أضواء على الديانة المصرية القديمة

سامح عسكر
ascooor@gmail.com

2020 / 1 / 12

في نقاش قديم بين وبين زميل دار الحوار في الدين المصري القديم، وهل كان المصريون القدماء بالفعل وثنيين أم موحدين؟..وهل ما نظن أنه وثنية هو وثنية بالفعل أم أننا نفهم أديانهم خطأ؟

كان سبب هذا النقاش هو محاولة فهم عقائد الهندوس، هل يقولون بتوحيد براهما أم بالتعددية؟..هل الثالوث.."شيفا وفيشنو وبراهما"..هو تجلٍ للثالوث المسيحي أم شئ مختلف؟..قلت لو كان الهنود يؤمنون بالوحدانية فلا ينبغي لهم أن يسلموا بالثالوث، فمجرد وضع براهما ضمن آلهة أخرى يعني أنه ليس واحد بل هو تجلٍ لمعانٍ معينة أو هو مُكمّل للباقي ، ومن هنا جاءت فكرة الإله الناقص وهي فكرة أزعم أنها كانت أسلوب القدماء في صياغة معتقداتهم.

بمعنى أن براهمان هو إله واحد بالفعل لكن لا ينبغي له التحكم في الصغائر وتسيير شئون الناس، هنا يقول حكماء الهند أن الله السامي المتعالي (براهمان) خلق الكون والأشياء ثم ترك لمساعديه شئون التصرف ومهام بوظائف محددة (فكرة الملائكة عند الأديان الإبراهيمية) فإله الخير مختلف في الطبيعة والشكل عن إله الشر ..لكن لا ينبغي كراهية إله الشر بل التقرب إليه وخطب وده للعفو والصفح، مثال كما في تقرب الهندوس للإله.."شيفا"..كما سنوضح في شرح الدين الهندوسي أن شيفا المدمر له معانٍ في الخير باختلاف مقصود التدمير ووجهته..

بالمناسبة: ما وضعته بين قوسين ربما يؤكد أن الملائكة هي تطور للآلهة المساعدين في ديانات الشرق الأدنى والأقصى، ومنهم بالطبع ديانات مصر والهند، فالملك الموكل بكتابة الأعمال أو بالموت هو تطور لآلهة قديمة، وربما هذا كان فهم القدماء للملائكة الذين لم يصلوا بعد لتصور دقيق لهم.

كذلك محاولة فهم تصور.."الإله المنفصل"..تقربنا كثيرا من فهم عقائد الهندوس والمصريين القدماء، وفي هذا البحث أركز فقط على ديانة المصريين وأكتفي بمقدمة قياسية عن الهندوس لتقريب الفكرة، ومن يشأ فليعود إلى دراستي السابقة لشرح العقيدة الهندية.

والسؤال المطروح الآن: كيف آمن المصريون بآلهة متعددة وفي نفس الوقت يقولون أن رع هو الخالق، ثم يقول إخناتون أن آتون هو الخالق؟..الإجابة تعني بالضرورة قياس ذلك على عقائد الهند..فالإله المنفصل المتسامي والمتعالي لا يجوز له التصرف في شئون خلقه الصغيرة، يعني لا ينبغي للإله أن يهتم بسلوك الإنسان داخل الحمّام مثلا أو أثناء الجماع أو الطعام والشراب، هذا احتقار له في الحقيقة..مما يعني أن القدماء رأوا آلهتهم متعالين في القيمة والمكان واستبدلوا هذه الصغائر بآلهة موكلين من الخالق بتصريف شئون الناس، والمطلع على خلاف المذاهب العقائدية الإسلامية بين المشبهة والمتأولين يجد أن مساحة خلافية كبيرة بينهم في هذا الجانب خاصة بمكان الله وتجزيئه، وبالتالي فما شغل بال المسلمين في باب الصفات الخبرية في القرآن كان يشغل المصريين والهنود قبلهم بشكل بدائي.

ومصدر البدائية القديمة في أن الأوائل تصوروا دينهم بالقلب لا بالعقل، وهذا يتضح في إهمال المصريين القدماء للمخ في عملية التحنيط، بحيث ينزعوه من الرأس وكافة الأعضاء الأخرى سوى القلب، وفي محكمة الموتى نجد مصير الإنسان في قاعة أوزوريس مرتبط بميزان قلبه أمام ريشة ماعت، التي هي تعبير المصريين عن قيم الحق والعدل والصدق، مما يفسر ظهور الفلسفة بعصور متأخرة لاحقا عند اليونان..أن الفترة التي ظهرت فيها فلسفة الإغريق امتدت من القرن 10 ق.م وهو الزمن الثوري الانقلابي الذي أحدث تغيراً هائلا في تاريخ البشرية حين ظهرت ديانات اليهود والصين والزرادشتية ثم المسيحية والإسلام بعد ذلك، وكل هذه الديانات بها لمحات عقلية نسبية مختلفة عن طبيعة الدين البدائي الأول.

لذلك عندما أفهم الدين المصري القديم لا يمكن برأيي مقارنته عبر تصورات دينية ما بعد اليهودية أو وفقا للمنظور الحداثي الذي نعيشه، بل مقارنته بالهندوسية لوصفها أقدم الديانات المعاصرة لعبادة آمون ورع، وفي تقديري أن الفترة التي عاصرت فيها اليهودية للدين المصري القديم لا تصلح لفهم عقائد المصريين القدماء من ناحية تكوين اليهودية بشكل عقلي ثائر على التعددية ومتأثرة بالحقبة الهلنستية بشدة التي جمعت بين العقل اليوناني والميول الروحانية للشرق، وهذا مختلف بشكل جذري عن تصور المصريين لدينهم الذي لم يكن فيه العقل سوى عضو طفيلي بالرأس لا قيمة له يُنزع ويرمى بعد التحنيط.

كذلك فالإله المنفصل الذي رآه المصريون القدماء لا يكمن انفصاله فقط في القيمة بل في القدرة والفصل بين المواد في ذهن الإنسان لا يستدعي وجود قوى غيبية بينهم، يعني يمكن للآلهة أن تتصارع مع بعضها لنيل رضا الخالق أو يثوروا على الخالق نفسه وفقا للفصل المفترض، والسبب إيمانهم بفكرة أخرى وهي (الإله الناقص) بمعنى أن لوازم العدل تعني صراع الآلهة لمصالح البشر، وهي الغاية الدنيوية الكبرى من التدين، فلو لم يؤمن البشر بأن العدل هو اللازم الأكبر وهو الضرورة القصوى وهو القيمة الفوق إلهية ما جاز لهم القول بصراع الآلهة، وهذه الفكرة مترسخة في عقائد الهندوس الذين يرون أساطير الآلهة الهندية عبارة عن أحداث إنسانية لصالحهم.

لكن ثمة صراع أو ثورة على هذا المعتقد وهو (الإله الناقص أو المنفصل) كثورة إخناتون مثلا التي قيل أنها أول دعوة للتوحيد، فالرجل لم يثور على آمون في الحقيقة بل على النقص والانفصال الآموني، بدليل أنه لم يَثُر على الشكل المعتاد لآمون أو قدرته بل أسقط هذا الشكل وتلك القدرة في إلهه الجديد.."آتون"..وهو ما سنبينه في السطور اللاحقة بشئ من التفصيل، بمعنى أن إخناتون استبدل آمون بآمون آخر لكن أعطى له إسم رمزي وهو.."آتون".

لكن ولأن هذا التوحيد –الإخناتوني- لم يحل معضلة تدخل الرب في شئون الناس وإجبارهم أو اهتمامه بالصغائر مما يؤدي لشيوع الظلم والفوضى ظهر حل بديل وهو القول.."بوحدة الوجود"..وتعني أن الذات الإلهية كامنة في كل شئ حتى في الجمادات انطلاقا من فكرة تقول أن .."الرب هو كل الوجود"..وعليه فباعتبار أن الذات الإلهية تحل في أرواح البشر فيمكن للإنسان أن يكون نبيا مرسلا من الخالق دون تقلده أي وظيفة أو نفوذ على الناس، وهي الفكرة التي مهدت لقبول دعوة الأنبياء بعد ذلك ، فالرسالة الإلهية عند قدماء المصريين والآسيويين كانت تُعطى حصريا للملوك الذين وصفوا بأبناء الرب، أما الآن فتساوت الرؤوس..

لذلك اعتقادي أن دعوات الأنبياء كانت في أصلها دعاوى اشتراكية بالعدل والتكافل والاحتواء، ليست اشتراكية مالية أو سياسية، بل اجتماعية..والإنسان ميّال لقبول هذه الدعوة منذ القِدم بوصفها أكثر عدالة على الأرض من كافة النُظم، وأكثر أخلاقية لرسوخها في نفس الإنسان عن طريق مبادئ كالتكافل ومساعدة الغير.

أما عقيدة وحدة الوجود فأثرت بعد ذلك في إحياء فكرة تعدد الآلهة رغم أن ظهورها لأول مرة كان لمقاومة التعدد، بمعنى أن وحدة الوجود تقول في الأصل بأن الكون هو (التجلي الإلهي) ليس هو (الذات الإلهية) فالذات منزهة عن الظهور علنا وفي الخفاء، لكن ولأن هذا التجلي له لوازم منطقية - كحديث البشر مثلا باسم الرب - ظهر أن كل إنسان صالح وصاحب كاريزما يكون التجلي في داخله أكبر من التجلي عند الآخرين، ومن هنا ظهر التعدد مرة أخرى في تقديس كل إنسان صالح وصاحب شخصية، ومنهم من وصل بهؤلاء لمرتبة الألوهية المطلقة أو بالنسخ والحلول الكامل مع الله.

والصوفية هم أشهر من قالوا بهذا النسخ والحلول..أي نسخ قدرة الله في روح المتصوف فيمكنه إحداث معجزات بوصفه إله فاعل وليس مجرد روح متجلية، وهذا التطور بالانتقال من فكرة التجلي الروحي إلى القدرة الفاعلة أخذ فترة لا تقل عن ألف عام منذ الثورة الإخناتونية على آمون، وربما يشبه المعتقد المسيحي – الذي صدقه القرآن - بإحياء الموتى وشفاء الأكمه والأبرص ..هذه صفات إلهية وليست مجرد كرامة أو معجزة بشرية، والتصور اللاهوتي للمسيح - من قبل أتباعه ومريديه الآن - يعتمد على أن هذه الأعمال ليست مجرد معجزات تجلت فيها حكمة الرب، بل قدرة إلهية فاعلة أضفت على المسيح قوى خارقة للطبيعة.

أما الإله .."رع"..عند المصريين القدماء فلم يكن إلها للشمس كما هو مشاع، فالكلمة يعني هناك إلها للقمر وإلها للنجوم وللبحر وللهواء وللتراب...وهكذا، رع كان هو الخالق المتعالي والمنفصل عند المصريين..كان هو الله الذي نعرفه بعبدالله وعبدالرحمن ..وهكذا، أما عند المصريين خفرع ومنكاورع ورعمسيس..نفس المعنى، مما يعني أن نسب المصريين أسمائهم للرب ثقافة مصرية خالصة، إنما الفارق بين المصريين المعاصرين والقدماء وبينهم أن القدماء جعلوا له شركاء وآلهة أخرى تساعده، بل كانت له بنات كالبقرتين"حتحورونوت"..والقطة.."سخمت"..كانوا يصورون رع دائما بجسد إنسان ورأس طير وعلى دماغه .."قرص الشمس"..ومن هنا توهم البعض أنه يرمز للشمس، هذا غير صحيح، فالشمس كانت عند جميع القدماء- ليس فقط الفراعنة - كانت مصدرا للحياة والقوة والحماية، كانت أكبر شئ في الوجود مما شاع مقولة أن رع هو الخالق ورمزوا له بالشمس، ليس لأنه إله الشمس..ولكن لأنهم لا يعرفوا أكبر منه.

وفي القصص القرآني واليهودي مدخل لذلك في قصة بحث النبي إبراهيم عن الإله وتنقله بين القمر والشمس والنجوم ثم وصوله للأكبر قال تعالى.." فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون".. [الأنعام : 78] الفارق بين إبراهيم والمصريين أنهم رأوا أفول الشمس فرصة لمعرفة قدرها ومصدرها لحياتهم، أما الأنبياء رأوها صفة نقص..وهنا معنى التوحيد النبوي أن الإله أكبر ومطلق قادر متحكم في عالم ما ورائي، ويمكن القول أن هذه الطريقة البحثية بدأت مع اليهود كأثر مباشر للعقلنة الهلنستية في الشرق الأوسط، بمعنى أن الصينيين ظهروا بأديانهم الحديثة في تلك الفترة – أي في الألفية الأولى ق.م – ولم يبحثوا لاهوتيا في تصور الآلهة بل ظلوا على مصدرهم الهندي كمجرد دافع للسلوك وطريقة اجتماعية وإنسانية لتنظيم الحياه، وهذا هو الفارق الواضح الآن بين أديان الشرق الأسيوي والهند وبين أديان الشرق الأوسط وأوروبا والأمريكتين.

في الحقيقة أن إله الشمس عند المصريين هو.."آتوم"..Atum وكانوا يلقبوه بآتوم رع، ودمج اللفظين يعني قوة شمس الخالق أو نعمة رع على عباده بالشمس، يعني آتوم عند الفراعنة كان هو الشمس بدليل أنه كان أكبر آلهة هليوبوليس التسعة/ عين شمس، وباختلاف اللفظ تبين أن المصري القديم لم يعرف كلمة اسمها شمس إنما عرفها بآتوم، وشمس هذه تعريب لمصادر أخرى غالبا من حضارة بلاد الرافدين، لكن باستقراء تماثيل ونقوش آتوم تبين أن عبادته كرمز للشمس ودفئها وحراراتها ظهر منذ الدولة القديمة، لكن عبادته كخالق ظهرت في الدولة الحديثة ، بينما نلاحظ أن وجود رع – بمفرده- كخالق تدنى في هذا الزمن إلا بدمجه مع آمون فأصبح "أمون رع" الشهير في معبد الكرنك، مما يعني أن أتوم هو تطور رع الواحد في ديانة المصريين القدماء لاحقا، وتفسير هذا التطور عندي بثلاثة احتمالات:

الأول: تطور لغوي بحيث أصبح لفظ آتوم بمعنى رع مع تغير اللسان، وهذا الاحتمال يهمله الباحثين حين يصرون أن لغة المصريين القدماء واحدة لم تتغير وعقائدهم متبلورة وفقا لهذا الثبات منذ ديانة الأشمونين وتاسوع هليوبوليس، لذلك شاعت الخلافات في تصور ميثولوجيا المصريين ، مرة يقولوا أن آمون هو الخالق ومرة يقولوا رع ومرة يقولوا آتوم ومرة يقولوا بتاح، كذلك فهوية المكان مهمة في تصور الإله لأن أراضي المصريين وقتها لم تعرف دولة مركزية مترابطة ذات تواصل جيد، وبالتالي فلكل جماعة معتقد خاص بها كما كان يحدث في أرض العرب بتخصيص آلهة معينة لكل قبيلة.

الثاني: تطور اجتماعي اقتصادي وعوامل بنية تحتية كانت مفقودة في الدولة القديمة وبدأها ملوك الدولة الوسطى، أي أن ملوك المصريين منذ عام 2000 ق.م – هو العام المسجل لبداية لدولة الوسطى – ساهموا في تطوير ديانة المصريين وإضافة وتعديل معتقدات أجدادهم المنقوشة في الجيزة ودهشور – منف القديمة – وربما يُعجب هذا الاحتمال دارسي الماركسية لقولها بتغير الفكر تبعا للمادة، فما فعله أمنمحات وسنوسرت في الحقيقة هو ثورة تنموية مؤثرة في عقائد المصريين.

الثالث: أما هذا الاحتمال فهو سياسي نظرا للصراعات التي حدثت منذ سقوط الأسرة السابعة في الدولة القديمة، ثم غزو الهكسوس منذ الأسرة 13 وأخيرا حروب الدولة الحديثة مع تحتمس ورمسيس والثورة الدينية لإخناتون، كل ذلك أثر في تطور عقائد المصريين بإضافات وتعديلات من قبل الكهنة، لأن الذي كان ينقش على الجدران ويكتب أسماء الملوك والآلهة كانوا رجال الدين في الحقيقة، وهم الذين تطور فكرهم وفقا للأحداث والخط الزمني.

وبالنسبة لإخناتون فالمشاع عنه توحيد الآلهة في قرص الشمس..وهذا غير صحيح، فكيف يحدث ذلك وهم عبدوه أصلا في صورة رع كما يقولون؟..هنا تدرك أن الإله رع القديم لم يرمز للشمس كون الصور المنسوبة لآتون - إله إخناتون- شبيهة بنفس الصور المنسوبة لرع وهم يقدمون له القرابين، إذ كيف يثور إخناتون على آلهة قديمة لها نفس صفات إلهه الجديد؟..فالقرص هو القرص، والشعاع هو الشعاع، والقربان هو القربان، حتى كلام إخناتون المنقوش على المعابد يوحي أن إلهه الجديد.."آتون"..هو الخالق، حيث يقول.."أنت الإله الأحد لا شريك لك، خلقت الأرض بإرادتك، ولما كنت وحيدا في هذا الكون، خلقت الإنسان والحيوان، الصغير والكبير، والمخلوقات التي تدب في الأرض، أو تطير بجناحيها"..انتهى..تأمل كلام الرجل بوصفه آتون بالمتعال المتفرد والأوحد، يقصد.."الله"..بمفهوم المسلمين، وعليه فآتون لم يكن إلها جديدا بل صورة منقحة من رع تنزع عنه صفات الظلم والنقص التي أضافها الكهنة من أثر التقليد.

وهذا يطرح سؤال: ما طبيعة إله إخناتون أصلا؟..وهل صحيح ما قيل أن آتون الشمسي هو الله؟..لو صدق ذلك فالإله رع هو الصورة الأقدم لآتون كما تقدم ، أما إخناتون فكان مجرد (مجدد) فقط بعد ألف عام من عبادة رع..سوى ذلك من معلومات عن آتون فمفقود، لاسيما أن الرسائل التي وجدوها في تل العمارنة باللغة الأكادية تقول أن توحيد إخناتون كان لجذور من الحضارة العراقية..وهذا الذي أثار مخيلة بعض الباحثين للربط بين أنبياء في الدين الإبراهيمي وبين إخناتون لوحدة مصدر اللغة العراقية في تل العمارنة مع لغة إخناتون ، لذا فقد صدرت عدة كتب تبحث في هوية إخناتون وفقا لهذا المنظور هل كان نبيا في الأديان الإبراهيمية أم لا..العديد قالوا أنه إبراهيم نسبه للغة الأكادية، ولأن إبراهيم جذوره من هناك..وفي تقديري أنها اجتهادات ظنية غير مبنية على حقائق وأدلة قطعية، والبحث فيها قد يكون ممتع وشيق لكن الوصول لحقيقة نهائية فيها صعب المنال، ليس فقط لفقدان المعلومة عن إخناتون ولكن فقدان المعلومات الكافية أيضا عن إلهه.

وبناءً عليهم نستخلص أن هناك لَبسا بين آلهة الفراعنة وقع فيه المثقفون، فلم يشرحوا العلاقة بين أكبر الآلهة وخطها الزمني في العبادة، كالعلاقة مثلا بين آمون ورع، وما حقيقة أوزوريس وحورس؟

الجواب في تقديري أنهم لم يفصلوا بين معنى.."الخالق"..و.."إله الموت"..فالمصريين القدماء آمنوا بإله ناقص مستعلي خلق الكون ولا قدرة له على التحكم في عالمه السفلي، لذلك وصل القدماء لأوزوريس (إله الموت والعالم السفلي) وبالبداهة نقول أن ثلاثي الموت.."أوزوريس وإيزيس وحورس"..كانوا آلهة منافسة للإله رع في زمن ما، وكل أحداث ما بعد الموت صوروها على الجدران في حضرة أوزوريس، بينما الدنيا وأحداثها صوروها في حضرة الإله رع وتجلياته اللاحقة في آمون وآتوم وآتون وبتاح وخنوم، لاسيما أن المصريين آمنوا بالإله الناقص المنفصل مما استدعى وجود آلهة متعددين لسد هذا النقص أو الفراغ، وهي سمة لكل حضارات الشرق الأدنى..حتى حضارة اليونان آمنوا بآلهة ناقصة ومنفصلة، ومن ذلك خرجت فكرة الإله المنافس، يعني وارد أن يكون.."آمون"..هو إله منافس للإله رع في فترة زمنية ما حتى ظهر تيارا تقريبيا بين الكهنة فدمج الاثنين معا بصفات قديمة ليكون "أمون رع" وبنفس الطريقة ظهر "رع حور أختي" بتقريب صفات رع مع حورس، أو ما حدث هو تطور طبيعي لرع ظهر في الصعيد ضمن الدولة الحديثة لتنشر عبادته في زمن الرعامسة باسم آمون، وعليه ثار إخناتون بدعوة إصلاحية أعادت صورة رع القديمة ولكن تحت مسمىً جديد وهو.."آتون"..كما تقدم.

ويدعم هذا التصور أن ميثولوجيا المصريين تضع الإله رع وحيدا في أساطير البدء والخلق كأسطورة إيزيس وأوزوريس التي خرجت منها أسطورة "الدورة اليومية" بحرب الإله رع ضد الأفعى "أبو فيس" هنا لا يوجد آمون وآتوم ضمن هذه الأساطير الشهيرة.

وبالمناسبة فتلك الأسطورة لإيزيس تم تصويرها كفيلم سينمائي أمريكي اسمه.."آلهة مصر"..Gods of Egypt من إنتاج عام 2016 ويحكي أسطورة إيزيس وأوزوريس بالحرف دون إخلال بالمعنى العام وإنتاج ضخم جدا بتصوير عالي الجودة، وفيه نقل الصراع بين أوزرويس وست في البداية، ثم صراع قصير بين ست وحورس انتهى بتصفية عين حورس اليمني المشهورة (بعين الحياة) وهي التي صورها المصريون فوق تمثال حورس في المعابد، والأسطورة باختصار تحكي أن الإله الأكبر.."رع"..أنجب أربعة أبناء اثنين منهم ذكور.." أوزرويس وست"..واثنين إناث.."إيزيس ونفتيس"..فتزوج أوزرويس بإيزيس وست بنفتيس، وجميعهم تم تصويرهم بصورتين إلهية وبشرية مزدوجة، وطول الفيلم صراع بين حورس وست ثم هزائم متتالية لحورس نتيجة فقدانه عين الحياة، ثم رفض الإله الأب رع مساعدته بحجة انشغاله بحماية الكون من إله الشر الأفعى.."أبو فيس"..وفي النهاية انتصر حورس وأصبح ملك مصر.

إنما أخطأ الفيلم بتصوير نفتيس بأجنحة واقتصار دور إيزيس في البكاء على زوجها ليلة مقتله، فالأسطورة تقول أن لإيزيس دور لا يقل أهمية عن دور حورس في إحياء زوجها وتسيده عالم مملكة الموتى، كذلك فإيزيس وحدها التي صورها المصريون القدماء بأجنحة أما ست فلم يقتل زوجته ولا أبيه كما حدث في الفيلم ولا أعلم كيف يقع منتجيه في هذا الخطأ؟ كذلك فالأبناء الأربعة هم أولاد.."جب"..إله الأرض و.."نوت"..إلهة السماء، أما رع هنا هو (الخالق) أي الله بمقاييس الدين الإبراهيمي ، فيُحتمَل أن المؤلف تعامل مع رع كأب اعتباري وفقا للفلسفة اللاهوتية المسيحية ونزع أدوار جب ونوت للاختصار، وكذلك تفسير قوة رع الأزلية من الشمس..فالمصري القديم كسائر الشعوب القديمة يبحث عن آلهته وتفسير الكون (حسب الحجم) أي أن الشمس عند الفراعنة لم تكن إله بل تجسد لقوة الرب الخالق الأزلي..وهي قوة مطلقة ماورائية ما زالت معظم الأديان تؤمن بها.

الجميل في الفيلم هو التصوير وأداء الممثلين لنعرف حينها لماذا تسيدت هوليود سينمات العالم، فرغم أن الأسطورة مصرية ولكن أمريكا التي أبدعتها..ودليل أن أعمال الفن المصري فقيرة جدا في التكنولوجيا والثقافة والتسامح الذي يمكن تصوير هذه الأشياء بها، فالثقافة والتسامح هم أساس إبداع تلك الأعمال، كون الممثل المصري لو علم أنه سيمثل دور إله سيرفض بحجة أن تمثيل الصحابة والأنبياء كفر..ما بالك بإله؟..ولو علم أن ما يفعله يُعطي الحجة للآخرين بتصوير معتقده وتناوله كأسطورة سيرفض بدعوى عدم إشعال الفتنة أو نصرة الملحدين..!

ولعل ما يميز الأديان القديمة عموما هي أساطيرها البسيطة والتي تقوم على فكرة الصراع بتصوير مشاعر الغضب والرحمة والحزن والسعادة..إلخ، وكما قدمنا في البداية إيجازا لمقابلة مصرية هندية فالأسطورة الهندية شبيهة لحد كبير بالأسطورة المصرية من حيث البساطة الأدبية وسرعة الأحداث لدرجة نشوء فراغات كبيرة تطعن في صحتها بأزمان لاحقة، وهذه الحقيقة التاريخية التي سردتها في بداية هذا البحث بأن الدين المصري القديم لم يكن عقلانيا وبه فراغات وأسئلة ليس عليها إجابة.

فالقصص الأسطوري هو قصص أدبي يمكن التعامل معه بمعزل عن السياق، أي يُمكن فهم قصة إيزيس وأوزوريس بشكل محدود..لأن هناك نقاط غامضة في القصة يصعب فهمها، كبركة دعاء إيزيس بعودة زوجها حيا وتحقق ذلك، هنا يُطرح السؤال: ما السلطة العليا التي فعلت؟ ولو كانت هذه السلطة هي إيزيس وزوجها فمتى اكتسبوا هذه السلطة؟ هل في الصغر أم في الكبر؟ ولو كانت في الكبر، فما الذي منع من وجودها في الصغر..ولو كانت هناك سلطة عليا فمن هي..ولماذا لم يجتمع إليها المصريون؟ فضلاً عن غموض كيفية جمع أشلاء أوزوريس وكأن إيزيس كانت تحفظ شكل كل قطعة من جسد زوجها ومكان إلقاء.."ست"..لهذه القطع في البحر..علاوة على انتقام حورس لم يشرح كيف تغلب على عمه.."ست".. وقد وصل عمه من القوة بأن يغتصبه.

هنا القصص الأسطوري القديم يهتم أكثر بالصراع والبحث عن النتائج، أما القصص الديني الإبراهيمي يمكن فهمه بسياقه المترابط غالبا، فيمكن التعرف على أبعاد القصة وتكوين رؤية موضوعية واقعية لها وهو معنى أن فكرة الدين هي فكرة واقعية مستمدة من معنى الحياة كاتجاه عقلي أثر في كل الأديان ما بعد الهلنستية، مما يعني أن شروحاتنا للدين المصري القديم يجب فيها أن نقفز 3 آلاف عام إلى الوراء لتصور ذلك بشكل عملي، وبما أن السفر عبر الزمن مستحيل فيمكن الاستعاضة بذلك عن طريق فهم أقرب الأديان زمنيا للفكرة موضوع الدرس.

ومثال بسيط للفرق بين القصص الإبراهيمي والقصص المصري القديم، نجد مثلاً في قصة أصحاب الكهف ، حيث يمكن القول أن أصحاب الكهف هربوا من الملك واختبئوا داخل الكهف لأكثر من 300 عام...أما سؤال القدرة حول كيفية نومهم هذا الزمن الطويل فيعود للمصدر نفسه الذي حكى حادثة النوم وألحقها بما حدث قبل وبعد، أي أنه شرح الأبعاد والخلفيات مما جعل السياق مفهوما أن هؤلاء فتية هربوا من بطش الملك فغلبهم التعب وناموا في الكهف، ولأن قدرة الله مطلقة في الأديان الإبراهيمية فلم يؤثر عامل الزمن على نومهم فماتوا 3 قرون وصحوا على أنهم كانوا نائمين، أما في قصة إيزيس فلم يحكي المصدر الأبعاد المتعلقة بالقصة واكتفى بما روى من أحداث دون التعرض للأبعاد كمصدر قوة إيزيس لتُحيي زوجها وسر القدرة الأسطورية لعين الحياه لحورس، وهذا يعني أنه لو انتزعنا أحداث القصة وألحقناها بقصة أخرى فلن نلحظ الفارق، مما يؤكد أن القصص الأدبي والأسطوري للأديان القديمة يهتم بالأحداث دون بناء مفهومي يجعل القصة أقرب إلى الواقع.

ففي لوحة المجاعة لزوسر رويت حكايات لتشابه ما ورد فيها مع مجاعة النبي يوسف في الدين الإبراهيمي، وللفراغ الكبير فيها تم تأويلها على أنها ليوسف فعلا وقال بعض الباحثين أن الوزير "إيمحوتب" هو يوسف، والوزير إيمحوتب الذي عاش في الأسرة الثالثة حوالي القرن 27 ق.م هو المهندس والحكيم والطبيب الذي اعتمد عليه (الفرعون زوسر) في إدارة الدولة، وبالبلدي (كان ذراعه اليمين) حتى أهداه الملك شرف تصميم أول هرم مصري في التاريخ وهو .."هرم زوسر المدرج"..

أما لماذا قالوا أنه النبي يوسف؟ فلأن بعض المؤرخين ربطوا بين مكانته عند الفرعون زوسر وبين لوحة المجاعة التي اكتشفت بأسوان، وهي تحكي (مجاعة 7 سنوات) حدثت في عهد الفرعون زوسر وتفسير إيمحوتب لحلم الفرعون بإنهاء المجاعة، وفي هذا القول مشكلتين تاريخيتين، الأولى: تعارضها مع تواريخ التوراه التي وضعت يوسف في حقبة الدولة الحديثة أو في العصر المتأخر، وهو تعارض يسقط 1000 أو 2000 عام تقريبا، الثانية: أن لوحة زوسر نقشت في عصر البطالمة اليونان أي بعد حكم زوسر بأكثر من 2000 سنة، وهي فترة تاريخية كبيرة لا تعطي الثقة لمضمون اللوحة.

إنما هذا التعارض أيضا مردود من جهة عدم توثيق التوراه تاريخيا لثبوت تعارض أحداثها مع الاكتشافات الأثرية والعلمية كقولها أن عمر الإنسان حوالي 7 آلاف سنة فقط، بينما العلم أثبت أنه أقدم من ذلك بكثير، بل وجود بشر غير عقلاء قبل آدم، كذلك لأن البطالمة اليونان هم (أول وأشهر) من اهتموا بتوثيق تاريخ الفراعنة بمؤرخهم هيرودوت في القرن الخامس ق.م ومنهم أخذ المؤرخ المصري مانيتون منهج التاريخ في القرن الثالث ق.م تحت الاحتلال البطلمي، مما يعني أن توثيق لوحة زوسر مقبول تاريخيا من تلك الناحية لثقة مؤرخي اليونان واعتبار كل مثقفي العالم بتصنيفاتهم للأسر المصرية القديمة.

أما عن الإله حورس الذي كان يُرمَز له بالصقر فهو تجسيد للقوة والعدل والانتقام لا الشمس كما هو مشاع، حورس كان وظل رمزا للعدالة بعد الظلم والهدوء بعد الغضب، فبداياته كانت لوحة النصر للملك مينا نارمر، ثم نجده في كتاب الموتى يأخذ بيد الميت للحساب، هنا لوحة النصر تعبيرا عن الانتقام والنصر والهدوء بعد الغضب والقلق، أما كتاب الموتى تعبيرا عن عدالته ومكانته عند أبيه أوزوريس الذي هو كبير آلهة العالم السفلي المنفصلين بقوتهم عن نفوذ وطبيعة الحياة الدنيا، وما يؤكد هذا المعنى تصوير حورس وهو يحمي رمسيس الثاني صغيرا..في إشارة تعني أنه وربما تعرض الملك رمسيس الثاني لخطر ما فقرر بناء هذا التمثال له مع حورس، أو بناه في زمن حربه مع الحيثيين الشوام..أو كعادة هذا الملك في سرقة أعمال من سبقه ونقش إسمه عليها مما يعني أن الطفل الذي كان يحميه حورس هو ملك سابق مفقود الإسم.

مشكلة حورس هي في معبديّ إدفو وكوم امبو اليونانيين، أي الذي تسبب في نسب الشمس لحورس هو هذين المعبدين البطلمين اللذان بُنيا فيما بين القرنين 3 و 1 ق.م بفترة بناء قرابة ال 200 عام لمعبد إدفو، وشراكة مع الإله "سوبيك" في كوم امبو، وهو ما يعني أمرين، الأول: أن بناة المعبدين ليسوا مصريين في الحقيقة، فلم تكن من عادة المصريين بناء معابد لحورس بل للإله الخالق رع وتجلياته في آمون كما تقدم، الثاني: أن فترة البناء الطويلة لمعبد إدفو دلت على خلاف وصعوبات تعرض لها البطالمة مع المصريين الذين رفضوا غالبا بناء هذا المعبد لحورس إما بتحريض الكهنة أو ثورات شعبية مفقود أثارها ولم تدون، فلو كان هناك إجماعا على صحة ما قام به اليونان في إدفو لبُنيَ المعبد بسرعة كما بنوا معبد إسنا للإله خنوم الذي هو تجلٍ لرع الخالق كما تقدم لكن بأسطورة حديثة تليق بخنوم أنه صنع البشر من طين، وبالنسبة لإشراك سوبيك مع حورس في كوم امبو فهي أيضا ليست عادة مصرية أن يجري البناء لإلهين منفصلين، مما يعني أن ما فعله البطالمة كان بدعة دينية لدى المصريين أدت لغضب شعبي أضعف البطالمة حتى انهيارهم أمام غزوات الرومان بعدة عقود.

فالثابت عند بناء المعابد للمصريين أن يكون لإلها واحدا أو إلها مزدوجا متطورا أو إلإله الخالق مع أبنائه كما عليه الحال في معبد حتشبسوت بعبادة آمون رع، الذي هو تطور لرع الخالق كما تقدم وشاع استخدامه في الدولة الحديثة إضافة للبقرة حتحور إبنة رع، ويبدو أن البطالمة أحدثوا دينا جديدا وتطورا كبيرا في الدين المصري لما أحدثوه من معابد كثيرة وأبنية مزجت بين الميثولوجيا اليونانية والدين المصري، كما حدث في بنائهم لمعبد السرابيوم في الإسكندرية الذي خصص لعبادة إيزيس وسرابيس، وكما أن المصريين رفضوا بناء معبد لحورس كونه ليس خالقا رفضوا أيضا بناء معبد لإيزيس لنفس السبب، وهي إشارة لعزلة اليونان وقتها عن معتقدات المصريين خلافا لسلوك الإسكندر المشاع بتقربه للإله آمون في معبد سيوة، علما بأن سرابيس هذا ليس إلها مصريا بل يونانيا دخل في الحقبة البطلمية ومن الطبيعي أن يؤثر بالسلب على معتقدات المصريين الرافضين لهذه البدعة.

وباختصار: فحورس كان حارسا للمصريين وكثيرا ما كانوا يستعيذون به على نحو ما كان يستعيذ الهنود بالإله شيفا المدمر، حورس هنا هو نظير شيفا الهندوسي الذي يحميهم من بطش الظالمين وينجيهم من المهالك وينصرهم على الأعداء، ولأن الدين المصري القديم كان روحيا لا عقليا فقد آمنوا بتصوير الروح على هيئة الصقر الحارس، وبالتالي فمنزلة حورس كبيرة جدا هي أقرب لجوهر حياتهم لسهره عليهم طوال الليل يحميهم بعين مفتوحة وجفون صامدة طوال الزمن، وهو المعنى المتخيل لعين الصقر التي أصبحت فيما بعد هي "عين الحياة" التي أثرت في وعي المصريين لتصبح قوة ما ورائية للعين اصطلح عليها شعبيا بالحسد، والمصريون إلى اليوم يقولون أن "العين عليها حارس" والمعنى الأول كان يذهب لحورس أما بعد زوال ديانته وذهاب أسطورته بعد قدوم المسيحية بقيت الكلمة وتبدل المعنى فقط للحسد والسحر.

أعود لفكرة الإله الناقص فهي التي حملت القدماء للاعتقاد بأن رع - رغم كونه كبير الآلهة وخالق كل شئ- لكنهم قالوا بخروجه من شئ أكبر منه ليس بإله وهو.."نون"..أو المحيط العظيم والمظلم، فالفراعنة رأوا أن الشمس تأتي من المحيط ففسروا ذلك ظاهريا بأن المحيط أخرج الشمس، ورغم ذلك فقدرة الشمس ومصدرها للحياة هي ما وهبت الوجود للمحيط، وهي معادلة لن يفهمها إلا من يدرك معنى الإله الناقص..الذي يجوز في حقه كل شئ..حتى تمرد عباده ضده، وهذا التفسير للمحيط لم يسرِ في حق آمون أو آتون، وهذا يعني أن كلاهما إما منافس أو تطور أو تجديد للإله رع كما سلف.

والجدير بالذكر أن آمون لم يُعبد في الشمال المصري أي في القاهرة والوجه البحري، بل عبدوه في الصعيد ومركز عبادته كان في.."طيبة"..الأقصر حاليا بالخوص في عصر الدولة الحديثة التي بني فيها أكثر من 90% من معابد آمون، وكهنته انتشروا في كل مدن الجنوب ممايفسر معنى كون آمون منافسا لرع، أما دمج اسمه بإسم الإله رع فحدث في زمن انخفضت- أو انعدمت - فيه الحرب الأهلية، فالطبيعي عندما تسكن الحروب ويعم السلام تعلو نبرة التقريب بين المذاهب والأديان، ولعل الصورة المشتركة التي جمعت بين الإلهين في أكثر من مشهد كانت لها خلفية سياسية أشرت لها منذ قليل ووجدت في كل الأديان فيما عرف بمبدأ (التقريب) وهو سلوك دفاعي من الكهنة عند شعورهم بالخطر، ومثله في الإسلام عندما شاع الصدام بين المذهبين الحنفي والمالكي وكفّر الشيوخ بعضهما ظهر تيارا تقريبيا في زمانٍ متأخر يزعم بأن مالك يثني على أبي حنيفة، وهو ما ناقشته في مقالين بعنوان "طعن علماء السنة في أبي حنيفة" و " موقفين الإمامين مالك وابن حنبل من أبي حنيفة"

إضافة إلى أن المصري القديم عرف ما يسمى.."بالآلهة الوظيفية"..أي رمز لكل وظيفة بإله دنيوي مختص بذلك، كالإله.."تحوت"..إله العلم، و.."خنوم"..إله النحت، و.."بتاح"..إله الفن والصناعة، و.."بس"..إله الجنس، و.."أنوبيس"..إله التحنيط وحارس المقابر والمسئول عن فتح فم الميت حسب ما ذُكرَ في كتاب الموتى ، كذلك آلهة الإدارة الكونية ومساعدي رع كالإله.."شو"..إله الهواء، و.."جب"..إله الأرض، و.."نوت"..إلهة السماء، و.."آتوم"..إله الشمس، علما بأن بعض هذه الآلهة الوظيفية كانت تطورا للإله رع أو تجليا له في بعض الحقب الزمنية كبُتاح وخنّوم وآتوم، مما يعني واحد من أمرين، الأول: أنها ظهرت مختصة برع الخالق ثم جرى فصلها بعد ذلك بسلوك ديني معروف حين ظهور البدع الدينية كتقديس بعض الصوفيين مثلا لأوليائهم ثم تركهم بعد ذلك ليكونوا مجرد بشر صالحين، الثاني: هو العكس أي ظهروا شخوصا عادية جرى تقديسهم بعد ذلك ليصبحوا آلهة كما عرف العرب ود وسواع ويغوث ويعوق وهُبَل وغيرهم، مما يعني أن تلك الأسماء على الأرجح كانوا أشخاص صالحين جرى تقديسهم من الكهنة ولفقدان آثارهم قبل الشهرة لم نرث سوى قداستهم بعد ذلك، والإنسان عموما لن ينفق ماله وجهده على صعلوك بشكل افتراضي بل سينفقها أملا في استرضاء ذوي النفوذ والشهرة أو ينفقها للسفر كي يتمسح بضريح فلان أو يتعبد في معبد فلان الذي هو في الأصل شخص عادي.

وفي سوسولوجيا الأديان وارد أن ينتقل شخص ما أو رمز إلى مرتبة الألوهية المطلقة، كمن يؤلهون الأنبياء أو الأولياء الصالحين في الأديان الإبراهيمية، ومن ذلك تم تأليه .."بتاح"..تأليها مطلقا ليحل محل رع في العاصمة منف قدراً من الزمن، رغم أنه كان رمزا للفن والصناعات بشكل وظيفي كما تقدم، كذلك ما حدث لآمون حيث بداية ظهوره كان مقترناً بالإله رع في زمن الدولة القديمة والوسطى، مما يعني أن الألوهية المطلقة كانت لرع..أما آمون كان مساعدا، لكن بدءاً من الدولة الحديثة وانتقال العاصمة للأقصر (طيبة) تم تأليه آمون تأليها مطلقا..وهذا هو معنى التطور لرع الذي تحدثت عنه وأكرره دوما، أن معنى الإله الواحد كان متخيلا في ذهن المصري أما اللفظ اختلف لعوامل اللغة وبعض قدراته اختلفت لعوامل السياسة والاقتصاد.

كذلك فالخط الزمني للدين المصري القديم يشير لمذاهب ومعتقدات اصطلح عليها بأسماء مختلفة، فمن تاسوع هليوبوليس إلى ثامون الأشمونين إلى المذهب المنفي..نسبةً إلى منف إلى المذهب الطيبي الأقصري ، وهذه أربعة مذاهب بأربعة أماكن تدل على أن عبادة الآلهة في مصر القديمة كانت حسب القبيلة أو المكان، والمثير عندي أن إخناتون عندما أراد بناء عاصمة له لعبادة آتون وقع خياره على الضفة الأخرى لنهر النيل مقابل الأشمونين بالمنيا والتي كانت مركزا للمذهب الثاموني المعترف بالإله آمون، فما الحكمة من تصرف إخناتون باستفزاز كهنة آمون في معقلهم؟..وهل ثمة احتمال أن هؤلاء الكهنة كانوا متمردين على كهنة طيبة رغم اتباعهم لمذهب واحد؟ أو أن هناك فارقا بين مذهب آمون في طيبة ومذهب آمون في الأشمونين الذي كان فيه المعبود جحوتي حاضرا بجانب الثامون؟

أسئلة مهمة وفراغات في الدين المصري بحاجة لإجابة، خصوصا وأن اختيار جحوتي كرمز للعلم والحكمة قد يكون له علاقة بتمرد نفسي من الأشمونيين على تهور وغباء كهنة آمون الطيباويين في حقبة زمنية ما..مثلما يتمرد الصوفيين مثلا على تشدد وعنف السلفيين ضدهم رغم انتمائهم لمذهب سني واحد، فالإنسان عندما يعيش زمن الحرب يتوق عشقا للسلام ويحب كل ما يرمز له من حمائم وأغصان زيتون، ولربما كان طائر أبي منجل وقرد البابون في أشمونين المنيا وقتها معبرين عن هذه الحكمة المفقودة حيث جرى تصوير الإله جحوتي في صورهم.

أما الأخلاق فقد جعل المصريون لها.."ماعت"..كإلهة الصدق والعدل والتسامح، وهي التي يقاس بها عمل الإنسان في محكمة أوزوريس في كتاب الموتى، وتلك التقسيمة تثبت أن المصري كان متفكرا ومتدبرا للحياة والكون من حوله، ويقدس جداً حياته العلمية والاجتماعية والعملية، كذلك يهتم بالأخلاق ويضعها على قمة اهتماماته مما جعله يرتقي سلم الحضارات في زمنه، وإلى يومنا هذا نعجب كيف وصل المصري القديم إلى الإبداع الذي أنتج به أعظم فن معماري هندسي في التاريخ وهو.."الأهرامات"..إضافة لفنون التحنيط والنحت والنقش بالألوان المميزة منذ 5000 عام، وبخلاف الشائع عن المصري القديم أنه كان يهتم بالموت على حساب الحياه لكثرة لاهتمامه بالمعابد والمقابر فالمستفاد من ذلك هو العكس، أن المصري القديم كان يبحث عن الخلود..وهو سلوك دنيوي يدل على أنهم قوم عشقوا الحياه وتمنوا ألا تنتهي بالموت، ولولا هذا الاهتمام منهم ما ورثنا هذه التركة الكبيرة والضخمة من آثارهم ومومياواتهم التي تعد بمقياس الحضارة والعلم عمل فني تاريخي عظيم.

ويغيب عن البعض أن هذا الدين المصري ظل إلى مطلع قدوم المسيحية، أي رأى المبشرون الأوائل للسيد المسيح مناسك وشعائر المصريين في عبادة رع وأوزوريس، وينقل الكاتب الروماني.."أبوليوس"..في كتابه.."التحولات"..مشهد موكب أوزوريس في القرن الثاني الميلادي وفيه أن المسيحية في مصر جاءت لتقضي على الوثنية كما فعلوا في معابد المصريين في سرابيوم مثلا أو حتشبسوت في الدير البحري، فهم رأوا أن الدين المصري كان وثنيا ومعلوم أن الدين المصري طوال العهد الفارسي ثم اليوناني والروماني لم يتغير سوى بشكل طفيف ،ربما لأن المصري كان قوي العقيدة وأكثر تحفظا تجاه معتقدات الآخرين، فعلى مدار ثلاثة دول وأكثر من ألف عام من الاحتلال لم يستطع الغزاة أن يؤثروا على مشاعر المصريين الدينية، أو ربما يتعلق ذلك بطبيعة الغزاة نفسهم ومدى إيمانهم بالتسامح، حتى في زمن الهكسوس لم يشهد التاريخ المصري أي تحول ديني ولربما حدث لكن لم نعرفه حيث طرحت فترة الهكسوس كأحد عوامل التطور السياسية في رؤية المصريين لرع ، فالتاريخ حتى الآن لم يُجزم بشكل قاطع من هم الهكسوس وعلى أي دينٍ كانوا، وهل حاولوا فرض معتقداتهم على المصريين طيلة 200 عام من الاحتلال أم لا ؟؟..أم كانوا غير متدينين أصلا؟

وفي تقديري أن الهكسوس كانوا خليط من بدو الصحراء العربية وفلسطين، وغزوهم لمصر -كما هو ثابت تاريخيا- من سيناء، حتى خروجهم كان من سيناء أيضا، وخط سيرهم هذا يوضح منشأهم كطبيعة للبدو متعددي الديانات المحلية، بمعنى أن لكل قبيلة منهم صنم وإله خاص حتى ظل هذا الوضع إلى أن جاء لهم الرسول محمد في القرن السابع الميلادي.

وفي دراسة قديمة عن معتقد.."عذاب القبر"..الإسلامي قلت أن فكرة العذاب في القبر مصرية قديمة أخذها اليهود فترة وجودهم بمصر ثم تسللت كثقافة شفهية إلى المسلمين إلى اليوم، رغم منشأها المصري لعدم اعتقاد الفراعنة بحساب أخروي في عالم مفارِق، أي لا وجود لعالم ما ورائي وجنة ونار في السماء في أدبيات المصري القديم كما هو ثابت في كتاب الموتى، أنه وفي حال خفّ ميزان قلب الميت مقابل ريشة ماعت فهو من الصالحين ويدخل جنة القصب الدنيوية الخالدة، وبالتالي فالجنة المصرية القديمة كانت على الأرض..مما جعل فكرة الثواب والعقاب نهائية في القبر، ومشاهد العرض على أوزوريس وحورس في القبور توضح أن الآخرة لديهم تحت التراب مما أثر ذلك على اليهود – المقتبِسين- إذ اعتقدوا في التوراة أنه لا حساب وعقاب في عالم مفارق أيضا، ولا وجود للجنة والنار..بل اعتبروا أن الثواب والعقاب دنيوي لخلوّ من أي ملمح ليوم القيامة.

أما العذاب في القبر لديهم- أي اليهود- ظل مجرد ثقافة شفهية ومخيلات شعبية وحواديت توارثوها عن جيرانهم المصريين، ويظهر منكر ونكير في القبر بصورة أنوبيس الذي يحيي الميت في قبره ثم يفتح فمه ويذهب معه في رحلة الحساب لأوزوريس، أما باقي القصة من سؤال القبر ومن ربك وما دينك والأنيس الصالح ذو الوجه الحسن..كل ذلك من كتاب الموتى الفرعوني، أما الشجاع الأقرع فهو الوحش المفترس الذي يأكل جسد الميت بعد إدانته في محكمة أوزوريس والمشار إليه بالوحش عمعوت أو عموات، وهو خليط من رأس تمساح وجسم جامع بين الأسد وفرس النهر، ويبدو مع ذلك أن المصري القديم لم يكن يهاب الموت فينقل ميغوليفسكي ترنيمة أحدهم قائلا.." إن الموت بالنسبة إليّ الآن كفوح الطيب، كرحلة تحت شراع عندها ريح مواتية، إن الموت بالنسبة لي كعبير زهرة اللوتوس، كشاطئ بلاد الحبور"..انتهى..وهذا غريب ..إذ أن حساب القبر يوغل الصدور ويرسم مخيلات بشرية دنيوية قاسية ومشاهد للعذاب في منتهى الشناعة، فكيف توصل المصري لهذا الاطمئنان؟..هل يتعلق ذلك بطبيعة الإله أوزوريس أم قلب وشجاعة إيزيس وحورس؟..أم أن الترنيمة كتبها واحد مجنون أو درويش بتعبير العصر؟

أخيرا: فسأعرض رؤية أخرى تقول أن الدين المصري القديم كان "باطنيا" بمعنى أنه يستلهم معانيه النفسية من قلوب وعقول المصري المتدين ثم يسقطها على الواقع برموز على شكل صور إما تماثيل أو جداريات، ساقه في ذلك الكاتبان " آلان ريتشارد سون" و "بيلي ووكر" في كتابيهما .."الرحلة الباطنية في مصر القديمة" وملخص تلك الرؤية أن ترجمة كلمة "نتر" الهيروغليفية للفظ "إله" كان خطأ، فالمصريون لم يؤمنوا بتعدد الآلهة، بل بإله واحد وآخرين يمثلون معانٍ نفسية تجمعهم مع هذا الإله، بمعنى أن نتر تعني "القدرة الإلهية" وليس "إله" فعندما يترجمون معاني الأمومة وحماية الضعفاء فهي "إيزيس" طبقا لأسطورتها التي أفاضت بتلك القيم، نفس الشئ للبقرة "حتحور" فمعاني الرحمة والهدوء والبر والخير التي يحملها هذا الحيوان تجسدت على الأرض فيها لعلمهم أن تلك القيم تجمعهم مع الرب، ولو نظرنا قليلا لوجدنا هذا التصور ماثل في الهندوسية على شاكلة تصوير معاني البطش في الإله شيفا المدمر، وهي صفة بشرية للهنود تجمعهم مع الرب بوصفهم جزء من وجوده في العقيدة الكبرى التي تجمع الهنادكة المسماه "بوحدة الوجود" لذلك قاربت بين الديانتين في المقدمة لوحدة المناظير تقريبا.

وهذا يعني أن آلهة المصريين القدماء ليسوا منفصلين عن البشر أو يعملون بشكل مستقل، بل هم جزء نفسي باطني من قيمهم وأخلاقهم وتصورهم للكون، مثلما صوروا قيم العدل والصدق في الإلهة "ماعت" الذي آمنوا من خلاله أن مخاطبة ماعت هي خطاب لتلك القيم بالأساس، أرجوكي ياماعت يعني أرجو من الإله أن يهبني الصدق والعدل، وفي الواقع المعاصر تجسيد لهذه الرؤية في تصوير صنم "الجندي المجهول" هذا رمز لانتصار مصر على إسرائيل في عام 1973، ومعها فقد أصبح أي احتفال بالجندي المجهول هو احتفال بالنصر فلو رآنا أحفادنا مثلا بعد 2000 عام نضع أكاليل الزهور وندعو الله أمام الصنم أن يرحم الشهداء..سيعتقد أحفادنا أننا نعبد ذلك الصنم ..وهذا غير صحيح، مما يعني أنه لو لم توجد تفاسير شارحة لما يفعله المصريون الآن أمام النصب التذكاري سيعتقد أحفادنا أننا كنا وثنيين، لاسيما أن شروح وتفاسير أفعال المصريين القدماء فقدت ولم نعثر من خلال الموجود منها على عقيدة هؤلاء البشر الحقيقية سدا لمنافذ القيل والقال، نفس الشئ على أمريكا، تمثال الحرية الجامع لقيم العلم والنور والحرية والقوة..هذا رمز لأمريكا فلو رآه البشر بعد 2000 عام بدون تفاسير شارحة لطبيعته سيعتقدون أن الأمريكيين كانوا يتعبدون للتمثال على سواحل نيويورك..

ويدعم باطنية المصريين ما ذكر في بردية الحكيم "إيبور" المحفوظة في متحف "ليدن" بهولندا التي يعود تاريخها لعصر الاضمحلال الأول بنهاية الدولة القديمة، فالحكيم يلقي بلغة شعرية حال المصريين في زمنه من الفوضى والخراب والدمار والمجاعات، وهي حالة طبيعية للشعوب بعد سقوط الدول وتفشي الحرب والصراع على الحكم والانتقام المتبادل، في تلك البردية تنشأ حاجة لزعيم أو ملك مُخلّص ينقل المصريين من الظلم والفوضى إلى العدل والنظام، وهي صفات مهدوية التصقت بالبردية المصرية كأول أثر تاريخي بالمطلق يتحدث عن فكرة المُخلّص.

الشائع في المعتقد الباطني بالعموم تأثرهم بالمهدوية أو مخلص آخر الزمان، ولأن جذوره مصرية - كما تقول البردية - تقبل المصريون فكرة المخُلّص فمن باطنية المصريين القدماء إلى غنوصية المسيحية..وهي شكل آخر من الديانات الباطنية تقول بالتجلّي الروحاني وتفسير ظواهر العالم والنصوص المقدسة بمنطلق عاطفي، ووضح هذا في طريقة التحنيط التي يهتمون فيها بالقلب ويهملون المخ على عكس مقلدي المسلمين الذين يعتبرون أن المخ هو العقل الإسلامي الممدوح في القرآن، والقلب هو مركز العاطفة في الجسم لذا نشأ عند المتأخرين منهم فتاوى مانعة لجواز نقل الأعضاء لهذا السبب، وتلك المفارقة سقنا أسبابها في المقدمة كفارق أصيل بين الأديان البدائية الأولى والتطور الذي لحقها مع الموجة الثورية الدينية طوال الألف الأول ق.م.

ولفقدان المصري القديم نصا دينيا مُلزِما وجامعا لم يكن يتسنى وجود أي إجماع على مركز ديني أو مؤسسة يكون لها حق احتكار الدين كما يحدث حاليا، فالأزهر ودار الإفتاء لهم الحق المعنوي من الدولة باحتكار الدين وتفسيره حسب وضعهم في الدستور الآن كمستشارين، قديما لم يكن هذا موجودا بل مراكز متفرقة للكهنة لها مذاهبها الدينية الخاصة والمُلزِمة وفقا لنظام الملك، وعليه فالملك المصري في الحقيقة كان هو المشرف العملي على الدين والضامن لتطبيقه، وبما أن التواصل وقتها لم يكن متاحا بالقدر الذي نعرفه ويستوجب نفوذا قوية على كل أرض تابعة لسلطة الملك ظهرت أديان ومعتقدات متفرقة خاصة بأهالي القرى والمدن..ومن ذلك قصة ثامون الأشمونين هذه والمعبود جحوتي الذي لم أجد له ذكراً في طيبة أو منف وعين شمس.

وهنا أختم تلك الأضواء عن دين المصريين القدماء علما بأن الحديث في هذا الموضوع واسع جدا ومتشعب بداخله تفصيلات كثيرة جدا وفراغات بحاجة لتحرير، وقد تعمدت عدم التركيز على المشهور والمألوف منه لثقتي أنه مادة علمية مستهلكة، واستبدلت ذلك برؤية جديدة ونقدية تتضمن أسئلة وشروحات ومقاربات عصرية ومع أديان أخرى للتقريب، ليقيني الجازم أن هدف التعرض وشرح الأديان علميا هو المقاربة لوحدة ذهن الإنسان وطريقة رؤيته للدين، فالمعتقدات في حقيقتها ليست ألغاز وشفرات ومن السهل فهمها إذا توفرت المادة العلمية والإدراك اللازم والجهد المطلوب لتناولها، وفي عصر التكنولوجيا أصبحت المادة العلمية متوفرة والجهد يسهل تنظيمه، أما الإدراك فسيبقى مشكلة كل باحث علمي كون العلوم تتطلب رؤية إبداعية خارج الصندوق التقليدي المعتاد يصحبها رؤية نقدية للشائع تفرز الصالح منه والبناء عليه للوصول إلى أفكار دقيقة وعلمية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن