية قد وضع مهام جديدة أمام المجتمع. وهي ما إن تنشأ إلا وتصير أشد القوى التي تسهل تنفيذ المهام الجديدة التي خلقها تطور حياة المجتمع المادية، أي قوة تسهل تقدم المجتمع.

وهنا بالضبط، تظهر نفسها الأهمية الهائلة لتنظيم وتحريك وتحويل الأرآء والنظريات الجديدة ووجهات النظر الجديدة والمؤسسات السياسية الجديدة. فالأرآء والنظريات الجديدة تنشأ بالضبط لأنها ضرورية للمجتمع، لأن من المستحيل تنفيذ المهام الملحة لتطور حياة المجتمع المادية بدون نشاطها التنظيمي والتحريكي والتحويلي.

ولدى نشوء الأرآء الإجتماعية الجديدة عن المهام الجديدة التي يتطلبها تطور حياة المجتمع المادية، فإنها تشق طريقها وتصبح ملكاً للجماهير، تحركهم وتنظمهم ضد قوى المجتمع المحتضرة، وبهذا يسهل إسقاط القوى المعيقة لتطور حياة المجتمع المادية.

وهكذا فإن الأرآء والنظريات والمؤسسات السياسية، لدى نشوئها على أساس المهام الملحة لتطور حياة المجتمع المادية، على أساس تطور الكيان الإجتماعي، تقوم هي ذاتها برد فعل على حياة المجتمع المادية وتخلق الظروف الضرورية لتنفيذ المهام الملحة لحياة المجتمع المادية تنفيذا كاملا وتجعل المزيد من تقدمها أمراً ممكنا. يقول ماركس في هذا الصدد:"تصبح النظرية قوة مادية حالما تستحوذ على الجماهير". (نقد الفلسفة الهيغلية) ولذا،

ولذا على حزب البروليتاريا، لكي يستطيع التأثير على ظروف حياة المجتمع المادية وتسريع تطورها وتحسينها ان يعتمد على النظريات الإجتماعية، على الأرآء الإجتماعية التي تعكس حاجات تطور حياة المجتمع المادية، وتكون بناء على ذلك قادرة على تحريك الجماهير الواسعة من الشعب ودفعها وتنظيمها في جيش/حزب البروليتاريا العظيم، المستعد لتحطيم القوى الرجعية وعليه أن يمهد الطريق لقوى المجتمع المتقدمة.

ان سقوط "الاقتصاديين" والمناشفة يرجع ضمن أمور آخرى إلى واقع انهم لم يميزوا الدور التحريكي والتنظيمي والتحويلي للنظرية المتقدمة، للأرآء المتقدمة، وانهم إنغمروا في المادية المبتذلة، وهبطوا بدور هذه العوامل إلى الصفر تقريبا، وبذلك حكموا على الحزب بالسالب واللاحيوية.

ان قوة وصحة الماركسية اللينينية وحيويتها تنشأ عن واقع انها تعتمد على النظرية المتقدمة التي تعكس حاجات تطور حياة المجتمع المادية" بصورة صحيحة. انها ترفع النظرية إلى المستوى اللائق بها، وانها ترى ان من واجبها الاستفادة من كل مثقال من قوى هذه النظرية التحريكية والتنظيمية والتحويلية.

هذا هو الجواب الذي تعطيه المادية التاريخية للسؤال عن العلاقة بين الكيان الإجتماعي والوعي الإجتماعي، بين ظروف تطور حياة المجتمع المادية وتطور حياة المجتمع العقلية والروحية.

يبقى الأن ان نوضح ما الذي نعنيه "بظروف حياة المجتمع المادية" التي بالتحليل الاخير تحدد ملامح المجتمع، أرآءه، وجهات نظره، مؤسساته السياسية الخ..؟
فما هي "ظروف حياة المجتمع المادية" وماهي معالمها المميزة؟

ان مفهوم "ظروف حياة المجتمع المادية" يتضمن الطبيعة المحيطة بالمجتمع، البيئة الجغرافية، وهي أحدى الظروف اللامفر منها والدائمة في حياة المجتمع المادية، والتي تؤثر طبعا على تطور المجتمع.
فما هو الدور الذي تلعبه البيئة الجغرافية في تطور المجتمع؟ هل البيئة الجغرافية هي القوة الرئيسية التي تقرر ملامح المجتمع، طابع النظام الإجتماعي للإنسان، والإنتقال من نظام إلى آخر؟ ان المادية التاريخية تجيب على هذا السؤال بالسلب.

فلاشك ان البيئة الجغرافية هي أحد الظروف الدائمة اللامفر منها في تطور المجتمع، وتؤثر طبعا على تطور المجتمع وتسرع أو تؤخر تطوره إلا ان تأثيرها ليس تأثيرا مقرراً طالما ان تغيرات وتطورات المجتمع تجري أسرع بما لا يقاس من تغيرات وتطورات البيئة الجغرافية.

ففي خلال ثلاثة الاف سنة حلت ثلاثة أنظمة اجتماعية مختلفة محل بعضها بنجاح في أوروبا: نظام المشاعية البدائية، نظام العبودية، ونظام الاقطاع. وفي الجزء الشرقي من أوربا، في الإتحاد السوفييتي، جرى إحلال حتى أربعة انظمة محل بعضها. ومع ذلك فإن الظروف الجغرافية في أوربا إما أنها لم تتغير بتاتا في هذه الفترة، أو إنها تغيرت بشكل طفيف قد لا يلاحظه علم الجغرافيا.

وهذا أمر طبيعي تماما. فالتغيرات المهمة في الظروف الجغرافية تتطلب ملايين السنين، بينما بضع مئات من السنين، أو ألفي سنة تكفي لتغيرات هامة في نظام المجتمع البشري. وينجم عن هذا ان البيئة الجغرافية لايمكن أن تكون السبب الرئيس والمقرر، في التطور الإجتماعي، فما يبقى ثابتاً تقريبا في عشرات الألوف من السنين لا يمكن أن يكون سبب مباشراً للتطور الرئيس فيما يتغير جداً خلال بضع مئات من السنين.

ولاشك أيضاً ان مفهوم "ظروف حياة المجتمع المادية" يتضمن أيضاً نمو السكان، كثاف السكان بهذه الدرجة أو تلك، فالناس عنصر جوهري في ظروف حياة المجتمع المادية، ومن دون عدد أدنى من الناس لا يمكن أن تكون هناك حياة مجتمع مادية. أفيعد نموء السكان قوة رئيسة تقرر طابع النظام الإجتماعي؟

ان المادية التاريخية تجيب على هذا السؤال بالسلب. فنمو السكان يؤثر في تطور المجتمع، يسهل أو يعيق تطور المجتمع، الا انه لا يكون القوة الرئيسة في تطور المجتمع. وتأثيره على تطور المجتمع ليس بتأثير مقرر فنمو السكان في ذاته لا يقدم إجابة عن مسألة السبب في أن يحل نظام إجتماعي جديد وليس أي نظام اجتماعي أخر محل النظام القديم الزائل، أي لمإذا يحل النظام العبودي محل نظام المشاعية البدائية، ولمإذا يحل النظام الإقطاعي محل النظام العبودي، ولمإذا يحل النظام البرجوازي محل النظام الإقطاعي، وليس نظام آخر. فلو كان نمو السكان القوة المقررة لتطور المجتمع، لترتب على ذلك ان ينشأ النوع الأعلى من النظام الإجتماعي بالتناسق مع أعلى كثافة للسكان. لكننا لا نجد الواقع بهذا الشكل: فكثافة السكان في الصين تبلغ أربعة اضعاف كثافة السكان في الولايات المتحدة الاميركية، ومع ذلك فالولايات المتحدة أعلى من الصين في مقياس التطور الإجتماعي، فالنظام شبه الإقطاعي مازال سائدا في الصين، بينما بلغت الولايات المتحدة منذ أمد بعيد أعلى مرحلة في تطور الرأسمالية. كما ان كثافة السكان في بلجيكا هي تسعة عشر ضعفا من كثافة السكان في الولايات المتحدة الاميركية، وستة وعشرون ضعفا من كثافة السكان في الإتحاد السوفييتي ومع ذلك فإن الولايات المتحدة أعلى من بلجيكا في مقياس التطور الإجتماعي وبالنسبة للإتحاد السوفييتي تتآخر بلجيكا عصراً تاريخيا كاملا وراء هذا القطر، فالنظام الرأسمالي ما زال سائدا في بلجيكا بينما تخلص الإتحاد السوفييتي من الرأسمالية واقام النظام الاشتراكي.

ينجم عن هذا أن نمو السكان ليس ولا يمكن أن يكون القوة الرئيسة لتطور المجتمع أي القوة التي تقرر طابع النظام الإجتماعي، ملامح المجتمع.

إذاً فما هي القوة الرئيسة في جملة ظروف حياة المجتمع المادية التي تقرر ملامح وطابع النظام الإجتماعي، وتطور المجتمع من نظام إلى نظام آخر؟

تعتبر المادية التاريخية ان هذه القوة هي أسلوب الحصول على وسائل الحياة الضرورية للوجود الإنساني، طريقة إنتاج القيم المادية، الطعام، الكساء ، الحذاء، المأوى, الوقود، أدوات الإنتاج الخ.. ،وهي القيم التي لامفر منها لحياة وتطور المجتمع.. فلكي يعيش الناس عليهم ان يحصلوا على الطعام والكساء والحذاء والمأوى والوقود ..الخ، ولغرض الحصول على هذه القيم المادية، على الناس أن ينتجوها، ولكي ينتجوها عليهم أن يحوزوا على أدوات الإنتاج التي تنتج الطعام والكساء والحذاء والمأوى والوقود الخ..، يجب ان يكونوا قادرين على إنتاج هذه الأدوات وعلى استعمالها. ان أدوات الإنتاج التي يجري بها إنتاج القيم المادية والناس الذين يشغلون أدوات الإنتاج وينفذون إنتاج القيم المادية بفضل درجة من التجربة الإجتماعية والمهارة العملية، كل هذه العناصر مجتمعة تشكل قوى الإنتاج في المجتمع.

الا إن قوى الإنتاج ليست سوى وجه واحد للإنتاج، سوى وجه واحد من أسلوب الإنتاج، وجه يعبر عن وجود الإنسان بمواد قوى الطبيعة التي يستفيد منها في إنتاج القيم المادية.

هناك وجه آخر للإنتاج، ولأسلوب الإنتاج، هو علاقة الناس ببعضهم البعض في عملية الإنتاج، علاقات الإنتاج بين الناس. فالناس الذين يخوضون نضالا ضد الطبيعة ويستعملون فيه الطبيعة لإنتاج القيم المادية ليسوا منعزلين عن بعضهم البعض، فهم ينتجون لا بصفتهم اشخاص منفصلين بل كجماعة، وفي جماعات، ومجتمعات. لذ فالإنتاج في جميع الازمان وتحت جميع الظروف هو إنتاج إجتماعي. فبإنتاج القيم المادية يدخل الناس في علاقات متبادلة أياً كان نوعها، ضمن عملية الإنتاج، أي في علاقات إنتاج من نوع ما. قد تكون علاقات تعاون ومساعددا متبادلة بين الناس الأحرار من الإستغلال، وقد تكون علاقات سيادة واخضاع، وأخيرا قد تكون هناك علاقات انتقالية من شكل من علاقات الإنتاج إلى شكل أخر.

ولكن مهما يكون طابع علاقات الإنتاج، فهي دوماً وفي كل نظام، تشكل عنصراً جوهريا للإنتاج شأنها في ذلك شأن قوى الإنتاج الإجتماعي. وفي هذا الصدد يقول ماركس: "في الإنتاج لا يعمل الناس مع الطبيعة فقط بل يعملون مع بعضهم البعض، وضمن هذه الارتباطات والعلاقات الإجتماعية فقط يحدث عملهم مع الطبيعة ويتكون إنتاجهم." نتيجة لذلك فالإنتاج، وأسلوب الإنتاج، يضم بوحدة واحدة قوى الإنتاج الإجتماعية وعلاقات الإنتاج بين الناس، كتجسيد لوحدتهم بعملية إنتاج القيم المادية.

وخواص الإنتاج لا تثبت فى نقطة واحدة لمدة طويلة، بل هي دائماً حال تغير وتطور. كما ان التغيرات في أسلوب الإنتاج تستدعي بالضرورة تغيرات في النظام الإجتماعي، والأرآء الإجتماعية، ووجهات النظر السياسية والمؤسسا السياسية أي تستدعي إعادة بناء كامل النظام الإجتماعي والسياسي، في المراحل المختلفة للتطور مع إستخدام الناس لاساليب إنتاج مختلفة.

وببساطة أكثر يعيش الناس أساليب حياة مختلفة. فبالمشاعية البدائية يوجد أسلوب إنتاج واحد، وبالعبودية يوجد أسلوب إنتاج آخر، وبالاقطاع يوجد أسلوب ثالث، وهكذا دواليك. وعلى هذا المنوال يختلف نظام الناس الإجتماعي والحياة الروحية للناس، نظرتهم السياسية ومؤسساتهم السياسية. وكيفما يكون أسلوب إنتاج مجتمع ما بصورة أساسية، يكون هذا المجتمع آراؤه ونظرياته، وجهات نظره السياسية ومؤسساته السياسية. اي كيفما يكون أسلوب حياة الإنسان يكون أسلوب تفكيره.

هذا يعني ان تاريخ تطور المجتمع أساساً هو تاريخ تطور الإنتاج، تاريخ أساليب الإنتاج التي خلف أحدها الآخر عبر القرون، فتاريخ تطور قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج بين الناس. لذا فتاريخ التطور الإجتماعي هو في نفس الوقت تاريخ منتجي القيم المادية أنفسهم، تاريخ الكادحين الذين هم القوة الرئيسة في عملية الإنتاج والذين ينجزون إنتاج القيم المادية الضرورية لوجود المجتمع.

ولهذا فإذا أريد لعلم التاريخ أن يكون علما حقيقيا، فلا يمكن بعد الآن إختزال تاريخ التطور الإجتماعي إلى اعمال ملوك وجنرالات و"فاتحين" مخضعي دول، بل يجب أولاً تكريس التاريخ كتاريخ لمنتجي القيم الضرورية للحياة، كتاريخ للجماهير الكادحة وكتاريخ للشعوب.
ولهذا فإن مفتاح دراسة قوانين تاريخ المجتمع يجب الا نبحث عنه في أدمغة الناس، و نظرات وأرآء المجتمع، بل في أسلوب الإنتاج الذي مارسه المجتمع في كل فترة تاريخية, وعلينا ان نبحث عنه في الحياة الإقتصادية للمجتمع.

ولهذا فإن المهمة الرئيسة لعلم التاريخ هي دراسة وكشف قوانين الإنتاج، قوانين تطور قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، قوانين تطور المجتمع الاقتصادي. ولهذا إذا اراد حزب البروليتاريا ان يكون حزبا حقيقيا، عليه فوق كل شيء ان يحوز معرفة قوانين تطور الإنتاج، قوانين تطور المجتمع الاقتصادي. ولذا إذا أراد الحزب الا يخطئ في السياسة، عليه سواء في وضع منهاجه أو في نشاطاته العملية أن ينهج بالأساس من قوانين تطور الإنتاج، من قوانين تطور المجتمع الاقتصادي.

والخاصية الثانية للإنتاج وهي ان تغيره وتطوره يبدأ دائما بتغيرات وتطور قوى الإنتاج، وبالدرجة الرئيسة، بتغيرات وتطور أدوات الإنتاج فقوى الإنتاج بناء علىهذا هي عنصر الإنتاج الأكبر حركة وثورية. فقوى إنتاج المجتمع تتغير وتتطور أو تتعطل استنادا لهذه التغيرات. وبالأنسجام معها، تتغير علاقات الناس الإنتاجية, علاقاتهم الإقتصادية.

وهذا لا يعني طبعا ان علاقات الإنتاج لا تؤثر في تطور قوى الإنتاج وان الاخيرة لا تعتمد على الأولى. فبينما يعتمد تطور علاقات الإنتاج على تطور قوى الإنتاج فإن علاقات الإنتاج بدورها تؤثر على تطور قوى الإنتاج، بتسريعه أو إعاقته. وبهذا الخصوص يجب ملاحظة ان علاقات الإنتاج لا تتآخر لوقت طويل جدا بحال تناقضها مع نمو قوى الإنتاج بقدر لا تستطيع معه قوى الإنتاج ان تتطور تطورا كاملا الا حين تكون علاقات الإنتاج منسجمة مع طابع قوى الإنتاج، مع حالتها، وتسمح لها باقصى مجالات التطور.

لهذا، مهما إزدادت علاقات الإنتاج تأخراً وراء تطور قوى الإنتاج فإنها يجب ان تصبح متوافقة مع مستوى تطور قوى الإنتاج وطابع قوى الإنتاج ان عاجلا أو آجلاً، والا حصل خرق أساسي لوحدتهما كقوى وعلاقات ضمن نظام الإنتاج، يتفكك به الإنتاج ككل فاستمرار الأزمة في الإنتاج ترتبط بتفكك قوته.
ففي حال تعارض علاقات الإنتاج مع طابع قوى الإنتاج، تتصادم معها، كحال الازمة الإقتصادية في البلدان الرأسمالية، حيث تكون الملكية الرأسمالية الخاصة لوسائل الإنتاج في حال تناقض صارخ مع الطابع الإجتماعي لعملية الإنتاج، وقوى الإنتاج. مما ينتج أزمات اقتصادية تدمر قوى الإنتاج.

وإضافة إلى هذا التدمير، يشكل التعارض بين الملكية الخاصة والإنتاج الإجتماعي الأساس لقيام للثورة الإجتماعية التي تهدف لتحطيم علاقات الإنتاج القائمة وخلق علاقات إنتاج جديدة تنسجم مع طابع قوى الإنتاج.

أما في الحال التي تكون فيها علاقات الإنتاج منسجمة مع طابع قوى الإنتاج فهي حال الاقتصاد الوطني الاشتراكي ففي الإتحاد السوفييتي تنسجم الملكية الإجتماعية لوسائل الإنتاج مع مستوى قوى الإنتاج ولهذا السبب فلا وجود لأزمات الاقتصاد المحطمة لقوى الإنتاج.

وبناء على هذا فقوى الإنتاج لا تمثل فقط العنصر الأكثر حركة وثورية في الإنتاج بل هي أيضاً العنصر المقرر لتطور الإنتاج. فأياً ما تكن قوى الإنتاج فكذلك يجب أن تكون علاقات الإنتاج.

وبينما يجيب وضع قوى الإنتاج على التساؤل بأية أدوات إنتاج ينتج الناس القيم المادية التي يحتاجونها؟ فكذلك وضع علاقات الإنتاج يقدم الجواب على سؤال آخر هو: من يمتلك وسائل الإنتاج (الارض، الغابات، الماء، الثروات المعدنية، المواد الخام، أدوات الإنتاج، الخ..)؟ من يتحكم بوسائل الإنتاج، أهم المجتمع كله، أم اشخاص افراد، أو جماعات أو طبقات آخرى؟

وفيما يلي صورة موجزة لتطور قوى الإنتاج المادية منذ العصور الغابرة إلى ايامنا هذه حيث كان الأنتقال من الأدوات الحجرية الأولية إلى القوس والنشاب، ومن الأدوات الحجرية إلى الأدوات المعدنية (الفأس الحديد، المحراث المزود بحديدة قاطعة الخ..)، فمع الأنتقال المتطابق للحراثة والزراعة، حدث تحسين آخر للأدوات المعدنية لتطوير المواد نفسها بادخال كير الحداد، وصنع الخزف كعلامة على تطور الحرف وانفصالها عن الزراعة، وكذلك التطور المستقل للحرف والورش وبدء الانتقال من أدوات الورش إلى المكائن والتحول إلى صنعة المكائن والإنتقال معه إلى نظم المكائن ونشوء الصناعة الحديثة الواسعة النطاق.
وهذي صورة عامة وتقريبية بعيدة عن الكمال لتطور قوى الإنتاج في المجتمع خلال تاريخ الإنسان. ولكنها تؤشر على تطوير وتحسين لأدوات الإنتاج قام به الناس الذين كانوا مرتبطين بالإنتاج، وبناء عليه، يكون تغيير وتطوير أدوات الإنتاج قد رافق تغيير وتطور الناس، بإعتبارهم عنصر قوى الإنتاج، وذلك بتغير وتطور ميزاتهم الإنتاجية، ومهاراتهم العملية، وقدراتهم على تناول أدوات الإنتاج.فبالإنسجام مع تغير وتطور قوى إنتاج المجتمع بمسار التاريخ تغيرت وتطورت أيضاً علاقات إنتاجهم. وقد عرفت في التاريخ خمسة أنواع من علاقات الإنتاج: المشاعية البدائية، العبودية، الاقطاع، الرأسمالية ، والإشتراكية.

وأساس علاقات الإنتاج في ظل النظام المشاعي البدائي هو الحيازة الجماعية اوسائل الإنتاج. وهو ما يتواشج بصورة رئيسية مع قوى الإنتاج في تلك الفترة. فالأدوات الحجر وبعدها القوس والنشاب، لم تكن كافية لقيام الناس منفردين بالتعامل مع قوى الطبيعة والحيوانات المفترسة. فلجمع الفواكه وصيد الأسماك، وبناء المساكن، إضطر الناس للعمل مجتمعين فهم لم يريدوا أن يموتوا جوعا، أو أن يكونوا فرائس للحيوانات أو ضحايا للمجتمعات المجاورة. فالعمل سوية إرتبط بحيازة جمعية لوسائل الإنتاج، وكذلك لثمار الإنتاج. فهنا لم توجد بعد فكرة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، عدا نذر من ملكية شخصية لبعض أدوات الإنتاج التي كانت، في الوقت ذاته، وسائل دفاع ضد الحيوانات المفترسة. فهناك لم يكن ثمة إستغلال أو طبقات.

أما أساس علاقات الإنتاج في النظام العبودي فهو إمتلاك وسائل الإنتاج مع العامل في الإنتاج ـــ كعبد يباع أو يشترى أو يقتل كما لو كان حيواناً. وهي علاقات ترتبط بحال قوى الإنتاج آنذاك. فبدلا من الأدوات الحجر أصبح الإنسان يستعمل أدوات معدنية، وبدلا من الصيد البائس البدائي وجهل الرعي والزرع ظهر الرعي والزراعة والحرف، وتوزيع العمل بين فروع الإنتاج هذه. وظهرت هنا امكانية تبادل المنتجات بين الافراد وبين الجماعات،وإمكانية تراكم الثروة في أيدي قلة من الناس، بتراكم فعلي لأدوات الإنتاج وامكانية اخضاع الاقلية للاغلبية وتحويلها إلى عبيد. ولم يوجد في هذه المرحلة العمل الحر لأعضاء المجتمع في عملية الإنتاج، ففي هذه المرحلة يسود عمل العبيد القسري، وأنعدمت الحيازة العامة لوسائل الإنتاج أو لثمار الإنتاج فقد حل محلها التملك الخاص. فهنا مالك العبيد هو مالك الثروة الرئيسي والأساسي بكل ما في العبارة من معنى.
هنا وجد الغني والفقير، المستغل والمستغل، والناس الذين لهم كامل الحقوق والناس الذين لا حقوق لهم، ووجد الصراع الطبقي المستعر بينهم، وهذه هي صورة النظام العبودي.

وأساس علاقات الإنتاج في نظام الاقطاع هي إمتلاك السيد الإقطاعي تماماً لوسائل الإنتاج دون أن يمتلك العامل على الإنتاج، القن، ولم يعد السيد الإقطاعي يستطيع قتل القن ولكنه يستطيع شراءه أو بيعه. وإلى جانب ملكية الإقطاع فثمة ملكية فردية يمتلك فيها الفلاح والحرفي أدوات إنتاجه ومشروع خاص به القائم على أساس عمله الشخصي في الأرض المقطعة. وتتواشج علاقات الإنتاج هذه مع حال قوى الإنتاج في تلك الحقبة. التي إرتبطت بتحسينات اخرى في صهر الحديد والعمل به، وانتشار المحراث الحديد والمغزل ، وتطور الزراعة والبستنة وزراعة الكروم، وتصنيع الألبان، وظهور الورش والمعامل الكبيرة إلى جانب الورشات الحرفية .

هذه المعالم المميزة لحال قوى الإنتاج تتطلب قوى جديدة تتميز بأن يبدي الكادح شيئا من المبادأة في الإنتاج وميلاً للعمل وإهتماما بالعمل. فالسيد الإقطاعي أصبح ينبذ العبد باعتباره عامل لا اهتمام له بالعمل وعديم المبادرة إطلاقا، ويفضل التعامل مع القن الذي يمتلك اقتصاده الخاص وأدوات إنتاجه وبعض الاهتمام في العمل كشيء جوهري في زراعة الارض ويدفع جزءاً من حصاده عينا إلى السيد الإقطاعي. وفي هذه المرحلة تطورت الملكية الخاصة تطورا إضافيا وبقى الإستغلال كما كان في ظل العبودية تقريبا، ورغم تلطيفه نوعاً ما فإن الصراع الطبقي بين المستغلين والمستغلين ظل هو الصفة السيدة للنظام الإقطاعي.

أما المعالم الرئيسية لعلاقات الإنتاج في ظل النظام الرأسمالي فهي ان الرأسمالي يمتلك وسائل الإنتاج، ولا يمتلك عمال الإنتاج، العمال بأجور الذين لا يستطيع الرأسمالي قتلهم ولا بيعهم لأنهم أحرار شخصيا، ولكنهم محرومون من وسائل الإنتاج، ولكي لا يموتون جوعا فإنهم يضطرون إلى بيع قوة عملهم إلى الرأسمالي وان يرزحوا تحت نير الإستغلال.

وجوارالملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج نجد نطاقا واسعا من الملكية الخاصة للفلاحين واصحاب الحرف في ملكية وسائل الإنتاج، وهؤلاء الفلاحون وأصحاب الحرف الذين لم يعودوا أقنانا تقوم ملكيتهم الخاصة على أساس كدحهم الشخصي.

فبدلاً من ورش الحرف ظهرت المعامل والمصانع ذات المكائن. وبدلا من قطع الأرض الزراعية للفلاح وزرعها بأدوات إنتاج بدائية، تظهر الأن مزارع رأسمالية واسعة تدار بطرق علمية ومزودة بمكائن زراعية. وقوى الإنتاج الجديدة هذه تتطلب أن يكون العمال في الإنتاج أفضل تعليماً وثقافة وذكاء من الاقنان المسحوقين الجهلة، ليكونوا قادرين على فهم المكائن وتشغيلها، لذا يفضل الرأسمالي التعامل مع العمال بالأجر الأحرار من القيود الحائزين لثقافة تكفي لتشغيل المكائن تشغيلا صحيحا.

ولكن الرأسمالية، وقد طورت باحتياجاتها قوى الإنتاج إلى مدى واسع جدا، وقعت في شرك من التناقضات لا تستطيع التخلص منه. فبإنتاج كميات أكبر وأكبر من السلع، وأنخفاض أسعارها تفاقم الرأسماليـة المنافسة وتدمر عددا زائداً من الملاك الخاصين الصغار والمتوسطين وتحولهم إلى بروليتاريا وتخفض من قدراتهم الشرائية، فيصعب عليها التخلص من السلع المنتجة.

ومن الناحية الثانية، فبتوسيع الإنتاج وتركيز ملايين العمال في مصانع ومعامل عملاقة ومتجاورة تضفي الرأسمالية على عملية الإنتاج طابعا اجتماعيا واضحاً وبذلك تقوض أساسها الخاص، طالما ان الطابع الإجتماعي لعملية الإنتاج يرتبط بملكية إجتماعية لوسائل الإنتاج، في حين تبقى وسائل الإنتاج ملكية رأسمالية خاصة لا تنسجم مع الطابع الإجتماعي لعملية الإنتاج.

هذه التناقضات المتضاربة بين طابع قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج تبدو محسوسة في الأزمات الدورية لفيض الإنتاج، حين يقل الطلب على بضاعة الرأسماليين نظرا للفقر الذي خلقوه هم بانفسهم بين جمهور السكان، فيضطرون إلى إحراق وتدمير البضائع المنتجة وايقاف الإنتاج وهدر قوى الإنتاج في الوقت الذي يقسر فيه الملايين من الناس على التعطل ويتضورون جوعا لا لعدم وجود الكميات الكافية من البضائع بل لوجود فيض من إنتاج البضائع.

وهذا يعني ان علاقات الإنتاج الرأسمالية توقفت عن الإنسجام مع قوى إنتاج المجتمع وأصبحت في تناقض وتعارض معها. وهذا يعني ان الرأسمالية تلد الثورة التي رسالتها هي الإستعاضة عن ملكية الرأسمالية لوسائل الإنتاج بملكية اشتراكية وهذا يعني ان الصفة الأساسية للنظام الرأسمالي هي إشتداد الصراع الطبقي بين المستغلين وموضوع الإستغلال.

وأساس علاقات الإنتاج في ظل النظام الاشتراكي الذي تأسس لحد الآن في الاتحاد السوفييتي فقط هو الملكية الإشتراكية لوسائل الإنتاج. هنا لا يوجد مستغلين ومستغلين. فالبضائع المنتجة توزع وفقا للعمل المنجز وفقا لمبدأ "من لايعمل لا يأكل". هنا تتميز العلاقات المتبادلة بين الناس وعملية الإنتاج بالتعاون الرفاقي،والمساعدة الإشتراكية للعمال المتحررين من الإستغلال. هنا تنسجم علاقات الإنتاج مع حال القوى المنتجة لأن الطابع الإجتماعي لعملية الإنتاج يتعزز بالملكية الإجتماعية لوسائل الإنتاج.

ولهذا السبب لا يعرف الإنتاج الاشتراكي الأزمات الدورية لفيض الإنتاج ولا الحماقات المرافقة لها.لهذا السبب تتطور قوى الإنتاج هنا بخطوات متسارعة لأن علاقات الإنتاج التي تنسجم معها تمنح أوسع المجال لهذا التطور.

هذه الصورة لتقدم علاقات إنتاج الناس في مسار التاريخ البشري. تبين اعتماد تطور علاقات الإنتاج على تطور قوى الإنتاج في المجتمع، وبالدرجة الرئيسية، على تطور أدوات الإنتاج، هذا الإعتماد الذي بفضله تؤدي تغييرات وتطورات قوى الإنتاج، عاجلا أم آجلا، إلى تغييرات وتطورات علاقات الإنتاج. وفي هذا الصدد يقول ماركس "ان إستخدام وتصنيع أدوات للعمل ولو إنها موجودة جنينيا ببعض فصائل الحيوانات، لكنها تميز عملية العمل الإنساني ولذلك عرف بنيامين فرانكلين الإنسان كحيوان صانع للألات.ولآثار أدوات عملية العمل المندثرة نفس الأهمية في تحري الاشكال الإقتصادية المندثرة التي تقدمها العظام المتحجرة لتقرير فصائل الحيوانات المندثرة.

و"تحري آثار ادوات الإنتاج يجعل بامكاننا التمييز بين العصور الإقتصادية التي يجري في ظلها ذلك العمل وليس الأدوات المصنوعة في حد ذاتها بل كيفية صنعها وبأية أدوات." (ماركس،/ الراسمال، الأول)،

ولإرتباط العلاقات الإجتماعية ارتباطاً وثيقا بقوى الإنتاج، فبالحصول على قوى إنتاج جديدة يغير الناس أسلوب إنتاجهم، وكما يتغير أسلوب إنتاجهم بتغيير طريقة الحصول على رزقهم فإنهم يغيرون علاقاتهم الإجتماعية. فالرحى تعطيك مجتمعا مع سيد الإقطاع، والمحرك العامل بالبخار يعطيك مجتمع الرأسمال الصناعي." "وثمة حركة مستمرة في نمو قوى الإنتاج، في تحطيم علاقات الإنتاج، في تكوين الأرآء، فالشيء الوحيد الثابت الذي لا يتغير هو الحركة." (ماركس، فقر الفلسفة)

ويتحدث أنجلز عن المادية التاريخية كما صيغت في البيان الشيوعي: "ان الإنتاج الاقتصادي وتركيب المجتمع في كل عصر تأريخي نشأ عنه بالضرورة، يشكلان معاً أساس التاريخ السياسي والفكري لذلك العصر.. لذا فمنذ إنحلال الحيازة المشاعية البدائية للأرض أصبح كل التاريخ تاريخاً للصراعات الطبقية، صراعات بين المستغلين والمستغلين، بين الطبقات المسودة والطبقات السائدة في مختلف مراحل التطور الإجتماعي وقد بلغ هذا الصراع الآن مرحلة لم تعد فيها الطبقة المستغلة المضطهدة البروليتاريا تستطيع أن تحرر نفسها من الطبقة التي تستغلها وتضطهدها (البرجوازية) بدون ان تحرر في الوقت ذاته للأبد المجتمع كافة من الإستغلال والاضطهاد والصراعات الطبقية.

صفة ثالثة للإنتاج هي ان نشوء قوى إنتاج جديدة وعلاقات الإنتاج المطابقة لها لا يحدثان منفصلين عن النظام القديم، أوبعد اختفاءه، بل ضمن النظام القديم نفسه، يحدثان ليس نتيجة لنشاط الناس المقصود والواعي، بل تلقائيا بصورة غير واعية، مستقلة عن ارادة الناس ووعيهم وذلك لسببين:
أولا: لأن الناس ليسوا احرارا في اختيار أسلوب الإنتاج هذا أو ذاك، لأنه حين يدخل كل جيل جديد الحياة يجد قوى إنتاج وعلاقات إنتاج قائمة فعلا كنتيجة لعمل الجيل السابق. وبسبب ذلك يجب عليه في البداية أن يقبل ويكيف نفسه لكل ما يجده جاهزا في مجال الإنتاج لكي يستطيع ان ينتج القيم المادية.

ثانيا: بما ان الناس حين يحسنون أداة إنتاج واحدة أو أخرى، أو عنصراً من عناصر قوى الإنتاج أو أخر، لا يدركون ولا يفهمون ولا يفكرون: أية نتائج إجتماعية تؤدي اليها هذه التحسينات بل يفكرون فقط بمصالحهم اليومية، بتسهيل كدحهم، وضمان نوع من التقدم المباشر أو غير المباشر لأنفسهم.
فحين تحول بعض أعضاء المجتمع المشاعي البدائي تدريجيا وبطريق التجربة من إستخدام الأدوات الحجرية إلى إستخدام الأدوات الحديدية لم يعلموا ولم يتوقفوا للتفكير بالنتائج الإجتماعية التي سيؤدي اليها هذا التجديد، ولم يفهموا أو يدركوا ان التحول إلى الأدوات الحديد كان يعني ثورة في الإنتاج وأنه بالمدى البعيد سيؤدي إلى نظام العبودية.لأنهم أرادوا ببساطة ان يسهلوا من كدحهم وأن يضمنوا فائدة فورية محسوسة، فنشاطهم الواعي كان محصورا ضمن حدود مصالحهم.

وحين بدأت البرجوازية الفتية في أوربا، في ظل نظام الإقطاع، في اقامة الورش والمعامل الكبيرة، إلى جانب ورشات الصناعات الحرفية الصغيرة مطورة بذلك قوى إنتاج المجتمع، فإنها لم تعر إهتماماً ولم تتوقف للتفكير بالنتائج الإجتماعية التي يؤدي اليها هذا التجديد. ولم تدرك أو تفهم بأن هذا التجديد "الصغير" سيؤدي إلى تجميع جديد للقوى الإجتماعية. مما كان سينتهي بالثورة على سلطة الملوك الذين قدروا أفضالهم أيما تقدير وضد طبقة النبلاء الذين كان أكبر ممثلي البرجوازية يطمحون إلى الارتفاع إلى صفوفها. فقد أرادت البرجوازية فقط خفض تكاليف إنتاج البضائع، وانزال كميات كثيرة من البضائع إلى أسواق آسيا وأفريقيا وأميركا الحديثة الاكتشاف، وأن تحصل على المزيد من الارباح. فنشاطها الواعي كان منحصراً ضمن الحدود الضيقة لهذا الهدف العملي المألوف.

وحين أدخل الرأسماليون الروس بالإرتباط مع الرأسماليين الاجانب، الصناعة المكننة الحديثة في روسيا، وقت كانت القيصرية سليمة تضع الفلاحين تحت رحمة الملاكين، فإنهم لم يعرفوا، ولم يتوقفوا للتفكير بالنتائج الإجتماعية التي سيؤدي إليها هذا النمو الهائل في قوى الإنتاج، ولم يدركوا أو يفهموا إن هذه الطفرة في مستوى قوى الإنتاج ستؤدي إلى تجميع قوى الإنتاج التي تمكن البروليتاريا، حال تحقيق اتحادها مع المزارعين، من إنجاز ثورة اشتراكية ظافرة. لقد أرادوا ببساطة توسيع الإنتاج الصناعي وأن يسيطروا على السوق المحلية الضخمة ويصبحوا إحتكاريين يعتصرون أقصى ما يمكن من أرباح من الاقتصاد الوطني. فنشاطهم الواعي لم يمتد لأبعد من مصالحهم العملية. لذا يقول ماركس: في الإنتاج الإجتماعي الذي ينجزه الناس (أي في إنتاج القيم المادية الضرورية لحياة الناس - ستالين) فإنهم يدخلون في علاقات محددة لا مفر منها ومستقلة عن إراداتهم، علاقات إنتاج تتوافق مع مرحلة محددة من تطور قوى إنتاجهم المادية".
الا ان هذا لا يعني ان التغيرات في علاقات الإنتاج، والإنتقال من علاقات إنتاج قديمة إلى علاقات إنتاج جديدة يجري بسلاسة، دون إصطدامات، ودون إنتفاضات، بل يحدث هذا الأنتقال عادة بواسطة إطاحة ثورية بعلاقات الإنتاج القديمة واقامة علاقات إنتاج جديدة. ضمن فترة معينة من تطور قوى الإنتاج، حيث تجري التغيرات في مجال علاقات الإنتاج مستقلة عن ارادة الإنسان وهو ما يحدث إلى لحظة معينة فقط، تكون فيها قوى الإنتاج الجديدة المتطورة قد بلغت درجة معينة من النضوج. وبعد نضجها تصبح علاقات الإنتاج القائمة والمتمسكين بها وهي الطبقات الحاكمة ذلك العائق الذي "لا يحتمل" والذي لا يمكن ازاحته الا بعمل واعي، وقسري تقوم به الطبقات الجديدة ، وهو الثورة.

وهنا يبرز الدور العظيم للأرآء الإجتماعية، للمؤسسات السياسية الجديدة، للسلطة السياسية الجديدة التي تكون مهمتها إزالة علاقات الإنتاج القديمة بالقوة نتيجة للتصادم بين قوى الإنتاج الجديدة وعلاقات الإنتاج القديمة.
فنتيجة لمتطلبات المجتمع الإقتصادية، تنشأ أرآء اجتماعية جديدة تنظم وتحرك الجماهير، وتدفعها لتكون جيشا سياسياً جديداً وتخلق سلطة ثورية جديدة تفيدها في إزالة النظام القديم لعلاقات الإنتاج بالقوة وتقيم بها نظاماً جديداً.
هنا تخلي عملية التطور التلقائي مكانها لعمل الناس الواعي، ويخلي التطور السلمي مكانه للإنتفاض، ويخلي النمو اللزج مكانه للثورة. يقول ماركس: "ان البروليتاريا خلال صراعها مع البرجوازية تضطر، بقوة الأحداث، ان تنظم نفسها كطبقة ... وبواسطة الثورة تجعل نفسها الطبقة الحاكمة، وهكذا تزيح بالقوة ظروف الإنتاج القديمة".( البيان الشيوعي)

(أ) فالبروليتاريا تستخدم تفوقها السياسي لتنتزع بالتدرج رأس المال من البرجوازية وتركز جميع أدوات الإنتاج في أيدي الدولة أي في أيدي البروليتاريا المنظمة كطبقة حاكمة، ولتزيد مجموع قوى الإنتاج بأسرع ما يمكن".

(ب) "القوة، هي القابلة المولدة في كل مجتمع قديم عند تمخضه المجتمع جديد". ( ماركس, الرأسمال) وفيما يلي الصياغة الرائعة لجوهر المادية التاريخية التي قدمها ماركس في مقدمته التاريخية لكتابه الشهير نقد الاقتصاد السياسي:
"في الإنتاج الإجتماعي الذي ينجزه الناس يدخلون في علاقات محددة لا مفر منها ومستقلة عن ارادتهم، وعلاقات الإنتاج هذه ترتبط بمستوى تطور قوى إنتاجهم فمجموع علاقات الإنتاج هذه يشكل تركيب المجتمع الاقتصادي أي الأساس الذي ينشأ عليه البناء الفوقي القانوني والسياسي الذي ترتبط به اشكال محددة من الوعي الإجتماعي. وعملية حياتهم السياسية والفكرية عموما. فليس وعي الناس هو الذي يقرر وجودهم بل العكس، حيث وجودهم الإجتماعي هو الذي يقرر وعيهم.

وفي مرحلة معينة من تطور قوى الإنتاج المادية في المجتمع تدخل في صدام مع علاقات الإنتاج القائمة، أو بتعبير قانوني أكثر، مع علاقات الملكية التي كان الناس يعملون ضمنها سابقاُ. فهذه العلاقات تتحول من شكل لتطور قوى الإنتاج إلى أغلال تكبلها. وحينئذاك يبدأ عصر الثورة الإجتماعية.

ومع تغير الأساس الاقتصادي للمجتمع يتحول البناء الفوقي الهائل كله بسرعة نوعاُ ما. وفي هذي التحولات يجب التمييز دوماً بين التحولات المادية لظروف الإنتاج الإقتصادية، التي يمكن تحديدها بدقة العلوم الطبيعية، وبين التشكيلات القانونية أو السياسية أو الدينية أو الفنية أو الفلسفية، أو بإختصار الاشكال الآيديولوجية التي يعي الناس فيها هذا التصادم ويناضلون ضده.
فكما رأينا عن أن الفرد لا يتأسس بما يفكره عن نفسه، فكذلك لا نحكم على حقبة من التحولات بوعيها هي، بل على العكس يجب أن يستمد تفسير هذا الوعي بالأحرى من تناقضات الحياة المادية، من التصادم القائم بين قوى الإنتاج الإجتماعي وعلاقات الإنتاج. فلا يختفي نظام اجتماعي قبل تطور قوى الإنتاج التي لها مجال للتطور فيه، ولن تظهر علاقات إنتاج جديدة قبل ان تكون شروط وجودها المادية قد نضجت في رحم المجتمع القديم ذاته.

لذا فالجنس البشري لا يضع لنفسه إلا المهام التي يمكنه القيام بها، وبما أننا نجد دائما لدى درسنا الأمور، ان المهمة لا تنشأ الا إذا وجدت الظروف المادية الضرورية لحلها أو على الأقل في سياق تكوينها.(ماركس) فمادية ماركس في تطبيقها على الحياة الإجتماعية، تكون مادية التاريخ. وبهذا نرى أي كنز نظري خلفه لينين للحزب وصانه من هجمات الإنتهازيين والمرتدين، وبذا نقدر أهمية كتاب لينين "الماديـة والنقد التجريبي"في تطور حزبنا.

أنتهى ملخص ستالين


هذا الملخص أصبح مركزاً نظرياً لإرتفاع إتحاد السوفييت دولة عظمى مثلما أضحى بؤرة للهجوم عليه وتعليق أخطاء عشرات الدول والأحزاب والحكام والنظريات العلمية وحركات التحرر به.بل ان بعض تناظير الأحزاب الشيوعية تعده ودولته وحزبه وقيادتهما وتاريخهما السبب المحوري لكل البشاعات الرأسمالية في العالم اليوم كما ان كثير من الكتابات الشيوعية بعد المؤتمر العشرين لحزب السوفييت (إنعقد في فبراير 1956). تحمل هذا الملخص التعليمي كافة أخطاء الأحزاب الشيوعية في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وأوقناسيا، بل والأدهى في دول هذه القارات أن بعض من فروع هذه الأحزاب، كفرع حزب في منطقة نأئية تعان بطبيعة التقسيم الرأسمالي للموارد في بلادها من صنوف التهميش والحرمان أكثر مما تعاني من الإستغلال تجدها تلقي مسؤولية السلوك السالب الجاف أو السهل لبعض قياداتها على طبيعة هذا الملخص ومحتوياته بدلاً عن إنتباهها لأثر البيئة الإجتماعية وطبيعة مجال العمل وظروفه في الطبيعة النفسية أو السياسية القحة لممارسة السكان و أفراد التظيم للعمل السياسي. كما إن كثير من الكتابات الصادرة في أوائل القرن الواحد والعشرين تلقي بالعجز عن تجاوز أزمة الليبرالية في العالم الثالث بما فيها من حكومات طائفية وقبيلية وإنقلابات على هذا الملخص!؟


3- تقييم الإنتهازية والتحريف في عملية تقييم ستالين:
ولكن من جهة أخرى فبعد عشرات السنين من أزمة الماركسية الثانية التي قامت أساساً بتناقض المصالح بين التصفية العاجلة أو الآجلة لبقايا النظام القديم في الإنتاج والسلطة، قام معهد العلوم الإجتماعية وهو أكاديميـة عليا للشيوعية كما أكاديمية أثينـا القديمة أو مستنسخاتها الطبقية المعاصرة بكتابة "نظريـة وتكتيـك الحركة الشيوعية العالمية" كتاباً طرح فيه أنماط ألآيديولوجيات المهاجمة للماركسية في موضوع حدده بإسم: "الماركسية والصراع الإيديـولوجي" قال: (( إن الإنتهازية بالمعنى الدقيق للكلمة هي تكييف مصالح الطبقة العاملة لمصالح البرجوازية، كتب لينين: ((أن الإنتهازية تعد كذلك لأنها تضحي بالمصالح الجذرية للحركة في سبيل منافع مزعومة أو إعتبـارات مستندة للحسابات السطحية والقصيرة النظر للغاية)) نظامان/المؤلفات وتتجلى الإنتهازية في ممارسة النضال الطبقي كما في النظرية. وهي في النظرية تتخذ شكل التحريف.

والتحريفية إذ تدعي بتطوير الماركسية اللينينية على نحو خلاق إنما تعني في الواقع التخلي عن أفكارها الثورية الأساسية. وهي تستبدلها بالأراء البرجوازية أو البرجوازية الصغيرة في جوهرها وتبرر فكرياً الإنتهازية في السياسة، وقد نعت لينين التحريفية بأنها نوع خاص من الإنتـهازية.

وخوض النضال الناجح ضد الإنتهازية يتطلب معرفة أسباب حيويتها، ولماذا تنشط في هذه المرحلة أو تلك من مراحل النضال الطبقي. وفي هذا كتب لينين: ((الإنتهازية ليست صدفة، وليست خطيئة، وليست سهواً وهي ليست خيانة من جانب أشخاص معينين، بل هي أنتاج إجتماعي لعصر تاريخي كامل)) إنهيار الأممية. لذا يمكن فهم التحريفية والإنتهازية وتفسيرها إذا حللنا الخصائص المميزة للعصر التاريخي المعنى وظروف تطور الحركة العمالية والتحررية والعوامل المؤثرة عليها فأسباب الإنتهازية ذات طابع إقتصادي وإجتماعي وسياسي وأيديولوجي وهي تتجلى في الحياة الواقعية بصورة تفاعلية يكمل بعضها بعضاً.


الجذور الإجتماعية والإقتصادية للإنتهازية في البلدان النامية:
 ظهور الأرستقراطيات العمالية والبرجوازية والبيروقراطية مع مناخ سمته الجدلية الأزمة والربح في ظروف سيطرة الإمبريالية والإحتكارات على الدول المستقلة.

 واقع نمو الحركة العمالية ذاته وسط الفئات الإجتماعية الوسيطة التي تحمل أوهام وضلالات البرجوازية الصغيرة وسيكولوجيتها وتذبذبها الآيديولوجي. بما في ذلك تصوير الدولة كجهاز فوق الطبقات يخدم كصالح المجتمع كله، وأن الدولة في ممارستها للنشاط الإقتصادي يجب ان لاتمس إستقرار الإقتصاد ومصالح الملكيات الخاصة الكبيرة، والإيهام بتغير وتغيير طبيعة الرأسمالية، وكذلك الوهم بإمكان السلام الإجتماعي الطبقي.

الإنتهازية في المجال السياسي [الدولي]:
تتجلى في محاولة تفادي ضغوط الدول الإمبريالية وتقديم تنازلات متتالية ولا مبدئية لها، للحصول منها على إمتيازات وتنازلات لا تجد الإمبريالية مبررات لتقديمها لشركاء صغار معزولين عن جماهيرهم ومحيطهم.

الجذور الآيديولوجية للإنتهازية:
 الهجوم الأيديولوجي على الطبقة العاملة وعموم الكادحين، وتصوير المجتمع الرأسمالي على انه مجتمع إنساني ديمقراطي.

 نسف ثقة الشغيلة بأفكار الثورة والإشتراكية،

 الإرتباط بالنفعية الضيقة والتضحية بالأهداف الطويلة المدى والمبادئي لأجل المنافع العاجلة اللامبدئية.

ووضح الكتاب التكتيكات الإنتهازية للتحريف الآيديولوجي ذاكراً إنه: ((بدلاً من النظرية العلمية المتكاملة التي هي مرشد أمين في النضال ضد الإمبريالية يقترح الإنتهازيون خليطاً يضم مقتطفات من مؤلفات أعلام الماركسية اللينينة مقرونة مع المذاهب الرائجة للآيديولوجيين البرجوازيين والبرجوازيين الصغار في الغرب، وأستشهادات دينية وإعترافات مثيرة لمتحايليين من خدم الإمبريالية، ووراء جميع هذه التكوينات الإنتقائية يتجلى إتجاه معين حيث يزرع الإنتهازيون الفرقة بين قوى النضال الاشتراكي ويلقون بمسئوليات التخلف الإقتصادي ومصائبه على عاتق العاملين والإشتراكية.))

الأسباب الذاتية لظهور الإنتهازية:
طرح الكتاب المعني بعض الأسباب الكامنة داخل حركة الأحزاب الشيوعية والتي تنتج الإنتهازية في الممارسة والتحريف في القيم الفلسفية والنظرية للإشتراكية العلمية ومثلها بسببين هما:

 المستوى النظري المتواضع لبعض أعضاء الأحزاب

 الأخطاء الإستراتيجية والتكتيكية التي تقترفها الأحزاب وزعماؤها في المنعطفات الشديدة للتطور الإجتماعي.
ومن الأخطاء الإستراتيجية والتكتيكية التي تقترفها الأحزاب وزعماؤها في المنعطفات الشديدة للتطور الإجتماعي الخطأ في تقدير توقيت وأسلوب نزع وتمليك الناس للأرض التي تسيطر عليها زعامات تقليدية، كما حصل تقريباً في مجمل العالم الثالث أو الخطأ في أسلوب مواجهة الضغوط الداخلية المرتدة من الممارسة الثورية.

ووضح الكتاب ان: المحك الحقيقي للنضوج الفكري والسياسي للأحزاب الثوريــة وزعمائها هو المحن الخطيرة التي تواجهها في الظروف المعقدة جداً للعملية الثوريـة المعاصرة. فإذا عاندت الأحزاب التي تقترف الأخطاء، وواصلت تطبيق السياسة الخاطئة، بدلاً من تقييم مواقفها بصورة إنتقادية وتصحيح الأخطاء، فإن هذا الموقف يقودها في عدد من الحالات إلى الإنتهازية وإلى القطيعة مع نظرية وتطبيق الإشتراكية العلمية.

ويواصل الكتاب تفكيك وشرح طبيعة الأجزاء الفكرية والعملية التي تطبع الممارسة والنشاط السياسي بطابع إنتهازي وتسم أفكاره بتحريف الأسس الفلسفية والعلمية المحركة للنشاط الثوري في إتجاهات يمينية تميل للمحافظة على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وأفكار يسارية تتحكم بثورة الجماهير وتحجزها في نطاق معين حيث يبين الكتاب أبعاد مايسميه بـ "الإنتهازية اليمينية" وأبعاد ما يسميه "الإنتهازية اليسارية" ، وذلك على وجه التفصيل التالي:


الإنتهازية والتحريفية اليمينية:
الإنتهازية هي الفعل والتحريفية هي الإنتهازية نفسها ولكن على الصعيد النظرية، وتتميز الإنتهازية والتحريفية اليمينية اليوم بما يلي:

1- المبالغة بتقدير السمات الحداثية للرأسمالية والمرتبطة بالثورة العلمية

2- إنكار الدور القيادي للطبقة العاملة في التطور الإجتماعي والإنصراف عن زعامتها والإتجاه في السياسة نحو زعامة التكنوقراط

3- المبالغة بقوة العدو الطبقي والإستسلام للإمبريالية والرجعية المحلية

4- إضفاء صفة الإطلاق على الطريق السلمي لتطور الثورة والفوز في الإنتخابات والصراع البرلماني، والتخلى عن النضال الصارم

5- المبالغة في قدرات البرجوازية المحلية في النضال ضد الإمبريالية

وفي هذا الصدد يمكن نقاش الصراع في الحزب الشيوعي السوداني في فترة أواخر ستينيات وأول سبعينيات القرن العشرين وإحتدامه حول سبيل السودان للخروج من الأزمة الإقتصادية السياسية الإجتماعية الثقافية لتطور المجتمع: فلجهة التخلف والظلم الإجتماعي السائد وخروج أحزاب شبه الإقطاع والرأسمالية المرتبطة بمقاليد الطائفية الدينية والمؤسسات القبيلية عن أبسط المبادئي الديمقراطية ومنعها للحزب الشيوعي السوداني ونشاطاته، قام شق من الحزب بقيادة السكرتير العام بالتمسك بتفعيل الديمقراطية والدأب على إنهاض الجماهير وتنظيمها في معارك الحياة اليومية وصولاً إلى إحداث التغيير الثوري بواسطة التطور الديمقراطي. بينما إتجه شق أخر بقيادة مسؤولي العلاقات الخارجية والتنظيم إلى التعلق بالتغيير العسكري للأمور للنفاذ منه إلى الديمقراطية الشعبية، ودعم هذا القسم إنقلاب "الضباط الأحرار" على ما سمي بـ"الديكتاتورية المدنية" وهو الإنقلاب الذي عارضته سكرتارية الحزب قبل قيام قيادة نميري الديكتاتورية للحكم بالإتجاه إلى أقصى درجات اليمين مطيحة بالطرفين الذين تبادلا الإتهام باليمينية. الأول لتمسكه بالبرلمانية والثاني لإعتماده على القوة والتآمر.


الإنتهازية والتحريفية اليسارية:
1- القفز على القوانين الإجتماعية للتطور الإجتماعي.

2- التقليل من الدور القيادي للطبقة العاملة والإتجاه لقوى أخرى.

3- إطفاء صفة الإطلاق على النضال المسلح لتطور الثورة.

4- إفتعال العملية الثورية والتعجيل بها، ورفض المراحل والعلنية والميل إلى المغامرة والتمرد والإنعزالية والتصفيات.

وإذ يُرجع لينين قنوط الإنتهازي ويأس الإرهابي إلى طبيعة البرجوازية الصغيرة فيهما. يصف الكتاب السمات المشتركة للإنتهازية والتحريفية في النقط الآتية:

 تجاهل سنن التطور الإجتماعي والصراع الطبقي والثورة الإشتراكية

 تجاهل الدور القيادي للطبقة العاملة في التطور الإجتماعي

 تجاهل الأسس الفكرية والتنظيمية لبناء الأحزاب الماركسية-اللينينية ونشاطها

 تشويه مبادئي الأممية البروليتارية.

وفي الفقرات السابقة التي نقلناها بتصرف بسيط، يمكن ملاحظة ان كثير من السمات العامة لتجديد الشيوعية والواقع تقع بوضوح ضمن التشكيلة العملية والفكرية للإنتهازية والتحريفية اليمينية.

وحسب رأي المعهد الشيوعي العلمي، فإن الحل الموضوعي لأزمة التوجه الإنتهازي اليميني يرتبط بإشاعة الماركسية- اللينينية من قبل الأحزاب الشيوعية عن طريق:
 التثقيف الذاتي المنظم نضاليا لاتجريدياً لعضوية الأحزاب الشيوعية، فالنضال هو الذي يربي الطبقة العاملة ويفتح عينها ويقوي إرادتها.

 إعتبارالخبرة السياسية للجماهير والوعي الطبقي البروليتاري الكامن فيها.

 التربية الفكريـة والآيديولوجية المنظمة للعمال وكوادر الحزب بالماركسية–اللينينية في النظرية والتطبيق والظروف التاريخية للبلاد،

 تنظيم حلقات التثقيف بمدارس وورش الحزب لدرس الإشـتراكيـة العلميـة والتجربة الحزبيـة ومحاربة العشائرية والإقليمية والقومية البرجوازية والعنصرية،

 تفعيل المدارس النقابية والشبابية.

وتتفق هذه المعالجات التعليمية التي قدمها "معهد العلوم الإجتماعية"، التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية للتغلب على الضعف النظري والنضالي للأحزاب الشيوعية، وأزماته التي نعيشها، مع جانب من الجهد النظري الذي قدمته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني لتأطير المناقشة العامة وتنظيمها، وهو جهد متميز عن بعض الموجهات والتعديلات التي كانت أو لم تزل تسير في خط تحريف يميني يضعف ويصفي الوجود النضالي للحزب الشيوعي السوداني بدعوة متكاملة للبحث عن إسم ونظرية وممارسة سياسية جديدة! أي باختصار إلى إلغاء الحزب الشيوعي وتكوين حزب جديد.

وهي دعوة كثيراً ما يلاحظ عليها تبديل صائغيها مفهوم "التاريخ" بمفهوم "المرحلة"، ومفهوم "الصراع الطبقي" بمفهوم "المؤتمر أو الإجماع القومي"، ومفهوم "قضايا الطبقة العاملة والمزارعين والكادحين" بمفهوم "القضايـا الوطنية العامة"، ومفهوم "حلف البروليتاريا والزراع والكادحين" بـمفهـوم "كل ألوان الطيف السياسي"، و"المجتمع المدني"، ومفهوم "النضال الطبقي بمفهوم "إنتظار إكمال الرأسمالية لتطورها"!! والتحجج بضعف الطبقة العاملة في السودان لكأنما الأنشطة الرأسمالية ستقوم بتقوية العمال.

وفي سياق النضال ضد الإمبريالية تشير قرائن الأحوال المعاصرة في عالمنا إلى التفعيل الفكري للمشروع البورجوازي-الليبرالي كمشروع لحكم التحرر الاجتماعي|الإنساني. ويمكن الإشارة إلى هذا المشروع بعلامات أسلوبه الفلسفية والمفاهيمية والمعلوماتية والتحليلية الظاهرة في الكتابات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية التي: تغمض الذكر المتناسق أو الموجب الموضوعي لأي من عناصر أو مؤشرات وجود وحركة ومراكز ما يصطلح عليه بـ"التقدم الإجتماعي" أي تقدم المجتمع في مجال إشباع حاجاته، وتحرير نفسه من التناقضات التاريخية بين قواه وعلاقاته، في المجال الذي تتناوله. ويمكن حصر بعض علامات على برجوازية الطرح الفكري تقوم بـأشكال مباشرة وغير مباشرة، لطيفة أو غليظة بـ

 نفي الوجود الموضوعي للطبيعة ، وتناولها بأشكال لايمكن بحثها
 نفي وجود الشكل الإجتماعي للطبيعة
 نفي إمكان دراسة حركة المجتمع
 نفي قيام هذه الحركة على قوانين موضوعية جزء من قوانين الطبيعة
 تناول الوجود الإجتماعي لأفراد المجتمع بمفاهيم ثنوية جمدية عازلة للوجود تفصله إلى قديم وحديث، وفرد ومجتمع، وإجتماع وسياسة،

 نفي التاريخ الإجتماعي أو أحد قوانينه وعوامله المائزة لحساب العناية والإهتمام بالأحداث المفردة والمراحل الزمانية

 التناول السالب للنظرات الإشتراكية العلمية .


4- النظر الشكلي والبرغماتي النفعي والتجريبي إلى التاريخ والديالكتيك:
وفقاً لهذا النهج فإن موضوع "الأزمات الإجتماعية" يتم تناوله في مجالات التنظير الإشتراكي بأخذ:
 مصالح الفرد منفصلة عن مصالح المجتمع وبشكل قائم على تحقيق إرادة الفرد ومصالحه الذاتية،

 وإكتفاء الدولة باداء مهام الأمن، والضرائب، والقضاء، "الدولة الحارسة" كضمان سياسي لسيطرة الملكية الخاصة على الوسائل العامة للإنتاج والتبادل الإجتماعي .

ويلاحظ أن مثل هذه التناولات تكرس إلغاء معطيات حقيقية في التاريخ والعلوم الإجتماعية.

وتأتي عملية تفعيل وأدلجة المشروع الليبرالي ونشره في العالم مع صعود هيمنة الرأسمالية رغمإن المشروع الليبرالي كآيديولوجيـا تحرر إنساني فقد مكانته الموضوعية في أتون الثورات الإنكليزية والأمريكية والفرنسية بتعارض حرية الملكية الخاصة لموارد الإنتاج وثمراته مع كافة حقوق الإنسان ومحقها لوجوده. إضافة إلى تلاعب البرجواز لضمان هذه الحرية مع العمال ضد الإقطاع والكسر السياسي للولاء (الديني) و(الطبيعي) للفلاحين لذاك النظام الذي كان في زمن القوة يؤمنهم من كثير من غوائل الإقطاعات الأخرى، وكذا تقارب رأس المال مع الفلاحين لإلجام جموح العمال، إضافة إلى تلاعب رأس المال نفسه مع الإقطاعيين للحد من جموح العمال والفلاحين معاً، وصولاً لحالة الملكيات الدستورية ثم التبلور الوطني لمشروع الحرية (الليبرالي) كآلة وحالة إستعمارية إمبريالية وتحوله إلى إقطاع دولي تقوم فيه بضعة دول بإحتكار إرادة وموارد وجهود ما تستعمره من دول العالم، وتحقيق سيطرة قلة من الُملاك على الاقتصاد-التقنية وعلومهم وعلى أذهان الناس. فبأعلى مراحل الإستعمار تتحول الحرية والليبرالية إلى إستعباد (ذاتي) متكامل بتحكم رأس المال وتمويلاته في تفكير الناس وذلك بتحكم رأس المال بتمويلاته في قبول ونشر نظريات معينة في العلم والفلسفة ومفاهيمها وإصطلاحاتها في العالم، وبإستدامة الرأسمالية وثقافتها وإعلامها الأسلوب السوقي لتبادل المنافع بالنقود وبفعل تأثير الإمتلاك الخاص للموارد العامة على طبيعة الأشكال العامة للإدارة السياسية للمجتمعات وأقاليمها جمهورية كانت أو ملكية، ديمقراطية أو بيروقراطية ، مستعمرة قديمة أوحديثة الإستعمار أو كانت مركزاً له .


فالسيطرة الخاصة على الوسائل العامة لمعيشة وحياة الناس بما تنتجه من نمط عيش ومفاهيم، كانت ولم تزل ممارسة رجعية في السياسة على طول الخط وفي ظل جميع النظم وقد أسهم الجدل ضد هذه الطبيعة الإحتكارية في تأسس جدل دولي جديد حول: أبعاد وصلاحيات الماركسيـة-اللينينيـة في تفعيل ديالكتيك تحرري مادته "ماركسية السوفييت" الأرثوزدوكسيةOrthodoxiesism الروسية، اليقينية في همها بالتغييـر، وماركسية أوربا الغربية التحليليـة في كاثوليكيتها Catholicism وبروتستانتيتها Protestantism التي أهتمت بدراسة ماركس والفكر الماركسي في وجوده الخام ضمن الفكر البشري العام، بصالحه وطالحه، وهو جدل وضع علامة على نهاية تأريـخ ماركسيـة مرحلـة الإستعمـار القديـم، وأسهم بتشكل مايمكن تسميته بـ ماركسيات مرحلة الإستعمار الجديد.


وقد تركز هذا الجدل بـ: (فاعلية الثورة والدولة والأفكار الشيوعية حول فهم وممارسة الماركسية واللينينية والستالينية) في دول المراكز الرأسمالية–الإمبريالية، ومتوالياتها. كما تركز حاليـاً في الدول الإشتراكية سابقاً ومدى نبض هذا الجدل بوضع وحقيقـة الديالكتيك في النظريـة والتطبيـق.
فبينما أقر السوفييت بـ:التاريخ كمقرر للديالكتيك، فإن الغرب إعتنى بالديالكتيك كمجـرد علـم لقوانين حركة وتطور الطبيعة في حدها المادي الأدنى خارج الحياة الإجتماعية. وفي هذا السياق الجدلي الذي لم يجاوز عمره المائة وخمسون عاماً من عمر البشرية يمكن التنبيه إلى رهافة المستويات العليا من المعارف والعلوم والتنظيرات التي تتعلق بمستوى تحرر الوعي، وقوانين عمله.


وقد ناقش المؤتمر الأول لـ تاريـخ العلـم والتكنولوجيـا الذي عقد في لندن في عام1931 مسائل تاريخيـة وأبستمولوجيـة وأنطولوجيـة العلم مما أنتج منذاك الإئتمار "علم إجتماع العلم|المعرفة" (سوسيولوجيا المعرفة): فبحضور "ممثلي الإتحاد السوفييتي" وإقناعهم المؤتمرين بقبول صفتهم العلمية السياسية، كحال كتاب السياسة لأرسطو، أثبت العلماء السوفييت للمؤتمرين-الذين كانوا معترضين على مشاركتهم بإعتبارهم سياسيين- الأساس المادي التاريخي الجدلي لموضوع قدرة العقل البشري على خلق تركيبات متنوعة من شروط محددة النتائج، كما بتوليد وتولد الرياضيات والفيزياء من عمليات محددة وصولاً إلى عملية تكوين دولة علميـة كالإتحـاد السوفييتي.. فمذ طرح اليونان والهند والصين والفرس والعرب والأوربيين وضع وجهة النظر للأشياء كـموضوع أو مادة للبحث الفلسفي والعلمي وأعمال كارل مناحيم وحتى مؤتمر لندن نمت سوسيولوجيا العلم بدرجة كبيرة الى اليوم، وفتح باب "موضـوع اللغـة في مسألـة الكتل والأجزاء في التفكير والطبيعة" حيث تتداخل الأوجه الديالكتيكية للتفكير العلمي ولتاريخية العلم والمجتمع وإصطلاحاتهما وتتواشج مع بعضها ومع المجار والأشكال والبنيات اللغوية والثقافية المرتبطة بالعلم.

هذا التداخل بين الأوجه الديالكتيكية للتفكير العلمي وتاريخية العلـم والمجتمع أضاءه من داخل النسق التفكير الثوري الإجتماعي كل من شارنسكي، ولينين، وستالين، وجوركي، وبافلوف، ولوكاتش، ألتوسير، وبياجيه، وكومفورث، وشومسكي، وهادي العلوي، ومحمود تليمة، ومحود أمين العالم، وصلاح فضل، ومهدي عامل، ونصر حامد زيد.

وقد جاء في كتاب ستالين "الماركسيـة وعلم اللغـة": ((أن العلم لا يتـطور دون معارك فكريـة، وليس بالإمكان وجود معارك فكريـة دون حرية النقد. وإن حرية الإنتقاد تبقى وهمية إذا كان إستلاب الوعي بحقيقة إستغلال الناس لبعضهم قائماً مع إغتراب الإنسان نفسه عن خيرات إنتاجه وكدحه. وأن المعركة الحقيقية للفلسفة هي المعركة العقلية للمجتمع)) لذا فليس من المنـطقي تحييد عملية المعرفة وتجاهل طبيعتها التاريخية الطبقية في عملية وضع برنـامج تجديد لحـزب تغيير إجتماعي.

وقد تعزز هذا الطرح بأعمال مؤتمر درس فردريك أنجلـز الذي إنعقد عام 1998 في باريس ففي محاضرة يوست كيرش أستاذ "الفيزياء العليا" في "جامعة أمستـردام" قال: (أن ماركس وأنجلـز لم يكونا من أنصار مذهب الفن للفن بل إستهدفا فهم العالم لتغييره، وأضاف أن ملاحظة أنجلـز للظواهرالسياسية–الإقتصادية–الإجتماعية كانت بمنظور مادي تاريخي توصل إلى أن جوهر الأنشطة الإجتماعية جوهر ديالكتيكي، وان بعض أنشطة الإجتماع ترتبط أكثر بالديالكتيك الأساسي للطبيعة غير البشرية). كما تحدث يوست في علاقة الديالكتيك مع العلوم وفي حقيقة الآيديولوجيـا كعـلـم للأفـكار قائلاً: ((علم الفكر كأي علم أخر هو تأريخي وهو بالضبط علم التطور التاريخي للفكر البشري)).

وفي معـمعان جدلية: الجدلية-التاريخية، والتاريخية-الجدلية لكارل ماركس وأنجلـز، وتحالف الشعبيين الروس-مع البروليتاريا اللينينية، ذوت الدولية الثانية للعمال عام 1914 وتأسس نشاط التجديد البلشفي في حزب العمال الإشتراكي الديمقراطي الروسي إذ تمركزت فيه آنذاك الزمن الإقطاعي قـوة الآيديولوجيا البرجوازية والإشتراكية الديمقراطية، وكرد فعل لهذا التأسيس والتقدم أخذت هذه الأدلوجات والأفكار المثالية والمادية المبتذلة للإشتراكية الديمقراطية التي هزمتها منطقياً وفلسفياً أفكار ونشاطات الثورة الإشتراكية تقصف بشدة مفاهيم الإشتراكيـة العلميـة بحمم القذائف الفكرية المغلفة بيورانيوم "النسبية" و"الإنسانية" و"التجريـب" و"النفعيـة" و"التجـديد" و"روح العصر" تطلقها من أسلحة: "حرية الفكر" و"انفتاح التاريخ" أو "إنغلاق التاريخ" بشكل مضاد للصيرورة الإجتماعية للتاريخ والإنجاز البشري الواعي لمكونات وعملية الثورة الإجتماعية وتقدمها، وإتساقها بالنشاط البتار للمظالم العامة والهادم مراكز الإستغلال وعلاقاتـه المادية والفكرية.

وآنذاك، قام الهجوم الفكري البرجوازي ضد النظر والنشاط الثوري الذي أقادته الماركسية في العلم والحياة الإجتماعية، ستراً منه لمثالب الإحتكار على العقل والمجتمع، بـإلقاء تهمة الجمود على الأحزاب الشيوعية داعياً لها لتحرير فكر(ها) وممارستها ونشاطها الإجتماعي الثوري بالضرورة، من الماركسية-اللينينية!،

كما دعت دعاية الرأسمالية الإحتكارية هذا الفكر لأجل تحرره، أو لإثراء هذا التحرر، للإنبهال على (كل) مذاهب الفكر الإنساني، ليحوز بإلتقاطه الجديد منها على مرتبة الفكر السام والعقلانية الراشدة. فتأمل أيها القاريء الكريم كيف تكرر التاريخ، وكيف أضحى بإمكان كل واحد منا بعد خريف البطريك الإشارة للجنرال في متاهته بعد أكثر من مائة عام من العزلة.


5- تـفـكـيـك الـفـكـر الـيــومـي

الخطأ الفادح، بمعمعة تجديد الشيوعية أو تجديد المجتمع بمعزل عنها هو فصل أدب الشيوعية ومنهج الماركسية المادي الجدلي-التاريخي عن بعضهما ثم وضعهما بكفتي ميزان مثالي معياره العدمية الفكرية والنفعية (البرجماتية) في الممارسة. ومنهج عمل الميزان وتروسه الداخلية هو قياس العمليات الثورية في التاريخ بكمية ماحققته من أموال وملكيات لا بقيمة منجزاتها الإجتماعية ونتائجها العامة!

فالتجديد المزعوم يقوم "الإشتراكيـة العلميـة" بأفكار ومفاهيم السوق السياسية-المالية، التي قامت الشيوعية أصلاً لتغييرها! فيحول "الماركسية-اللينينية" من كينونة ثورية إجتماعية مادية-تاريخية وجدلية، إلى تجربة أفراد ولعبة سياسة برجوازية تقاس صحة وجودها وقيمتها الإجتماعية بشريعة السوق ورضاء إعلامه عنها، وتوزن صحتها الطبقية بموازين الرأسمالية.

وبهذا الوضع حرمت مفاهيم الإشتراكية العلميـة وماركسيتها اللينينية من عدالة الحكم على صحة قوانينها في نطاق تاريخية العلوم وإجتماعيتها كما حرمت أحوالها كثورة طبقية من تقويم قيمتها بمعيار التاريخ الإجتماعي.

وبهذا الوضع المقلوب للحقيقة والتاريخ تتناقض ضرورة الخروج من التطور الرأسمالي وتجاوز أزمة قيام البروليتاريا وعموم الكادحين بثورة إشتراكية في بلادنا وتتعارض بشكل جذري مع تخفيـض قيمة الماركسيـة-اللينينيـة في النضال وسفه صلاحيتها له بإعتبارها الأداة الإجتماعية الأساس للمعرفة الثورية والنشاط الثوري! وقد يكبر التعجب من إستمرار بعض الثوريين في البحث عن أطر مرجعية للثورة الإجتماعية والتغيير الجذري والإصلاحات الكبيرة في وقت تغبش فيه تواريخ ومفاهيم الثورة والمجتمع وتبدل بمفاهيم: "التخصص"، و"الفـرد"، و"النـفع الخاص"، و"الأنــا" و..هـلم جـرا. بينما الواقع والحقيقة يدلان على حاجة السودان والثورة في أقاليمه على ظلم المركز الطبقي إلى حزب ونشاط شيوعي لإشاعة مقاليد السلطة وموارد الثروة في عموم انحاء السودان حسب حاجات بنيه وقدرة نضالاتهم


 المراجع محفوظة
 النص جزء من مسودة كتاب "تأثيلات" لمؤلفه المنصـور جعـفـر





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن