هل سنتمكن من إعطاء درس ما لهذه الانتفاضة؟

نادر عبدالحميد
nadr1506@yahoo.com

2020 / 5 / 20

المحاولة الثالثة، التوافق
بعد مضي اکثر من أربعة أشهر علی إستقالة عادل عبدالمهدي، وبعد محاولتين فاشلتين من قبل محمد علاوي وعدنان الزرفي، وفي محاولة ثالثة، تم تكليف رئيس المخابرات العراقي مصطفى الكاظمي بتشكيل حكومة جديدة في بغداد وذلك في يوم ذكرى المصادفة السابعة عشر لسقوط نظام البعث، أي في التاسع من نيسان/ابريل هذا العام (٢٠٢٠).
الضربة الموجعة التي تلقتها سلطة المحاصصة الفاسدة للتيارات البرجوازية القومية والطائفية الدينية من قبل الإنتفاضة المندلعة في أكتوبر العام الماضي (٢٠١٩)، هدمت الأرضية التي تمت عليها بناء نظام المحاصصة منذ عام (٢٠٠٣)، ذلك النظام الذي لم يحسب لإرادة الجماهير الكادحة، المحرومة والمفقرة من قبلهم أي حساب. لا بل تم طردهم من "نعيم السماء"، حيث ألقتهم الانتفاضة بأرض قاحلة کي يواجهوا إرادة الجماهير الحرة، وبدا من الصعب ان يتوحدوا لمواجهة وكيفية إجهاض هذه الظاهرة الجديدة التي أقحمت نفسها في المعادلات السياسية، کي يتمكنوا من إعادة الأمور إلی مجراها "الطبيعي" البرجوازي، كما توحدوا بسهولة نسبية في العملية الإمبريالية المعروفة بالعملية السياسية، بعد إسقاط حکم البعث لإعادة بناء الدولة العراقية وتقاسم غنائمها.
إستقالة المهدي (بداية کانون الأول/ديسمبر ٢٠١٩) جاءت مباشرة تحت ضربات الإنتفاضة لهياكل السلطة، لكن فشل المحاولتين لعلاوي (شباط/فبراير ٢٠٢٠) والزرفي (مارس/آذار ٢٠٢٠) في تشكيل حكومة جديدة جاءت وبالدرجة الأولی بسبب عدم توافق الكتل والأحزاب والتيارات علی مرشح معين.
تبدوا الصورة في المحاولة الثالثة وفي مشهدها الأول، بحضور معظم قادة ومسؤولي الكتل والأحزاب البرلمانية يوم التكليف، بأن هناك توافق عام بينهم في إختيار الكاظمي وكذلك التوافق بين الفريقين اللاعبين الرئيسين في الملعب العراقي أيضا خلف ستار هذه المسرحية، أي الولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
الإنتفاضة، المراوحة وعدم بلوغ الذروة
جميع هذه الحالات، الإستقالة أولا، ثم فشل المحاولتين الأولی والثانية لتشكيل الحکومة، وأخيرا التوافق في إختيار مرشح موحد لرئاسة الحكومة في المحاولة الثالثة، تعكس بصورة جوهرية وضع الإنتفاضة بنقاط قوتها وضعفها.
ففي المرحلة الأولی، حيث الإنتفاضة في التنامي والتوسع خلال الأشهر الثلاثة الأولی، لغاية نهاية کانون الأول/ديسمبر (٢٠١٩)، زلزلت عرش السلطة وقبلت الكتل السياسية والأحزاب القومية والطائفية الحاکمة، بالتضحية برأس الحکومة من أجل بقاء نظامهم.
هنا، (في کانون الأول/ديسمبر ٢٠١٩) وصلت الإنتفاضة إلی لحظة تأريخية حاسمة، تلك التي ليس بإمكانها البقاء لفترة طويلة، ووجب علیها المضي قدما ابعد من ذلك، أي أن تنظم نفسها في اللجان الثورية والمجالس في ساحات الإنتفاضة، والتي تشكل اساسا إلتحام شرائح اخری من الطبقة العاملة معها، ومنها التي في سوق العمل والمتواجدة في المواقع الإنتاجية، وهذا يعني خلق ازدواجية السلطة وبالتالي بروز ازمة ثورية، وذلك بفرض إرادتهم الطبقية مقابل الدكتاتورية الدموية والميليشية للأحزاب البرجوازية التي لم تتردد لحظة واحدة في قتل المئات وجرح الآلاف من الشباب والشابات المنتفضين وإغتيال وإختطاف النشطاء.
اما بقاء الديكتاتورية البرجوازية أو فرض دكتاتورية ثورية، حلان مطروحان لهذا الوضع السياسي لا ثالث لهما، فأما دكتاتورية الأحزاب البرجوازية الميليشياوية القومية والدينية الطائفية في العراق بإمكانها البقاء، وهذا ما حصل، مع تغيرات شكلية وإصلاحات صورية غير مجدية في نظامها، أو أن تتمکن الإنتفاضة من إيجاد تحول نوعي داخلها بحيث تمكنها من بلورة إرادة الجماهير الحرة من العمال والكادحين والنساء والشبيبة المنظمة في اللجان الثورية والمجالس، وذلك في حكومة مؤقتة ثورية تكون مهامها الفورية تنظيم هذه الإرادة الحرة سياسيا وقيادتها وتعبئتها لممارسة دكتاتورية ثورية وإنجاز ثورة العمال والكادحين للإطاحة بالسلطة وكنس النظام البرجوازي بمجمله وكل أركانه، وهذا الذي لم يحدث، والأصح ان نقول بأن هذه العملية لم تخرج من مرحلتها الجنينية بعد.
حين لم تتمكن الإنتفاضة من الوصول إلی نقطة الذروة هذه [بين شهري کانون الأول/ديسمبر (٢٠١٩) بعد إستقالة المهدي ونهاية كانون الثاني/يناير (٢٠٢٠) قبل تكليف علاوي]، بدأت بالمراوحة في مکانها، رغم تجذرها في بعض النواحي، فيما يخص مشاركة المرأة ودور الطلبة، وبذلك تنفست السلطة الصعداء وتمكنت البرجوازية بكل أجنحتها وطوائفها واعلامها ومعها برجوازية المنطقة وعلی صعيد العالم، من صياغة مشكلة إختيار مرشح لرئاسة الوزراء والتمهيد لإنتخابات برلمانية مبكرة "نزيهة" بإشراف (الأمم المتحدة) و"ممثلي" المنتفضين كقضية أساسية للإنتفاضة! وحل معضلات الجماهير وخروج البلاد من المأزق الذي وقع فيه، والإختلافات بينهم، والتي تمحورت حول المعايير والطرق وكيفية حل هذا الإشكال وكذلك حول مدی وسعة الإصلاحات ودرجة التنازل للجماهير. هنا تجدر الإشارة إلی موقف، الحزب الشيوعي العراقي الذي هو ضمن هذه المعادلة، وذلك بتحالفه مع التيار الصدري رغم إختلافه المميز عن بقية "افراد عائلته البرجوازية" في المعايير والطرق وسعة صدره في تقديم الإصلاحات للجماهير.
رغم التضحيات الجسيمة، والأعمال الثورية البطولية من قبل المنتفضين، من الشابات والشباب الذين دافعوا بدمائهم عن ساحات التحرير والمناطق المحررة، وجعلوا من صدورهم دروعا واقية محصنة أمام بنادق ميليشيات أحزاب السلطة وقواتها الأمنية وأجهزتها القمعية، ولم يسمحوا لهم بإسترجاع تلك الساحات المحررة، إلا أن الإنتفاضة راوحت مكانها لغاية إنتشار جائحة كورونا، حيث إجتاحت العالم أواخر شباط/فبراير وأوائل آذار/مارس، وبدأت بحصد أرواح الناس وهددت المجتمعات. هذه الجائحة جاءت "كنعمة سماوية" لإنقاذ الأنظمة البرجوازية الفاسدة، وصرفت الإنتباه والأنظار عن الحركات الإحتجاجية والإنتفاضات في العديد من دول العالم بما في ذلك في العراق ولبنان وإيران.
في هذا الوضع من مراوحة الإنتفاضة في مکانها، والجو المفعم بالخوف من إنتشار الوباء والإلتزام بتعليمات الوقاية بعدم القيام بالتجمعات الكبرى والمظاهرات، قلل من خشية أحزاب السلطة والکتل السياسية من الإنتفاضة، وانصب جل إهتمامهم في التوصل إلی اتفاق حول إختيار مرشح موحد، والإسراع في ترتيب بيتهم وهذا ما حصل في المرة الثالثة.
المقاومة الباسلة ليست كافية
حين لم تتمكن الإنتفاضة بعد إستقالة المهدي من بلوغ ذروتها، تعرضت إلی هجمات عديدة بقصد دحرها وإخمادها. فقد شهدنا عدة هجمات شرسة من قبل ميلشيات أحزاب السلطة وقواتها القمعية علی الساحات المحررة مع تكثيف جرائمهم في القتل والإغتيال والإختطاف، وكذلك رأينا ألاعيب التيار الصدري الذي يمثل الثورة المضادة المختبئة داخل الإنتفاضة وتطاولاته لفرض نفسه بالقوة علی الانتفاضة بغية تحجيمها وجعلها عصا بيده في المزايدات السياسية، إلا إن الثورة المضادة بشقيها، المختبئة داخل الإنتفاضة والمتواجدة خارجها المتمثلة بالسلطة وميلشياتها، لم تتمكنا من السيطرة علی الإنتفاضة وإخمادها ودحرها.
المقاومة الباسلة امام هجمات السلطة والثورة المضادة، رغم کونها عملا بطوليا جبارا للمنتفضين، الا أنها، وفي غياب تحول جذري داخل الانتفاضة، لن تحصل الجماهير المناضلة والمنتفضة علی شيء يوازي تضحياتها الجسيمة.
نقطة الضعف الأساسية
هذا التحول، لن يحصل بصورة تلقائية، بل يتطلب إرادة شيوعية ثورية واعية تعمل بشکل مبرمج، مستهدف ومثابر، منظم في تنظيم أو حزب ماركسي ذو نظرة ثاقبة، تنتهز الفرصة في الإنعطافات التأريخية للتدخل لصب الطاقات النضالية للجماهير الكادحة والمحرومة في مجری الثورة الإشتراكية.
إن مراوحة الإنتفاضة وضعفها تدفع بنا إلی كشف نقطة الضعف الرئيسية لدی الطبقة العاملة العراقية والتي تتجلی في هذه الإنتفاضة بشكل صارخ، ألا وهي كونها لم تتمكن من النزول إلی ساحة المعركة السياسية ضد البرجوازية كطبقة وطرح بديلها السياسي للمجتمع. إن هذا النزول يتطلب تحولات جذرية داخلها لكي تتمكن من طرح نفسها كطبقة مستقلة لذاتها.
هذه التحولات لن تحصل دون تبني حركتها بالافق الإشتراكي والسياسات الإشتراكية. ان حركة الطبقة العاملة لن تتمكن من الإنتصار الحاسم والنهائي ضد مضطهديها من الطبقة البرجوازیة وسلطتها السياسية من دون الشیوعیة.
هل سنتمكن من إعطاء درس ما لهذه الانتفاضة؟
يقول لينين في مقدمة كتابه (خطتا الإشتراكية ...) وفي معرض حديثه عن (ثورة ١٩٠٥) الروسية: (ويقينا إن الثورة ستعلمنا، وإنها ستعلم الجماهير الشعبية، ولكن المسألة التي توضع امام الحزب السياسي المناضل، إنما هي مسألة معرفة ما إذا كنا سنتمكن من تعليم الثورة شيئا ما). يقينا تعلمنا وتعلمت الجماهير الشعبية كثيرا من انتفاضة اكتبر (٢٠١٩) في العراق، لكن المسألة الأساسية هي ما إذا كنا، كتنظيم سياسي مناضل، سنتمكن من تعليم هذه الانتفاضة شيئا ما؟ ونجعلها وسيلة لمعالجة نقطة الضعف الأساسية للطبقة العاملة العراقية؟
الأفق الإشتراکي والخطط الملموسة
نحن أحد فصائل الحركة الشيوعية والعمالية التحررية العالمية في عصر تعفن الرأسمالية، حيث بدا واضحا أن سلطة البرجوازية عاجزة کي تفرض على المجتمع شروط وجود طبقتها. فالمجتمع البشري لم يعد قادرا علی أن يعيش تحت سيطرتها، أو بعبارة أخرى، لم يعد وجود البرجوازية يلائم الـمجتمع البشري. نحن نعيش عصر مخاض ولادة الثورات الإشتراكية في العالم، ويتجلی ذلك في بروز حركات إحتجاجية وبزوغ فجر إنتفاضات وثورات العمال والكادحين والمفقرين والمهمشين هنا وهناك في كثير من بلدان العالم. إن هذە الإعتراضات والإنتفاضات والثورات السياسية تبحث عن مخرج لولادة الثورة الإشتراكية.
إن ما يقوم به عمال وكادحوا العراق من الإعتراضات المداومة والمظاهرات والإنتفاضات، هو جزء من هذا الواقع العالمي ومن هذا المخاض. نحن نناضل بوعي من اجل توحيد هذا النضال مع النضال الاممي للطبقة العاملة العالمية وذلك في الخطوة الأولی عبر تحقيق وتعزيز وصيانة وحدة الطبقة العاملة في عموم العراق. نحن في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة في العراق، نعمل بهذا الأفق وبهذه والروح الأممية كي نصب طاقات نضالنا في مجری ولادة الثورة الإشتراكية في العالم.
وبهذا الأفق وهذه الروحية دخلنا الإنتفاضة وعكسناها في بياننا الأول في (٢١٠٢٠١٩) ولائحتنا في (٢٣١٠٢٠١٩) حول كيفية التعامل الشيوعي والثوري مع الإنتفاضة وكذلك في خطوطنا العامة لتأسيس المجالس (٥١٢٢٠١٩) في قلب تلك الإنتفاضة، وتجسد هذا الأفق وهذه الروح في نشاطنا داخل ميادين وساحات الإنتفاضة، لكن، ورغم التقدم ببعض الخطوات، إلا إننا لم نتمكن من الوصول إلی الهدف المنشود وطبع الإنتفاضة بطابعنا، كما لم تتمكن المشاركة النشطة لـ(عصبة الشيوعيين) في ثورة (١٨٤٨) الالمانية وفي يدها (البيان الشيوعي) والبلشفيين في ثورة (١٩٠٥) الروسية رغم وضوح الرؤية ووضوح سياساتهم.
لقد دخل ماركس وإنجلس ولينين ومنظماتهم تلك الثورات برؤية إشتراكية واضحة وخطط (تكتيكات) سياسية عملية ملموسة لإرشاد تلك الثورات وتنظيمها وقيادتها، كما شاركت ايضا في المانيا (روزا لكسمبرغ ١٩١٨) و(غرامشي) في إيطاليا، وكذلك الماركسيين والشيوعيين في كثير من ثورات العالم ولم ينجحوا في إنجاز المهمة. حين ننظر إلی نشاطنا ودورنا كمنظمة ماركسية في العراق، نسأل أنفسنا لماذا لم نتمكن من طبع الإنتفاضة بطابع الشيوعية؟ يجب علينا التأكد اولا فيما إذا کانت لدينا منذ البداية رؤية إشتراكية ماركسية واضحة وخطط سياسية عملية ملموسة ام لا؟ ومن ثم النظر الی إمكاناتنا التنظيمية والمادية المحدودة امام ضخامة هذه الظاهرة العظيمة، وكذلك النظر الی الظروف العامة للشيوعية وجبروت عوامل موضوعية تقف عاقا اماننا.
تفوق البديل الشيوعي كمنظمة ماركسية
من بين جملة من الأحزاب والمنظمات والمجاميع اليسارية والشيوعية في العراق وكوردستان، نحن، ورغم جميع النواقص، لنا أن نفتخر بتفوقنا في طرح الأفق الإشتراكي وتجسيده في سياسات وخطط ملموسة بصورة منسجمة داخل هذه الإنتفاضة، مع حضورنا الفاعل في الميادين والساحات المحررة. أدان البعض الانتفاضة منذ بداية اندلاعها بكونها ليست شيئا سوى لعبة صراع بين القوی البرجوازية وجر الجماهير لميدان المعرکة لحسمها، وبعد مضي قرابة شهر اضطروا لتأييدها دون مراجعة موقفهم السابق، كما طرح البعض العلمانية والديمقراطية أمام الإنتفاضة كبديل للتمسك بها، بينما إكتفى الآخرون بتمجيد الأعمال البطولية للمنتفضين وترديد جمل وشعارات إشتراكية عن بعد، وفي الفضاء المجازي الإلكتروني، وتوقف قسم آخر عند حد ترجمة ونشر الأدبيات الإشتراكية والدعائية لها. كل هذه المشاركات كانت إيجابية، لكنها لیست بمستوى مداخلات سياسية مقدامة وقيادية شيوعية في لحظة تأريخية حاسمة، كما قامت بها منظمة البديل كمحارب شيوعي في ساحة العركة.
هنا، لم يكن الحزب الشيوعي العراقي ضمن حديثنا عن اليسار والشيوعية، هذا الحزب، ليس جزء من يسار المجتمع، بل يشكل قطب اليسار داخل العملية السياسية البرجوازية في العراق، ويقع علی يسار الأحزاب اليمينية من التيارات القومية والدينية داخل معادلة سياسية وحرکة طبقية واحدة، وهو متحالف مع التيار الصدري الرجعي والمضاد للثورة. تواجده داخل الإنتفاضة كتواجد الـتيار الصدري، يشكل إمتداداً لأذرع البرجوازية داخل الحركات الإحتجاجية بغرض التوائها وإعوجاجها وإخضاعها للعملية السياسية البرجوازية التي انطلقت الإنتفاضة من أجل استئصالها وكنس كل الأحزاب البرجوازية معها من قطبي يمين ويسار هذه العملية السياسية.
إنسداد آفاق البرجوازية وتفتح آفاق الثورة الإشتراكية
لم تساهم الإنتفاضة خلال الأشهر الستة الماضية في فضح السلطة وسقوط اقنعة الكثيرين من الأحزاب والتيارات فحسب، بل والأهم من ذلك، ساهمت وللمرة الأولی في تأريخ العراق الحديث في خلق أرضية ثورية للعمال والكادحين والمرأة المضطهدة والشبيبة العاطلة عن العمل والطلبة الفاقدة لأمل التشغيل، للبحث عن الخلاص من قطيع الذئاب البرجوازية بكل كتلها وتياراتها وأحزابها.
والآن، رغم مراوحة الإنتفاضة والتأثيرات السلبية لجائحة كورونا عليها، إلا ان قلب هذه الإنتفاضة لا يزال ينبض ولم يتوقف. إن مسببات إندلاع الإنتفاضة من الفقر والبطالة وغياب الخدمات الحياتية والتهميش السياسي والإجتماعي باقية بقوتها، بل وإن تفاقم الوضع الاقتصادي الرأسمالي خاصة بعد الجائحة الصحية وهبوط أسعار النفط جعل افق السلطة وجميع قوی البرجوازية للخروج من هذا المأزق مغلقة، ليس أمام البرجوازية خيار سوى الانتظار وکسب الوقت بينما تقوم ميليشياتها وأجهزتها الأمنية بقمع الجماهير المحتجة، وما دور الكاظمي كرئيس وزراء العراق في المستقبل إلا الحفاظ علی توازن الإجماع الذي أوصله إلى استلام الوزارة والوعود الكاذبة لتهدئة الشارع لحين الإنتخابات البرلمانية القادمة، وكسب الشرعية لسلطة تلك الأحزاب البرجوازية الفاسدة والمعادية لجماهير العمال والكادحين والأحرار من النساء والطلبة والشبيبة الثورية.
من الصعب أن ينجح الكاظمي في مهمته، ليس فقط بسبب صعوبة الحفاظ على نقطة التوازن التي يقف عليها، بل والأصعب من ذلك بسبب تهدئة السخط والإستياء المتزايد وغضب الجماهير المحرومة والمفقرة والمهمشة.
اليوم، وبعد تراكم معاناة الجماهير الكادحة والمحرومة ضد سلطة الأحزاب القومية والإسلامية ونظام المحاصصة القومية والطائفية، وبعد تجربة غنية من النضالات المستمرة وأشكال مختلفة من الإعتصامات والمظاهرات والإنتفاضات، أصبحت هذه الجماهير أكثر تأهيلًا وتدريبًا لخوض صراع ثوري وأكثر تعطشا لنظرية ثوریة وقيادة ميدانية جسورة كي تقودهم نحو تغيير جذري في المجتمع.
إن سخط الجماهير وغضبها تجاه السلطة الميليشية للأحزاب البرجوازية الحاكمة، في غليان مستمر وفي طريقه إلى الإنفجار من جديد وبشكل اقوى، خاصة في عالم ما بعد الأزمة الصحية لوباء کورونا وما يتبعها من شلل إقتصادي تام علی صعيد العالم والعراق خاصة ومعها إنتشار البطالة والفقر والجوع علی نطاق واسع، وهذا يتطلب منا كمنظمة ماركسية مناضلة، الإستعداد له بتسليح الجماهير ونضالاتها بالأفق والسياسات الإشتراكية.
إن ما لم نستطيع إنجازه في الأشهر الستة الماضية يجب الإستعداد لإنجازه في عهد ما بعد كورونا. إن خبرات ثورات أوروبا، خاصة في فرنسا وألمانيا، صارت جزءً فيما بعد من مكونات (كمونة باريس. ١٨٧١) وکما قال لينين: ثورة (١٩٠٥) صارت (البروفة العظمى) لثورة اكتبر (١٩١٧)، لا شك بأن انتفاضة اكتبر (٢٠١٩) بمثابة ممارسة قمنا بها مع الجماهير المنتفضة، ستكون جزءًا حيًا من ثورة العمال والكادحين مستقبلا في العراق، وتكون منصة لثورات عمالية في منطقة شرق الأوسط والعالم. دون هذا الأفق وهذا الحماس، لا يمكن للمرء ولا المنظمات والأحزاب أن تبقى شيوعية في عراق اليوم.
اواخر نيسان ٢٠٢٠
ملاحظة: المقال كتب قبل إعطاء البرلمان العراقي الثقة للكاظمي



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن