مقالة في العيد، مناسبات للفرح ولكن!

حمزة رستناوي
hrastanawi@gmail.com

2020 / 5 / 23

أولا- الأعياد بشكل عام مناسبات الفرح والمرح والتعبير عن المشاعر الايجابية والتواصل في المجتمع وعبر المجتمعات كذلك ، تعرضُ الأعياد لمصالح انفتاحية ذات توتر مرتفع في التواصل البشري. لذلك القاعدة العامة هي المشاركة في فرح العيد ومشاركة الآخرين أعيادهم، باستثناء حالات خاصة عندما يتأسس العيد على حادثة ظلم للآخرين مثال العيد الوطني الإسرائيلي الذي هو مناسبة لحدوث ظلم بيّن للشعب الفلسطيني مثلا! القاعدة هي التفاعل الايجابي أو تفهّم فرح الآخرين في العيد أيا كان هذا العيد ،وأيا كان الشعب أو الفئوية الدينية أو العرقية الذي يحتفل بالعيد.
ثانيا- يمكن التمييز بين ثلاث أنواع من الأعياد والمناسبات العامة . أولا- ذات طابع فئوي ديني أو عرقي كعيد الفطر عند المسلمين وعيد الفصح عند المسيحيين وعيد الحلو عند المرشدين و عيد النيروز عند الأكراد كذلك، وهذه الأعياد ذات سمة اجتماعية غالبة .ثانيا- أعياد ذات طابع وطني- قومي ومقصود بها أعياد ذات صلة بالدولة الوطنية ومفاصل تشكّل الهوية الوطنية الجامعة للمواطنين وتمثلها أعياد الاستقلال واليوم الوطني والاحتفال بذا النمط من الأعياد ذو وظيفة سياسية و مهمة من جهة تنمية الشعور الوطني الجامع بين مجموعات فئوية عرقية و دينية مختلفة تعيش ضمن الدولة الواحدة. ثالثا- الأعياد العالمية الكونية : ضمن هذه الفئة تمكن الاشارة لعيد الأم و عيد الشجرة وعيد الحب ( الفالنتين) وعيد العمال مثلا.
ثالثا- أزعم أن أحد مؤشرات تطور البشرية هو تعزيز الأعياد العالمية الكونية كونها تشمل تواصل عبر– ثقافي أوسع ، وكونها تجسّد قيم حيوية تنتمي الى هذا العصر بمشكلاته ومُنجزاته، وليس الى الماضي البعيد وما قد يعتريه من حمولات ومشاعر سلبية.
رابعا- العيد ليس بجوهر ثابت بل هو شكل احتفالي- اجتماعي، وهو صيرورة حركية احتمالية نسبية يؤثر ويتأثر بالأبعاد الأخرى للكينونة الاجتماعية البشرية كالبعد التاريخي الزمني والبعد السياسي والبعد الاقتصادي كذلك. إنّ الصياغة السابقة في تعريف العيد ليست سفسطة أو فذلكة لغوية كما قد يتبادر لذهن البعض ! لنتساءل مثلا عن علاقة العيد بالاقتصاد وتعامل التجار والمُستهلكين مع العيد كموسم للتسوق؟ لنتساءل مثلا عن مصالح السياسيين في توجيه الرسائل في الأعياد ؟ وقد يصلح رئيس الوزراء الكندي جوستن ترودو مثالا ايجابيا في ذلك! بمقابل إعدام صدام حسين صبيحة عيد الأضحى2003 في رسالة موجهة للمسلمين السنة في حينها، وهذا موضوع مستقل عن كون صدام حسين ديكتاتور ومجرم حرب ، رغم كون الذين أعدموه يشاركونه نفس الصفة!
خامسا- لم يرد ذكر صريح لعيد الفطر أو عيد الأضحى في القرآن الكريم! والمسلمون يختلفون في موعد احتفالاتهم بعيد الفطر والخلاف في ذلك بيّنٌ ومُحزن كذلك، وثمة أعياد دينية أخرى يحتفل بها مسلمون ، ويقوم مسلمون آخرون بمنعهم من الاحتفال بها وأحيانا تكفيرهم لمجرد الاحتفال بها كونها ( بدعة) كعيد المولد النبوي وعيد الاسراء والمعراج و عيد رأس السنة الهجرية، وعيد عاشوراء عند المسلمين الشيعة كذلك. وهذا الاختلاف شائع في بقية العقائد الدينية أيضا فهناك عيد ميلاد شرقي و عيد ميلاد غربي مثلا! والتاريخ الدقيق لمولد النبي محمد أو مولد عيسى بن مريم تاريخيا مُختلف عليه كذلك ويفتقر للتوثيق التاريخي العلمي. ضمن الأعياد الدينية نفسها ثمة اختلاف بين بلد وآخر وزمن وآخر ومذهب وآخر، فالمسيحيون في ايطاليا يحتفلون بعيد فرنسيس الأسيزي، وفي لبنان يحتفل الموارنة بعيد مار مارون، في مصر يحتفل الأرثوذكس بعيد القديس مرقص، وفي بعض دول الشرق الأوسط يحتفلون بعيد الاسراء والمعراج ويكون عطلة رسمية مثلا! والمسلمون الشيعة لديهم سلسلة من الأعياد الخاصة بهم ذات صلة بسلسلة الأئمة مثلا!
سادسا - قال لي صديق في أحد الحوارات " للمسلمين عيدان لا ثالث لهما عيد الفطر وعيد الأضحى" قلتُ له أتفهم وجهة نظرك، كونك تقدّس النصوص الدينية وتأخذها على الاطلاق والحرفية. لماذا لا يكون المقصود بالعيدين الأعياد الدينية فقط ، أي للإنسان - من جهة كونه مسلم عيدان- ولكن من جهة الأبعاد الأخرى في هويته الانسانية يحتفل بعيد الأم تقديرا لتضحيات الأم التي حملت به وربّتهُ ، ويحتفل بالعيد الوطني ، ويحتفل بعيد الشجرة من جهة انتماءه للبيئة والكوكب الذي يعيش فيه. ولا أحد يقول بأن عيد الأم واليوم الوطني وعيد الشجرة هي أعياد دينية ! فنحن نكون بشرا ومن ثم نكون مسلمين أو مسحيين أو بوذيين ! والانتماء الفئوي الديني هو أحد تعينات الانسان ولكنه ليس التعيين الوحيد.
سابعا - الاتجاهات الانغلاقية في الاسلام - وغير الاسلام- تحرّم مُعايدة المُختلفين عقائديا ، كالدعوة الى عدم معايدة جيرانهم أو معارفهم المسيحيين في أعيادهم أو تجريم الاحتفال بعيد الحب ( الفالنتين) كما هو الحال في إيران والسعودية الى أمد قريب ، وقد رأيتُ بعيني كيف كان رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتابعون محلات الهدايا ويرصدون لأي نشاط اجتماعي مشبوه! حتى أن محلات بيع الزهور كانت تغلق أبوابها يوم عيد الحب وقبله بيوم تجنبا للمشاكل، ولكن الأمور أخذت تميل للتحسن من جهة الحريات الاجتماعية. يستدل المؤيدون لتحريم ومقاطعة أعياد غير المسلمين بأقوال منسوبة للنبي محمد منها :عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قدِم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ ولهم يومانِ يَلعَبونَ فيهما، فقال:(قدْ أبْدَلكم اللهُ تعالى بهما خيرًا منهما؛ يومَ الفِطرِ والأضحى) رواه أبو داوود والنسائي. ويستدلون على ذلك بقول آخر منسوب للنبي محمد "لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ، فقيل: يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك؟" رواه البخاري. هل يجب مُخالفة مسيحيين اخترعوا السيارة من قبلنا مثلا! ونركب الحمار والحصان أسوة بالسلف الصالح مثلا! في الحقيقة أتفهم تماما الدوافع لهذا الاتجاه الانغلاقي من جهة الحفاظ على الخصوصية الدينية- الثقافية ، وفي ذلك أقول إن مشاركة الآخرين أعيادهم والتواصل الايجابي لا يهدد الخصوصية، بل يعززها ويسوقها بشكل ايجابي ، فعندما تُشارك الآخرين أفراحهم غالبا سوف يُبادلونك نفس الفعل. وعندما تتعرف بشكل ايجابي على طقوس وعادات الآخرين غالبا سوف يكون لديهم دافع للتعرف الايجابي على طقوسك وعاداتك أيضا، لماذا نقرأ العالم ونعيش الحياة وفق قانون: التنوع في الوحدة والوحدة في التنوع .
وفي الختام أقول: السلام على كل الناس ... وعيد فطر سعيد.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن