الهامش والمركز (في الحالة السودانية)

مصعب عيسي مصطفي
M.E1988@outlook.sa

2020 / 3 / 27

أن الإلتباس في المفهومين ليعود لرؤية كل طرف لهذا الهامش وذاك المركز كل حسب فهمة وخلفيتة المعرفية، وغالبا ما تصدر الاحكام نتيجة لذلك، وهذا طبيعي لا سيما عندما يتعلق الامر بالمفاهيم ذات الحمولات التاريخية. فالمركز والهامش بالشكل المتدوال الآن اعتقد انها نتيجة لقراءات (فكر السوان الجديد) الذي ظهر في خطابات وكتابات بعض الساسة والمفكرين مثل قرنق ومكي كوة وابكر ادم وغيرهم. لا سيما ابكر ادم اسماعيل الذي تبنت افكارة بعض المكونات السياسية كخطاب سياسي عام في مناقشاتها ومنتدياتها.

تعريفنا للهامش والمركز برغم اختلافنا حولة اري انة يتمحور في ثلاث مدولات.

#الاول:مدول تاريخي.

ويقصد بة وضعية التشكل "الطائفي والاثني والديني ..الخ" لكيانات معينة في تاريخ الدولة السودانية. هذة الكيانات أستحوذت علي السلطة والثروة بالتدريج، وسعت لفرض ثقافتها الدينية والاجتماعية والاخلاقية علي الاخرين داخل الدولة. وهي ثقافة انتقلت بالتدريج من النفوذ الاقتصادي "التجاري" قبل وابأن الاستعمار التركي المصري، الي النفوذ السلطوي مع الاستعمار الانجليزي المصري وبعدة. وهذا يعود لتحالف هذة الكيانات المعلن وغير المعلن مع المستعمر. اصبحت هذة الكيانات تركة استعمارية بالوكالة خلفها المستعمر بثوب وطني محلي. ومن ثم سعت هذة الكيانات بعد ذلك لفرض ثقافتها علي الاخرين باستحواذها الشبة كامل علي السلطة والمال والنفوذ. وهذا ما جعلها جماعات نخبوية صفوية نالت النصيب الاكبر من ممارسة الحكم، والحظ الوافر كذلك من التعليم الجيد والوجاهة الاجتماعية. بالتالي اصبح هذا النظام هو المحدد لمسار السلطة والاقتصاد والنفوذ، اي صار (نموذجا مركزيا) وما دونه هوامش، وتختلف درجة التهميش من عدمها بمستوي القرب او البعد من هذا المركز.

#الثاني:مدلول سياسي.

ويقصد بة حالة الاستقطاب الأيديولوجي التي كرست وحافظت علي علي سيادة المدلول التاريخي اعلاة. وهنا تختفي خاصية الانتماء الجغرافي والاثني لمفهوم المركز. فيمكن ان نجد مثلا من ابناء الهامش من ظل يعمل بوعي او بدون وعي علي أشاعة هذة الثقافة سواء كنوا افرادا او جماعات او احزاب، وذلك بالانخراط في الولاء الاعمي والتبعئة. وشاهدنا بالفعل عدد كبير جدا من ابناء الاطراف المهمشة مثلوا هذا الدور بأمتياز. فمنهم من استسلم لهذا الواقع واصبح جزءا منه؛ ومنهم من اعلن العصيان ليجد نفسة في وطن كبير جدا ومتنوع وفي نفس الوقت متناقض ومتصارع. وهذا ليعود لأن السودان تكون بشكلة الحديث علي متناقضات لا توافق طبيعتة وهويتة. وواولها طبعا (الامتيازات التاريخية) لهذة الكيانات السلطوية ذات الثقافة الدينية و(الفورمولوجية) المشتركة. لذا أعتقد ان المدلول التاريخي مجرد انعكاس او وصف للمدلول السياسي في الممارسة وهو الاخطر علي الدولة واستقرارها. ومن هذا التوجس وفقدان الثقة بين المركز والهامش كان ميلاد مفهوم "السودان الجديد" وهو مشروع تحرري؛ حاول فية بعض المفكرين والساسة الخروج من حيز هذا التشكل التاريخي لما يمكن ان نسنية ب"الحرس السياسي القديم او الشريط النيلي او القوي الأرثية ...الخ" وبغض النظر عن بعض الاشكالات التنظيرية التي تعتري هذة المفاهيم: الا انها تتمحور حول محور واحد وهو (السيطرة والهيمنة والنفوذ المتكسب لكيانات معينة دون الاخرين) وهو ما اعطاها افضلية الهيمنة السياسية والثقافية.

التوجة الفكري لمفهوم السودان الجديد يقوم علي شرط الإيمان بضرورة بناء السودان علي أسس التنوع والتعدد والوحدة الطوعية تحت ظل الهوية السودانية او (السودانوية) حسب الراحل د.جون قرنق وابناءة في الحركة الشعبية. وهذا بطبيعة الحال يتطلب افترض وجود (كتلة تاريخية) تعي هذة الوضعية وخطورتها علي الوحدة الوطنية ومن ثم تعمل علي تفكيكها وتحطيمها. د. ابكر ادم اسماعيل ك(احد رواد هذا المشروع) ايضا تناول مفهوم هذة الكتلة،واعتقد انها فكرة مستعارة، اي (استلفها ابكر من جدلية التاريخ الماركسي والبسها ثوبا ثقافيا سودانيا) وفي معرض كتابة "جدلية الهامش والمركز" حذر ابكر من العنصرية المضادة التي ربما تعترض تكوين هذة الكتلة، وشدد علي ضرورة الوعي بهذة القضية، وانها سلاح ذو حدين، وهذا صحيح الي حد ما. لأننا نجد ان الواعين بهذة القضية نفسها ينقسمون الي تيارين.

_ الاول:تيار تشاؤمي يعي هذة القضية من سكان الهامش التاريخي؛ لكنة يري ان مكونات الامتياز التاريخي غير مستعدة او جادة في السعي للوحدة الطوعية علي اسس المساواة الكاملة. وهؤلا يمكن ان نسميهم (هامشي التفكير) اي انهم يؤمنون بصعوبة تغيير هذة العقلية ويحاولون التخلص منها عبر الانفصال.

_الثاني:تيار تفاؤلي وهو الاوسع،يعي هذة القضية، ويضم ممثلين لة من كل اطراف السودان الاخري. لكنة عكس التيار الاول لا يملك برامج او خطط واضحة يعرف من خلالها بالقضية كقضية وطنية واجب الاهتمام بها من جميع المواطنين. فغالبا ما يتناولون المفهوم من منصاتهم الخاصة الفكرية والايدولوجية والمناطقية. مما جعل هذا المفهوم فاقد لأدوات الارادة الجمعية للكتلة التاريخية. وللأسف هناك من جعل من قضايا الهامش وسيلة للتكسب والاتجار السياسي.

#الثالث:مدلول جغرافي.

وهو يضم المدلولين السابقين مع التركيز علي (الخصائص الجغرافية) وعوامل الديموغرافيا وتحركات السكان. واري انة من الافضل ان يقراء مفهوم الهامش والمركز من هذا المنطلق مع استصحاب العوامل الاخري. فهناك من انصار الهامش والمركز من يرفض ان يكون للهامش تأثر سياسي بالجغرافيا. واخرون يقولون بأن المركز والهامش صنعتهما الظروف الجغرافية، ولكنهم يأكدون ان ذلك ليس دافعا كافيا. لكن الشاهد ان ابعاد العامل الجغرافي عن العوامل التاريخية (امر مضلل) لأن الجغرافيا تأثير مباشر في فهم القضية ووضعها في مسارها نسقها التاريخي الصحيح. وكما هو معلوم ان النظام الاجتماعي في السودان (نظام قبلي تقليدي) يضم اثنيات متحركة (رحل) بفعل العوامل الطبيعة؛ واخري (شبة مستقرة) تتحرك احيانا وفق الحاجة لتوفير الضروريات المادية. لذا نجد ان كثير من الاثنيات السودانية كانت ولا تزال تمتلك (ارض خاصة بها) تسكن فيها وتعرف بها. لكنهم في النهاية يعرفون بمناطقهم المعينة التي اذا طلبهم الانسان فيها وجدهم او وجد من ينوب عنهم. هذا في وقت لم يعرف فية السودان مفهوم المدنية بالشكل الحاضر. وهو نظام موجود حتي الآن، بل وتشكلت من خلالة الكثير من المدن.ولانة نظام لا يتاقلم مع (المدنية المستحدثة) نجدة دوما يتحول لخارج المدنية (هناك مدن سودانية كبيرة اسستها قبائل ورحلت عنها) وتجد انك اذا بحثت عن افراد تلك القبيلة في المدينة المعنية تجدهم بالكاد (اقلية) مقارنة بمجموع السكان. هذا التغير (الديمغرافي السكاني) يتدرج من من حيث درجة الاستقرار (من الاستقرار الي الاستقرار النسبي نوعا ما في الشمال الي عدم الاستقرار في بقية اجزاء السودان) وهذا ما جعل ان هناك خلط لدي من يقولون ان "سكان دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والشرق مهمشين" وهي مقولات صحيحة (ديموفرافيا) لأن هذة المناطق تسكنها تاريخيا كيانات وقبائل (هامش جغرافي).وهذا ما أدي لعدم فهم العامل الجغرافي فهما صحيحا لدي بعض متبني خطاب الهامش والمركز. فكيانات المركز جغرافيا هي كيانات وقبائل (مركز جغرافي) لأنها كانت الاقرب لمصر ولمجري النيل (معبر دخول الاستعمار الي السودان) فطبيعي ان يحدث التاثير والتاثر الثقافي (خصوصا مصر) التي كانت والي وقت قريب تعتبر ضمير الامة العربية والمعبر الثقافي عنها (السودان هو اقرب الدول اليها) هذا القرب الجغرافي جعل لكيانات الشمال (اولوية مركزية) لدي المستعمر دون غيرهم من خلال إقامة تحالفات سياسية. هذا طبعا بخلاف دارفور التي كانت دولة شبة منفصلة (انضمت للسودان عام1916) وكذلك الجنوب الذي سعي المستعمر لفصله ثقافيا عن بقية السودان بسبب الانتماء العقائدي "فرق تسد".

#واخيرا؛ يظل القصد من هذا البوست عن بعض جوانب الهامش والمركز هو تسليط الضوء مع (خطوط عريقة) تمكننا من البحث في كيفية تجميع الهوية السودانية في بوتقة واحدة؛ والهوية هي (الإنسان بكل ما يحمل من متناقضات) علينا ان نعي ان تناقضات الهامش والمركز صنعتها ظروف الجغرافيا والثقافة في سياقها التاريخي وليس قطعة الأرض الضيقة. لأننا بذلك سنحيل المشكل بوعي او بدون وعي للمنازعات المناطقية والعنصرية. فعندما نطلق الاحكام جزافا "هذا مركز وهذا هامش" دون تفسير عن اي مركز وهامش نتحدث؛ حينها ستختلط الامور. فدلالة الهامش والمركز التاريخية تختلف عن الدلالة السياسية اوالجغرافية والعكس صحيح. فربما نجد شخص هامشي الجغرافيا ولكنة مركزي التفكير والايدولوجيا وهكذا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن