لو كانت الحرب الطائفية.....!!!

فينوس فائق
venusfaiq@gmail.com

2006 / 7 / 14

إندلاع الحرب الأهلية في العراق تعني الكثير في الوقت الحاضر ، فهي تعني عجز الحكومة العراقية في الوفاء بالوعود التي تطلقها للعراقيين بإستمرار و عدم أهليتها لقيادة العراق ، فلم يبق على تسليم العراق للإرهابيين سوى القليل.. هذا هو الإستنتاج الذي توصلت إليه بعد أن أقفلت الهاتف مع صديقة لي من بغداد ، حيث أبلغتني كالعادة بملخص عن الأوضاع هناك و كيف أن منظر القتلى على الطرقات صارت من الأمور العادية اليومية ، و حتى أن الأطفال قد تعودا على تلك المناظر ، فأي جيل ستنشيء الحكومة العراقية الجديدة؟
لقد تألمت بعمق لعدد من قصص المآسي التي روتها لي صديقتي حين قالت: أن أحد البيوت في الحي الذي تسكن فيه تلقوا راس إبنهم داخل قدر مغموس أو مطبوخ على شكل "تشريب" مغموس مع الليمون البصراوي و قطع البصل ، و حادثة أخرى عن جارهم الآخر الذي وجدوا جثته ، و هو مطعون و جرى التمثيل بجثته حيث ملئوه بالبراغي ، و روت لي عدد من الروايات الأخرى التي تقشعر لها الأبدان..
لا أدري كيف أعلق على ما يجري الآن في العراق ، فهي ليست بوادر الحرب الطائفية فحسب و إنما هي الحرب الطائفية الحقيقية ، فقبل أن نسأل عن أي شيء يجب أن نسأل من المسؤول وراء هذه الحرب الطائفية؟ و الجواب هو بطبيعة الحال: دول الجوار ، فمن البديهي أن تلك الدول التي تخاف نسمة الديمقراطية ، و ليس رياح الديمقراطية و تصاب بالفزع من سماع كلمة "ديمقراطية" ، عليه تصدر بذور الإرهاب إلى داخل العراق لكي تمنع قيام دولة علمانية حضارية متقدمة و ديمقراطية بجوارها ، و بالتالي ينتقل عدوى الديمقراطية إلى شعوبها فتنفتح أعينهم على الجهنم الحمراء التي يكووون بنارها و هم ساكتون و عاجزون..
و لابد من القول أن على الطرف الآخر يقف الأمريكان و قوات الإحتلال حيث التجاوزات و الإعتداءات التي تنال من الأبرياء كمثال هؤلاء الجنود الأمريكان الذين إغتصبوا فتاة في المحمودية و قتلوا جميع أفراد العائلة ، و يقال أن الجنود المتهمون بالجريمة قد أحيلوا للقضاء و سيواجهون عقوبة الإعدام..
فمن غير الممكن أن يمر يوم بدون أن تقل أرواح برئية ، و ها نحن نواجه اليوم الفتنة الطائفية في أبشع صورها حيث القتل بالأسماء ، و حسب ما رواه لي صديق آخر من بغداد أن الحرب الاهلية بدأت فعلا في بغداد واصبحت كبيروت في الثمانينات و أن هناك مناطق لا يستطيعون دخولها بسبب أسماءهم والاخرين كذلك لايستطيعون دخلون مناطقهم..
ألم يكن صدام حسين الدكتاتور أيضاً يقتل العراقيين جماعياً ، أو لم يكن يدفنهم في مقابر جماعية؟
إن ما يحدث الآن أبشع من أي تصوير ، يعجز اللسان عن وصفه ، فحالة الذعر التي يعيش فيها العراقيون أصبحت فوق طاقة التحمل الطبيعية ، فوق ذلك كله تقاعس الحكومة و فشلها في حل كل تلك المشاكل ، ألم يحن الأوان أن تراجع الحكومة نفسها و تضع يدها على موضع الخطأ و تصلحه؟
أليست الحكومة مشتركة رئيسية في تأزم الحالة يوماً بعد يوم ، فبتقديري أن حالة الإنقسام التي تجسدت بشكل أو بآخر داخل الحكومة ، بين شيعي و سني و شيعي متشدد إلى شيعي أقل تشدداً و الجناح السني و غيرهم و إدخال السياسة في الخطب الدينية ، و مزج الدين بالألاعيب السياسة ، و إنقسام القوى المسلحة بين المهدي و بدر و الجناح الشيعي المسلح و قيادة فرق القتل ، و غيرها هذا كله أدى في نهاية المطاف إلى قيام هذه الحرب غير المعلنة و الخاسر الأول و الأخير و الذي يدفع فاتورة الإرهاب باهضاً هو المواطن العادي المسكين الذي لاحول ولا قوة له.
و ترتفع أصوات هنا و هناك فيعلقون أخطاء التيارات الدينية السياسية الفادحة على شماعة الإحتلال ، الأجدر أن نسأل: متى إجتمع الساسة و رجال الدين دون أن يختلفوا حتى تطفوا أخطاء قوات التحالف بقيادة أمريكا على سطح الماء فنقول الحق معكم؟
إن جهود الحكومة الفاشلة نحو مشروع المصالحة الوطنية ماهو إلا نوع من التخبط غير المجدي ، فقبل إقتراح مشروع المصالحة الوطنية على الحكومة العراقية الحالية أن تراجع نفسها أولا و أن تعترف بأخطائها و بعجزها ، و أن تحاول أن تراجع حساباتها رأساً على عقب، فهي المسبب الأول و الرئيسي في تأزم الوضع الأمني و ترديه و وصوله إلى هذه الدرجة من الإنحطاط.
فلوكانت هي حكومة مؤهلة أصلاً لقيادة البلد و قادرة على إستباب الأمن لكان أصلاً بمقدورها أن تقول ذلك للأمريكان بكل وضوح و أن تثبت لهم أنها قوية ، لكن اليوم و بالرغم من كل التجاوزات والأخطاء التي يرتكبها الأمريكان ، فإن خروجها في الوقت الحالي من العراق يعني الدمار بعينه ، هذا الكلام لا يعني تأييد إستمرار بقاء قوات التحالف في العراق ، لكن هذا هو الواقع للأسف و علينا أن نكون واقعيين اليوم أكثر من أي وقت مضى..
اليوم بالذات تذكرت تصريح عادل عبدالمهدي نائب الرئيس العراقي في الثلاثين من حزيران الماضي في الشرق الأوسط أنه يستبعد وقوع حرب طائفية في العراق ، في الوقت الذي يعلن فيه الجيش الأمريكي أن الإرهاب يأتي من دول الجوار ، من مصريين و سودانيين و سعوديين و و سوريين ...ألخ ، للأسف الشديد إما أن الساسة العراقيون فاشلون في تنبؤاتهم السياسية أو أنهم يخفوون الحقائق عن شعوبهم و هذه مصيبة..
لا أدري متى كان العراق يتقن القتل كما يتقنه اليوم و هو يقتل أخاه ، هذا العراقي الذي كان و مازال شاعراً و فناناً ، فلو نظرت إلى الخارطة الثقافية العراقية ، تجد أن أكثر من نصف العراقيين شعراء و كتاب قصة و النصف الآخر فنانين بين مطرب يغني للطبيعة و يتغنى بحبيبته و أخر يتغنى بحب الوطن و آخر يتغنى بجمال مدينته ، و الباقي إما فنانين تشكيليين يرسمون جمال و طبيعة الوطن أو مناظر الأهوار و مشاهد المدن الخلابة ، أو يرسمون لوحات العشق و الحب و الصفاء و التسامح..
متى ستصحوا الحكومة من حلمها و تراجع كل ما يجري و تضع لنفسها أجندة طارئة و جادة لمحاربة الإرهاب و الحرب الأهلية ، أم أننا نضطر أن نحلم و نتمنى و نتخيل عراقاً آخر أو نقول لو كانت الحرب الأهلية رجلاً لقتلته....لكنها ستقتل حتى الأرصفة و الشوارع و لن تنتهي..



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن