-الكورونا- وتأثيراتها على الأشخاص ذوي الإعاقة وعائلاتهم في فلسطين

نادر ابو عمشا
quds.45@gmail.com

2020 / 3 / 24

بقلم :- نادر أبو عمشا
كَيْ لا يَتَغَوَّلَ فينا النِسْيان، علينا أَنْ نُذَكِّرَ بَعْضَنا البَعْض بأَنَّ مِحْنة وباء الكورونة وما يَتْبَعُها من إرهاصات هيَ أَشَدُّ ضَراوةً على الأشخاص ذوي الإعاقة وعائلاتهم في فلسطين
لَطالَما، وفي ظُروفٍ يمكنُ وَصْفُها بأنها كانتْ أَقَلَّ حِدَّةً وَشِدَّةً، لَطالَما عايَشَ الأشخاص ذوو الإعاقة وأُسَرُهم العديد من أشكال الإهمال والإقصاء والتهميش على مستوى السياسات والاستراتيجيات والمُوازَنات والبرامج والخدمات العامة والمتخصصة، مما مَوْضَعَهُمْ على هَوامِشِ البناء الاجتماعي وعلى أدنى درجات سُلَّم الأولويات الوطنية، وفي دوائر التبعية والعَزْل الضَيِّقة والخانقة.
وفي هذه المرحلة تحديداً، نُدْرِكُ دونَ أدنى شَكّ الحاجة لِأَنْ نَنْطَلِقَ في الخِطاب من ضرورةِ تَقَدُّم الواجبات على الحقوق، والنُزول في سُلَّم الأولويات إلى الحُدود الدُنيا بالقَدْر الذي يُمْكِنُنا عِنْدَهُ أن نُلْقي التحيةَ على ضَمائرِنا بِسَلام، إِذْ كانتْ تَقولُ جَدّاتُنا: "الظُلْمُ إِنْ عَمَّ عَدْل". وعليهِ، يجب أن نعملَ ما بِوُسْعِنا للتأكد من أَنْ لا أحدَ يُعايِشُ ضُغوطاً مُضاعَفة وأكثر في هذه الظروف كنتيجة للإعاقة أو غيرها من الخصائص.
بطبيعةِ الحال، لا مساحةَ للإسهابِ في وَصْفِ الحالة الحقوقية والمعيشية للأشخاص ذوي الإعاقة ما قبلَ هذه المِحْنة، إِنَّما يَتَحَتَّمُ علينا التذكير بأَنَّ العدد الأكبر من الأشخاص ذوي الإعاقة هم أُمِّيون، كما أَنَّ معظمهم كانوا ولا يزالونَ خارج سوق العمل. ومن ناحيةٍ أخرى، تُؤَكِّدُ العديد من التقارير والأدبيات على العلاقة الوثيقة والمُرَكَّبة ما بَيْنَ الإعاقة والفَقْر. الأمر الذي يَقودُنا لِأَنْ نَقْرَعَ جميع الأبواب بما فيها أبوابنا، لِنَقول:
في هذه المِحْنة، هناك عدد كبير من الأشخاص ذوي الإعاقة الذينَ لن يتمكنوا من الوصول للمعلومات بشأن طبيعة هذه المرحلة ومتطلباتها، كما بشأن كيفية الوصول إلى أو الحصول على الخدمات الطبية والتموينية الأساسية. الأمر الذي يرجعُ إلى أَنَّ العديد من التعميمات التي تصدرُ عن صُنّاع وآخِذيْ القرار، كما العديد من نشرات التوعية لا تأخذُ بالحسبان متطلبات التَواصُل الفَعّال والتي نَعْني بِها في هذا السياق، جميع وسائل التَواصل التي تستجيبُ للفروق والاختلافات الوظيفية الحسية والحركية والذهنية، مثل استخدام لغة الإشارة واللُغة سَهْلة الفَهْم والنُصوص القابلة للقراءة باستخدام البرامج الناطقة مثل صيغة وورد...الخ. وفي ذات الوقت، فإِنَّ الأشخاص ذوي الإعاقة لن يكونوا على قائمة اللجان والفِرَق والجهات التي تبذلُ جُهوداً مَشْكورةً ومُبارَكةً لتأمين هذه الاحتياجات للعامة.
في هذه المِحْنة، العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة وعائلاتهم لن يَجِدوا سبيلاً لتأمين الأدوية والمستلزمات والمستهلكات الطبية، كما لِتَلَقّي الخدمات التأهيلية الضرورية، مما قد يُهَدِّدُ حياتهم أو يُؤَدّي إلى تراجُع صِحَّتِهم البدنية أو النفسية.
في هذه المِحْنة، هناكَ العديد من الأُسَر التي سوفَ تقعُ على عاتِقِها وَحْدَها ودونَ مُعين مسؤولية تقديم العناية والرعاية لعدد من الأشخاص ذوي الإعاقة الشديدة، سواء أولائكَ الذينَ تَمَّ تسريحهم من المؤسسات الإيوائية ذات الاختصاص وإعادتهم لِبُيوتِهم كإجراء احترازي، أو هَؤلاء الذينَ كانوا يعيشونَ مع أُسَرِهم ما قبلَ هذه المِحْنة. وهُنا يجدر التنويه إلى أَنَّ هذه القضية كانت ولا تَزالُ قَيْد الإهمال المُطْبِق، والاستمرار في إهمالها في الوقت الراهن سَوْفَ يكونُ امتحاناً غاية في الصعوبة لِصَبْر هذه الأُسَر، هَذا الامتحان الذي لا يَسَعُنا التفكير بما قَدْ يَعْنيهِ الفَشَلُ فيهِ، وما قد ينتجُ عنه.
في هذه المِحْنة، سوفَ يُعايِشُ العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة وأُسَرِهِمْ ظروفاً قاهرة قَدْ تَحولُ دونَ تَمَكُّنِهمْ من توفير الحد الأدنى من المواد الغذائية. إِذْ تُنْبِئُ المرحلة بأَنَّ العديد من المواطنين/ات قد يخسَرونَ وظائفهم، بمن فيهم القِلَّة من المُوَظَّفين/ات من الأشخاص ذوي الإعاقة. ولا تُوْجَد إلى حينه مُؤَشِّرات تَقولُ بأنَّ فِرَق ولجان الطوارء لديها خطة مَدْروسة ترمي إلى البحث عنهم وتأمين هذه الاحتياجات لهم.
في هذه المِحْنة، قد يصح القَوْل بأن العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة هُمْ أكثر عُرْضةً للإصابة بفايروس كورونا وذلك للعديد من الأسباب والتي لعل أهمها: عدم تَمَكُّنِهم من توفير ما يلزم من مواد تعقيم وتنظيف ضرورية للوقاية من الإصابة، وكَوْن العديد منهم لديهم صعوبات مستقرة تُرافِقُها صعوبات في التَنَفُّس. هَذا في الوقت الذي لا نُلاحِظُ فيهِ أَيَّة جُهود تتعامل معهم كَفِئَة لَها الأولوية في الحصول على هذه المواد.
في هذه المِحْنة، وكَما جرتْ عليه العادة، سَوْفَ تُتْرَكُ المؤسسات الخدماتية الإيوائية التي لم تَقُمْ بتسريح المُسْتَفيدين/ات لبيوتهم لأسبابٍ مختلفة كأن لا يكون لأولائك المستفيدين/ات بُيوتاً أصلاً ليذهبوا إليها، سَوْفَ يُتْرَكونَ دونَ الحَدّ الأدنى من الرقابة والمُساءلة من قِبَل جهات الاختصاص وعلى وجه التحديد وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الصحة. حَيْثُ لا تُوْجَدُ أَيَّة ضَمانات بأَنْ هذه المؤسسات سوفَ تَقومُ أو لديها الخبرات اللازمة لِتَقومَ باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية النُزَلاء من الإصابة بالفايروس.
في هذه المحنة، قد يتم ودونَ قَصْد، حَجْر أي من الأشخاص ذوي الإعاقة في بيئات لا تتوفرُ على ما يلزم من المُقَوِّمات التي تُمَكِّنُهمْ من التَنَقُّل والعناية الذاتية باستقلالية وكَرامة، كأن لا تتسم هذه البيئات بالمواءمة، أو كأن لا يتم السماح لهم باستخدام الوسائل المُساعِدة الخاصة بهم.
لِهَذِهِ المَسائل وغيرها، تَساءلتْ كاتالينا ديفانداس مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، "من يحمي حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في محنة كورونا المتفشي حولَ العالم"، وذلك في جينيف في السابع عشر من آذار 2020، مُشيرةً إلى العديد من القضايا التي تجعلُ من الأشخاص ذوي الإعاقة أكثر حاجةً لتَدابير إضافية لَها أن تَقيهمْ من الإصابة بالفايروس أو تُسْهِمُ في وصولهم للخدمات المختلفة كنتيجة للمعيقات الإضافية التي تَفْرِضُها إجراءات الحماية الاحترازية من إغلاقات وحَجْر منزلي جماعي وغيرها، مما يُوْجِبُ على الدُوَل الاستجابة لهذه الاحتياجات بِجَعْل خطط وبروتوكولات الطوارء مُسْتَجيبة لمتطلبات استهداف ووصول الأشخاص ذوي الإعاقة، فضلاً عن ضرورة استخدام جميع وسائل التَواصل اللازمة لكَفالة وصول جميع الأشخاص ذوي الإعاقة للمعلومات كما غيرهم من العامَّة. .
وعليهِ، تَقَعُ على عاتِقِنا جَميعاً مسؤوليات جَمَّى، (وبتفاوُت يعود إلى أدوار ومسؤوليات كل منا) حيال التأكد من اتِّسام خطط وإجراءات الوقاية والحماية بالعَدالة والمساواة التي من شأنِها حماية حَقّ الأشخاص ذوي الإعاقة في الحياة وكَفالة استقرار العافية البدنية والنفسية لهم، وضَمان حقهم في الوصول للمعلومات والحصول على الخدمات الإغاثية والغذائية، وحماية حقهم في تَلَقّي خدمات الوقاية من الإصابة بالفايروس وتَلَقّي العلاج في حال الإصابة، ذلك كله بكَرامة وعَدالة وقَبْلَ فَوات الأوان.


جمعية الشُبّان المسيحية القدس- برنامج التأهيل



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن