العراق والتواجد الاجنبي بين الفرص والتحديات والاجراءات المطلوبة

عمار جبار الكعبي
Amargabir@gmail.com

2020 / 2 / 13

كان ولا يزال حلم تحقيق السيادة يراود جميع الحكومات وشعوبها، لتضعه على رأس سلم اولوياتها وهدفاً لا تحيد عنه ولو ظاهرياً، وما دمنا في عالم متعولم والحديث عن السيادة المطلقة امرٌ واه وغير ممكن، فأن السيادة النسبية هي الهدف الواقعي، لتحقيق اكبر قدر ممكن من السيادة في القرارات والمواقف التي تتخذها الدولة، لا سيما ما يرتبط بوجود قوات اجنبية على اراضيها .
العراق بصفته دولة مستقلة تعمل على تحقيق اكبر قدر ممكن من السيادة عن طريق اخراج كل القوات الاجنبية من اراضيه، والتي دخلت اراضيه بعد اسقاط الدكتاتورية في 2003، فقد قامت بالخروج وفقاً للاتفاقية الامنية التي تم توقيعها مع الولايات المتحدة الامريكية نهاية عام 2011، ليقوم العراق في عام 2014 بطلب مساعدة القوات الامريكية خاصة والتحالف الدولي بشكل عام بعد سقوط ثلث الاراضي العراقية بيد عصابات داعش .
ان مرحلة ما بعد تحرير الاراضي العراقية من سيطرة عصابات داعش كانت ولا تزال من اخطر المراحل التي تمر على العراق شعباً وحكومة، وهو ما اشارت له المرجعية الدينية سواء في خطبة النصر او ما تلاها من خطب تناولت الشأن السياسي والاجتماعي العراقي، لما لهذه المرحلة الزمنية من ارهاصات ترافق ايجاد ثابت وطني للجميع واولويات سياسية واجتماعية يعمل على تحقيقها جميع ممثلي المكونات العراقية، وفي مقدمة هذه الاولويات هي اخراج القوات الاجنبية من العراق .

دواعي اخراج القوات الاجنبية من العراق
هنالك مجموعة من الاسباب والدواعي التي تجعل الحكومة العراقية تنهي الوجود الاجنبي في العراق، ويقع في مقدمة هذه الاسباب ما يلي :
1- تحقيق السيادة بحد ذاته هو سبب اساسي ومهم لاخراج جميع القوات الاجنبية من العراق .
2- انتهاء الحرب على داعش وعودة الحياة الطبيعية أمنياً الى العراق مما ينفي الحاجة العراقية لوجود اي قوات اجنبية داخل الاراضي العراقية .
3- ابعاد العراق عن ساحة الصراع الدولي والاقليمي خصوصاً في منطقة الشرق الاوسط كون وجود هذه القوات وبهذه الاعداد الكبيرة احد اهم اسباب جعل العراق ساحة للصراع .
4- وجود العديد من الجهات السياسية العراقية الرافضة لهذا الوجود، وخصوصاً الجهات التي لديها أجنحة مسلحة والتي تقوم بتوجيه ضربات الى المعسكرات الامريكية في العراق وما يتبع هذه الهجمات من ردود امريكية لحماية قواعدها ومعسكراتها، الامر الذي سيسبب صدامات عسكرية كبيرة ومكلفة العراق في غنى عنها .
5- قيام الجانب الامريكي بعمليات عسكرية وادخال قوات قتالية وطلعات جوية والعديد من الخطوات العسكرية من دون أذن الحكومة العراقية وهو خرق واضح للسيادة العراقية والاتفاقات بين الجانبين، يدعو العراق لانهاء هذا الوجود العسكري .


ان انهاء وجود القوات الاجنبية بشكل عام والامريكية بشكل خاص باعتباره أمر غاية بالاهمية وحدث تأريخي سيكون له تبعات خطيرة على الوضع العراقي بشكل عام، وهو ما يتطلب اتخاذ جملة من الخطوات والاجراءات التي تساهم بأنسيابية اخراج هذه القوات بصورة قانونية ودون توترات داخلية او خارجية، يقع في مقدمة هذه الاجراءات والخطوات ما يلي :
1- العمل على أيجاد موقف وطني موحد باتجاه اخراج هذه القوات من العراق وليس موقف مكوناتي، لان الموقف المكوناتي له مخاطر كبيرة أهمها :
• انتقال القوات الامريكية والاجنبية من المعسكرات الموجودة في المناطق الشيعية الى المناطق الكوردية والسنية لنكون امام تحدي أكبر كون بعض المكونات العراقية ليس لديها مشكلة مع هذه القوات على الاقل في الوقت الحالي .
• تشتت الموقف الوطني الذي يحبو ولا يزال في حالة تبلور وصيرورة مما يجعل اخراج هذه القوات أمر يدعو للفرقة لا التوحيد .
• تقديم ضمانات سياسية وأمنية لجميع المكونات العراقية لضمان تطمينها اتجاه الصراع الاقليمي والدولي في المنطقة .
2- أعتماد الطرق القانونية والدبلوماسية لاخراج القوات الامريكية، وعدم اللجوء الى الطرق العنفية وذلك لعدة اسباب أهمها :
• ان القوات الامريكية موجودة في العراق وفقاً لمعاهدة امنية تم توقيعها بين الجانبين، وهذه المعاهدة هي من حددت ورسمت أليات اخراج هذه القوات بصورة قانونية، وعدم الالتزام بهذه الاليات سيجعل من العراق غير ملتزم بالمعاهدات التي يوقعها مما يرتب مواقف ليست في صالحه لا سياسياً ولا قانونياً ولا أمنياً .
• ان اخراج القوات الامريكية بطرق عنفية يعني استعداء القوى الدولية الاعظم في النظام الدولي وهو أمر نحن في غنى عنه أمنيا وسياسيا، والاهم اقتصادياً لا سيما قدرة الولايات المتحدة الامريكية من فرض عقوبات اقتصادية على العراق قد تساهم بأنهياره اقتصادياً بشكل غير مسبوق، لا سيما وان تجربة العقوبات الدولية في تسعينيات القرن الماضي ومرارتها لا تزال عالقة في الذاكرة .
• ان قوات التحالف الدولي حينما طلب العراق مساعدتها في الحرب على داعش قامت بحملات أعلامية كبيرة داخل دولها لضمان الحصول على التأييد والموافقة على ارسال هذه القوات الى العراق وبالتالي أقامت حملات أعلامية كبيرة جداً لدعم النظام السياسي العراقي ومعاركه ضد الارهاب كي يكونوا جزءاً من هذه العمليات الانسانية أولاً والامنية ثانياً، وان أخراج هذه القوات بطرق عنفية وغير قانونية يعني استعداء جميع هذه الدول وتحويل جميع الحملات الاعلامية الداعمة بالضد من العراق ونظامه السياسي وما لهذه الحملات الاعلامية من تأثير سلبي على صورة العراق عالمياً .
3- العمل بشكل كبير ومكثف على تهيئة الاجهزة الامنية والقوات العسكرية العراقية ودعمها بشكل كبير لتستطيع ان تملئ فراغ القوات الاجنبية بعد انسحابها، وهذا يتطلب ان لا يتم اخراج القوات الاجنبية بشكل مفاجئ ودفعة واحدة حتى يتم استكمال كافة تحضيرات تجهيز وتدريب وتمكين القوات العسكرية العراقية .
4- حصر السلاح بيد الدولة وانهاء كل الوجودات العسكرية غير الرسمية ودعم مدنية الدولة العراقية، لكسب الثقة الشعبية بهذه الدولة لضمان مساندتها وتأييد خطواتها في صيانة السيادة والقرار الوطني العراقي، لان وجود المليشيات والجهات العسكرية غير القانونية يثير حالة من الرعب في نفوس الناس ويساهد بأيجاد فجوة كبيرة بينها وبين النظام السياسي من جهة، وحالة من اللا موثوقية بكيان الدولة بمجمله من جانب أخر، كون وجود هذه الجهات المسلحة وغيابه هو الفيصل بين الدولة واللا دولة بشكل لا يقبل الشك او التأويل، لان أهم معايير تكوين الدولة هو وجود سلطة سياسية تحتكر استخدام العنف المنظم والمقنن واستخدام السلاح ولا ينافسها في ذلك أي سلطة أخرى مهما كان شكلها او مسماها .

ان اخراج القوات الاجنبية من العراق بما يحقق سيادته وصيانة قراره الوطني، يتجاذبه منهجان :
الاول : المنهج العنفي المنطلق من قواعد الفكر غير الدولتي، والذي يتمظهر بوسائل الصدام والاشتباك التقليدي ولا يؤمن بسلوك بُناة الدولة وانما يؤمن بلغة القوة والعنف والقتال بغض النظر عن امكانية تحقيق الهدف المنشود من عدمه !
الثاني : المنهج القانوني الدبلوماسي وهو المنهج الذي يؤمن بطروحات بناء الدولة ولا يتبعه سوى رجال الدولة الذين يؤمنون بضرورة الاحتكام الى القانون والدبلوماسية في اخذ الحقوق بعيداً عن اللغة العنفية والصدامات، ومحاولة ابعاد البلد عن أي صدامات او محاور او سلوكيات تضره امنياً او عسكرياً او سياسيا او اقتصاديا .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن