حرية الفرد والتنظيم الاجتماعي

محمود سعدون
ma.icp97@gmail.com

2020 / 2 / 3

" ويبتسم اراذل العبيد ابتسام سخرية من كلمة الحرية هذه " (1)

ان المشكلة الاساسية التي سأحاول التكلم عنها هي كيفية ايجاد الصلة بين حرية الفرد والتي هي احدى مستلزمات التقدم وبين التنظيم الاجتماعي .
فالتنظيم الاجتماعي لا يكون تنظيما مثمرا الا اذا رافقته حرية فردية والحرية الفردية شيء والدعوة للقضاء على التنظيم السياسي شيء اخر كما ان الايمان بضرورة التنظيم للقضاء على الفوضى شيء اخر كذلك .
فالحرية وان كانت كلمة واحدة , الا انها ذات معان عديدة ولا تختلف عند الافراد في المجتمع الواحد فحسب بل وعند الفرد نفسه في اوقات مختلفة . ولعل الاختلاف في تفسير معنى الحرية هو الذي اعطاها هذا الحب السحري عند الكثير من الافراد والجماعات. فما هي الحرية اذن ؟ لماذا يرغب الناس فيها ؟ هل ان الانسان يرث الميل للحرية كما يرث صفاته الفيزيولوجية والبيولوجية ؟ هل ان الحرية غاية في حد ذاتها ؟ ام انها وسيلة لتحقيق غايات اخرى خارجة عنها ؟ هل يصاحب الحرية شعور بالمسؤولية ؟ ام ان الحرية ان يعمل المرء ما يشاء ؟ هل تعني الحرية التحرر من جميع القيود ؟ ام انها تقتصر على التغلب على بعض القيود تحت ظروف سياسية واقتصادية معينة ؟ اذا كانت الحرية تعني التحرر من بعض القيود فهل يزول الميل الى الحرية عند زوال تلك القيود ؟
الحق ان تلمس الاجابة المقنعة على هذه الاسئلة ليس سهلا . وان الفرد , لكي يحاول ان يجيب عليها اجابة مثمرة ينبغي له ان يلم بعلم النفس, فيما يتعلق بمعرفة الطبيعة البشرية , وفي علم الاجتماع فيما يتعلق بمعرفة القوى الاجتماعية التي يخضع الفرد لها فتتعدل طبيعته وسلوكه. انني شخصيا اميل الى الاعتقاد , وربما كنت غير محق , بان للحرية شيء مكتسب لا علاقة له بالوراثة , بمعناها البيولوجي . اي ان المرء يكتسب الحرية اكتسابا من البيئة الاجتماعية التي يشاركها حياتها وان الحرية بنظري وسيلة لا غاية بحد ذاتها . اي ان الانسان عن طريق تمتعه بالحرية , يسعى لتحقيق غايات خارجة عنها . ثم ان الحرية ينبغي ان يصاحبها شعور بالمسؤولية والا انقلبت الى فوضى وفقدت اهميتها من الناحيتين الاجتماعية والفردية . واذا سلمنا بان الحرية شيء مكتسب , يتلقفه المرء من بيئته الاجتماعية كما يتلقف عاداته وعقائده في الدين والاجتماع . جاز لنا القول بان تحقيقها لا يتم الا عن طريق التنظيم الاجتماعي والتشريع السياسي . وهذا يعني ان المرء يكتسب حريته بواسطة تدخل الحكومة في تبيان ما له من حقوق وما عليه من واجبات . غير ان تدخل الكومة في تعيين حقوق الافراد وواجباتهم , كثيرا ما يتم بشكل يحدد حريات الافراد ويقلصها ان لم يقض عليها . وهذا الشيء ينطبق ايضا على الاحزاب السياسية التي تتبنى الديمقراطية بين اعضائها , فلا يحق للعضو ان يخرج عن الاطر التنظيمية التي يحددها النظام الداخلي او يحاول التشهير بما هو غير مباح به , ومن حقه ان يمارس الديمقراطية كاملة داخل التنظيم الواحد . لا يعني هذا الشيء حكرا على الاحزاب فقط فيشمل هذا الامر منظمات المجتمع المدني ... ان مكونات موضوعنا ( حرية الفرد والتنظيم الاجتماعي ) انما هي مكونات جدلية فاحدها يرتكز على الاخر ولا يمكن الفصل بينهما ابدا اذا شاء لنا ان نكون مجتمعات متطورة .
وهنا يصادفنا سؤال مهم هو كيف تتدخل الحكومة تدخلا معقولا في هذا الصدد فلا تترك الحبل على الغارب للأفراد يعملون ما يشاؤون تحت ستار الحرية ؟ وفي الوقت نفسه لا تضغط على الحرية فتصادرها تحت ستار التنظيم الاجتماعي والقضاء على الفوضى ؟ هذه مشكلة اجتماعية عويصة تواجهها , بدرجة مختلفة , جميع الدول المعاصرة وقد اعيا حلها كثير من الساسة والمشرعين وقد تكون الاجابة على ان نعي ان افراد المجتمع معتمدين على بعضهم البعض اعتمادا كبيرا. وكلما ارتقى المجتمع سلم التطور ازدادت درجة ذلك الاعتماد واصبحت اعمال الفرد وآراؤه ذات اثر كبير على غيره من الافراد فحرية الفرد في القول والعمل متعلقة بحرية غيره اشد التعلق . واذا وقفت وقتيا , حرية فرد معين في محل ما تحت ظروف معينة فان ذلك يعني بدء تحرك حرية الفرد الاخر او افراد اخرين وهكذا . وعلى هذا الاساس لا ينبغي البحث عن حرية فرد من الافراد او جماعة من الجماعات البشرية دون النظر الى حرية الافراد الاخرين والجماعات التي تشارك ذلك الفرد او تلك الجماعة حياتها . ولما كانت مصالح الناس متشابكة , تتزاحم بالمناكب وتتدافع بالراح , لا بد للحومة من ان تقوم بقسطها في التنظيم توزيع علاقات الافراد تجنبا لاصطدام بعض المصالح , ولا بد للأفراد كي يحافظوا على حرياتهم ان يخضعوا للحكومة في هذا المضمار . والافراد بخضوعهم للحكومة يحصلون على قسط من الحرية اكبر مما قد يصيبهم في حال نفض الحكومة يدها من الاشتراك في عملية التوزيع . ولكن افراد الحكومة من الجهة الثانية قد لا يترددون في اساءة استعمال سلطتهم فيقتلون الحرية تحت ستار الدفاع عنها , اي ان افراد الحكومة قد يصل غرامهم بالسلطة التي يمارسونها حدا يحبب لهم استعمال تلك السلطة للقضاء على اي حركة مهما كان الدافع لها ومهما كانت غاياتها .
لقد حاولت على القدر الذي سمحت به امكانياتي العلمية ان اكون تناغما مع حرية الفرد في مجتمع معين والتنظيم الاجتماعي في نفس المجتمع . وقد تكون أرائي تخلو من بعض الدقة الا اني حاوت جاهدا التقريب بين هذين المصطلحين في وحدة واحدة .
ختاما :هذه محاولة بسيطة لتقريب هذين المفهومين بعض الشيء وعلى ان لا تضيع البوصلة فيختلط الحابل بالنابل وتضيع الوجهة علينا من معرفة واسعة ودقيقة لتشمل جميع النواحي وفي الوقت نفسة انها مقاربة بسيطة يمكن ان تكون عنوان بحث اوسع خصيصا في مجتمعات غابت عنها الديمقراطية سنوات طويلة.

________________________________
1- جان جاك روسو ( العقد الاجتماعي )



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن