أكذوبة - الأخلاق العالمية - في الجائحة

تفروت لحسن
tifroute@hotmail.com

2020 / 5 / 31

اعتدنا أن نصنف النظر في الأخلاق كمبحث في منظومة قيمنا الأخلاقية، في سلوكنا الفردي والجماعي. وبالفعل، نجد اهتمامات متنوعة، على امتداد تاريخ الفكر البشري، تتباين في سؤالها عن الأخلاق. بحيث نصادف في الدرس التقليدي والحديث والمعاصر مفاربات للقضايا الأخلاقية. سواء تلك التي تصر عن مرجعية دينية أو التي التي تؤسسها فلسفات بشرية. هكذا تحضر مع الأخلاق مفاهيم الخير والشر، الحسن والقبيج، العدل والظلم... بل وتلتصق مع مبحث القيم صيغ لغوية من قبيل: سوء الخلق، مكارم الأخلاق، الخلق الذميم، أخلاق السادة،...
يمكن أن يعتبر البعض أن هذا المعجم التقليدي للتناول الأخلاقي أصبح تقليديا، بل ومتجاوزا مع ظهور " اليبوإتيقا " كشكل من الأخلاق التطبيقية. وإذا كان لمثل هذه المواقف جزء من الصحة، فإن هذه الأخلاق التطبيقية مازالت تتضمن المفاهيم القديمة مع اختلاف فقط في التناول. إذ عوض الإعتبار المطلق للجهات الخلقية، أصبحنا ندرس الأخلاق، هنا والآن، في ملازمة الإنسان وفق ما يعيشه في حياته الواقعية، وليس الافتراضية.
سؤال الأخلاق، كما عاشها ويعيشها الإنسان اليوم، استأثر بالاهتمام الدارسين مع ظهور الجائعة. حيث أن القيم في زمن الجائحة لم تنحصر فقط على النظار، بل أصبحث شأنا مجتمعيا عموميا، يهم ليس فقط الفيلسوف ورجل الدين، بل رجل السياسة وخبراء الصحة، وعلماء التكنولوجيا...فاليونسكو كما منظمة الصحة العالمية وضعت نصب أعينها الأخلاقيات الطبية وعلاقتها بالمواطنة وحقوق الانسان، حيث نجدها تدافع عن الأخلاق العالمية على شاكلة ما دافع عنه كانط في العقل العملي.
فالوباء، ومنه جائحة كورونا، يستدعي، حسب المنظمة، اعتبار الأخلاق شأنا عالميا، يتطلب تدخل الجميع لمواجهة الوباء، على كافة المستويات. هذا ما عبرت عنه اليونيسكو في بيان لها صدر في شهر أبريل 2020 تحت عنوان: بيان مشترك لجائحة كوفيد19 من وجهة نظر عالمية. هذا البيان الذي تضمن 11 مادة يسرد الإجراءات التي يجب اتخاذها لتحقيق صحة كبرى. وهذا التوجه نجد ترجمات حاصة له، كما هو أمر التجربة الفرنسية التي سارت على نفس الطريقة.
لكن رغم دعوى الأخلاق العالمية، فإن واقع الحال يدفع إلى التساؤلات التالية:
- لما كان التضامن والتآزر والتعاون شيمة أخلاقية محبوبة ومطلوبة، ولما كانت البيانات الدولية والمحلية تلح على نهجه في التعامل مع الأوبئة، خاصة كوفيد 19، فإن القرار الأمريكي بالإنسحاب من منظمة الصحة العالمية، والامتناع عن المساهمة المادية في ماليتها، ليدعو لإعادة النظر في بيان اليونسكو، الذي تم إقباره في وقت يتطلب السند والعضد.
- رغم أن " الأخلاق العالمية " تدعو إلى تضامن الدول في اكتشاف اللقاح أو العلاج، على أساس أن مشكل الجائعة يهم الجميع، فلا جنسية ولا هوية له، فإن ما يصل من أخبار يكشف العكس، حيث التلامز والتباهي والعجب باكتشاف العلاج أو اللقاح هو المهيمن على الحقلين الصحي والإعلامي. هكذا، نسمع عن السبق الصيني، أو المفاجئة الألمانية، أو الطفرة الأمريكية، ولما لا حتى المغرب له نصيب...
- نظرا لكون عالمية الأخلاق، تفترض الإنصاف في العلاج طبقا لمبدأ المساواة، فإن بعض الصور الإكلينيكية، تفضح هذا الوهم، إذ تتم أحيانا المفاضلة بين المصابين بسبب عامل السن، حيث يتم إعطاء الاسبقية في العلاج السريري للأقل سنا. ويمكن أن يكون التفاضل بناء على الجنسية، بين ابن البلدة والمقيم...
- رغم أن أخلاق الجائحة تفترض التضامن مع الدول الأكثر فقرا، ومع الأشخاص ذوو الحاجة، فإن الإعلام يكشف أن هذا مجرد شعر يبقى بعيد عن الواقع، بل أن البعض يدعي أن الفقير هو مجدر فأر للتجارب، كما شاع عن الافريقي، في بداية الجائحة.
- المعلوم أن أخلاقيات الطب تفترض الحفاظ على سرية الخالة المرضية، وعدم الكشف عن خصوصيات المريض وعطيات وضعيته، فإن الاعلام السمعي والبصري والمكتوب كا فتئ يكشف عن هويات الحالة المدنية للمصاب وللمخالطين. أكثر من هذا يتم تصوير ونشر وضعيات مقززة للتعامل مع بعض المرضى، دون مراعاة الانعكاسات السلبية لهذا التعامل المضاد للحق الإنساني.
- إذا كان بيان اليونسكو يراهن على صحة المعلومة كجزء من الانتصار في المعركة الوبائيىة، فإن المستبد بالساحة الاعلامية هو الاخبار الزائفة، سواء من حيث مصدرها أو وجهتها. هذا المشكل خلقت محاولات عدة لاستشصاله، لكن دون جدوى. بل أن الكذب التواصلي سيطر حتى على السياسة الدولية الداخلية والخارجية، كما هو أمر مصدر كورونا أو المعطيات حول العجوى وعلاجها.
يظهر أن لا مجال للأخلاق العالمية. وهي مجرد تأويل سيء للأخلاق كما شهده نيتشه سابقا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن