الهجرة السكانية وحرب الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها- الجزء السادس والأخير

هاشم نعمة

2003 / 5 / 24

        الهجرة السكانية وحرب الخليج رؤية في أنماطها وتأثيراتها ( الجزء السادس والأخير )

       تأثرت اليمن بشدة جراء عودة أعداد كبيرة من مواطنيها من منطقة الخليج بالأخص من السعودية عقب غزو الكويت كما أشرنا إلى ذلك في الجزء الثاني . ففي أيلول ( سبتمبر ) 1990 أظهرت الحكومة السعودية  رغبتها لاستخدام العمالة اليمنية كوسيلة ضغط سياسية . وأنهت بذلك سياستها الطويلة الأمد التي سهلت هجرة اليمنيين إلى السعودية . ولم يظهر في السابق أي مؤشر يشير إلى أن الحكومة السعودية ستستخدم المهاجرين اليمنيين لأغراض سياسية . وقد أعطي اليمنيون 30 يوما لإيجاد وكيل أو ضامن سعودي لأعمالهم من أجل الحصول على الإقامة وخلافا لذلك سيتعرضون إلى الغرامة . وأعلن أن اليمنيين العاملين في البلد تنطبق عليهم نفس متطلبات العمل بالنسبة للمهاجرين الآخرين ( 45)  علما أن هذه الإجراءات كانت لا تنطبق عليهم . ونتيجة لذلك عاد من السعودية حوالي مليون يمني وبهذا تكون اليمن قد استوعبت 7% زيادة في عدد سكانها خلال فترة قصيرة . ويمكن  أن العودة أضافت 15% إلى القوى العاملة المحلية . ( 46) وكانت تحويلات العمالة المهاجرة اليمنية من السعودية تشكل مصدرا مهما للتبادل التجاري بالنسبة لليمن وقد مونت الاستهلاك العام والخاص . وقد شكلت التحويلات الأجنبية لوحدها في الثمانينات 40% و4% من الناتج الوطني الإجمالي لليمن الشمالي والجنوبي على التوالي . وفي بداية الثمانينات كانت اليمن الشمالي تصدر في الأساس القوى البشرية حيث بلغ مجموع التحويلات السنوية إلى اليمن ربما أكثر من مليار دولار يأتي تقريبا بشكل كامل من اليمنيين العاملين في السعودية . وقد ساهمت هذه التحويلات في تقليص الفقر الشديد في ريف اليمن الشمالي . ( 47)

     تأثير التحويلات على الاقتصاد الوطني على أية حال كان أكثر تعقيدا . فقد كان لها تأثيرا في تجارة الجملة والمفرد وفي النشاطات الإنشائية إضافة إلى الإنتاج الصناعي . إضافة لذلك زيادة الاستهلاك الممونة من التحويلات عملت على زيادة إنتاج السلع المحلية والخدمات ومن ثم زيادة الاستيراد وارتفاع نسبة التضخم . وظلت اليمن تفضل هذه التحويلات لأنها تشكل نسبة كبيرة من التبادل التجاري الأجنبي . وهجرة العمالة معناه تصدير البطالة إذ عملت على تقليص معدلها ولكن لم تنهها . ونتيجة العودة الكثيفة للعمالة المهاجرة ارتفعت البطالة إلى 35% في 1992  وأعلى من ذلك وسط العمال العائدين . وهبط الإنتاج الإجمالي 3% في عام 1990 و4,8 % عام 1991 . كل هذه التطورات كانت قد ترافقت مع انخفاض دراماتيكي في المساعدات الأجنبية المقدمة لليمن .فقد أوقفت دول الخليج مساعداتها المالية والاقتصادية التي كانت تبلغ 200 مليون دولار سنويا . وخفضت الولايات المتحدة الأمريكية مساعداتها من 20,5 إلى 2,9  مليون دولار سنويا . ( 48)


    وكما هو الحال بالنسبة للعائدين إلى الأردن فهناك عدد مهم من العائدين اليمنيين ربما 20% من المجموع كانوا مقيمين خارج بلدهم لعقود أو ولدوا في الخارج وعندما عادوا وجدوا ليس لديهم من يؤويهم لذلك سكنوا في مستوطنات من الأكواخ المؤقتة تركزت خصوصا حول ميناء الحديدة . ( 49) 

    بالنسبة لمصر فقد عاد إليها حوالي 700,00 من العمالة المهاجرة . ونتيجة لذلك فقدت مصر تحويلات من العراق والكويت قدرت من قبل سلطاتها ب مليار دولار للفترة 1990-1991 . أما مجموع التحويلات في عام 1989 فقدر بين 4,25-4,5 مليار دولار . أنظر جدول رقم ( 2 ) الجزء الخامس . فقدان هذه التحويلات ربما يعادل 3% من الناتج الوطني الإجمالي في نفس  العام . ثم أن العودة لا بد أنها رفعت من معدل البطالة . هذه التأثيرات يمكن إنها عوضت بواسطة إيجاد مصادر جديدة للعمل في الخارج . حيث ذكر أن العائدين المصريين وجدوا أعمالا في السعودية التي بدأت بإعادة تشكيل القوى العاملة المهاجرة عندما غادرها العمال الآسيويون واليمنيون والأردنيون والسودانيون والفلسطينيون الذين أصبحوا غير مرغوب بهم أو طردوا بسبب مزاعم تأييد القيادة الفلسطينية أو دعمها للعراق بعد احتلال الكويت . وذكر أيضا بأن عددا من المصريين عادوا إلى الكويت في 1991 . ( 50 )

     أما الأراضي الفلسطينية المحتلة فقد أصبحت الحياة فيها أصعب بعد غزو الكويت . فقد ذكرت التقارير بأن حوالي 54,000 فلسطينيا قد عادوا من دول الخليج إلى الأراضي المحتلة وأصبحوا مشردين من هؤلاء 26,000 كانوا يعملون في الكويت . وكان الكثير من العائلات الفلسطينية في الأراضي المحتلة يعتمد بدرجة كبيرة على تحويلات أقاربه العاملين في الكويت .تقديرات هذه التحويلات والمساهمات المالية الضائعة تتباين كثيرا من 80 إلى 146 مليون دولار في السنة . كذلك أن حظر التجول الذي فرض في الأراضي المحتلة قبل وخلال وبعد حرب الخليج جرد بشكل إضافي العائلات الفلسطينية من مصادر الدخل . وكان وضع الفلسطينيين قد ساء أكثر نتيجة استبدال العمالة الفلسطينية العاملة في إسرائيل باليهود السوفييت المهاجرين الجدد إليها  الذين شكلوا 90% من عدد 200,000 مهاجرا إلى إسرائيل في عام 1990 . لذلك يعتقد أن البطالة وسط القوى العاملة التي كان عددها 300,000 في الأراضي المحتلة ارتفعت بنسبة 30% في بداية عام 1991 . هناك عدد من الفلسطينيين يرى بأن اجتثاثهم الأخير من أماكن إقامتهم بعد غزو الكويت يعد بمثابة موجة ثالثة من نزوح الفلسطينيين يعادل تأثيرها الشخصي والاجتماعي-الاقتصادي نزوح عام 1948 الذي أعقب قيام إسرائيل ونزوح عام 1967 الذي أعقب الحرب العربية –الإسرائيلية آخذين بنظر الاعتبار مجموع الفلسطينيين الذين نزحوا إلى الأراضي المحتلة والأردن ودول أخرى بعد هذا الغزو في هذه الحالة يمكن أن يكون هذا الإدعاء صحيحا . ( 51 )

    الدول الآسيوية التي عاد إليها مهاجروها وجهت لها ضربة اقتصادية أيضا . فقد أثر فقدان تحويلات المهاجرين بقوة على اقتصاديات هذه الدول خصوصا وأنه ترافق مع الصعوبات الاقتصادية الأخرى التي كانت تعاني منها أصلا . فقد ادعت الحكومة الهندية أن تحويلات سنوية بلغت 200 مليون دولار فقدت نتيجة نزوح مواطنيها البالغ عددهم 200,000 – أكبر عدد من مجموع المهاجرين من غير الدول العربية - من العراق والكويت بعد الغزو . وإذا وضعنا هذا المبلغ  إزاء مجموع التحويلات الخارجية إلى الهند في عام 1989 البالغة  2,66 مليار دولار وإزاء الناتج الوطني الإجمالي فتأثيره على الاقتصاد الهندي ككل كان قليلا . لكن تأثير توقف التحويلات يتوزع بشكل غير متساوي على ولايات الهند . فيلاحظ أن معظم العائدين كانوا من ولايتي كوجرات و كيراتا وبالنسبة للأخيرة يمكن أن تشكل التحويلات 15% من دخلها . ومن المرجح أن سريلانكا كانت أسوء من تأثر من دول جنوب آسيا نتيجة عودة مواطنيها من دول الخليج . فقد كان عدد مواطنيها في الكويت 100,000 يعتقد بأن مجموع تحويلاتهم  100-120 مليون دولار سنويا إلى سريلانكا وهذا يعادل ثلث مجموع التحويلات المقدرة 356 مليون دولار في عام 1989 و1,6 % من الناتج الوطني الإجمالي في تلك السنة . وكانت سريلانكا قد عانت من تضخم بلغ 30% قبل تأثير ارتفاع أسعار النفط الناتج عن غزو الكويت و20% بطالة  ومن نزوح مليون مواطن نتيجة الحرب الأهلية . بنغلادش ، الفلبين ، تايلاند ، أندونيسيا ، جنوب كوريا ، وفيتنام كانت أيضا من بين الدول الآسيوية التي تأثرت بشدة من فقدان أساسي لتحويلات مواطنيها العاملين في منطقة الخليج بسبب غزو الكويت .

    وكان هناك تأثير مضاعف لفقدان التحويلات تمثل في الطلبات الجديدة على الموارد المحلية لمساعدة العائدين لإدماجهم الفوري في مجتمعات البلدان التي عادوا إليها . لكن الملاحظ أن البرامج التي بدأت للمساعدة في إعادة إدماج العائدين كان لها تأثيرا محدودا في نهاية عام 1991 . حيث أن معظم العائدين كانوا قد اعتمدوا على أنفسهم دون مساعدة الآخرين . بشكل عام فقد كان العائدون لديهم الرغبة في البحث عن عمل مرة ثانية خارج بلدانهم أما في الشرق الأوسط أو في بلدان أخرى . وقد نفذ عدد من المهاجرين من جنوب آسيا ذلك في نهاية عام 1991 . ( 52 )

    لقد طالبت حكومات الدول التي استقبلت أعداد كبيرة من العائدين المجتمع الدولي المساعدة في تغطية عودة مواطنيها من منطقة الخليج وطالبت بتعويض خسائرهم . وكان هناك برنامج قد وضع من قبل قسم السكان التابع للأمم المتحدة ووكالات أخرى ذات العلاقة ركز على تسهيل إجراءات إعادة المهاجرين إلى بلدانهم وإيجاد العمل لهم . لكن معظم مقترحات البرنامج ظلت تنتظر التمويل المالي في بداية عام 1992 بعد فترة غير قليلة من عودة المهاجرين .

    التأثير الآخر لغزو الكويت تمثل في مسألة التعويضات التي طالبت بها الدول والشركات والأفراد الذين تضرروا من الغزو. وقد وافق النظام العراقي السابق بعد هزيمته في 1991  على دفع هذه التعويضات طبقا لقرارات الأمم المتحدة .وقد تعذر دفع التعويضات التي حددت ب 25% من مبيعات النفط العراقي إلى أن وافق النظام على تصدير النفط في 1996 طبقا لبرنامج النفط مقابل الغذاء .

       لقد بلغ إجمالي ما صرفته لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة نحو 16,7 مليار دولار من جملة التعويضات التي أقرت حتى الآن والتي تصل إلى 43,75 مليار دولار. وكانت اللجنة قد تلقت طلبات تعويض بقيمة 300 مليار دولار . ( 53) 

    فمثلا أعلن رئيس هيئة التعويضات في السلطة الفلسطينية أن إجمالي عدد الملفات المقدمة إلى الأمم المتحدة من قبل الفلسطينيين جراء غزو الكويت بلغ 74 ألف ملف منها 16 ألف ملف من المقيمين في الكويت . وقد انحصرت المطالبات الفلسطينية على الفئتين ( ج) و (د ) والمتمثلة في التعويضات الشخصية والتجارية . ( 54)

     ومن هنا يتبين لنا أن غزو الكويت كان كارثة بكل المقاييس السياسية والاجتماعية –الاقتصادية والإنسانية تضررت منه دول وشعوب كثيرة غير العراق والكويت . وهو أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى حرب الخليج الثالثة التي نتج عنها انهيار النظام الدكتاتوري الدموي واحتلال العراق من قبل القوات الأجنبية ودخول القوى والأحزاب الوطنية مرحلة نضالية جديدة تتمثل بالمطالبة بخروج هذه القوات من العراق واستقلاله وإقامة حكومة وطنية ديمقراطية تعددية . أيضا نتج عن الحرب الأخيرة نزوح سكاني قسري رغم أنه كان بدرجة أقل من حرب الخليج الثانية لكن كانت له تأثيراته الاجتماعية –الاقتصادية والإنسانية .      

* أستاذ جامعي عراقي

المصادر
45Middle East  Journal , vol. 51, No. 4 , 1997 , p. 559 -  
46-  Geography and Refugees , p. 77 
47-   Middle East Journal , op. cit., p. 556    
48  Ibid , p. 557-560 -
        Geography and Refugees , op. cit., p. 77-   49
50  - Ibid , p. 77
51 Ibid , p. 77  -
52 _ Ibid , pp. 77-78
53 – رويتر 17-1-2003
54 – صحيفة الوطن الكويتية ، 10-1-2002

 



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن