قراءة في كتاب الأكراد للدكتور أرشاك بولاديان

ربحان رمضان
alxetwa@yahoo.com

2006 / 7 / 15

وقع في يدي كتاب اسمه ( الأكراد ) للكاتب الأرمني الدكتور أرشاك بولاديان والذي كان قنصلا لأرمينيا بدمشق ..
الكتاب يتحدث عن الأكراد من وجهة نظر المؤرخين العرب للفترة الواقعة بين القرن السابع إلى القرن العاشر للميلاد .
لم نعرف كاتب المقدمة ولا أسماء المترجمين ، غير أن دار التكوين بدمشق هي التي نشرته ووزعته في عام 2004 .
وقد صرح لي الناشر هاتفيا ً بأنه كان قد حصل على الموافقة بنشر الكتاب من القنصل ذاته عندما كان يمثل دولته في دمشق .
الدكتور أرشاك بولاديان من مواليد منطقة رأس العين في سوريا هاجر إلى أرمينيا عام 1964 ، وعمل في معهد الاستشراق للبحوث العلمية التابع لأكاديمية العلوم الوطنية هناك. وبعد أن انتقل إلى العمل الديبلوماسي في وزارة الخارجية الأرمينية ترأس إدارة البلدان العربية فترة طويلة تم تعيين بمنصب قائم بأعمال جمهورية أرمينيا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2000 ثم سفيرا ً لدى دولة الشارقة ..
استند كاتب المقدمة إلى الكثير من المراجع التاريخية والكتاب العرب والأكراد والمستشرقين من مختلف الملل والنحل ، وأشار الكاتب إلى أنه وفي ظل الخلافة الاسلامية كان هناك اهتماما ً جديا ً بعلم التاريخ والجغرافيا " وذلك لأسباب عسكرية وسياسية واقتصادية " ساعد على تدوين دخول الجيش العربي الاسلامي في أرض الأكراد المعروفة باسم كردستان الذي وصفه كما يلي : " .. وتدل المعلومات على أن العرب فتحوا المناطق الكردية مستخدمين كلا ً من قوة السلاح – عنوة – وعقد الاتفاقات السلمية .."
في خضم التحضير لهذا لجأ الدكتور بولاديان إلى البحث في الكثير من المدونات الضخمة للمفكرين العرب والأكراد المهتمين بتاريخ العصور الإسلامية الأولى استعان بمؤلفات المستشرقين المتوفرة في مكتبات ودور المخطوطات في يريفان وموسكو ولينينغراد.‏
يبدأالكتاب الذي يضم ثلاثة فصول ،موزعة على ثمان بحوث في تاريخ الكرد ودورهم التاريخي في المشاركة بحركات التمرد ومناهضة الظلم الطبقي وذلك بالتعاون مع العرب وبقية القوميات التي خضعت للسلطات الأموية والعباسية والعثمانية .
يتضمن الكتاب أيضاً بحثاً في "فتح بلاد فارس"، وآخر في "العنصر التركي في الشرق الأوسط" حيث يستند إلى المصادر العربية ليبرز وجود الشعب الكردي في العراق وايران وحتى في تركيا وسوريا .
فسر معنى مصطلح كرد في المصادر العربية التي كانت تعني مربي المواشي. بالإضافة إلى توضيحه حول دخول الأكراد إلى المناطق الداخلية من ايران .
يذكر الكاتب بأن مصطلح الأكراد أو الكرد ورد في المصادر التاريخية والجغرافية المكتوبة بالعربية في القرون الوسطى وذلك في الروايات التي تمل السمة التاريخية أو الأسطورية ، ثم بدأ الكتبة بالعربية في زمن الخلافة الأموية باستخدام مصطلح الكرد وإطلاقه على الشعوب الايرانية التي سكنت أوالتي تواجدت في مناطق الخلافة .
وهنا يستنتج الكاتب أن مصطلح (الكردي) كان يحمل معنى البدوي أو مربي المواشي لدى المؤرخين العرب إضافة إلى المؤرخ الكردي ابن الأثير ، على حين أن معنى كلمة كورد أو قورد هي البطل أو المصارع الشجاع في اللغة الفارسية وفي لغات الشعوب القديمة التي عاشت في ميزوبيتاميا أو كردستان .
وكان يطلق على كردستان في أوائل العهد الاسلامي اسم (بقردا) ثم عربت في عهد عمر وأصبحت تطلق عليها أسماء الفاتحين العرب كجزيرة ابن عمرو ، أو عياض ابن غنم ، وديار ربيعة ، كما أطلق على بعض المناطق أســـــــــماء أخرى كجزيرة بوتان مثلا ً .
الفصل الأول

الأكراد في ظل الخلافة العربية
في القرنين الســــــــابع والثامن

يفترض الكاتب بولاديان مناطق تواجد الأكراد في السنوات الثلاثين للميلاد (أي قبل دخول العرب المسلمين أرضهم) في المنطقة التي تسمى اليوم كردستان العراق ، وكردستان ايران ، وبعض المناطق الايرانية . ويشير إلى مدى الضرر البالغ الذي لحق بالأكراد والناتج عن الحروب المستمرة ماببين الساسانيين الايرانيين والامبراطورية البيزنطية ، ويشير إلى أن مناطق شهرزور والمنابع الشمالية لنهر دجلة أصبحت في ذلك الوقت مسرحا ً للعمليات الحربية الدائرة بينهما والتي انتهت بانتصار البزنطيين بقيادة هرقل على خسرو الثاني وبتوقيع اتفاقية سلام بين الطرفين كانت لصالح الروم ، ثم جاءت الفتوحات (الجيوش) العربية لوضع حد لتلك النزاعات ، ودخول المناطق الكردية التابعة للإمبراطورية الساسانية تحت ظل الخلافة العربية – الاسلامية .

الفتوحات العربية والأكراد :
العقدان الثالث والرابع من القرن السابع

يسترسل الكاتب في تأريخ فترة الاسلام الأولى حيث ولد النبي محمد (ص) قي أواخر القرن الخامس الميلادي (570) للميلاد ونشر الدين الاسلامي في مكة والمديتة ثم خلفه الخلفاء الراشدون الأربعة الذين وجهوا الجيوش لفتح البلاد الواقعة شمال الجزيرة العربية ومن ضمنها كردستان وتخليصها من حكم البيزنطيين والفرس على السواء .
ويشير الكاتب إلى أنه بدأ استيطان الموصل والمناطق الكردية المحيطة بها بعد فتحها مباشرة ، حيث انتقلت القبائل العربية إليها وأن هجرة القبائل العربية إلى الأقاليم المفتوحة (عسكريا ً) قد بدأت منذ بداية الفتح العربي ، و من أهم المعارك التي خاضها العرب وانتصروا فيها كانت معركتي القادسية ونهاوند ، أما أهم المناطق التي قاوم أهلها جيش الفاتحين كانت مدينة شهرزور الكردية فيورد ماكتبه ابن خلدون عن احتلال المدينة بأن عتيبة بن فرقد السلمي عندما فتح شهرزور والصامغان قد أجبر السكان على دفع الجزية والخراج ، كما أن البلاذري يشير إلى أن حذيفة اليمان العبسي وبأمر من الخليفة عمر بن الخطاب ، عندما اتجه إلى آذربيجان ، اتجه إليها عبر مشارف نهاوند ، وقد لقي في أردبيل مقاومة عنيفة (ص 49) .
أما لماذا انتشر الاسلام في تلك المناطق فقد أشار الكاتب إلى أنه وأثناء القتال الذي كان يدور في المناطق يباد السكان المحليين بأمر من القادة الفاتحين أو يؤخذون في الأسر (ص51) وكانت عمليات إبادة العدو تستمر أحيانا ً حتى بعد تحقيق النصر (الصفحة ذاتها) لذلك ومن المحتمل أن حالات كهذه هي التي أجبرت السكان على الموافقة على حلول الوسط مع العرب .
وأشار الطبري وابن الأثير إلى انتفاضات الأكراد في زمن الخليفة عثمان بن عفان عامي (649 – 650) التي قمعت بشدة من قبل أبو مسى الأشعري والي البصرة الذي أعلن الجهاد ضدهم . كمت ارسل جيشا تعداده ألف رجل بقيادة هاني الحمداني للحرب مع المنتفضين الأكراد في منطقة دينور وقضت عليهم .

الأكراد في العهد الأموي (661 – 750 م) :

وهنا يصف لنا الكاتب كيف وصل الأمويون إلى الحكم مشيرا ً إلى حركات المعارضة التي قامت ضد خلافة يزبد على الحكم حيث أعلن عبد الله بن الزبير في مكة نفسه خليفة على المسلمين ، وظهرت حركة في العراق حركة بقيادة المختار الثقفي والي الكوفة حيث رفض الأخير الخضوع لعبد الله بن الزبير وطرد واليه عبد الله بن معطي العدوي ، ونادى بدم مقابل دم الحسين .
في عام 685 للميلاد عين المختار الثقفي سعد بن حذيفة اليماني واليا ً على حلوان الكردية واضعا ً تحت تصرفه ألف مقاتل مع دفع الف درهم سنويا ً مقابل إخضاع الأكراد ..
ويذكر الكاتب ماكتبه الطبري بأن الحجاج قام بتعيين سويد بن عبد الرحمن واليا على حلوان وماسبذان عام 696 – 697 م وقد تصدى سويد هذا وبمساعدة الأكراد والخوارج لمطرف بن المغيرة بن شعبة بجيش كبير .
في عام 700 – 701 للميلاد قامت انتفاضة بقيادة عبد الرحمن بن محمد الأشعث (والي سجستان) وشاركته بعض القبائل العربية والكر دية الانتفاضة وأبدوا مقاومة ضارية لقوات الحجاج .
عنما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة منع شتم علي بن أبي طالب من على المنابر ، ووالى الأكراد حيث ورد أن سكان شهرزور ومنذ القرن العاشر كانوا يعدون من موالي عمر بن عبد العزيز .
ثم يذكر الكاتب بأن قوات الخليفة الأموي عجزت عن الحاق الهزيمة بحركة الخوارج ، و" أضحت الجبال والمناطق الكردية مسرحا ً للعمليات ضد الأمويين .. " ويسترسل قائلا ً : " .. ولعبت الدعاية النشيطة التي قامت في المناطق الشرقية دورا ً كبيرا ً لصالح أقرباء النبي من العباسيين .. وفي عام 747 م بدأت في واحة (مرو) حركة كبيرة بقيادة ابو مسلم الخراساني ، وقد التف الفلاحون من مختلف المناطق حول أبو مسلم ، وشملت الحركة الأقاليم الغربية من ايران بما في ذلك الأقاليم الكردية ، وتراجعت قوات الأمويين عن مراكزها لصالح الثائرين .
ويستنتج الكاتب في نهاية الفصل أن الأكراد كانوا الأقرب إلى الشيعة والخوارج ضد الأمويين و كانوا دائما ً مع الحركات التي تناهض الخلافة الأموية .


الفصل الثاني

الخلافة العباسية والأكراد

ُيعرّف الكاتب بولاديان الدولة العباسية ( 750 - 1258 م) بالدولة الثيوقراطية ذات النظام الملكي الوراثي ذات العلاقات الاقطاعية . ويقول أن تمركز الأراضي بايدي الاقطاعيين أدّى إلى استعباد الفلاحين وسلب أراضيهم ، وأدت الضرائب والألإتاوات المفروضة على الفلاحين إلى نشوء حركات شعبية جماهيرية معارضة في كافة أقاليم الخلافة .

1 – الأكراد في أوائل الحكم العباسي
( مابين القرنين الثامن والتاسع )

يشير الدكتور بولاديان أنه حالما استلم العباسيون السلطة ( 749 – 754 م) عين أبو العباس (أول الخلفاء العباسيين) أبو مسلم الخراساني واليا ً على اقليم الجبال وخراسان ، وعين شقيقه أبو جعفر عبد الله محمد واليا ً على الموصل ، وأرسل عمه عبد الله بن العباس إلى شهرزور حيث كانت ترابط قوات عباسية تحت قيادة أبو عون عبد الملك الأزوي ، واعترف سكان هذه المناطق بالسلطة الجديدة .
ويذكر بن الأثير أن الخليفة المنصور (754 – 775 ) عين خالد البرمكي الذي قمع الانتفاضات الكردية في ولاية الموصل فيما بعد واليا ً على الموصل وذلك في عام 765 م وذلك لأنه علم بقيام الأكراد بنشاطات مناهضة للسلطة .
كما يشير إلى تعاطف الكرد مع الحركة الخرمية والتي أخمدت بعد حروب طاحنة بين الطرفين وكان من أبرز قادتها الأكراد (عصمت الكردي) حاكم (مرند) الذي استقدمه الخليفة المعتصم بمؤامرة مدبرة واعتقله حتى أيام الواثق .
وفي نهاية الثلاثينات من القرن التاسع اندلعت انتفاضة كردية ضخمة في الموصل وكان (جعفر فهرجس) الكردي على رأس الانتفاضة التي شملت الموصل وآذربيجان وأرمينيا ،فأرسل المعتصم جيشا بقيادة (ايتاخ) التركي الذي قتل جعفر وعلق جثته إلى جانب كل من بابك الخرمي وأمير طبرستان مازيار واستباح أموالهم وحشر الأسرى والنساء والأموال إلى تكريت .
كما شارك الأكراد في ثورة الزنج التي اندلعت في أواخر القرن التاسع الميلادي بقيادة محمد آزاد مرد الكردي والي خوزستان الذي تحالف مع قائد ثورة الزنج بن محمد ، والملقب عند أعدائه بالخبيث .
وتعاون جعفر بن حميد الكردي (وكان حاكما لإحدى الولايات السورية) مع حركة القرامطة فأرسل زعيم الحركة (بن زكرويه) رسالة إلى جعفر بن حميد يقول له فيها : " إلى جعفر بن حميد الكردي : سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، وأسأله أن يصلي على جدي محمد رسول الله ، أما بعد :
فقد أنهي إلينا ماحدث قبلك من أخبار أعداء الله الكفرة ، وما فعلوه بناحيتك ، وأظهروه من الظلم والعبث والفساد في الأرض ، فأعلمنا ذلك ، ورأينا أن ننفذ إلى ما هناك من جيوشنا من ينتقم الله به من أعدائه الظالمين ، الذين يسعون في الأرض فسادا ً ، عطيرا ً داعيتنا وجماعة من المؤمنين إلى مدينة حمص ، وأمددناهم بالعساكر ، ونحن في أثرهم ، وقد أوعزنا إليهم في المسير إلى ناحيتك لطلب أعداء الله حيث كانوا ، ونحن نرجوا أن يجزينا الله فيهم على أحسن عوائده عندنا في أمثالهم ، فينبغي أن تشد قلبك وقلوب من معك من أوليائنا ، وبالله وبنصره الذي لم يعوذنا في كل من مرق على الطاعة وانحرف عن الايمان ، وتبادر إلينا بأخبار الناحية ، سبحانك اللهم ، وتحيتهم فيها سلام ، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على على جدي محمد رســـول الله وعلى أهل بيته وســـلم كثيرا ً . "
في عام 886 ظهرت تحركات جديدة للحوارج الذين كانوا يهدفون إلى المساواة الاجتماعية والمساواة في الملكية تزعمها مساور بن عبد الحميد الشاري ، وقد شارك الأكراد والعرب في هذه التحركات وظهر من الأكراد زعيما هو محمد بن خرزاد الكردي .
ويشير الكاتب إلى أنه وفي أواسط القرن التاسع برزت في منطقة الموصل صفتان هامتان ميزتا العلاقات العربية – الكردية حيث التحمت القبائل الكردية والعربية مع الخوارج وغيرها ضد الإقطاع ، ومن جهة ثانية نشبت صراعات حادة حول الزعامات المحلية وقد حاول الخليفة أن يقضي على نشاطات الأكراد والعرب .

الأكراد في النصف الأول من القرن العاشر

يقول الدكتور بولاديان بأن الأكراد ومع مطلع القرن العاشر شاركوا في كل الاضطرابات التي ظهرت في دولة الخلافة ففي عام 902- 908 م شارك الأكراد في الاضطراب الذي جرى على ضفاف نهر دجلة ضد الخليفة المكتفي ، وفي عام 902 م أيضا تضافرت قوى القائد العسكري أبو سعيد الخوارزمي مع صهره ابن الربيع الكردي بأعمال معادية للخليفة في شهرزور ..
في عام 905 قام الخليفة المكتفي بتعيين ابو الهيجا بن حمدون واليا ً على الموصل فقامت انتفاضة كردية بفيادة محمد بن بلال وهاجم الثوار نينوى واحتل الأكراد قسما ً منها ، ولكن النتيجة لم تكن لصالحهم لذلك غادر قسم منهم إلى آذربيجان ، واعترف الآخرون بالسلطة الحمدانية .. وفي عام 907 قام الأكراد ايضا بانتفاضة بقيادة رجل مجهول أطلق عليه الطبري وابن الأثير وابن خلدون اسم الكردي المتغلب .. يقول (ابن الأثير) فوجه الخليفة إليه جيشا بقيادة الحسن بن الأحمد ظفر بهم واستباحهم ونهب أموالهم ، وهرب رئيسهم إلى رؤوس الجبال ولم يدرك . ويذكر ابن خلدون بأن الكراد (المدرانية) قاموا بانتفاضة عام 921 م قضى عليها أبو الهيجا بن حمدون ، ويتابع الكاتب قائلا ً : " .. وبعد أن تمكن الحمدانيون من القضاء على الانتفاضات الكردية والعربية في اقليم الموصل عام 925 م قاموا بشن هجوم على شهرزور واستطاعوا إلحاق الهزيمة بالمتمردين .
ولما كان اقليم الموصل وديار ربيعة ونصيبين وميافارقين واقعة في قبضة الحمدانيين كانت النزاعات قائمة بسبب الحدود بين الاسرة الحمدانية والأكراد امتدت طيلة القرن العاشر ، واشتد أثناء حكم الدولة المروانية الكردية وذلك في النصف الثاني من القرن العاشر .
أكثر من مرة صك الزعماء الكرد نقودا بأسمائهم ففي عام 949 -950 فقد قام ديسم حاكم أردبيل على سبيل المثال بصك نقود باسمه .
ويذكر ابن الأثير أن القائد مرزبان نجح في أسر ديسم من أرمينيا ثم أرسله إلى آذربيجان حيث فقأ له عيناه ورماه في السجن _إلى أن قتله خليفة المرزبان خوفا ً من انتقامه .
بعد أن فقد العباسيون السلطة التي دامت حوالي 200 سنة (945 – 1132 م) وأصبح منصب الخلافة صوريا ً حيث أن البويهيون والزياريون والسامانيون وممثلوا الاسر الحاكمة الأخرى اصبحوا هم القائمين بأعمال الخليفة ولم يتبق للخليفة سوى ذكر اسمه في خطبة الجمعة ، وفي صك اسمه على النقود .
يقول بولاديان : " وقام الأكرادولفترة طويلة بنضال مرير في الجبال والجزيرة ضد البويهيين والحمدانيين ." .

اعتناق الأكراد للإسلام

يشير الكاتب بولاديان إلى أن الاسلام انتشر بين الأكراد مابين القرنين السابع والعاشر ، وأكثرية الباحثين يعتقدون أن الأكراد كانوا يدينون بالزردشتية قبل الاسلام مثل غالبية الشعوب الآرية والايرانية (اقرأ تاريخ الكرد وكردستان لمحمد أمين زكي ) كما انتشرت المسيحية قبل وأثناء انتشار الديانة الاسلامية في الشرق (مينورسكي ، درايفر ، وم.أمين زكي) وفي هذا الصدد يذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان وجود كنيسة (ديركم) بالقرب من العمادية التي يقطنها الأكراد ، ويذكر ابن الأثير أنه وفي بدايات القرن العاشر وجدت حالات من رفض الكرد للإسلام واعتناقهم للمسيحية ..
يثبت الكاتب في هذا الفصل من الكتاب بأنه لم يكن يوجد في الجزيرة العربية أكراد قبل الفتوحات .. وغالب الظن أن الأكراد اعتنقوا الاسلام مابين القرن التاسع والعاشر للميلاد ، يقول المســـــعودي : " .. وفي الأكراد من رأيهم رأي الخوارج والبراءة من عثمان وعلي .." .
كما أن الزعامة الكردية لعبت دورا ممبزا ً في نشر الدين الاسلامي فيرد الدكتور بولاديان لنا مثالا هو الامارة الحسنوية (961 – 1015) ودورها في ضم عدة قبائل كردية تحت مظلة الاسلام .
كما يذكر المؤلف ماذكره ابن الجوزي (ق 12) عما كان يصره بدر وهو من الامارة الحسنوية على الأرامل والأيتام والجامعات وحتى الأسكفة والحذائين وقيمة الهبات التي كان يهبها لتكفين الموتى وبناء المساجد ..


الفصل الثالث
القبائل الكردية

الكاتب الدكتور بولاديان والمولود بين ظهراني الأكراد يكرر ويصر على إطلاق صفة القبائل الكردية بدلا عن شعب كردي ، وفي الفصل الثالث والأخير من الكتاب يوضح مدلول كلمة قبيلة أو عشيرة في اللغة العربية مشيرا إلى أن طبيعة العلاقات السائدة بين الأكراد إنما هي علاقات إقطاعية – أبوية - . ويستند في تقسيم جغرافية تواجد الشعب الكردي في القرن العاشر في المناطق التالية :
فارس ، كرمان ، سجستان ، أصفهان ، الجبال ، مهاوند ، دينور ، همذان ، شهرزور ، دربند ، الصامغان ، آذربيجان ، الجزيرة ، سوريا (الشام) ، وفي مناطق الحدود العربية – البزنطية (الثغور) وغيرها .
وفي هذا الصدد يورد ماكتبه المسعودي عن القبائل التي سكنت في تلك المناطق كقبائل : المازنجان ، الشوهجان ، الشازجان ، النشاورة ، البوزيكان ، اللورية ، الجورقان ، الجاوانية ، البارسيان ، أو اليرسيان ، الجلالية ، المستكان ، الجابارقة ، الجرقان ، الكيكان ، الماجردان .. وغيرها ، ومن القبائل الكردية التي كانت مقيمة في سوريا يذكر المسعودي (ص 190) أن قبيلة الدبابلة كانت تقيم في قرية دونبللي التابعة لمنطقة عفرين – جبل الأكراد- وغيرها في القرن العاشر الميلادي .
في الباب الأول من الفصل الثالث وتحت عنوان القبائل الكردية في الموصل والجزيرة وبالاستناد إلى مصادر عديدة كياقوت الحموي ، والسمعاني ، وابن الأثيريشير الدكتور بولاديان إلى أن الكرد كانوا يعيشون على شواطئ دجلة وفي وهاد الزاب الكبير والصغير ، وأشهر القبائل الكردية التي كانت تعيش في المناطق الشمالية من الموصل كانت قبيلة الهكارية ، ويؤكد الواقدي على أنه وفي القرن التاسع الميلادي كان هناك اتحادا ً لقبائل كردية يحمل اسم الهكارية ، ويملك قلاعا ً أشهرها قلعة آشب القريبة من العمادية .
وهناك قلعة (فنك) أو (بينيك) في جزيرة ابن عمرو والتي تعد المركز الكردي لقبيلة البشنوية حيث انتشرت في منطقة مابين النهرين وبقيت ثلاثة قرون على رأي القزويني بأيدي الأكراد البشنوية .
أما عن جبل داسن فيذكر ياقوت الحموي بأن " داسن جبل عظيم في شمال الموصل من جانب دجلة الشرقي ، فيه خلق كثر من طوائف الأكراد ويقال لهم الداسنية ".
أما المسعودي وابن الأثير فيذكران قبيلتي اليعقوبية والجرقان ، إضافة إلى قبيلة الحميدية التي أسست الإمارة المروانية ،و قبائل المرانية والكيكان والبختية و وكانت قبيلة الهذبانية تعيش في منطقة (آشنة) بالقرب من بحيرة أورمية .
على حين أبو آدلف يورد أن قبيلة الحكمية كانت تعيش في شهرزور في القرن العاشر الميلادي .

3 – القبائل الكردية في الجبال وخوزستان ولورستان وفارس :

يعرف الدكتور بولاديان اقليم الجبال على أنه المنطقة التي تشمل كل من كردستان ايران وقسم من كردستان العراقية ، واردلان هي المنطقة الواقعة بين كرمانشاه وآذربيجان .ويقول أبو أدلف أن مدينة شهرزور كانت أكبرمدينة رئيسية في القرن العاشر وقد أكد ابن حوقل والاصطخري والمؤلفين العرب والأكراد أن الأكراد كانوا يسكنوها ويسكنوا المناطق المجاورة لها .
ويضيف الدكتور بولاديان مدن سهرود وقرمسين ودينور ونهاوند وآذربيجان كانت تقيم بها قبائل البرزينية ، العيشانية ، الشاذنجان ، القوهية وأبهر وغيرها في القرن العاشر ، كما يشير بأن المصادر العربية تؤكد وجود الأكراد في خوزستان ولورستان منذ زمن الفتوحات (القرن السابع) وحتى العاشر الميلادي .
ويخلص الكاتب إلى القول بأن المراجع تباغ في عدد الأكراد حيث كانوا في فارس وحدها عدة ملايين في القرن العاشر الميلادي .

مهن الأكراد ولغتهم :

يشير الكاتب إلى أن غالبية الأكراد كانوا يعملوا في تلك الفترة بتربية المواشي ، وعملوا بتجارتها ومشتقاتحليبها وأجبانها أيضا ً حيث كان يوجد في منطقة الموصل سوقا ً اسمه سوق الأكراد ، اشتهرت لديهم حسب مصدر الاصطخري وابن حوقل صناعة الجبن وحملوا مشتقات الألبان وخبز الذرة إلى مختلف المناطق واستبدلوها بالمواد اللازمة لهم .
أمّا اللغة الكردية فقد كتب التنوخي عنها وأوردها في سياق اللغات العربية والرومية والافرنجية والصقلية والخزرية .
ويتابع قائلا ً بانه وخلال الفترة الممتدة بين القرن السابع والعاشر لم يكن هناك أدبا مكتوبا ً ، في حين أن رسائل كان قد تركها أحد كهنة اليزيدية تفيد بان العرب المسلمون أتلفوا الكثير من الكتب والوثائق اليزيدية في بداية الفتوحات الاسلامية .

في نهاية كتابه يختتم الكاتب مجهوده بجملة من النتائج أوردها كما هي :
1 – نتيجة للفتوحات العربية في آسيا الصغرى ، وهزيمة الساسانيين في ايران مابين الثلاثينات وخمسينيات القرن السابع وجد الأكراد أنفسهم ، كغيرهم من شعوب الشرقين الأدنى والأوسط ، ضمن نطاق الخلافة العربية ، واعتبر هذا الحدث التاريخي بمثابة مرحلة جديدة وطويلة في حياة الأكراد وهي مرحلة السيطرة العربية .
2 – دخل الأكراد ، في الفترة الممتدة مابين القرنين السابع والعاشر ولأسباب سياسية واقتصادية ، بعلاقات وثيقة مع العرب ومع شعوب أخرى واقعة في ظل الخلافة ، وكثيرا ً ماكانت هذه العلاقات تؤدي إلى نزعات إقليمية ومصادمات مع القبائل العربية ، وتفسير ذلك على الكاتب يعود إلى أن العرب عندما فتحوا الموصل والجبال وغيرها من المناطق الكردية استوطنت هناك عدة قبائل عربية ، وهذا بدوره سبب أضرارا ً كبيرة للأكراد ، سكان المناطق الأصليين .
3 – بدأ النشاط الحربي للقبائل الكردية يشتد في النصف الثاني من القرن الثامن تقريبا ً وخاصة في مناطق الموصل والجبال وآذربيجان وغيرها ، ومع أن نضال الأكراد ضد السيطرة العربية في تلك الفترة كان له طابع العفوية ، فإن زعماء القبائل الكردية استفادت من الظروف السياسية وعملت في بداية القرن العاشر للسعي نحو الاستقلال النسبي ، ونتيجة لذلك ظهرت في النصف الثاني من القرن العاشر وفي مناطق مختلفة عدة إمارات كردية .
4 – في بداية الحكم العباسي (النصف الثاني من ق الثامن) بدأت هجرة بعض القبائل الكردية من مناطق إقامتها في الموصل والجبال إلى المناطق المجاورة مما ساعد على ظهور العنصر الكردي في القوات النظامية للخلافة وفي فصائل القوات المأجورة لدى الإمارات الإقطاعية .
5 – ساعدت هجرة الأكراد بشكل جوهري على عملية إختلاط الأكراد بالسلالاتالأخرى ، وفي بعض الحالات كانت القبائل الكردية تستقر في هذه المنطقة أو تلك وتختلط بالسكان المحليين ، ولهذا السبب تجدر الإشارة إلى عملية تعريب الأكراد والتي تعمقت كثيرا ً نتيجة اعتنقاهم الاسلام .
6 – نتيجة للسيطرة الطويلة للخلافة العربية فقد انتشرت عقيدة الفاتحين بين الأكراد ، إن تحليل المعلومات التي أوردها المؤلفون باللغة العربية تعطينا الأسس لإعتبار أن الاسلام قد انتشر في المرحلة الأولى بين الأكرادعن طريق القوة ، وعلى غرار الشعوب الايرانية يمكن (الافتراض) أن زعامة القبائل الكردية هي التي اعتنقت الإسلام في البيداية ، ثم بذلت جهودها لنشره بين أفراد قبائلها ، وظهر في القرن العاشر لدى السكان الأكراد من يعتنق المذهب السني والشيعي ، غير أن آثار العقائد القديمة بقيت لديهم .
لقد تناول المؤلف مشكورا ً جانباً هاماً من جوانب العلاقات العربية – الكردية التي لم تسلط عليها لأضواء كفاية وقدم للقارئ صورة عن وضع الشعب الكردي في فترة الفتوحات العربية والاسلامية الواقعة مابين القرني السابع والعاشر ، مما يجدر بنا في النهاية أن نشير إلى أن الجهد الذي بذله الكاتب والمترجمون وناشر الكتاب (دار التكوين بدمشق) وصل ليد القارئ بأمانة ودقة ليضع بين أيدينا كتاباً ألقى الضوء على جوانب مشتركة بين الشعبين الكردي والعربي .‏
==============
* عضو اللجنة المركزية لحزب آزادي الكردي في سوريا



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن