السينما في الجزائر- 2

محمد عبيدو
obado2@maktoob.com

2006 / 8 / 6

والسينما الجزائرية التي ابتدأت من التعبير عن (القضية) إبان الثورة ثم بعد الاستقلال، وقدمت نتاجات هامة، سرعان ما انطلقت إلى مرحلة تالية ابتدأت خلالها بطرح أسئلتها على الثورة نفسها. ولن يكون من المغالاة هنا القول أن (الاحتلال) الافتتاحي لمثل هذه النظرة أتى على الأقل عبر فيلمين أساسيين من المؤسف أنهما يكادان أن يكونا منسيين اليوم (نوة) 1972 لعبد العزيز طولبي الذي اقتبس عن مجموعة قصصية للروائي الطاهر وطار . و (الفحام) 1972 لمحمد بو عماري , و في فيلم (الفحام) نرى : بلقاسم، الفحام رجل في أوج قوته وشبابه، يشن كل يوم صراعاً دون هوادة على الطبيعة ومكوناتها فمهنته التي لا يعرف غيرها في الحياة تتمثل بتحويل الخشب إلى فحم لبيعه في السوق الكبير وتأمين العيش لأسرته الصغيرة المكونة من زوجة وولدين. يقرر بلقاسم بسبب ظروفه الحياتية الصعبة أن يهجر قريته ليجرب حظه في المدينة.
بعد أن ينتقل من فشل لآخر، يقرر العودة إلى القرية ويمضي ليلته الأخيرة في المدينة في حمام السوق.
هناك يلتقي بزعيم (الجماعة) في قريته السي قدور الذي ينقل له خبراً غير متوقع: إن زوجته تعمل في مصنع القرية. بعد أن تثور ثائرته ويخرج عن طوره، يقرر العودة مسرعاً إلى قريته، وفي غياب زوجته عن المنزل يخبر والدتها بأنه لن يسمح لابنتها بالعودة إلى منزل الزوجية ولن يتراجع عن قراره ويرحل بعد أن يصطحب أبناءه معه.
تتوالى الأحداث بعد عودة زوجة بلقاسم من مصنع النسيج، حيث تعمل، لملاقاة أبنائها حاز الفيلم :
- التانيت الفضي في مهرجان قرطاج لعام 1972. - جائزة النقاد السينمائيين الدولية في مهرجان أوغادوغو لعام 1973- شارك في مسابقة جورج سادول لعام 1973. - جائزة المكتب الكاثوليكي في برلين لعام 1974.)
وهذان الفلمان(نوة) و (الفحام) ، ومنذ النصف الأول من سبعينات القرن الماضي آثرا، وكل على طريقته، التخلي عن سهولة الموجود، للوصول إلى صعوبة طرح الأسئلة.. ولم يقابلا طبعاً بعين راضية، إذ أن المخضرمين انتصبوا دفاعاً عن المجد والتاريخ ضد الواقع الراهن الذي جعل الثورة غير قادرة على الوفاء بكل وعودها. لماذا ؟ سؤال حاول الإجابة عنه محمد لخضر حامينا في (وقائع سنوات الجمر) 1974 فتشتت الإجابات لكن الفيلم لقى صدى كبيراً، إضافة أنه نال عام 1975، أكبر جائزة ينالها فيلم عربي حتى اليوم: (السعفة الذهبية) لمهرجان كان، في هذا الفيلم كان الواضح من جواب حامينا أن الثورة إنما كان لها هذا المصير لأن الخلل يكمن في جذورها الاجتماعية. وهذا الكلام أثار الحفائظ، ولكن اليوم، ألا يمكننا أن نرى في ما حصل في الجزائر تحققاً لـ (نبوءة) حامينا، وكذلك تحققا لمواقف طولبي وبوعماري. ثم أفلا يتطابق مصير المرأة الجزائرية (التي ساهمت مساهمة أساسية في الثورة) مع ما تقوله آسيا جبار، المنتقدة هي الأخرى لضحية الثورة في فيلمها الوحيد والرائع (نوبة نساء جبل شنوة)؟.
يقتحم محمد سليم رياض ، في فيلمه (( ريح الجنوب )) المنتج عام 1975 بجرأة ، منطقة خطرة ، مزروعة بالألغام ، هي منطقة القيم المتخلفة التي لا تزال مهيمنة على قطاع لا يستهان به من الناس ، تحرروا من الاستعمار ، لكنهم ، لم يتحرروا بعد ، من الأوهام ...
والفيلم ، شأنه شأن العديد من الأفلام الجزائرية ، يهتم بالخاص بقدر اهتمامه بالعام ، فإحدى عينيه ترقب ما يدور داخل روح بطلته ، والتي ترفض الرضوخ لأوامر عائلتها المتعلقة بمنعها من مواصلة تعليمها ، بينما العين الأخرى ترصد ما يدور خارج دارها حيث البلادة والسأم والاهتمامات الصغيرة ، البائسة ، وفي موقف / من المواقف القوية ، يتوغل (( ريح الجنوب )) في نقده الشجاع داخل منطقة القيم السلبية الموروثة ، والتي تتمثل في تلك الطقوس الطويلة ، اللامجدية ، التي تعقب دفن إحدى عجائز القرية ، والتي تمتد إلى عدة أيام ، ثم يتطرق إلى ذلك الحديث السقيم الذي يلقيه (( علامة جاهل )) ، بصوت عميق ، عن نار الجحيم ، والمكان الذي تبدأ منه عندما تلتهم أجساد الأشرار : من أخمص القدم إلى أعلى أم من شعر الرأس إلى أسفل ! ويعلق أحد فرسان النضال من أجل الاستقلال تعليقاً مفعماً بالضيق والمرارة .
واخرج الأمين مرباح فيلمه " بني هندل" عام 1976 : قرية بني هندل، يتم نزع أملاك الفلاحين، وطرق الاستغلال البشعة، مما يدفع بالكثير منهم إلى الهجرة خارج وطنهم ومدنهم، يضطر البعض إلى بيع أرض الأجداد ثم يزحفون على المدينة، حيث يعيشون حياة جديدة بحثاً عن لقمة العيش، فمنهم من يجد عملاً كشيال، إما ماسح أحذية، أو حداد، أو في أعمال وضيعة لدى القوادين والساقطات، يقرر ابن القرية محمد إطلاق النيران على المستعمرين الذين كانوا يحتفلون بزواج بين عائلتين.
واقتبس المخرج محمد نذير عزيزي احداث فيلمه " زيتونة بوهليلات " 1977 عن قصة كتبها الشاعر والاديب الراحل مالك حداد للاذاعة ويقدم ازمة عميقة تعرض لها بطل الفيلم المتقلب بين حياته العاطفية وخدمة الأرض التي دفعت بالكثير الى التوجه نحو المدينة . لينتهي الفيلم بحالة من الجنون والتيه في فيافي تلك القرية المعزولة عن العالم .
وكان فيلم " نوبة نساء جبل شنوة " 1977 الوثائقي لأسيا جبار , الذي يشكل انفرادا متميزا في العلاقة بين الروائي والسينمائي في الجزائر , كون أن أسيا جبار هي في الأساس كاتبة وجامعية خاضت هذه التجربة الوثائقية والتسجيلية انطلاقا من المعايشة الشخصية للكاتبة – المخرجة والرصيد الشعري الكامن لدى نساء الجزائر وبالخصوص في جبل شنوة { قرب ولاية تيبازة مسقط رأس المخرجة } وهنا نشأت علاقة حميمة بين نساء جبل شنوة ورؤية مخرجة تحمل في داخلها حسا نسائيا متقدما أرادت ان تكثفه في عمل قريب وواقعي . الوثائقية والتسجيلية وسيلة لسرد البعد الشاعري لهؤلاء النسوة في محيطهم الطبيعي .
ويخرج سيد علي مازيف فيلمه (( ليلى والأخريات )) 1977 عام: ليلى العاملة في مصنع ومريم تجدان نفسيهما بمواجهة الصعوبات والأحكام المسبقة المتأصلة في المجتمع العربي ، والتي تحرص على إبقاء المرأة في وضعية الخضوع وتمنعها من الحصول على حريتها ، مريم مخطوبة لرجلٍ لا تعرفه جيداً ، وهو يفرض شروطاً غير مقبولة عليها ، في النهاية تقرر رفض هذا الزواج المدبر ضد إرادتها وتتحدى الجميع .
من جهة أخرى تعاني ليلى وزميلاتها في المصنع من المعاملة السيئة لرئيس المصنع لهن ، ومن المواقف الأبوية لبعض العمال الرجال ، ويطالبن بالحصول على حقوقهن بالمعاملة الحسنة وبتحمل المسؤوليات ، فهل تستطيع النساء اليوم مواجهة كل التحديات المفروضة عليهن سواء في الشارع أو في الحياة العائلية والمهنية لتغيير واقعهن وظروفهن في الحياة
((الشيخ بوعمامة)) لبن عمر بختي الذي يقدم أول عمل طويل له .. وهو ، في عمله الروائي الأول ، يثبت جدارة حقيقية ، سواء على المستوى الفكري ، أو على صعيد اللغة السينمائية ، ففيلمه يسير وفق منطق ملحمي ، الصراع فيه جماعي ، يدور بين القبائل العربية ، الجزائرية ، من ناحية ، والقوات الفرنسية الغازية ، من ناحية أخرى ، والشيخ بوعمامة نفسه ، بجسمه الرقيق وضياء روحه الشفافة وإرادته القوية وحكمته وتواضعه ، يقدم صورة مناقضة تماماً لقواد الغرب ، بهيلمانهم ، وعظمتهم ، أمثال : بونابرت وريتشارد ونلسون .. وإذا كان الفيلم يؤكد أن ثورة (( بوعمامة )) التي حررت الكثير من الأراضي الجزائرية ، كانت حلقة في سلسلة النضال ضد الاستعمار ، فإن الفيلم أيضاً يقدم وجهة نظر في الحاضر ، فدرس الماضي يقول : إن لم تتحد القبائل العربية المتناحرة ، فإن النصر الحاسم ، لن يكتب لها .
-ويخرج عمار العسكري فيلمه(( المفيد )) عام 1978 ، وفي احداثه بعثة سينمائية تقوم بالتعرف إلى إحدى القرى التي يجري بها تطبيق الثورة الزراعية ، يصاحب البعثة ( المتقي ) وهو محارب قديم من أبناء القرية ويقوم بدور الدليل ، تلتقي البعثة رئيس مجلس البلدية ، ويصبح من الصعب عليهم إيجاد مكان مناسب للإقامة في القرية إلا عند سيد القرية القديم .
تجد البعثة نفسها بمواجهة المشكلات والصراعات التي أفرزتها التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في هذا العالم الصغير المبني على مجموعة من الأعراف والتقاليد الموروثة . ثم تشاء الظروف أن يلتقيا بالمتطوعين إلى الثورة الفلاحية التي ينظمها عدد من الفلاحين المضطهدين من قبل زعماء القرية . تتوضح الاختلافات والتناقضات في هذا المجتمع أكثر فأكثر مع مرور الزمن ، وهناك معالم مجتمع جديد تبدأ بالتوضيح
الفيلم يسعى لأن يبرز الديناميكية التي تميز المضمون الاجتماعي والسياسي للثورة
فصل من كتاب
" السينما في المغرب العربي



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن