القلاع القديمة في مدينة معان

وليد حكمت
salehabutaweleh@yahoo.com

2006 / 8 / 30

شهد النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي تحولات هامة في حيثيات النظام السياسي والإداري والعسكري للدولة العثمانية فقد كان عصر التوسع والهيمنة العسكرية لتلك الدولة المترامية الأطراف والتي تبنت آنذاك مجموعة من القوانين والانظمة والسياسات العسكرية والإدارية التي كان من شأنها ان تعزز وجودها وتبسط نفوذها على مختلف المناطق والاقاليم. من هذه السياسات اعتماد سياسة بناء القلاع والحصون على طول امتداد طريق الحج الشامي من اجل القيام بمهام تزويد قوافل الحجاج بالمؤن والمياه والذخائر وكل ما يلزم لتلك القوافل وقد باشرت الدولة العثمانية بتعيين حامية لكل قلعة تقوم بتلك المهمات وكانت مدينة معان من ضمن تلك المناطق التي نالت اهمية وعناية مميزة من قبل الدولة العثمانية نظرا لموقعها الجغرافي الهام والواقع على مفترق الطرق التجارية وطريق الحج .

وقد شيدت الدولة العثمانية اول قلعة في مدينة معان في عهد السلطان سليمان القانوني عام 1559 م لتشكل استراحة للحجاج تمنحهم قسطا من الراحةوالاستجمام اثناء رحلتهم الشاقة الى الديار المقدسة ولتقوم ايضا بمهمة تزويدهم بالمستلزمات الضرورية من اجل متابعة مسيرهم وقد انشأت بالقرب من القلعة بركة كبيرة لتجميع المياه فيها من اجل الاستفادة منها في هذا الغرض .
واذا ما عدنا الى المصادر التاريخية لوجدنا ان قلعة معان الحجازية او حصن سليمان كما كانت تسمى كانت قد شيدت على اطلال قلعة رومانية قديمة كانت موجودة في ذلك الموقع ومن الملفت للنظر أن تلك القلعة بعد ان باشرت مهامها تواجدت فيها حامية تركية اقامت على شؤونها وادارتها ولكن بعد فترة من الزمن غادرتها تلك الحامية في خضم الاضطرابات السياسية التي سادت جنوبي بلاد الشام اثناء الحكم العثماني في ذلك الوقت.

تولى سكان المدينة الاشراف على القلعة وادارة شؤونها والاشراف على خدمة الحجيج وقد ذكر المؤرخ الحياري المدني اثناء زيارته للمدينة عام 1669م بان جماعة من البدو قد سكنوا في تلك القلعة واقاموا على شؤونها وربما يكون هؤلاء قد استقروا حول القلعة فيما بعد واندمجوا بالسكان المجاورين للقلعة.... ولكن الدولة العثمانية بعد ذلك اسندت مهمه الاشراف على القلعة للسكان المحليين نظير اعفائهم من الضرائب والرسوم المترتبة عليهم ... فهذا الامر استمال كثيرا من الناس وحفزهم للسكنى بجوار تلك القلعة وشكل عنصر جذب للكثيرين من المشتتين في تلك الصحراء الواسعة أضف إلى ذلك عامل الحركة التجارية النشطة المشجعة والمرافقة لسوق الحجيج الموسمي اثناء الذهاب والاياب حيث تتوافد قوافل الحجيج من كافة انحاء العالم الاسلامي لتجتمع في معان ولتشكل سوقا تجاريا وثقافيا منقطع النظير.
تصميم بناء القلعة جاء مربعا على مساحة تقرب من الدونم بارتفاع عشرة امتار وللقلعة بابان احدهما شمالي والاخر قبلي وبها من الداخل فناء واسع تتوسطه بئر ماء وبداخل القلعة مسجد وحجرات مقنطرة وفي الاعلى يوجد طلاقات ومنافذ صغيرة اما من الجهة الجنوبية من الخارج تتزين جدرانها ببعض الزخارف والنقوش وهذا النموذج متشابه مع بقية الحصون التي شيدها السلطان سليمان القانوني والمنتشرة من القطرانة الى تبوك وقد ذكر الرحالة الفنلندي( فالن) عندما مر بمعان اواسط القرن التاسع عشر ان تلك القلعة قد هجرت في بدايات القرن التاسع عشر ثم اعيد ترميمها اضف الى ان القلعة طالتها بعض اعمال الصيانة والترميم في عهد محمد علي باشا خلال حملته المعروفة على بلاد الشام وتأتي اهمية هذه القلعة في السابق بكونها الملتقى الثقافي والاجتماعي والتجاري لمدينة معان وبؤرة للتجمع السكاني الذي بدأ بالتزايد منذ انشائها وبعد انتقال المدينة من الموقع القديم ( الحمام) حيث شيدت البيوت من الطين المجفف حول هذه القلعة واستنبطت المياه من خلال حفر الابار واهتم الناس بالزراعة فقاموا بانشاء البساتين واحاطوها بالاسوار الطينية وكانت تلك البساتين مزروعة بمختلف الأشجار المثمرة فكانت القلعة بمثابة القلب لتلك الواحة الصحراوية الجميلة الخصبة .من أقدم العشائر التي سكنت القلعة واشرفت على ادارة شؤونها عشيرة الحمادين العريقة في القدم ثم تلتها بعض الاسر المهاجرة التي استقرت بالقرب منها ... ومن المعالم القديمة التي تجاور القلعة قديما عين سويلم وعين الانجاصة وهي عين ماء في داخل صخرة كبيرة مجوفة على شكل فاكهة الأجاص أيضا شارع( بالوزة) وبئر (بالوزة) وشارع القناطر ومسجد قديم جنوبي القلعة والبركة التركية .



أما بالنسبة لقلعة الشامية التي كانت مشيدة على تلة شمال مدينة معان أو بالأحرى في منطقة معان الشامية ذلك أن مدينة معان قديما كانت منقسمة إلى قسمين الأولى الأكبر وتسمى الحجازية لوقوعها في الجهة الجنوبية باتجاه الحجاز والثانية معان الشامية الأصغر والأجمل طبيعة والألطف مناخا والأطيب فاكهة وكان بعض القدامي يسميها المغارة نظرا لتواجد كثير من المغارات الكبيرة في وادي الشامية منها مغارة النمر التي كانت تستخدم لتخزين الأعلاف والحبوب . الراجح من الروايات أن قلعة الشامية قد شيدت في خلال القرن السابع عشر الميلادي والذي بناها هو عبدالله النمر احد امراء الحج في جبل نابلس والذي اسندت اليه مهمة حماية الطرق وتأمين المواصلات في جنوبي بلاد الشام اثناء عصور الاقطاع حيث كانت الحاجة ملحة في تلك الآونة إلى ضبط الفوضى التي سادت جنوبي بلاد الشام ولضمان تأمين طرق الحج وحمايتها من هجمات القبائل البدوية وقد أسندت مهمة الأشراف على القلعة وإدارة شؤونها إلى مجموعة من افراد تلك القوة التابعة لعبدالله باشا النمر و أقاربه القادمين من أمارة جبل نابلس في فلسطين .
يعد بناء قلعة الشامية اكبر مساحة وحجما من قلعة السرايا ومختلف عنه في التصميم والشكل والمساحة فلقد كانت قلعة الشامية محاطة بسور ارتفاعه حوالي 4_5 امتار يحيط بالقلعة من جوانبها الاربعة وينفذ منه بابان ارتفاع الواحد منهما 2.5 عرض 4 م مقنطرة الشكل احدهما شرقي ينفذ الى الطريق المؤدي الى الحارة الفوقا شمال القلعة والملاصقة لها والآخر جنوبي وكانت تلك الأبواب الرئيسية تغلق بعد الغروب في الأزمنة السالفة بعد إياب السكان من أعمالهم الزراعية ويتوسط هذه القلعة فناء به بئر ماء والحجرات الداخلية مبنية من الحجر الخالص على شكل عقود يتخللها الممرات الضيقة ويحد القلعة من الغرب وادي الشامية ومن الشرق مقبرة الشامية.

وقد كانت القلعة تستخدم لتخزين مؤن قوافل الحج وكمركز اداري لفرسان (الأمامية) ومكان سكناهم وعائلاتهم , والأمامية طائفة من الفرسان كانت تتقدم قوافل الحجيج وتقوم على حمايتها ويتزود الحجيج عند وصولهم الى معان بالمؤن اثناء استراحتهم في منطقة المنزلة التي تفصل معان الحجازية عن معان الشامية فيتم تامينهم بالمؤن والأعلاف ومختلف الحاجيات.

مساحة القلعة الاجمالية حوالي تسعة دونمات وكان يجاورها فيما مضى من الجهة الشرقية أجران كبيرة لطحن الحبوب .

ومما يجدر بالذكر ان بعض المؤرخين يذكر بأن( بلدوين) الصليبي قد شيد قلعة في معان في القرن الثاني عشر الميلادي إبان فترة الحروب الصليبية وذلك من اجل احكام السيطرة على جنوب الاردن ويرجح البعض ان قلعة الشامية تعود في تأسيسها الى تلك الفترة وقد يكون ال النمر قد اضافوا عليها واحكموا صيانتها وترميمها وقد ذكر العديد من الرحالة هذه القلعة اثناء المرور بمعان امثال الرحالة الانجليزي0 (بالجريف )الذي زارها عام 1862 والألماني( ريتر) وآخرون.

وقد تعرضت القلعة للقصف الانجليزي عام 1918 اثناء حصار معان الذي دام 6 اشهر وقتل العديد القاطنين فيها جراء هذا القصف ... هجرت هذه القلعة مع بدايات القرن العشرين حين بدات حركة التوسع العمراني في منطقة الشامية تتجه الى الجنوب لتشتبك فيما بعد بمعان الحجازية ومما يذكر ان الحارة الفوقا الملاصقة للجهة الشمالية هي الحي الاقدم في الشامية... لقد استقرت عشيرة الخوري أو الخورة في الشامية قبل قرون ثم تبعتها عشيرة النسعة التي تنسل من عشيرة ال النمر الذين اشرفوا على القلعة فيما مضى .... نقضت اساسات القلعة وهدمت جدرانها وانتزعت حجارتها من قبل السكان المحليين المجاورين لها بعد هجرها واهمالها من اجل استخدام حجارتها الضخمة في الانشاءات المختلفة وتم ذلك على مراحل زمنية متراتبة إلى أن تحولت إلى أطلال دارسة بعدها أزيلت تلك الاطلال في سبعينيات القرن الماضي إزالة تامة ولم يبق منها اي اثر يذكر .




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن