المصارف في دائرة الإستهداف : شبح علي شعيب اذ يعود

عبدالله عبدالله
abdallah.abdalla@outlook.com

2020 / 5 / 17

تمثلت أواخر العقود الماضية، هجمات كبرى على المصارف من قبل رجال العصابات في الوطن العربي ولا سيما في القارة الأوروبية التي نشط بها اليسار الثوري المعادي للرأسمالية والإمبريالية بشكل واضح وصريح.
ويأتي هذا الهجوم لفهم رجال العصابات لطبيعية المواجهة المتمثلة بأن الشريان الحيوي للأمن والجيش والطبقة البرجوازية الحاكمة في العلن أو في الخفاء، تمول من قبل المصارف التي تتدخل في كافة الشؤون السياسية والاجتماعية داخل البلاد وخارجها، وبل يصل بها المطاف لرسم السياسات الاقتصادية التي تؤثر على لقمة الطبقة العاملة.

وللعودة للتاريخ، يمكن إجراء عملية بحث بسيطة وصغيرة لمعرفة مصادر تمويل الحروب الامبريالية للدول الاستعمارية على القارة الأفريقية ودول شرق آسيا، سوف نجد أن المصارف لها يد في ذلك، وبل حتى كانت تصمم هندسات مالية، لميزانية الجيوش التي سوف تستوطن داخل هذه البقع الجغرافية التي حولتها الرأسمالية إلى مستنقع من الدماء. وعند فشل عسكر المصرف من السيطرة الكاملة على بلد ما، بسبب المقاومة الثورية لهم، يجد (المصرفجي) الحل السريع في تمويل ثورات مضادة داخل البلد لإضعاف الثوار الذين ليس لهم مورد سوى أرضهم التي تغتصب من قبل عسكر الاستعمار والاحتلال.

تتخذ هذه المصارف، مواقف عديدة ولكن في إطار دعم كافة التيارات التي تعزز من دور الإمبريالية والصهيونية في العالم، لضرب الحركات الثورية والنقابية والشيوعية والاشتراكية الشعبية العمالية من أجل .. اللص الذي يجلس على المقعد بربطة العنق التي يرتديها كل يوم. ابتكرت هذه الثكنات (العسكارمالية) بدعة سياسات التقشف والخصخصة ضد الطبقات الشعبية والعمالية في القارة الأوروبية، بحجة تحسين أو معالجة الأزمة النقدية والمالية الاقتصادية، إلا أنها أثبتت خلال العقود الماضية أنها تزيد الفقراء فقراً والأغنياء ثراءً. ولمن يراقب ترافق مسلسل التشقف في العديد من دول العالم يجد كيف، المصرفجي يعزز من سياسة رفع الضرائب وتخفيض الأجور التي تترافق معها إغلاق المعامل والمصانع وغيرها من المنشئات التجارية التي يعيش من خلالها معظم الشعوب والتي هي في طبيعة الحال – طبقة عاملة تحت خط الفقر.

الباشا المصرفجي – نقل قذارة فكره مع جيوش الاستعمار لزرعها في أراضي المستعمرات .. وتحديداً فيما يسمى بسويسرا الشرق لبنان (نقطة ارتكاز الصهيونية الغربية والرأسمالية الفاشية) التي كانت تحت حماية المارونية السياسية سابقاً واليوم بحماية المقاومة الإسلامية حزب الله، التي تزاوجت وتخاصمت مع الحريرية السياسية التي عززت من دور الباشا المصرفجي.

تتمركز الثروة المالية في لبنان، بين فئة قليلة جداً من المجتمع شكلت فيما بينها أوليغارشية، لها أسهم في المصارف والمدارس والمعاهد والشوارع وحتى الصرف الصحي !!. ومن أجل أن تحمي نفسها تلك الأليغارشية، منعت كل الأصوات الحرة الوطنية الثورية في المجتمع اللبناني، قامت بتأسيس دور نشر وإذاعات ومحطات تلفزيونية خاصة بها، لغسيل العقول ولا سيما للأجيال الجديدة التي تحاول تلك الطبقة الفاسدة زرع الخنوع والضعف والجبن فيما بينهم. وتحريفهم عن قضايا أساسية مركزية جوهرية وهي .. الصراع الطبقي. ويأتي ذلك كونه الإعلام اللبناني، يمول من قبل الرأسمالية العالمية المتمثلة من أقطاب إقليمية داخل منطقة الشرق الأوسط والتي تتماهى قليلاً وتتحالف كثيراً مع العدو الصهيوني .

تعوذ جذور الأزمة اللبنانية، إلى ما قبل تأسيس الكيان اللبناني (المسخ) الذي كان للجنرال الفرنسي غورو اليد العليا في تأسيسه من دون إجراء أبسط استفتاء شعبي بين أبنائه، معتمداً على أوليغارشية جبل لبنان (الدرزية-المارونية) المتحالفة مع الرجعية السنية المتمثلة بالبرجوازي رياض الصلح. وذلك لضمان، استمرارية نفوذ ومصالح القوى الامبريالية الكبرى من الناحية الاقتصادية (الفرنسية تحديداً) كما فعلت بريطانيا في تأسيس كيان مصطنع في الأردن وكيان سرطاني داخل جسم المشرق العربي وهي بطبيعة الحال (إسرائيل) عاصمة الإمبريالية العالمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وللعودة إلى لبنان الذي أفضل إطلاق عليه لقب الخطأ الجغرافي، زرع الاستعمار الفرنسي بالتعاون مع القوى الغربية العالمية أدوات الاقتصاد بها لتحويلها مركزاً لتبيض الأموال بين القارات وما وراء البحار، اعتماداً على حكام البلد غير الوطنين والذين لا يملكون أدنى مراتب الشرف.

وبالرغم من ذلك، كان الكيان المسخ (لبنان)، يعيش دوماً ضمن دوامة مضطربة من الناحية الاقتصادية تظهر على شكل طوائف تتقاتل فيما بينها. إلا أنه في حقيقة الأمر أن الرأسمالية منذ فشل حلف بغداد وهي تعيش الأزمة، وكونها قائمة على الوضاعة الطمع وعدم الإنسانية في الأفكار تحاول دوماً تطوير المشكلة وليس حلها. لأنها تمتلك، سلاح إطالة الأزمة ولكنها لا يمكنها إنهاء ما زرعته في العالم.

وجدت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ بداية بزوغ نجمها في العالم، كقوة اقتصادية عالمية في لبنان ضرورة مد نفوذ عسكري من جهة ومن جهة أخرى السيطرة على اقتصاده بالكامل وبل تحويله إلى (مدولر) منذ وصول رجل الأعمال الفاسد رفيق الحريري، وذلك لوضع أسس قوية للدفاع عن عاصمة الامبريالية في الشرق (إسرائيل) ولتغلغل في المنطقة العربية أكثر وإخضاع كافة رموزها وحركاتها الثورية إلى حالة الفشل بسبب محاصرة الامبريالية لهم في كل دول المنطقة.
تضحم الأسعار للسلع الغذائية وانخفاض الأجور التي تترافق مع زيادة البطالة والفقر كمؤشرات تنذر بعودة ملامح الانفجار الكبير للصراع الطبقي الذي بدء بالتشكل منذ انتفاضة 17 تشرين التي أصبحت القلق الأول لأصحاب السلطة المالية السياسية المليشيوية الطائفية المافيوزية اللبنانية. خصوصاً بعد رفع شعار واضح وصريح وهو (يسقط حكم المصرف).

الشارع اللبناني، استوعب ولو بشكل متأخر جداً خطورة المصارف على بلدهم وبل حقيقة أن تلك الثكنات (العسكرمالية) هي الحاكم رسمياً للبلاد، وليس مجلس (كراكوزات) البرلمان الذي يحدد كيفية سياسة البلاد وتعاطيها مع الملفات الأمنية والسياسية الداخلية والخارجية.أعادت هذه الانتفاضة الشبابية الجديدة اسم (علي شعيب).. الذي لا يعرفه الكثير من أبناء الانتفاضة ولكن عرفوا عنه شيء واحد ألا وهو الطريق إلى التحرر من الإمبريالية التي تسرق أموالهم وحقوقهم ومستقبلهم معاً.
كان استحضار اسم الشهيد علي شعيب في معركة الطغمة المالية/السياسية والمصارف في لبنان يؤكد هذا الاتجاه على أنه لا يوجد قطيعة مع العنف الثوري ومهامه هو حسم الصراع لصالح الطبقات الشعبية. إن الوعي السياسي الثوري/الفردي سيلعب دور النواة في التأسيس للحظة الثورية في الحالة اللبنانية الحالية نتيجة لتقاعس اليسار عن القيام بمهامه في السياسة التاريخية وإحداث القطيعة مع السياسية الأيديولوجية.
وفي المقابل، الوعي الثوري وحده لا يكفي لإسقاط أي نظام بل يجب أن يقترن بالممارسة الثورية أي العنف الثوري من أجل حسم المعركة وهذا ما يفرق وعي رجال العصابات الشيوعية في العالم التي كانت تستهدف المصارف من دون تراجع، عن وعي الطبقات الشعبية الثائرة الذي يشكل في إطار العفوية، ولكن أيضاً ضمن سياق واضح لتحديد الأعداء الطبقين.

وكلما ازداد غضب وسخط الطبقات الشعبية على الطبقة السياسية الحاكمة وعلى النظام السياسي ارتفعت نسبة عمليات العنف الثوري باعتبار أن هناك حاضنة سياسية شعبية تدعمه وتحميه وتؤيده.
وفي السياق نفسه يجب أن نعمل على التأسيس لمشروع تغير شامل باعتبار أن الطبقة المهيمنة الثورية ومهامها في السياسة التاريخية تقوم على رؤية شاملة وبرنامج تنفيذي على الأرض وعبر محمل مسؤوليتها بقيادة الاحتجاجات وتحديد برنامجها للسيطرة على مجريات الأمور. وخلال اللحظة الثورية التي ستكسب أهمية خاصة.

إن رسم طريق العدالة والتغير، لن يكون سهلاً لذا ومن المؤكد أن هذا المسار الثوري الصاعد سيحاربه في لبنان من قبل أجهزة القمع وعلى رأسها حزب الله ومن قبل اليسار المخصي نفسه.
ولكننا نؤكد على المقولة الثورية أنّ أفضل نظرية في الثورة هي التي تنبع من الأعمال الثورية



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن