بمناسبة اليوم العالمي للتنوع الثقافي من اجل الحوار والتنمية في 21 / 5 / 2020 ( تعزيز الحوار من اجل السلام والتنمية المستدامة )

عادل عبد الزهرة شبيب
adelshibeeb@ymail.com

2020 / 5 / 20

يحتفل سنويا في 21 / أيار من كل عام باليوم الدولي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية وتعزيز الدور الأساسي للحوار من أجل السلام والتنمية المستدامة ومن أجل اثراء الثقافات المختلفة في العالم .
لقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاحتفال بهذا اليوم في عام 2002 إعمالاً باتفاقية اليونسكو العالمية للتنوع الثقافي الصادرة في 2001 وبإعلان اجندة التنمية المستدامة في أيلول 2015.
إن أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر يمكن تحقيقها بطرق ابداعية من خلال استخدام الثقافات المتنوعة في العالم والترابط بين المجتمعات المختلفة من خلال الحوار المستمر للتأكد من أن كل أعضاء المجتمع مستفيدون من التنمية المستدامة. وتضم أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر والتي هي خطة لتحقيق مستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع . ولا تتحقق هذه الأهداف في ظل وجود صراعات سياسية وقومية ودينية ومذهبية وغيرها. وتشمل كلاً من الأهداف الآتية :
1. القضاء على الفقر .
2. القضاء التام على الجوع .
3. الصحة الجيدة والرفاه .
4. التعليم الجيد .
5. المساواة بين الجنسين .
6. المياه النظيفة والنظافة الصحية .
7. طاقة نظيفة وبأسعار معقولة .
8. العمل اللائق ونمو الاقتصاد .
9. الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية .
10. الحد من أوجه عدم المساواة.
11. مدن ومجتمعات محلية مستدامة.
12. الاستهلاك والانتاج المسؤولان .
13. العمل المناخي.
14. الحياة تحت الماء.
15. الحياة في البر .
16. السلام والعدل والمؤسسات القوية .
17. عقد الشراكات لتحقيق الأهداف .
ويعتبر اليوم العالمي للتنوع الثقافي من اجل الحوار والتنمية حدث من أجل ابراز قيمة التنوع والتغيير الايجابي فهو فرصة للاحتفاء بأشكال الثقافة المختلفة وتأكيدا على أن الحوار يخلق فهما مشتركا واهتماما جماعيا بعوامل اجتماعية واقتصادية وبيئية تعمل عليها التنمية المستدامة .
يقصد بالتنوع الثقافي او التعددية الثقافية بأنه مجموعة من الثقافات المتنوعة او المختلفة بدلا من الثقافات الأحادية موجودة في المجتمع او في العالم وكل من هذه الثقافات يتبادل الاحترام لهذه الاختلافات . وتستخدم في بعض الأحيان عبارة ( التنوع الثقافي ) بمعنى تنوع المجتمعات البشرية او الثقافات في منطقة معينة او في العالم ككل .وتختلف الثقافة بشكل تام في الكثير من المجتمعات مثل التقاليد والملبس واللغة ...الخ.
ويمكن في هذا المجال تحديد أهم مظاهر التنوع الثقافي والمتمثلة بـ :-
1) اللغة : حيث تتميز الحضارات والأمم بلغاتها الخاصة والمختلفة على مر العصور , وتعد أحد مظاهر الاختلاف بين الأمم فهي البوابة التي تستخدم للتعرف على جميع الحضارات والتمازج بين الشعوب في كافة انحاء الأرض .
2) الدين : ويعتبر أمر التعرف على الأديان العديدة التي انتشرت في كافة انحاء الأرض من السبل لتلاقح الشعوب والأمم بالإضافة الى التعرف على العديد من الحضارات وعوامل الاختلاف الحضاري .
3) العادات والتقاليد : وتعتبر على رأس الاختلاف الثقافي والحضاري بين الأمم حيث أن الأمم تحرص على توريث جميع عاداتها وتقاليدها.
هل للتنوع الثقافي ايجابيات؟
من ايجابيات التنوع الثقافي:
 الاعتراف بشرعية جميع الثقافات الموجودة في المجتمع اذ أنها تمثل جزءً مهماً من المجتمع .
 التعرف على عادات الثقافات الأخرى وقيمها وتقاليدها.
 اعطاء فرصة تعمل على تحقيق المساوات والحريات بين جميع الثقافات الموجودة داخل المجتمع كسن القوانين مثلا .
 وجود الاحترام بين الثقافات المختلفة داخل المجتمع بالإضافة الى التحقيق الذاتي للفرد وتطور النقد الذاتي .
ولكن هل للتنوع الثقافي سلبياته ؟
يمكن تشخيص بعض السلبيات:
 قد يؤدي الصراع الثقافي الى نشوب حرباً أهلية .
 وقد يؤدي أيضا الى عدم الاستقرار الاجتماعي اذ لا توجد أية قوانين موحدة لجميع الثقافات بسبب وجود اختلاف في العادات والقيم .
 كما قد يؤدي الى تفكيك وحدة المجتمع والنسيج الاجتماعي حيث أن لكل ثقافة نمط حياة وعادات وتقاليد .
وهل توجد علاقة بين التنوع الثقافي والهوية الثقافية؟
توجد علاقة وطيدة بين الهوية الثقافية والتنوع الثقافي حيث أن الهوية لا يمكن أن تكمل الا بوجود الثقافة وتمييز الهوية الثقافية بأنها تمتلك القدرة على فهم التنوع الثقافي لجميع الشعوب , كما انها تقوم على جمع جميع الأفراد في المجتمع من أجل أن تبلور هوية ثقافية تجمعهم .
لقد أقر المجتمع الدولي بالدور الأساسي للثقافة بوصفها من عوامل التغيير والتنمية ولا يغيب عن بالنا ما يواجهه التنوع الثقافي من تهديد بسبب استهداف أصحاب الفكر المتطرف للأقليات الثقافية في كل انحاء العالم وتدمير التراث المشترك من أجل اضعاف الأواصر بين الشعوب وتاريخها. ولا بد من تعزيز التنوع الثقافي واحترام حقوق الانسان .
سبق وان كان لليونسكو برنامجا بشأن اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية حيث أكد البرنامج على عدة نقاط أهمها :
1) الحوار بين الثقافات: اذ يمثل التبادل والحوار بين الحضارات والثقافات والشعوب على قاعدة التفاهم المتبادل واحترام تساويها في الكرامة شرطا مسبقا أساسيا لتحقيق التماسك الاجتماعي والمصالحة بين الشعوب والسلام بين الأمم, ويشكل هذا العمل جزءً من الممارسات الجيدة باهتمام خاص ضمن اطار الحوار بين الثقافات الأوسع .
2) الحوار بين الأديان : يهدف برنامج اليونسكو للحوار بين الأديان الى تشجيع الحوار بين مختلف الأديان والتقاليد الروحية والانسانية في عالم يتزايد فيه ربط الصراعات بالانتماء الديني ويشدد على التفاعلات والتأثيرات المتبادلة بين الأديان من جهة والتقاليد الروحية والإنسانية من جهة اخرى والحاجة الى تعزيز التفاهم بينها من أجل تحدي الجهل والتميز وتعزيز الاحترام المتبادل .
3) الثقافة والتنمية : يشكل وضع الثقافة في صميم سياسة التنمية استثمارا أساسيا في مستقبل العالم وشرطا مسبقا لعمليات عولمة ناجحة تأخذ بعين الاعتبار مبادئ التنوع الثقافي, وأثبتت التجربة أنه لا يمكن فصل التنمية عن الثقافة ويكمن التحدي الأكبر على هذا الصعيد في اقناع صانعي القرارات السياسية والفاعلين الاجتماعيين المحليين والدوليين بدمج مبادئ التنوع الثقافي وقيم التعددية الثقافية في مجمل السياسات والآليات والممارسات العامة , لا سيما عبر الشراكات العامة والخاصة اذ تنطوي الثقافة على منافع هامة من حيث تحقيق التماسك الاجتماعي .
وفيما يتعلق بالعراق فإنه يمر منذ سقوط النظام السابق في 2003 والى اليوم بشعارات وتوجهات طائفية ومحاصصاتية بتأثير بعض دول الجوار او نتيجة مواقف واجندات بعض القوى السياسية داخل العراق, حاولت هذه المواقف الى لبننة العراق الا أن نسيج العراق المتنوع يمثل نسيجا بلحمة واحدة ولم ينجر الى حرب أهلية طائفية كما حصل في لبنان وغيرها حيث هناك حاجة الى عراق واحد في الأعراق والديانات والمذاهب فهو نسيج غير منفصل عن عمقه الذي يمتد لحضارات قبل الميلاد .
في العراق تعاقبت على حكمه أنظمة اقتضت مصالحها الفرعية اقصاء مكونات معينة في المجتمع وتهميشها مما سبب عدم الاستقرار للنظام السياسي نتيجة عدم دعم المواطنين للنظام الحاكم . وبعد دخول قوات الاحتلال وانهيار النظام عام 2003 فتحت أبواب السجون امام المجرمين والمنحرفين حيث برزت حالات النهب والسلب وكثرت الجرائم والتدمير والتخريب فتأثر البناء الفوقي في المجتمع بصورة كبيرة اذ شهد المجتمع العراقي صراعا طائفيا دمويا وذهب ضحية هذا الصراع الطائفي العديد من ابناء الطائفتين السنية والشيعية, فالعراق يفتقر الى أنظمة تتمتع بسمات الحكم الصالح ومنها المشاركة الشعبية وحكم القانون ودولة المؤسسات الثقافية ...الخ ,والذي من شأن هذا النمط من الحكم ان يطور النمو الاقتصادي ويرفع من نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي ويحد من الفساد المتفشي بشكل كبير مما يقلص من نسب الفقر والحرمان. وفي هذا المجال فقد نجحت الهند ذات الشعب المتعدد المذاهب والأديان واللغات والقوميات والأحزاب في المجالين السياسي والاقتصادي اذ أن ازدهار الاقتصاد الهندي سيستمر طالما السياسة الديمقراطية الهندية تسمح بذلك . وقد اعتمدت الهند على إعمال التزامن بين الاصلاح الاقتصادي والاصلاح السياسي والدمقرطة المؤسسية .
ان تشتت الهوية الوطنية في العراق وتصدعها لغلبة الانتماءات الفرعية وما لعبته التركيبة العشائرية ذات البعد التاريخي والتي اصبحت ملاذا لأفراد المجتمع في الأزمات لضعف الحكومات المتعاقبة على حكم العراق في توفير الحماية حيث طغت ثقافة الأنا على ثقافة نكران الذات للشعور الكبير من قبل افراد المجتمع بالحرمان من مختلف جوانب الحياة الاجتماعية وتحول العراق الى ساحة لتصفية حسابات الآخرين ساهم بها المحتل بدرجة كبيرة فعمت الفوضى كل شيء واندلعت أعمال العنف والصراع الطائفي بفعل عوامل داخلية وخارجية جاعلة من العراق بيئة غير مؤاتيه لإحداث عملية التنمية بشكل ناجح .
يعتبر العراق واحدا من اكبر بلدان التنوع في العالم العربيِ حيث يضم في تركيبته السكانية والاجتماعية العديد من القوميات والأديان والمذاهب, الا أن الدستور العراقي قد اعترف بثلاثة اديان فقط هي المسيحية والصابئة المندائية والايزدية الى جانب الاسلام الدين الرسمي للدولة وتجاهل ذكر الأديان الاخرى. كما يوجد في العراق تنوعا مذهبيا الا ان هذه الديانات والمذاهب والقوميات تعاني مشاكل داخلية تزرعها اطراف اقليمية او داخلية ومشاكل خارجية زرعتها سياسات سابقة ونهج حالي سواء على مستويات قانونية او اجتماعية او سياسية تضعف من عملية انسجام التنوع في محيطه ومحافظته على خصوصيته. ولاحظنا ما قامت به بعض الأحزاب الدينية التي لا تقبل الرأي الآخر من هجوم همجي على مقر الحزب الشيوعي العراقي في محافظة ذي قار وسبق ذلك هجومها على مقر الحزب في الديوانية .
ان غياب التنوع يعني غياب الهوية العراقية التي يمتاز بها , وغياب روافد التنوع العراقي يعني زواله كوطن له كيانه , فمازالت الحكومات المتعاقبة بعد 2003 لم تناقش قضايا ومشاكل التنوع بشكل جدي ورغبة حقيقية في حل الاشكاليات التي يعانيها التنوع العراقي بكل مسمياته .
وفي هذا الصدد فقد اكد الحزب الشيوعي العراقي في برنامجه على ضرورة (( اعتماد اقامة مشروع ثقافي وطني انساني النزعة وديمقراطي المحتوى يكون حاضنة لكل التيارات الداعية الى بلورة هوية وطنية منفتحة متجددة تحترم التعددية الثقافية والفكرية وتتفاعل مع سائر روافد الفكر العالمي وتياراته , وتحرير الثقافة من قيود الفكر الواحد والرأي الواحد ومن الجمود والانغلاق وكل سمات الفكر الشمولي وضمان عدم تسييس المؤسسات الثقافية او تسخيرها لمصالح حزبية او مذهبية ورفض تهميش المثقفين والمبدعين ....)) .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن