النرجسية الحضارية وحقيقة تعدد العوالم

سامح عسكر
ascooor@gmail.com

2020 / 5 / 2

في سؤال مهم يخص علم الحضارات..هل التسميات الشائعة في زمن الحرب الباردة لا زالت تنطبق على أصحابها؟..أقصد تسميات العالم الأول والثاني والثالث، فالعالم بعد 11 سبتمبر اختلف نسبيا بانضمام عدة دول لمنظمة التجارة العالمية ووصول سعر البترول إلى 147 دولار وأزمة الرهن العقاري الأمريكي...مرورا بأحداث الربيع العربي وحروبه التي لم تنتهي بعد ..نهاية بأزمة كورونا

بداية فالاختلاف الحاصل بين عالم الحرب الباردة وعالم كورونا يقول بأن 4 دول من المحسوبين على العالم الثالث دخلوا ضمن أقوى 20 اقتصاد بالعالم وهم "أندونيسيا والمكسيك والهند والسعودية" لاسيما أن تصنيف العالم لثلاثة قائم على معايير أهمها الاقتصاد والحالة المعيشية والتصنيع، بينما الهند تخطت كل هذه المعايير بتصدرها الناتج المحلي في قارة آسيا بعد الصين بمجموع 12 تريليون دولار في العام مع ازدهار عدة صناعات كالاتصالات والتكنولوجيا الحيوية والسيارات، مما يعني أنه وحسب معايير تصنيف العالم لثلاثة تكون الهند قد دخلت رسميا العالم الأول متخطية بذلك دولا محسوبة على ذلك العالم كاستراليا ونيوزيلندا..

وهنا جوهر الاختلاف..أن تقسيم العالم بهذا الشكل يوحي بأنه كان طبقيا عنصريا حسب رؤية الرجل الأبيض ، فاستراليا ونيوزيلندا يحكمها ذلك العنصر البشري الذي يحكم أوروبا والولايات المتحدة وكندا، بينما الدول العربية وأفريقيا وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية والمكسيك لا ينتمون لهذا العالم لاختلاف الأجناس، والأمر نفسه ينطبق على توصيف العالم الثاني الشيوعي..مما يعني أن التصنيف كان قائما على رؤية عنصرية تجاوزت حد الأديان ..لكنها لم تتجاوز حد القوميات والدليل على ذلك أن هذا الرجل الأبيض الذي يحكم روسيا ليس محسوبا على العالم الأول حسب وجهة نظرهم وهو من هو في عالم الصناعة والحداثة..

يوجد من يقول أن هذا التصنيف به لمحة دينية بتخصيص العالم الأول لذوي الديانة البروتستانتية في الغالب، وبدون الدخول في إحصاءات توضح ماهية ذلك ولكن وجود فرنسا وإيطاليا وأسبانيا كأكبر تجمع كاثوليكي في أوروبا ينفيه، ولكن انتماء هؤلاء جميعا للحضارة الرومانية هو الفيصل في تعيين أصل هؤلاء الثقافي، بمعنى أن تصنيف العوالم لثلاثة بدأ في ظاهره عنصريا يعطي الأولوية لدول الاستعمار الحديث في المقدمة..لكنه في جوهره تضمن مقدمة محذوفة ومضمرة هي أن ذلك الاختيار مبني على أساس حضاري تاريخي ما زال يهيمن على سياسات العالم حتى اللحظة.

وقد ألهبت هذه الحقيقة خيال من قالوا بصراع الحضارات وأن العالم يتجه لصدام من نوع جديد يتخطى حاجز القوميات والأديان بالعودة إلى أصول ونشأة الإنسان وحضاراته القديمة.

وفي نفس السياق يمكن فهم الخصومة الآن بين السعودية وإيران من جانب، وبين إيران وإسرائيل من جانب..إنه قد يُظهر عودة حميمة للجذور العرقية والأنساب بصراع بين العرب والفرس وتكرار معارك القرن 7 م، أو بانتساب الشعب الفارسي والأذري لآل البيت فيصبحون على خصومة مع اليهود الذين شكّلوا عقلية وذهن البيت الأموي، أي أن طريقة تفكير الإيرانيين قد تحوي في مضمونها انتماءً للطالبيين المضطهدين في العصر الأموي، خصوصا وأن الشيعة في تلك المنطقة متهمين بالانتماء لشعب خراسان والهند كما حدث من صدام حسين بعد الانتفاضة الشعبانية سنة 1991 واتهامه شعب الجنوب الشيعي بأنه ليس عراقيا في إشارة لجذورهم الأسيوية القادمة من غزوات العباسيين والعلويين في القرن 2 هـ..مما يعني أننا أصبحنا أمام مشكلة مركبة، فالشعب الإيراني وقيادته لا يفكرون فقط فلسفيا حسب الجذور الحضارية الإيرانية كما أوضحت في كتابي عن إيران والخليج..ولكن يفكرون أيضا بطريقة دينية أعادت صراع الماضي مع الأمويين على شكل صراع مع اليهود والوهابية.

كذلك وبانتفاء العنصر الوهابي في الدولة السعودية أو ضعفه وزوال تأثيره قد نرى صلحا إيرانيا سعوديا سريعا، لكن الأمر لا ينطبق على إسرائيل لأن التصالح بين إيران وإسرائيل – حسب هذا السياق – هو غير ممكن حتى لو قررت إسرائيل الإنسحاب من فلسطين، لكن بقائها كدولة منافسة للقائد الإيراني – ذو العقلية الهاشمية الطالبية – يحفزه على إبداء الخصومة لها..والعكس صحيح، أي أن الثقافة التلمودية التي أثرت على فقهاء البيت الأموي والتي تحكم حاليا بعض حكام إسرائيل سترى في ثورات وتمرد القائد الإيراني صورة آل البيت المطرودين والمحكوم عليهم بالردة والتعطيل..لاسيما أن هؤلاء الحكام اليهود متهمين بالتشبيه والجبر عند الشيعة.

وبالأخص أن الاتهام بالجبرية له انعكاسا سياسيا خطيرا جذوره مضمورة بالنفس وتقول بأن ظلم الناس هو جائز ما داموا ينكرون أقدار الله، وقد سبق وقوع الإخوان المسلمين في هذا الخطأ بمصر..حين زعموا أن مرسي هو من اختيار الله وقدره، والرافضين له وأعضاء حركة تمرد هم منكرين لقدر الله بالضرورة..وهو نفس المعتقد الأموي ذو التأثير اليهودي الذي ثار عليه المعتزلة والشيعة..وهذه قصة كبيرة دارت أحداثها في التراث بين معارك ومذابح وأكاذيب وأحقاد لا زالت تنعكس في واقع المسلمين إلى اليوم.

ربما هذا التصوره يراه البعض بعيدا أو أقرب للهذيان والشطح، لكني أراه قريبا وأقرب للدقة والعمق، خصوصا وأن حضارة المسلمين الحالية لم تعد واحدة، لقد انقسمت لحضارة عربية وأخرى فارسية وأخرى تركية وأخرى ماليزية..تعيش كل واحدة في مكان منفصل عن الآخر، وتعيد ذكرياتها وأمجادها محليا دون النظر لخطورة ومآلات هذا الفصل، حتى العرب لم يعودوا ينتمون في بعض الأحيان لحضارة واحدة..فوجدنا المصريون والأمازيغ والسودان والشوام والعراقيون يطالبون في البعض منهم بإحياء جذورهم وحضاراتهم المندثرة، كأنه صراع هوية ساخن ما زال يعاني من عقدة الفراغ، وبالتأكيد فور ملء ثغرات تلك الهوية ستتضح المعالم بظهور هويات مختلفة للشعوب أقرب لجذورها الحضارية البائدة.

ولربما أيضا يكون هذا الحنين للجذور هو انعكاس للإنفجار المعلوماتي الرهيب وتعزيز صور النوستالجيا في الذهن، فمثلما يحدث عند العرب هو يحدث أيضا عند شعوب وأقوام أخرى بدأت تتخلى عن تصورها القومي المعاصر لبحث وحنين عن الجذور التاريخية والحضارية بالخصوص وأن هذا السلوك منهم يترافق مع قفزة اقتصادية وعلمية وصناعية مهمة تعيشها بعض دول العالم ممن لم يُحسَبوا على العالم الأول، فمن كان يصدق أن فيتنام التي خرجت شبه مدمرة منذ عام 1975 أصبحت الآن من المرشحين بقوة للدخول في عالم النمور الأسيوية وتكرار نهضة تايوان وسنغافورة وهونج كونج، وأن خلافاتهم مع الصين قديما بدأت تزول لصالح رؤية حضارية جديدة هي السبب في هدوء مشكلة بحر الصين الجنوبي.

فلولا الولايات المتحدة وأستراليا لحُلّت تلك المشكلة، لكننا شهدنا منذ أيام وجودا عسكريا للبلدين في بحر الصين مما استدعا خارجية بكين لاستنكار هذا الوجود، بينما الموقف الفيتنامي الذي هو محور من محاور المشكلة لم ينتفض أو يتحدث في سلوك يُفهَم منه على أنه شعورا داخليا فيتناميا يحيي قضية الانتماء الأسيوي كأولوية على ما سواها، مما يعني أننا أصبحنا أمام تجاوز للقوميات المحلية لحساب الحضارة والجذور، لاسيما أن بقاء الدولة فترة طويلة دون حروب وصراعات في ظل نهضة اقتصادية يُكسب شعبها قيما متحضرة ومنتمية للإنسان قبل الأديان والقوميات..وأن هذه القيم المتحضرة هي التي تدفع الشعوب للبحث عن جذورها كبديل للعيش في عالم تحكمه الأمواج المتلاطمة والظلم الطبقي الفاحش والسياسي العبثي المنتشر في أكثر من بقعة أرضية..

ولربما يكون هذا السلوك اللاإرادي هو رد فعل طبيعي على العولمة والأمر بجمع العالم تحت حكومة واحدة رأسمالية فقدت القدوة في تقديم نفسها بصورة شريفة ونزيهة، فمع تقدم الدول المتطورة لكن وعي الشعوب فيها يميل جزئيا للحِسّ اليساري المشكك في نوايا قادة دولهم..ومن ثم يبدأ في نشر فرضياته وتنويعها بوجود مؤامرة، وآخر تلك الفرضيات هي عدم وجود ما يسمى بفيروس كورونا، وأنه كذبة عالمية للتغطية على أضرار شبكات الجيل الخامس التي ستصب أرباحها في أيدي وجيوب نفس الطبقة التي تتغذى على حروب وصراعات العالم..

وقد تعمدت وصف هذا السلوك باللاإرادي لكونه رد فعل مثير أخلاقي مركزه في العمق اللاشعوري، والإنسان في قمة غضبه يكون في أقصى درجات الشحن المعنوي..وهذه الحالة السيكولوجية التي تبدأ وتشعل الحروب بمعنى أن الإنسان يعمل على مسارين اثنين في غضبه، الأول هو الهجوم على مصدر تهديده بغريزة الدفاع عن النفس، والثاني هو البحث عن بديل أخلاقي لممثلي هذا الهجوم..وبما أن بديل الحضارة المعاصرة غائب عقليا وثقافيا وخصومها من الأصوليين والبدائيين فاقدي العقل والضمير فالنفس البشرية تميل – لاشعوريا - للعودة إلى إنجازها التاريخي الحضاري بشكل تلقائي، لذلك أعد تلك المحاولات للتغني بأمجاد الحضارات القديمة والزخم الكبير في دراستها حاليا وتصور ما كان عليه العالم وقتها بشكل علمي محترف ما هو إلا صناعة بديل حضاري يتخطى حاجز القوميات والأديان وربما اللغات بعد ثبوت أن تلك الحواجز لم تستفيد منها البشرية أكثر مما تضررت.

فالحروب العالمية السابقة حدثت فعليا بين ذوي الحضارة الرومانية – حسب السياق – وحروب الشرق الأوسط حاليا تحدث بين ذوي الحضارة الإسلامية السابقة من نفس الجنس والدين واللغة، إذن ما الذي يدعو للثقة في مفاهيم العصر من شعارات وقوميات وأديان وهي لم تحفظ حق الجيرة والأصل المشترك؟

إن توق الإنسان لماضيه يمكن تفسيره على وجهين إيجابي وسلبي معا، فالوجه السلبي يتلخص في عدم قدرة الإنسان على فهم واقعه بمجرد ماضيه حصرا..وهذا الذي لا يريد فهمه أصوليي الأديان كلها، أما الوجه الإيجابي هو التوق للعودة من جديد وبداية جديدة تعالج الأخطاء التي وقع فيها السابقون ، فأسلاف المسلمين مثلا وقعوا في أخطاء عقلية وسياسية ودينية وعلمية..إن الوقوف على تلك الأخطاء وعلاجها مع بدء الحضارة الإسلامية من جديد سيكون كافيا – حسب وجهة نظرهم – لصناعة بديل حضاري أكثر أخلاقا وعقلا من الموجود، لاسيما أن الماضي الديني لم ينقل عزلة معرفية بين الشعوب بسبب اختلاف اللغة أكثر من اختلاف التقاليد

بدليل أن الأجنبي الذي كان يريد العيش في مجتمع المسلمين يفعل ذلك بسهولة شرط احترامه للتقاليد، وقد ورثنا ذلك بهجرات أجنبية مكثفة بدأت من القرن 19 وانتهت مع حرب 48 في فلسطين ، فكان اليوناني والأرمني والقوقازي والأوروبي والأسيوي يعيش في مصر دون اكتشاف أن حواجز اللغة والدين كانت مؤثرة، بل لوحدة التقاليد واحترامها حدث العنصر الإيجابي في القصة وهو "التفاعل الحضاري" وملخصه أن كل إنسان يمكنه التعايش مع الإنسان الآخر دون النظر إلى دينه وعرقه ولغته..فقط هي احترام التقاليد والثقافات ، مما يعني أن تنوع الحضارة القديمة المفترض لغويا وعرقيا ودينيا لم يشكل عائق ضد ظهورها، فالشيعة شاركوا في حضارة المسلمين مثلما شارك السنة، الأكراد والقوقازيين والأتراك والأندلسيين والفرس بنفس النسبة، منهم من كان لادينيا كالمتنبي والرازي ومنهم من كان مؤمنا كابن رشد.

صحيح توجد عوامل اجتماعية ذكرتها في السابق كصفة تمتع بها بعض علماء الحضارة الإسلامية وهي انتمائهم للطبقتين الوسطى والعليا، لكن قياسا لظروف هذا العصر سنجد أن علماء الحضارة الأوروبية كانوا من نفس الطبقة، والعلة المشتركة أن الناس والعوام والسلطات تحترم أبناء هاتين الطبقتين تحديدا ويخافون من تأثيرهم إذا لزم الأمر، وعليه فالتذرع بالخلاف الديني كسبب في التخلف هو غير حقيقي دائما، المشكلة أصلها طبقية خاصة بأصحاب النفوذ..وهذا محور عدم ثقتي في أي إجراء حكومي أو شعارات يرفعها الساسة في التنوير والتجديد دون قرارات تُحصن وتَحمي المفكرين خصوصا من ذوي الطبقة الدنيا والفقيرة الذين نشطوا منذ سنوات بفضل الانفتاح الإعلامي وحُسن استخدام الإنترنت.

وقد يؤدي هذا المقال لنتيجة مؤكدة وهي أن "العولمة مجرد خرافة وأمنيات غير واقعية" فالإنسان مع كل التقدم الذي وصل إليه وبلوغه قمة الهرم المعرفي لكنه لم ينسَ أصوله الحضارية، فالأمريكي لا زال ينظر للصيني باحتقار والعكس صحيح رغم وجود علاقات دبلوماسية واقتصادية، والنظام الأمريكي السياسي بدا من سلوكياته أنه يريد العودة لما قبل السبعينات حين كانت الصين ب 99% منها غير ممثلة سوى بحكومة تايوان الانفصالية، وبالتالي ما حدث في الاعتراف بحكومة بكين والحزب الشيوعي غلطة يريد الأمريكيون تداركها وقد جاءت أزمة كورونا لتُظهر هذه القناعات على السطح وبدء حملات إعلامية أشبه بالتي تحدث في ظل الحروب العسكرية عبر إطلاق كمّ كبير من المعلومات الكاذبة والمضللة عن الآخر لأهداف الحشد والتغطية على نقاط قوة الخصم.

نقطة أخرى أود الإشارة إليها أن هناك ما يسمى ب "الوعي الذاتي الحضاري" أو ما أسميه ب "النرجسية الحضارية" وهي الكامنة في اللاوعي الإنساني وتظهر في الأزمات على شكل احتقار للآخر وشوفينية وربما رجعية حضارية على نحو ما نادى بها أصوليين المسلمين في السبعينات، فلولا أن الحروب العالمية وما أعقبها من حروب استنزاف بالوكالة وحرب باردة ما شعر المسلمون بالحنين لماضيهم وما نجح المتشددين في إقناع العوام بأن الحل سيكون في الخلافة، وهنا يتجلى مظهرا آخر من الأزمة..أن استدعاء مفاهيم الدين الحضارية في ظل الأزمات سيكون على شكل استغاثة بأذرع قوتها، فالمسلمين لم يستدعوا فلسفة ابن سينا وعبقرية ابن رشد والرازي وإبداع المتنبي وموسوعية الجاحظ..بل استدعوا الخلافة والجهاد على طريقة ابن تيمية وخالد بن الوليد، مما يعني أن شعورهم بالخطر كان أسبق على التفكير باستدعاء مقومات النهضة الحقيقية فصّدروا هذا الشعور على شكل مفاهيم وشعارات تطالب بالحكم الإسلامي.

إن هذه النرجسية الحضارية هي الباقية فينا منذ العصر الحجري، ولكن تطورت لمجتمعات نهضت وأنجزت في حقبة من الزمن، فهي تطورت من الأسرة والسلالة بعدما كان الانتماء الحضاري عند الأسلاف الحجريين لن يفارق العائلة وزعيم العشيرة، وربما نلحظ ذلك بوجود وبقاء التعصب القبلي والعشائري حتى عند بعض الشعوب المتطورة كاليابان والصين، ولا زالت دعاوى الألفة القبلية والترابط الاجتماعي تجد صداها وقبولها في مجتمعات الغرب ليس لأنها تحاكي ما كان عليه الأسلاف فقط ولكنها تحقق الحد الأدنى من الشعور بالأمان في ظل تغول الحكومة ورأس المال.

مما يعني أن تصنيف الشعوب لعوالم ثلاثة في ظل هذه النرجسية ولأسباب طرحت في المقدمة هو عمل يخفي بين ثناياه أزمة حضارية وحاجة للشعور بالنفس وبحث عن الهوية المفقودة التي بدأت تتشكل منذ زمن وكانت أهم علاماتها استحالة الوفاق الثقافي والسياسي بين الشرق والغرب على مستوى العالم، أو حدوث أي اندماج ثقافي وسياسي بين شعوب عرفت إنجازها الحضاري السابق في ظل الحروب البينية، مما يعني أنه ولكي تصنع وفاقا واندماجا بين العرب والفرس معا عليك أن تلغي صفحة معاركهم من التاريخ في ظل الحضارة الإسلامية والتي نسبت لاحقا للعرب، وكذلك لا يمكنك أن توفق أو تعقد تحالفا بين الشعبين الإيراني والإنجليزي لإنجاز الإيرانيين حضارتهم السابقة في العصرين الإخميني والساساني في ظل الحرب مع الرومان الذين ورثت بريطانيا الاستعمارية الحديث باسمهم حضاريا متخطية بذلك مركزها السياسي في روما واسطنبول.

نفس الشئ ينطبق على الأتراك..فهم لا يتصورون اندماجا وتحالفا ثقافيا وسياسيا كاملا مع إيران في ظل إنجازهم العثماني دون التأثر بالحروب المتكررة مع الصفويين، إنه شعور استعلائي بشري طبيعي لا يجب أن نخاف منه في الأخير، لكنه يعطي إِشارة بضرورة فهم السياسة بناء على تلك الجذور الحضارية ولو بنسبة من عندي 30% في المتوسط، باقي النسبة لعوامل المصلحة التي لا زالت لها الغلبة في تشكيل صراعات وحروب وأزمات العالم..ولن يزول هذا العامل البراجماتي في الصراع ما دامت حياة الناس تتطلب العمل والإنتاج لبقاء الحياه..لكن نسبته تتأرجح ما بين عدة أرقام حسب شعور الناس بذواتهم ونرجسيتهم الحضارية التي لا زالت تشكل جزء كبير من أسباب الأزمة وعوامل بقائها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن