مروان صباح / سويسرا الشريك الفعلي لكل هارب من الضربية وسارق أموال شعبه / نموذج أولي للملاذات الآمنة في العالم ...

مروان صباح
marwansabbah@outloo.com

2020 / 5 / 21

/ توقف أيها الصديق عن الركض والكدح بعد اليوم ، فالعالم كان في السابق مسروقاً وسيبقى مسروقاً ولا فائدة ترجى من جميع التفاهمات البشرية التى وقعوا عليها بعد كتابتها ، إنما كانت في حقيقتها تصب المياه ، كل المياه في الطواحين ، وبالتالي يتوجب دون إبطاء إماطة اللثام عن واحدة من كبريات البلدان التى صنفها غلابة البشر خطئاً بأنها ديمقراطية وشفافة ، فحكاية البلد المحايد تعتبر حكاية الحكايات ، بل الموطن البسيط يعتقد بأن سويسرا بلد مسالم وحيادته تمكن من قناعة شعبه قبل خمسمائة عام بعد المعركة الشهيرة ( ماركنان )الوحشية بعدم الوقوف مجدداً مع أي طرف من أطراف النزاع الأوروبي ، وبالتالي الفارق كبير بين دولة محايدة وأخرى منزوعة السلاح ، لأن الدولة السويسرية تمتلك جيشاً قوياً وينفق عليه سنوياً مبالغ كبيرة ، وبالرغم من الصراعات التى أدت إلى تدمير أوروبا ، ظلت سويسرا خارج خطوط النار بالطبع وهذا الحياد ليس من فراغ ابداً ، فالبلد كان لوقت طويل يستوعب أغلبية أموال الفاسدين من العالم وعلى الأخص الجانب الأوروبي وايضاً جميع الفاريين من عدالة محاكم بلادهم .

بالفعل بنظرة أشمل لحركة تاريخ الإيداع والسحوبات ، كانوا فرسان الهيكل عام 1150م أول من أسسوا النظام البنكي في المناطق المسيحية ، وبالتالي هناك حاجتين أجبرت الأثرياء آنذاك على دفع مؤسسة الفرسان لتنفيذ هذه الفكرة البنكية ، اولاً ، تخوف الطبقة الحاكمة وأصحاب النفوذ على أموالهم المكدسة من أطماع الفقراء الذين كانوا ينغلون في خدمتهم ، والسبب الآخر ، بعد الاستيلاء الصلبيين على القدس والأقصى ، صارت حركة الحجيج باتجاه فلسطين كبيرة ، فانتقلت الحركة من مجرد إيداع الأموال إلى إصدار خطابات معتمدة مالياً ، يودع الشخص أمواله في فرع بلده ومن ثم يستلمها في فرع آخر خوفاً من سرقتها في الطريق ، ومع تطور المجتمعات ايضاً تطورت الفكرة ، فبدل أن يتحمل أصحاب النفوذ تكاليف طائلة من أجل حماية أموالهم ، ابتكروا مشروع تعامل البنكي الشامل في الحياة وباتوا الفقراء والطبقة الوسطى تباعاً يضعون أموالهم البسيطة في البنوك ، وبالتالي بطريقة أو بأخرى يدفعون ثمن حراسة أموال الأثرياء دون أن يعوا ذلك ، أما الأغنياء يستخدمون مدخرات المودعين في المشاريع الكبرى وإعادة إقراضهم بفوائد عالية.

بدأت سويسرا خدمة الملاذ الآمن بقرار من أثرياء العالم عندما شرعت قانون يحمي خصوصية الأشخاص الذين يودعون أموالهم في بنوكها حتى لو كانوا من الخارج ، ويمنع منعاً باتاً إفشاء معلومة لأي جهة مهما كانت الأسباب ، بل موظو البنوك لا يعرّفون من هم مودعيها ، لأنهم يتعاملون مع أرقام سرية ومن ذاك اليوم تحولت سويسرا بلد لكل سارق وهارب من الضربية ، لدرجة أموال يهود ألمانيا تحديداً الذين حرقوا في محارق النازية ، مدخراتهم مازالت لا يعرف عن مصيرها أحد ، بالطبع بالإضافة للأموال المسروقة أو المغسولة ، ايضاً بدأت عمليات تدفق الأموال لرجال الأعمال من أوروبا وأمريكا ، هرباً من دفع الضرائب وكلما إرتفعت الضريبة ، كان النزوح أكبر وبإشراف عناصر كبيرة متواطئة من السلطات المحلية ، لكن بعد الربيع العربي اضطرت سويسرا إلى إقرار قانون يسمح للحكومات المنتخبة استرجاع الأموال التى سرقتها الطبقة الحاكمة إلى خزينة الدولة ، بالطبع ضمن إجراءات معقدة تحتاج إلى سنوات طويلة ، فعلى سبيل المثال ، أموال عائلة ماركوس الفلبينية وموبوتو الكونغو واباشا نيجيريا والهايتي بابا دوفاليين وغباغو من كوت ديفوار ومجموعة من الطبقة السياسية أو مقربين من العرب ، جميعها وضعت الدولة السويسرية في مأزق دولي وتحولت أمام الشعوب إلى راعي الذي تواطأ على مرّ الأزمنة في إفقار ونهب أموال الشعوب مع الحكام أو من كانوا جسور لهم .

أمر هام جدير بالإشارة ، ومن باب التوضيح ، اضطرت مجموعة من أثرياء العالم ، ابتكار ملاذات آمنة غير سويسرا ، البلد الذي لا يستكثر الناس الإطلاق عليه صيغة ( المسالم )، لقد تعددت دول الملاذ للمكاسب غير المشروعة ، فاليوم العالم يضم أكثر من 80 محطة من الشركات أوف شور ( عابر الحدود ) ، هذه الشركات تمثل النعيم الضريبي للأثرياء بغض النظر عن خلفية الثراء ، وبالتالي هنا تتكشف حقيقة مفجعة ، الذي يدفع فعلياً الضريبة في هذا العالم ، صغار التجار والفقراء ، وهذه الجزر الأوف شور تنقسم إلى أربعة مناطق ، المنطقة الأولى للأوروبيون تضم سويسرا ولوكسمبورج وهولندا ، البلد الأخير وحده يمتلك 18 تريليون دولار من هذه الأموال وايضاً تشمل المنطقة ، النينا وبلجيكا ودول الماكرو أوروبية مثل ماناكو واليشتنشتاين وجزر مايو البريطانية ، أما المنطقة الثانية ، جزر تابعة لبريطانيا مثل جرس وجورنزي ، تأتي المنطقة الثالثة ، تعتبر الأعرض والأعلى درجات من الجميع ، في الولايات المتحدة الامريكية ، هناك بنوك تتبع للأقلية اللاتينية في ولاية فلوريدا التى أرتبطت تاريخياً مع تجار المخدرات ، وايضاً لهاربي أموال الولايات من الضريبة ، لديهم جزر تابعة مثل مارشال وبنما التى تعتبر أهم بلد يُغسل فيها أموال العالم ، المنطقة الأخيرة ، الصومال والارجوراي وجابون ، لكن ما هو ملفت ايضاً ، حتى بين الأثرياء هناك نزاع طاحن ومدمر على الشركات الأوف شور (عابرة الحدود )، فسويسرا تستوعب جيرانها وأغلبية المنطق العربية الذين يخافون من أي مغامرة غير مضمونة ، أما الفرنسيون يفضلون ماناكو والأسبان يستخدومون منطقة أندورا وايضاً النمسويين يلجأون إلى جزر فانتواتو ، بل الأفارقة يفضلون مالطا .

هناك إلى هذا حقيقة ، حرصنا على تقديمها بعد سرد تراجيدي ، وفي لفتة سريعة وثاقبة معاً ، تقدر أموال النازحة في العالم إلى 80 محطة من الأوف شور بنحو (32)تريليون دولار ، بل ما هو أخطر من ذلك ، تقدر خسائر الدول النامية فقط من التهرب الضريبة ب84 مليار دولار سنوياً ، أي يعني ب15 % من صافي الثروة المالية لهذه الدول ، يتم الاحتفاظ بها في دول الملاذ الضريبي والملاذ من المساءلة ، بل مفاجئة المفاجآت ، دولة مثل الفاتيكان ، تعتبر من أعقد الأنظمة المالية في العالم ، وبالتالي هي الأخرى ملاذ آمن لكثير من أغنياء الدول العربية والطبقة الحاكمة وغيرهم .

من هنا، فإن الإنصاف إقرار الخلاصة التالية ، باختصار ، هذا الكوكب مسروق بالطول وبالعرض ولا جدوى من جميع القوانيين الوضعية ، بل اثبتت جميع الثورات التى قامت على شعارات الحرية والعدالة ، سجلها التاريخ على أن أصحابها سهروا على شؤون أنفسهم وليس على شؤون الناس ، لأن حجم تفلت الأموال المهربة من الضريبة وحدها كفيلة في خلق التوازن بين البشرية ، بل الأموال المسروقة والمهربة والمغسولة إلى دول الأوف شور ، لو بقت في خزينة الدول لأنقذت شعوبها من الإفقار وتنعمت بالعيش بحياة كريمة .. والسلام



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن