كبف ألغى الليكود حق تقرير المصير لشعب فلسطين

سعيد مضيه
madh934@gmail.com

2020 / 3 / 3

كيف ألغى الليكود حق تقرير المصير لشعب فلسطين
أقر بلفور في مذكرة رفعها الى رئيس وزراء بريطانيا عام 1919 أنه حرم شعب فلسطين من حق تقرير المصير، برر موقفه بكون الصهيونية ، سواء كانت مصيبة أم مخطئة ، صالحة أم شريرة، أهم بالنسبة للمستقبل من سبعمائة ألف عربي يعيشون على هذه الأرض العتيقة. بقي موضوع تقرير المصير للفلسطينيين احتمالا بين زجر وإطلاله ثم صمم المكر السياسي الصهيوني على إغراقه في مستنقع السياسات العنصرية. في العام 1978 القى الرئيس الأميركي حينئذ، كارتر خطابا صرح فيه ان الشعب الفلسطيني يملك ‘ الحق في تقرير مصيره’؛ وردا عليه -حسب رواية جاك اوكونيل الضابط الأميركي الذي عمل مستشارا للملك الراحل ، منذ العام 1958حتى وفاته عام 1999، في كتاب مذكراته "مذكرات عن الحرب والتجسس والدبلوماسية في الشرق الأوسط"- " قام عضو في السفارة الإسرائيلية ، على درجة كبيرة من الدهاء، بإرسال تقرير عن الخطاب الى الحكومة الإسرائيلية، مع التحذير بان ‘ تقرير المصير’ كان أميركيا بقدر ما كانت فطيرة التفاح ، وإذا ما انتشر الخبر لدى الشعب الأميركي فإن بإمكان إسرائيل أن تطبع قبلة الوداع على الضفة الغربية. واقترح خطوة مضادة ، مشيرا الى أن‘ الإرهابيين’ لا يتمتعون بحقوق ، لذلك إذا استهلت بإشارة الى الفلسطينيين ومنظماتهم وزعمائهم بكلمة ‘إرهابي’ فذلك سيلغي حق الفلسطينيين في ‘الحقوق’. ومنذ ذلك الحين فصاعدا قامت الحكومة الإسرائيلية بربط كل ما هو فلسطيني مع تسمية ‘ إرهابي’. وقد نجح ذلك . وفي الواقع ان ‘الحرب على الإرهاب’ بدأت عام 1978 من بذرة ‘ تقرير المصير’، وليس في 11 أيلول ، سبتمبر 2001، مع هجوم القاعدة."
في جنازة الملك حسين" كان كل إسرائيلي مهم موجودا هناك- وايزمن ورئيس الوزراء نتنياهو، ورئيسا الوزراء السابقان شمعون بيريز واسحق شامير، ووزير الخارجية أرئيل شارون- ولم يسبق أن اجتمعوا معا في غرفة واحدة مطلقا من قبل ، أبدا، على حد قول وايزمان... في سياق المحادثة بدأ (وليزمن) يصف نتنياهو بأشنع الألقاب بصوت مرتفع بينما كان يتحدث مع فيتس- ابن العاهرة ذاك القابع هناك ماذا يريد....‘ ولم يكن نتنياهو بعيدا جدا ، وكان على مسافة يمكنه السماع منها بشكل جيد. وقد تجاهل نتنياهو ذلك بصورة كاملة ولم يرد، ولم ينظر الى الأعلى. لقد تصرف كما لو ان وايزمن لم يكن موجودا...".
طبيعي أن المذكرات السياسية تحتمل تزوير الوقائع وتجميل المواقف أو شيطنتها ، غير أن مذكرات أوكونيل تحمل شهادات وردت خلاصة لاطلاعاته الشخصية، ألقت الأضواء على قضايا خلافية ، مثل طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل؛ إذ لم يكن كارتر أقوى الرؤساء الأميركيين، ومع هذا انصاع ميناحيم بيغن لمشيئته: كانت حكومة بيغن تشن هجمات مسلحة على الميليشيات الفلسطينية في لبنان بسلاح اميركي. وكلما نوقش الإسرائيليون في الأمر ينكرون او يعتذرون. آنذاك كان ريتشارد ن. فيتس يعمل قائما بالأعمال الأميركية في إسرائيل لغياب السفير صمويل لويس. ذات جمعة تسلم فيتس برقية من الرئيس كارتر يطلب من إسرائيل وقف غاراتها فورا عبر الحدود بسلاح أميركي ، وإلا سوف تواجه قطعا فوريا لجميع المساعدات العسكرية الأميركية. سافر فيتس بسيارته فجر يوم السبت من تل أبيب الى القدس ليبلغ أمر رئيسه الى بيغن، رئيس وزراء إسرائيل. حدّث فيتس صديقه جاك اوكونيل تفاصيل ما جرى أثناء مقابلة بيغن لتسليم رسالة الرئيس الأميركي، وأورد الحكاية أوكونيل.
قال فيتس أنه فضل بذل محاولة لإقناع بيغن بضرورة التوقف عن شن الغارات كي يتحاشى تسليم الرسالة شديدة اللهجة؛ غير أنه لم ينجح؛ ثم يمضي الى القول: "ويتذكر(فيتس) أنه قال ‘حالما تقرا هذه ، سوف تدرك لماذا كنت آمل أن لا أسلمها’. ورأى فيتس اللون يتلاشى من وجه بيغن بينما كان ينظر اليه وهو يقرأ الرسالة . وقبل أن يكون قد انتهى ، نظر الى الأعلى وأعاد الرسالة الى فيتس.
" ويتذكر فيتس انه قال : ‘ لا أستطيع ان أصدق ان أي رئيس للولايات المتحدة يمكن ان يكتب مثل هذه الرسالة الى رئيس وزراء إسرائيل . إن بلدينا متقاربان جدا الى درجة لا تسمح بمثل هذا النوع من الاتصال. وهذه ليست أفضل طريقة لإدارة السياسة مع صديق. لا يمكنني أن أقرأ المزيد . يجب أن تقرأها لي.’ كيف يجمع بيغن مجلس وزرائه ويصدر قرارا قبل مغيب شمس ذلك النهار؟ لكن، "وبعد مرور نصف ساعة على غروب الشمس ، اتصل( بيغن) بفيتس وقال‘ اتصل برئيسك وأخبره اننا سوف نتوقف’".
غير أن بيغن يدرك أن موضوعا مثل الاستيطان بالضفة هو موضع تجاذب بين مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة . ولذلك أبدى بيغن قدرا من الصلف والتحدي، أثار زوبعة سياسية مع إدارة كارتر حيال موضوع الاستيطان ، الأثير على قلوب الصهاينة. هوّل من خطر " اتفاق ميونيخ جديد" يغدر بإسرائيل، وتحدى"نحن لسنا جمهورية موز". استشرس بيغن وهو يرد على معارضة الرئيس كارتر للاستيطان بالضفة لدرجة إثارة المخاوف لدى بعض غير العارفين ببواطن الأمور أن العلاقات الأميركية – الإسرائيلية على شفا جرف. ولتطمين الخائفين نشرت جيروزاليم بوست بحثا لمراسلها العسكري،غودمان، في ملحق يوم جمعة فصّل طبيعة العلاقات المتبادلة، ليخرج بالاستنتاج أن الولايات المتحدة مهما ارتفع حجم مساعداتها لإسرائيل فإنها لا ترقى الى ما تقدمه إسرائيل للامبريالية من خدمات.
عوقب كارتر على رسالته الموجهة الى رئيس وزراء دولة حليف استراتيجي ، وعلى معارضة برنامج الليكود الاستيطاني؛ فوصل ريغان البيت الأبيض، بهزيمة كارتر، على موجة كاسحة من المحافظين الجدد، وكان اول رئيس أميركي يصرح بالموافقة على الاستيطان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية المحتلة.المحافظون الجدد فضلوا الليكود في الحكم وتطورت بين الطرفين علاقات اندماج عضوي يميني. وعلى هذه العلاقة المتينة اعتمدت إسرائيل؛ كما استندت الى تفوقها العسكري، وكذلك الدعاية والتحريض العنصريين، علاوة على استثمار مظاهر التخلف العربي، وفي المقدمة التخلف في مجال الإدارة، حيث الاتكاء على العفوية يستجيب للاستفزازات وينزلق الى صدامات مسلحة غير متكافئة، وحيث ينعدم التفكير الاستراتيجي، والتخطيط وممارسة النقد والمراجعة النقدية، وقهر الضغائن المتبادلة بين القادة العرب.
يورد اوكونيل ان كارتر دعا مصر وإسرائيل الى مؤتمر السلام عام 1978 . " وقبل ان يذهب السادات الى كامب ديفيد كتب رسالة للملك حسين . لم أر الرسالة قط ، ولكن الملك حدثني عنها . وقال السادات انه لن يصنع سلاما منفصلا في كامب ديفيد لا يشمل الأردن والضفة الغربية... وعندما بدأ المؤتمر ، وبدأت الأطراف تتصارع مع قضايا الضفة الغربية الصعبة والحكم الذاتي للفلسطينيين قيل لي ان فريق العمل الأميركي أراد ان يُحضِر الملك ، واخبرني أعضاء الفريق بأن ذلك جزءًا من أوراق عملهم . ولكن السادات قال لا أعتقد اننا نريد ان نفعل ذلك ، لأنه سوف يعمل فقط على تعقيد الأمور. ووافق بيغن".
يخلص أوكونيل الى استنتاج على درجة من الأهمية. " ومن اجل مفاقمة التناقضات ، فازت حماس، المنظمة الفلسطينية ‘الإرهابية’ البارزة، في انتخابات حرة قامت على حق تقرير المصير ."
حماس و"الإرهاب" واجهة المقاومة الفلسطينية. بموجب التفكير والتخطيط الاستراتيجيين تحول الاحتلال في غزة الى رعاية تمدد حركة الإخوان المسلمين، لما رأى وسمع بحقدها الدفين على منظمة التحرير الفلسطينية بجميع فصائلها ، ثم لما أدرك تطرف طبيعة شعاراتها بالنسبة للقضية الفلسطينية، خاصة وهي تسعى للحلول محل المنظمة وفصيلها الرئيس ، فتح. دون أن تدري الحركة وبدون قصد منها جرى استخدام شعاراتها وهيمنتها فزاعة تبوح ب"الإرهاب".
من جهة شرع الاحتلال يعد حماس لتصدر الواجهة الفلسطينية : جرى منح حركة الإخوان المسلمين في غزة تراخيص تشكيل الجمعيات الخيرية وسمح لها بتلقي دولارات النفط للإنفاق على العيادات الطبية والمدارس ومرافق الخدمات الأخرى وبناء الجوامع. تضخمت حركة الإخوان وقويت شوكتها وطاردت عناصر المنظمة في شوارع مدينة غزة وانبرت تتحدى الشخصية البارزة في غزة ، الدكتور حيدر عبد الشافي. قامت بإضرام النار في مبنى جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بغزة لما فشلت كوادرها في انتخابات الجمعية. وأخيرا استهدف شارون كوادر حماس بالاغتيال. كل ذلك وضع حركة حماس في واجهة المقاومة الفلسطينية؛ ولما أجريت بالضفة والقطاع انتخابات " حرة ونزيهة " ، بما لم يسبق له مثيل في منطقة الشرق الأوسط كافة، فازت حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني.
ومن جهة مقابلة أردف الرئيس الأميركي ، بوش، تلك الجهود المظفرة بتصريحات حول انقلاب يجري إعداده للإطاحة بحماس على يد محمد دحلان ؛ وكان بذلك يستفز حماس للقيام بانقلابها وتحقق للتحالف الاستراتيجي الأميركي- الإسرائيلي مراده في تعميق الشرخ داخل الصف الفلسطيني وإظهار الفلسطينيين منقسمين على أنفسهم ، مبررا آخر لحرمانهم من حق تقرير المصير. تعمقت الخلافات بين فتح وحماس واستعصت على الوساطات. الفصيلان الرئيسان في المقاومة الفلسطينية أشبه بقطبين كهربيين متنافرين ،إذ يحملان نفس الشحنات: عفوية وغياب التفكير الاستراتيجي وقصر النظر وأحلام محورها حكم علجز عن حماية الجماهير من تغول الاحتلال. بجهل المراجعة النقدية وعدم الاستعداد للتعامل بندية وتفاهمات متبادلة، دخل الفصيلان قفص الاحتلال ليغدوا رهينتين يسخر احقادهما المتبادلة في خدمة مآربه. حماس منظمة إرهابية ، ونتنياهو يسند حكم حماس ويمرر الأموال اليها ويعزز استمرارها في حكم القطاع. ليس الأمر علاقة تبعية ؛ إنما نظرا لكون شعارات حماس تخدم فرضية "الإرهاب " الفلسطيني. شعارات حماس تفشي "الإرهاب" طبقا للتوصيف الامبريالي- الإسرائيلي.
تربط وايزمن علاقة حميمة بفيتس لما خدم في السفارة الأميركية بتل أبيب. وبعد انتهاء خدمته الديبلوماسية نسق الجهود مع أوكونيل. شاع خبر اتصالات مع صدام حسين، وأعرب رابين عن استعداده للقاء معه في بغداد. لتقصي الخبر سافر فيتس الى إسرائيل للالتقاء بعيزرا وايزمن ، وكان يشغل منصب رئيس الدولة، أثناء تولي رابين رئاسة الحكومة."قال فيتس للرئيس: اعتقد ان إسرائيل يجب ان تعقد صفقة مع صدام حسين.‘ نهض وايزمن من كرسيه وتحرك نحو ديك، الذي خشي من ان يقوم بصفعه. وبدلا من ذلك وضع وايزمن يديه على كتفي ديك ‘انت محق تماما، وهناك العديدون في الحكومة ممن يشعرون بنفس الطريقة’."
يجزم اوكونيل "لو تسنى لرابين البقاء على قيد الحياة، أعتقد ان السلام في الشرق الأوسط كان قد تحقق", يتفق في اعتقاده مع الرئيس الأميركي كلينتون الذي نقل على لسان رابين، أثناء إفطار عمل بعد التوقيع على اتفاق اوسلوأمام البيت الأبيض، استعداده (رابين) إرجاع الضفة للفلسطينيين شريطة اقتران ذلك بتسوية مع سوريا. يورد اوكونيل أيضا مساع حركها رابين للتوصل الى اتفاق مع صدام حسين في العراق.
لكن رابين اغتيل بتواطؤ بين التيار الديني واليمين الليكودي. فقد تردد قاتل رابين على مستوطنة كريات أربع قرب مدينة الخليل ، حيث يقيم الحاخام عراب القاتل غولدشتاين الذي فتح رشاشه على المصلين في الحرم الإيراهيمي.
أنهى الضابط الأميركي مذكراته بخلاصة أجملها في حوار مع أفريم هاليفي، وكان يشغل منصب رئيس الموساد، "اجبت (هاليفي):‘ مكثت مع الملك لمدة أربعين عاما وكل ما كان يرغب القيام به كان صنع السلام مع إسرائيل، فذلك كل ما أراد القيام به حقا، وقد امضى معظم سنوات حياته وهو يحاول . كان بإمكانكم صنع السلام معه بالمعنى الحقيقي ، وفي أي وقت عبر الزمن، ولكنكم لم تفعلوا ذلك أبدا . وانا اعتبركم مسئولين عن ذلك. لقد كان بإمكانكم ان تجنبوا المنطقة الكثير من المتاعب لو انكم فقط كنتم أقل انانية وصنعتم السلام مع الأردن...".

تهيأت الفرصة لإسرائيل طيلة أربعة عقود ونيف تنهب أراض الفلسطينيين وتقمع مقاومتهم وتضطهدهم وفي نفس الوقت تدمغهم "إرهابيين".



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن