أمريكا فوق صفيح ساخن

أحمد سوكارنو عبد الحافظ
sokarno2006@Gmail.com

2020 / 5 / 31

لعل بعض المواطنين فى بلادنا يعتقدون أن المظاهرات وأعمال الشغب التى اجتاحت عدة مدن أمريكية على رأسها مدينة مينابولس سوف تضع نهاية للامبرطورية الأمريكية، هذا فضلا عن جائحة كورونا التى تفشت فى الولايات الأمريكية وتسببت فى مقتل أكثر من مائة ألف أمريكى. وفى الواقع فإن أحداث هذه الأيام هى نسخة متكررة منذ ستينيات القرن الماضى وبالتالى فإنه من المتوقع أن "تعود ريما إلى عادتها القديمة" فور أن تهدأ الأوضاع فى البلاد.

لقد اندلعت المظاهرات فى مدينة مينابولس فى ولاية مينيسوتا إثر مقتل رجل من أصل إفريقى تحت أقدام رجل شرطة أبيض. المصيبة أن مقتل الرجل تم تسجيله بواسطة الكاميرات وتم نشره على اليوتيوت. لقد رأينا رجل شرطة يتعامل مع مواطن أمريكى أسود مقيد اليدين أى مستحيل أن يقاوم أو يهدد حياة رجال الشرطة ثم رأينا الشرطى قابعا بركبته اليسرى على عنق الرجل الملقى على الأرض وحوله ما لا يقل عن ثلاثة رجال شرطة وشرطى رابع يمنع المارة من التدخل ولا سيما أن الرجل كان يصرخ قائلا إنه غير قادر على التنفس. وهذا يذكرنا بفيروس كورونا الذى يمنع الهواء عن ضحاياه ولا يتركهم الا بعد أن يتحولوا إلى جثة هامدة. المهم استمر هذا الوضع لحوالى ثماني دقائق حتى توقف الرجل تماما عن الصراخ حيث تم نقله إلى المستشفى التى أعلنت وفاته. ومن المهم أن نتوقف برهة لنتأمل خلالها الموقف الذى لم تسجله الكاميرات و التى أدت إلى استدعاء الشرطة. لقد تبين أن الرجل الأسود ذهب إلى محل Cup Food لشراء علبة سجاير وقام بدفع الثمن عشرين دولارا حيث تبين أن العملة الورقية مزورة مما حدا بعاملة المحل إلى الإتصال برقم ٩١١. وصل رجال الشرطة إلى الموقع وعلى الفور تم إخراج الرجل من سيارته وألقوا القبض عليه واضعين القيود الحديدية فى يديه ثم حدث ما رويناه آنفا.

من الملاحظ أن هذا ليس الحادث الوحيد الذى انتهى بأحداث الشغب والتدمير الذى شهدته مدينة مينابولس وسانت بول حيث تم إحراق ونهب عدة محلات وكذلك تدمير وإشعال الحريق فى مبنى الشرطة. لقد شهدت الستينيات أعمال شغب وعنف فى عدة مدن أمريكية منها مدن لوس انجلوس (١٩٦٥م) ونيويورك وديتروت (١٩٧٧م) عقب قيام شرطة هذه المدن بقتل مواطنين من أصول إفريقية. وكذلك شهدت مدينة منفيس أعمال شغب فى عام ١٩٦٨م إثر إغتيال مارتن لوثر كنج. أما الثمانينيات فلم تشهد سوى حادثة واحدة فى مدينة ميامى فلوريدا نتيجة إطلاق سراح أربعة رجال شرطة قاموا بقتل أحد المواطنين السود. لعل أشد أحداث الشغب تلك التى شهدتها مدينة لوس انجلوس فى عام ١٩٩٢م حيث تم إطلاق سراح أربعة رجال شرطة قاموا بقتل شاب من أصل افريقى يدعى رودنى كنج ثم امتدت المظاهرات إلى عدة مدن أخرى فى كاليفورنيا ولاس فيجاس ونيويورك وسان فرانسيسكو وسان هوزيه.

واذا انتقلنا إلى القرن الواحد وعشرين فإننا نلاحظ أن وتيرة المظاهرات وأعمال العنف ازدادت ولذات الأسباب التى أدت اليها فى الستينيات. لقد شهد عام ٢٠٠١م مظاهرات فى سينسيناتى عقب مقتل شاب من أصل إفريقى. لم تمر ثلاث سنوات حتى اندلعت المظاهرات وأعمال الشغب فى مدينة فرجسون بولاية ميسورى فى أغسطس ٢٠١٤م إثر مقتل مايكل براون وهو صبى ذو ١٨ عاما حيث أطلق عليه شرطى يدعى دارين ويلسون عدة رصاصات قاتلة. ومما زاد الطين بلة أن رجل البوليس تم إطلاق سراحه وإعلان براءته. ولم يخلو العام التالى من أحداث مماثلة حيث اجتاحت المظاهرات مدينة بالتيمور فى عام ٢٠١٥م بعد وفاة شاب يدعى فريدى جراى كانت الشرطة قد ألقت القبض عليه واحتجزته فى سيارة الشرطة. كما شهد عام ٢٠١٦م أعمال شغب ومظاهرات عارمة اجتاحت ولاية نورث كالورانيا إثر مقتل رجل يدعى كيث لامونت سكوت (٤٣ عاما) حيث أدعت الشرطة أنه كان يحمل بندقية وانتهى الأمر بفرض حظر التجوال لعدة أيام. أما العام التالى (٢٠١٧م) فقد استيقظت مدينة سانت لويس على أعمال الشغب والعنف بعد أن تم إسقاط الاتهامات عن رجل الشرطة جاسون استوكلى الذى قام بإطلاق النار على شاب من أصل إفريقى يدعى انتونى لامار سميث.

لقد قام السياسيون والخبراء فى الولايات المتحدة الأمريكية بإدانة أعمال العنف والشغب فى مدن ولاية منيسوتا على اعتبار أن هذه الأعمال غير المشروعة لن تاتى بنتائج إيجابية وأن السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف المرجوة هو اللجوء إلى التظاهر السلمى. من الواضح أن المجتمع الامريكى يرغب فى إبقاء الأوضاع على ما هى عليها وكذلك فإن السياسيين لا يبذلون أى جهود لتحسين مسيرة العدالة وإيقاف الأسباب التى تؤدى إلى هذه الأحداث الدامية. من الواضح أن هذا الجيل من الشباب ذوى الأصول الافريقية لا يؤمنون بالأسلوب السلمى الذى تبناه مارتن لوثر كنج. ومن سخرية القدر أن يتم إغتيال الرجل الذى كان ينادى بالسلمية ليواجه المجتمع الأمريكى شبابا لا يؤمن سوى بالعنف.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن