خطاب الرئيس الامريكي : اعلان عن ولادة حرب باردة مع ايران

اسماعيل شاكر الرفاعي
Kitab333@hotmail.com

2020 / 1 / 10

خطاب الرئيس الامريكي اعلان عن ولادة حرب باردة مع ايران

يشبه ـ خطاب الرئيس الامريكي دونالند ترمب الذي القاه يوم ٨ ـ ١ ، قصيدة غزل كتبها شاعر نصف نائم أو نصف مخدر ، اذ تضمن الخطاب عرضاً ( مستحيلاً ) عرضه على ايران بأن تكون امبراطورية ، شرط ان تتخلى عن حلمها في امتلاك قنبلة نووية ….

لا يريد الرئيس الامريكي ، أو لا يريد المنطق الرأسمالي ، او بالاحرى لا يريد منطق الطغمة المالية الحاكمة ان يفهم منطق الاقليات القومية والدينية ، وكيفية اشتغال عقلها السياسي الساعي دائماً لحماية الذات من تكرر حدوث المجازر التاريخية التي حلت بها من الاكثريات العرقية والدينية : اضطهاد الاكثرية السنية للاقلية الشيعية على مدى ١٠٠٠ عام ، واضطهاد الاكثرية العربية للاقلية الكردية والامازيغية ومختلف الاقليات الافريقية ، واضطهاد الاكثرية المسلمة للاقلية الايزدية وباقي الاقليات الدينية …

كما لا يريد هذا المنطق ان يفهم بأن التنافس الرأسمالي ( الذي يهمه تكثير الارباح على مستوى المشروع ، والفوز في الانتخابات على مستوى المنافسة السياسية : دون ان يعير كبير اهتمام للوسائل التي يتحقق بها الربح والفوز ) قد حفز ذكرى هذه المجازر وكساها ثوب الحياة ، وجعل منها مادة قابلة للانبعاث من جديد ، وان تكون قادرة على توليد العصبية وعلى التحشيد لها .

وقد وفرت الرأسمالية لهذا الانبعاث قاعدته المادية ، حين غزت في اوقات مختلفة العالم الثالث الذي لم يكن امامه من وسيلة مثلى في المقاومة سوى موروثه الديني والطائفي والتقني البسيط ، ولكن الاستعمار الرأسمالي تمكن من اختراق طبقاته التقليدية والتحالف مع بعض الفئات الاجتماعية التي دربها على اساليب الادارة ، ومكنها من الحكم ، فاصبحت ادارة الشأن العام علماً من اختصاص الاقلية دائماً ، اما الاكثرية فظلت كما كانت في السابق : سواعد لانتاج الثروات واصواتاً لانتاج حكم الاقليات . وظلت هذه المجتمعات تعتمد في ادارة شأنها العام اقتصادياً وتكنولوجياً على المستعمر الرأسمالي حتى وهي ترفع شعار التحرر من الفترة الاستعمارية . يمكن تسمية هـذا النوع من المجتمعات : بمجتمعات الفقر والعازة : الفقر الى علوم المستعمر الرأسمالي ، والحاجة الى منتجاته …

لكن اثبتت الاحداث التاريخية اللاحقة لفترة الثورة الصناعية وانطلاق الحداثة على اجنحة التكنولوجيا : ان الحداثة الرأسمالية قصرت وستقصر عن حل مشكلة التفاوت الطبقي ، كونها الاساس الاجتماعي لاضطهاد الاقليات الدينية والطبقية . اضافة الى قصورها البارز في حل مشكلة البيئة والانبعاث الحراري التي ستحول الارض الى جهنم حقيقية .

لقد ساعدت برجوازية القرنين التاسع عشر والعشرين على تشخيص وجود مشكلة الاضطهاد الديني والقومي والطبقي ، ولكنها لم تقو على حلها : الا اذا قررت الرأسمالية العالمية التخلي عن جوهر نشاطها الباحث عن الارباح وتكثيرها : وهي لا تهتم بالوسيلة التي تحقق لها نوع وكمية الارباح حتى لو تحولت البشرية الى عبيد لدى قلة من المالكين . لقد نظرت الى هذه المشكلة كما لو كانت تكتشف اثراً من الاثار التاريخية التي يجب ان تحافظ على وجودها ، كما يفعل علم الاثار .

اذن الطغمة المالية الحاكمة في امريكا وهي تلقي بالكرة في الملعب الايراني : لا تريد البحث عن جذور المشكلة : لماذا ايران تبحث لها عن درع نووي يحميها من المحيط العدائي السني الذي تسبح في فلكه ؟ الم تشجع السعودية وتدعم مالياً الباكستان في الحصول على السلاح النووي تحت التهديد الهندي المستمر فتحقق نوعاً من توازن الرعب الذي منع الاتحاد السوفياتي وامريكا من المغامرة بحرب نووية .

لو ادرك الرئيس الامريكي جذور الرغبة العارمة في امتلاك السلاح النووي من قبل ايران ، وقبلها كوريا الشمالية ، وقبلهما الباكستان لبَحثَ مع فريق عمله عن حل آخر اكثر واقعية ، وابعد ما يكون عن الاملاءات البيروقراطية وعنجهية القوة ، ولأشرك في الحل جميع القوى التي تأثرت بالصراع بشكل مباشر والتي ستتأثر به كالعراق ودول الجزيرة والخليج وسوريا واليمن ولبنان ، لكن خطاب الرئيس الامريكي موجه الى النظام السياسي الايراني ، وهو في رأيي يتضمن عرضاً يفوق في نتائجه التاريخية ما تضمنه الاتفاق النووي عام ٢٠١٥ بين ايران من جانب وادارة اوباما مع بعض الدول الاوربية من جانب آخر .

رفع َ اوباما في اتفاقيته النووية مع الايرانيين : يدَ الايرانيين ـ بموافقتهم ـ عن العمل على تطوير قوتهم النووية لزمن محدود ثم يأذن لهم بعد ذلك باستئنافه . وهذا الاتفاق لم يتم على حساب حرية شعوب المنطقة ، فلم يعترف اوباما في الاتفاقية باطلاق يد ايران للعمل على هواها في شرق المتوسط . كان اتفاقه مع ايران فنياً اكثر منه سياسياً . لكن خطاب ترمب كان سياسياً اكثر منه فنياً . لقد افتتح خطابه بالقول : انه طالما وجد في السلطة فانه لا يسمح لايران بامتلاك السلاح النووي . وهذا قرار سياسي . والرئيس الامريكي يدرك ان قراره السياسي هذا لا يتمكن من تنفيذه الا في مناخ سياسي ملائم وذلك بالقضاء على كل جذور المشاكل : واهمها مشكلة علاقة الاكثريات بالاقليات وما نتج عنه من ظلم وعسف وعنف . ولكن الرئيس الامريكي لم يلتفت لهذا المعنى في خطابه بل استمر في التلميح للايرانيين : انه بالامكان الوصول الى حل : لان امريكا لم تعد تأبه كما في السابق للشرق الاوسط . كان الشرق الاوسط كما اوحى ذلك خطاب ترمب مهماً لامريكا ولحلفائها لاحتوائه على نسبة عالية من احتياطي الطاقة : ولم تعد لهذه الطاقة الاهمية نفسها التي كانت عليها عام ١٩٤٥ يوم تم الاتفاق بين رئيس امريكا وملك العربية السعودية على توريد العربية السعودية الثابت للنفط الى امريكا مقابل حماية امريكا للعائلة المالكة ولنظامها السياسي . تلك الاهمية التي كان عليها شرق المتوسط لم تعد هي نفسها الآن بعد ان حققت امريكا اكتفائها الذاتي من انتاج النفط والغاز وارتفعت الى المرتبة الاولى في تصديرهما عالمياً .

لا مصلحة اقتصادية في بقاء امريكا تراوح في وحل شرق المتوسط ، وهذا هو السبب الذي دفع ترامب لان يسحب الكثير من الجنود الامريكان من سوريا والعراق : وان يفسح في المجال امام الروس والاتراك للعمل في سوريا وكذلك في العراق ، وهو على استعداد كامل للعمل مع ايران وافساح المجال امامها شرط ان تضمن عدم الاعتداء على حلفاء امريكا : العرب وكذلك اسرائيل …

ولأن لا جواب واضح لدى الطرفين حول هذه الاسئلة التي تشغلهما ، بالامكان القول ان خطاب ترمب أرخ لميلاد الحرب الباردة بين امريكا وايران ، بما تتضمنه الحرب الباردة من عدم وقوع حروب نووية او مواجهات ضخمة بين جيوش الطرفين التقليدية ؟ مع ملاحظة ان الحرب الباردة بين عملاقي النصف الثاني من القرن العشرين شملت الكرة الارضية ، اما الحرب الباردة بين امريكا وايران فانها تجري على منطقة محدودة : هي شرق البحر المتوسط …

ستوضح لنا الايام : صدق ايران في توقها الشديد لامتلاك السلاح النووي لحماية نفسها وحماية الاقليات الشيعية التي تدور في فلكها ، وترفض التنازل عن طموحها في امتلاك السلاح النووي ، أم ان امريكا المتمرسة بالحرب الباردة كنوع من حروب الاحتواء ستورط ايران وستتعبها كما اتعبت الاتحاد السوفياتي السابق في سباق تسلح لا حدود له . ستغري امريكا ايران بالاعلان عن طموحاتها الامبراطورية خاصة في الدول العربية الاربع التي اعلنها قاسم سليماني قبل سنين قليلة بانها تدور في الفلك الايراني وانها مناطق نفوذ للسلطة السياسية الايرانية . فهل ستتمكن ايران من تحقيق حلمها الامبراطوري وهي تخوض صراع تسلح سيتم على حساب قوت فقراء ايران …

ستضطر ايران اذا ما دخلت في هـا النوع من الصراع مع امريكا الى ان تتورط وتورط عملائها بنقل الكثير من واردات الدول التي ( تدور في فلكها ) الى المركز الامبراطوري في طهران كما فعلت الامبراطوريات في التاريخ ، ام ان ايران ستضطر ـ كما اضطر صدام حسين الى غزو الكويت ـ الى توجيه صواريخها الى شرق العربية السعودية لتحريك تنظيماتها السرية وخلاياها النائمة ، ودعوة عملائها الى الاستيلاء على آبار النفط ومحطات تحلية المياه هناك ؟ …



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن