(قافية... المعلقات*)وأستدعاء افقية الفكرة من عمودية التقديس

مرتضى محمد
mortada.mohammed85@yahoo.com

2020 / 2 / 14

الدلالات التي تكتض باجوبتها الدالة على أسئلةٍ أخرى، تستقيها من زخم المتوارث والمكانات التي تقود الى كل ما من شأنه ان يرسم الفراغ، والذي يخلقُ من منطقة الولادة مساراً مبهما ً يفضي الى انتزاع الهوية الباحثة عن ايجاد مكان لها بالقرب من تلك الدلالات، كحالةٍ تتيح لها الاستمرارية في الوسطية التي تقف امام المعترك المتخم بابعاد طوليةٍ لا تستسيغُ هذه الوسطية؛ ذلك لانها تبتعد عن (اللتيا) ، ولا تعول على أي مخرجاتٍ تحيلها صوب (التي).
كل هذا محاولة ٌ لتخفيف الزمن المثقل بتراكمات الحالة وخصوصيات المكان؛ ليخف هذا التساؤل المضني والذي في كل حين يجد من خلال دلائله المشبعة ِ بألمه الاول، وهاجسه الأول، ورَوحُهُ الأول، طريقا ً نحو الخلوص الى تشكيل جديد يعطيه خصوصية ً يستشف من خلالها الحفاظ على خيمته الأولى ، المشبعة بصفاته الآنفة ، والباحثة بكل مبهماته وتجلياتها عن مرسومها الرملي الذي به تتداوى كجواب بسيط/مفقود لماهية أسئلتها :

(( ما دلني أحد علي. أنا الدليل, أنا الدليل
إلي بين البحر والصحراء. من لغتي ولدت
على طريق الهند بين قبيلتين صغيرتين عليهما
قمر الديانات القديمة, والسلام المستحيل
وعليهما أن تحفظا فلك الجوار الفارسي
وهاجس الروم الكبير, ليهبط الزمن الثقيل
عن خيمة العربي أكثر.
من أنا؟ هذا
سؤال الآخرين ولا جواب له.

لماذا الــ ( أنا ) تصدحُ في بداية النجوى تجاه المعترك الفلسفي الوجودي الباحث عن أبجديات الحالة التي أفضت الى تجلي النص، والمفضية الى تألّه المقدس من النص، وابتعادهُ -بالضرورة المؤسساتية- من روح الفكرة في تجليات الموحى الأول من القصةِ، والتي ترومُ اشتقاقات الـ (أقرأ) في خطواتها المدماةِ جرّاء هالة الدوائر المرسومة ِ بشدةٍ كأسلاك حول حدائق اللغة . ( أنا ) هل تُشكل بتعابيرها الأُخرياتِ كــ " درس الكلمة مفردة ً لفهم بناءها العام في العربية ، ودرسها في الجملة ِ لفهم دلالتها على معنىٍ من المعاني " 1 ، هنا تتشكل الأطر الفلسفية التي تنظر الى النص ِ من زوايا عدة ٍ، افرزتها ( أنّـــاهُ ) المتعددة أيضا ً معطية ً الحق في تعزيز مردود الفهم للتعامل مع النص من خلال خلخلة الطبقات (الكونكريتيه) التي تعززت بمرور الزمن من خلال التعاطي المقدس/العمودي مع النص، حيث يتيح بهذه الـــ ( أنا ) التنفس من أجل ان يستسقي أجوبته ،حيث أن الاجوبة/أجوبته التي أقتضتها تلك الفلسفة، والتي هي " مدعوة، دوما ً بمقتضى نوع التفكير الذي تحترفه ُ ... ألى أن تتدخل من خلال نوع مخصوص من الأسئلة المفتوحة في النقاش المعاصر لها حول أي قضية كبرى تهم سياسة الحقيقة .."2 هذه الدعوة تأتت من خلال أبراز معضلتها الفلسفية والتي استلمنا قوالبها الجاهزة من أوربا/بعد التنوير؛ لنخلق بذلك معضلة أخرى بلباس حداثويٍ، ربما لا يركن الى الهم اللغوي وأرثه الكبيرعربيا ً بقدر ما يُبرز تطورا ً آخر حول كيفية التعامل لكيفية التعاطي مع النص على ضوء الخلفية التأريخية التي تناولت النصوص المقدسة السابقة:

(( ، أنا لغتي
وأنا معلقة... معلقتان... عشر, هذه لغتي:
أنا لغتي. أنا ما قالت الكلمات
كن
جسدي, فكنت لنبرها جسداً. أنا ما
قلت للكلمات: كوني ملتقي جسدي مع
الأبدية الصحراء. كوني كي أكون كما أقول!
لا أرض فوق الأرض تحملني, فيحملني كلامي
طائراً متفرعاً مني, ويبني عش رحلته أمامي
في حطامي, في حطام العالم السحري من حولي,
على ريح وقفت. وطال بي ليلي الطويل
... هذه لغتي قلائد من نجوم حول أعناق
الأحبة: هاجروا
أخذوا المكان وهاجروا
أخذوا الزمان وهاجروا
أخذوا روائحهم عن الفخار
والكلأ الشحيح, وهاجروا
أخذوا الكلام وهاجر القلب القتيل
معهم. أيتسع الصدى, هذا الصدى,
هذا السراب الأبيض الصوتي لاسم تملأ
المجهول بحته, ويملأه الرحيل ألوهة؟ ))

" تتموضع السلطة في مقابل المعرفة ... هذا التحكم يتخذ صيغا ً وآليات ومسارات غاية في التعقيد والتخفي، فأن الذات، غالبا ً ما ، تجد نفسها واقعة في قبضة سلطة معينه، أو خاضعة للقواعد التي وضعتها السلطة من أجل ... ديمومتها "3 ، من هنا يُصار لزاما ً أن تتشكل قراءات مفضية الى النص من خلال زعزعته تجاه (المجمل) الذي بدوره يسمح بسحب النص/التقديس الى مساحة مكشوفة يتعاطاها النسغ الانساني بهمومه ومشاريعه وتطلعاته، وذلك من خلال معطاه الفهمي الذي يقود الى ترسيخ أدبية النص من أجل عمل المقارنات التي تميز ما بين الأسطر لـــــ " أعادة أختراع،وأعادة تشكيل، وأعادة توجيه النموذج "4 .
يذهب( أدونيس ) في الثابت والمتحول للتعاطي مع التجربة التي ابتدعها أبو نؤاس كثيمةٍ اتخذت من (الابداع والحداثة في الشعر) تسميتها ،وعنونتها، الى " أن ابو نؤاس لا يرث، بل يؤسس، ولا يكمّلُ ،بل يبني"5 معطيا ً بتلك العبارة التهيؤ الى مفادات تقتضي النظر الى الحياة بما يشبه (ارحام الفكر/القيم الروحية) 6، حيث ان هذا التلخيص مطلوب بشدة في الوقت الحالي للتخلص من العقل الجمعي في القراءة، وأيضا ً لأبعاد التفسيرات التي حالت دون القراءة بصورتها الدلالية الاولى؛ كطلبٍ يبيح الاستقراء لمعالم الموجود، ويبتعد بصفات القراءة من التأريخية التي ألتقت بظلال الماضي، المتوقف في لحظته البدائية، وبالتالي التضييق على القارىء/المتجدد/المتمرد ،في تطلعاته الساعية الى الجديد من الحياة ومحاولاتها الكبيرة، والكثيرة تجاه الأنسنةِ بكل معطاها الذي يتجلى امامها كهدف وخلود. مُلحِقا َ تلك الصفات والتجليات بمنطوق حججها القاضية على اي محاولة لتطبيع عمودية النص/المقدس مع مراحل الحياة من خلال أحتياجات اللغة الى ان تُوّلد نفسها من خلال أشتقاقها الذي تتصل فيه الفكرة/الافقية من خلال سياقات النصوص الشعرية والتي هي أحد المحاولات التي تريد وبجديةٍ، وبكل ما أوتيت من بوح ذاتي/(روحٌ وريحان)7 ألى عملية أسقاطات الحداثة على الماضي الذي يحتمل التجديد من خلال أهم عوامل المرونة التي يحويها متمثلة ً بــــ : اللغة ؛ وذلك من خلال جعلها تتعاطى مع نصوصها خارج الأطر المألوفة محاولة ً تجريد العمودي/التقديس من كل معضلاته خالقة ً نوعية قراءة/(كتابيا ً) ، تستجلي صدأ التسلط المؤسساتي، وبالتالي خلق فضاء حالي، يؤول الى استجلاء المفاهيم الماضية ، والتي بدلا ً من أن تُطرح كفكرة ٍ قابلة ٍ للدحض ِ ، اصبحت مرجعا ً لا يأتيه الشك لا من أمامه ولا من جوانبه. متحولين من الاجابة من ( نحن لم نقرأ)8 ألى نحن سوف نعيد قراءة (القراءة) من خلال فضفضة ِ الأحاجي بأفقية المعطيات:

(( تضع السماء علي نافذة فأنظر: لا
أرى أحداً سواي...
وجدت نفسي عند خارجها
كما كانت معي, ورؤاي
لا تنأى عن الصحراء,
من ريحٍ ومن رمل خطاي
وعالمي جسدي وما ملكت يداي
أنا المسافر والسبيل
يطل آلهة على ويذهبون, ولا نطيل
حديثنا عما سيأتي. لا غد في
هذه الصحراء إلا ما رأينا أمس،
فلأرفع معلقتي لينكسر الزمان الدائري
ويولد الوقت الجميل!
ما أكثر الماضي يجيء غداً
تركت لنفسها نفسي التي امتلأت بحاضرها
وأفرغني الرحيل
من المعابد. للسماء شعوبها وحروبها
أما أنا، فلي الغزالة زوجة, ولي النخيل
معلقات في كتاب الرمل. ماضٍ ما أرى
للمرء مملكة الغبار وتاجه. فلتنتصر
لغتي على الدهر العدو، على سُلالاتي،
على, على أبي, وعلى زوال لا يزول
هذه لغتي ومعجزتي. عصا سحري.
حدائق بابلي ومسلتي, وهويتي الأولى,
ومعدني الصقيل
ومقدس العربي في الصحراء,
يعبد ما يسيل
من القوافي كالنجوم على عباءته,
ويعبد ما يقول ))

" آنذاك تعلمت ان البجع حين تموت لا تغني ... وأن الصيف الحار لافح يحرق السماء والقمح. أن الأرض تود لو تستفيق من سبات... كما لم تتخذ مؤونتها للشتاء ."9 ، ثم أنه هناك في بعدٍ آخر ، " القائل : آياتٌ محكماتٌ ، مطرٌ ونباتٌ، ... ،ضوء وظلام... مالي أرى الناس يموتون ولا يرجعون ، أرضوا فأقاموا ، أم حبسوأ فناموا ."10 .
أليس في هاتيك الدلائل النثرية/الشعرية/المتجددة/المتولدة من الاوائل ، جسورا ً لمد الروح تجاه معراجها، وحنينها الى التجلي بصورته البسيطة التي تستبطنُ الــ ( لا بد ) من أجل انتصار رسل المحبة بأنسنتها التي تصار ُ كنسمة تطفىء الجحيم ومفازات الوعيد، وعليه :
(( لا بد من نثر ٍ إذا,
لا بد من نثرٍ أذن لينتصر الرسول.))
---------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
* قصيدة قافية من أجل المعلقات لمحمود درويش، من ديوانه: ( لماذا تركت الحصان وحيدا)
المصادر :
1) أدونيس / الشعرية العربية / دار الآداب/ بيروت/ الطبعة الأولى/ 1985م .
2) فتحي المسكيني/ الفلسفة والقرآن/ دراسات/ مجلة الباب/ مؤمنون بلا حدود/ العدد 12/ 2018م .
3) سعد محمد رحيم/ أنطقة المحرم :المثقف وشبكة علاقات السلطة/ دار ميزوبوتاميا/ بغداد/ الطبعة الأولى/ 2013م .
4) فتحي المسكيني/مجلة الباب/العدد 12/ 2018م .
5) أدونيس/ الثابت والمتحول: بحث في الابداع والاتباع عند العرب/ دار الساقي/بيروت/ ج2: تأصيل الأصول/ الطبعة الثامنة/ 2002م .
6) دكتور محمد جواد رضا/ العرب والتربية والحضارة: الاختيار الصعب/ منشورات ذات السلاسل/ الكويت/ الطبعة الثالثة/ 1987م.
7) سورة الواقعة: الآية 88 .
8) يوسف الصديق/ هل قرأنا القرآن أم على قلوب اقفالها/ دار تنوير/ بيروت/ الطبعة الأولى/ 2013م .
9) بابلو نيرودا/ مذكرات بابلو نيرودا : أشهد بأنني قد عشت/ ترجمة وشرح الدكتور محمود صبيح/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت/ الطبعة الثانية/ 1978م .
10) الجاحظ (ابو عثمان عمرو بن بحر)/ البيان والتبيين/ تحقيق إبراهيم شمس الدين/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت/ المجلد الأول/ 2003م.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن