فساد النظام الطائفي ... ما من أحد بريء

أحمد الهدهد
Dr.ahmed.alrubaie@gmail.com

2020 / 1 / 9

احتجاجات واسعة تجتاح العراق ولبنان لأشهر الآن شرارة الاحتجاجات ربما أطلقتها أسباب محلية مختلفة ولكن المتظاهرين في البلدين اجمعوا على انعدام الثقة في الطبقة السياسية الحاكمة وما يحيط بها من فساد مستشري، انتفاضة عابرة للطائفية أزعجت أطرافا خارجية ذات نفوذ في البلدين. انتفاضة هزت الطبقة السياسية التي فشلت في احتوائها بالعنف المفرط كما في العراق أو بخطابات سياسية وتغييرات وصلت لحد استقالة حكومات.
الملاحظ إن العنوان العريض للحراك في لبنان والعراق كان إسقاط النظام الطائفي والفساد المستشري سجل هذا حقيقة مهمة للخوض بها قبل التحدث عن أسباب انطلاقها. حقيقة أن جماهير واسعة خاصة من الشباب وبقية قطاعات المجتمع في العراق ولبنان ربطوا بين الفساد والطائفية هذا الربط بحد ذاته ينم عن درجة عالية من الوعي الفكري لجيل خرج للشارع غير منقسم أيدولوجيا تحركه قيم وقناعات أخلاقية وثقافية تمثل درجة عالية من الرقي سيعول عليها مستقبلا بشكل كبير في طريق تطور المجتمع.
النظام الطائفي بتاريخه وممارساته عرف نفسه كنظام فأئم على التعامل مع الدولة كغنيمة يتم تقاسمها، طبعا يدعي زعماء الطوائف وممثلوهم انهم يتقاسمونها من اجل جماعاتهم أو طوائفهم ولكن في الحقيقة يتحول الأمر الى فساد سياسي لنخب تنهب باسم الطوائف ولا تستفيد الطوائف من ذلك بشيء. أن فكرة محاصصة الدولة كأنها غنيمة للمصالح الشخصية لمتبني تمثيل الطوائف وبالتدريج تتطور لصالحهم الأوضاع وتنشأ سلالات وراثية تتوارث تمثيل الطوائف، تتبعها تشكل طبقات حولهم لتتقاسم كل شيء في الدولة. لن يتم تقاسم ميزانية الدولة فقط بل المشاريع والاستثمارات وحتى الوظائف الحكومية.
يبدأ بالتدريج الولاء الطائفي أو الهوية الطائفية تحل محل الكفاءة في بناء مؤسسات الدولة وهذا يبدأ بأحداث ضرر حقيقي بفعالية مؤسسات الدولة وقدرتها على الإنتاج وهذا يضر بالتنمية والتطور بل قد يشل أجهزة الدولة عن العمل وتبدأ بالتدريج تغييب فئات واسعة من المجتمع. الفكرة العامة هي تقاسم ما هو موجود وليس التفكير في التطوير والتنمية إذ لا يثقل كاهل المحاصصة التفكير في مستقبل هذه الدولة.
ربط الفساد بالطائفية ينم حقيقة عن ثورة في الوعي عند الجمهور إذ لا يمكن محاربة الفساد فعلا ما دام هذا النظام الطائفي موجودا، هذا يقودنا الى التساؤل الأهم ما البديل؟ طبعا تشكل الديمقراطية البديل لنظام المحاصصة الطائفي، المواطنة يجب أن تكون الرابط الأساسي بين الدولة والفرد لا الطائفية ولا القومية، إذا بدأ التفكير بهذه الطريقة نصل الى الديمقراطية بلا شك.
أبرزت الشريحة الأكبر المشاركة في الاحتجاجات أن ولائها الأكبر للوطنية والهوية العراقية بالأساس بعيدا عن أي ولاء طائفي إذ إن مشاركة جميع الناء المناطق في الاحتجاجات والنشاطات حتى في مناطق بعيدة عن محل سكناهم يثبت سمو القيم الراقية التي خرج من أجلها الجميع. المتفاجئ الأكبر هو من يمسك بالسلطة كون الجمهور الذي خرج للتظاهر تعرفه جيدا وكان تمثله منذ 2003 كأغلبية محكوما بأقلية، نعم هؤلاء الناس لم يعودوا يقبلوا للحاكم بان يستخدم الطائفية من اجل تبرير أفكارهم ومن اجل تبرير فسادهم، من اجل تبرير عدم حصولهم على شيء من الثروة الوطنية وتهميشهم وتهميش مناطقهم.
يمثل الفساد استثناءا في الدول والديمقراطيات وتوجد قوانيين لمحاربته لكن المشكلة في الدول التي يصبح فيها الفساد هو القاعدة وليس الاستثناء، الدولة تسير بالفساد، التعيينات تتم بالفساد، المعاملات تتم بالفساد، وهذه هي الكارثة الأساسية.
جمهور الشباب في تمرده أعاد اكتشاف الهوية الوطنية بحث عن معنى الحياة وبرغبته بالتظاهر إجابة عن السؤال "من نحن" وتجلت الإجابة ب " نحن عراقيون"، لا يريدون إن يصنفوا تحت الطوائف والعرقيات عراقيون وفقط. هذا كان إعلانا بالغ الأهمية وصارخ ومؤثر جدا وسيكون له آثار على الثقافة السياسية في البلد. عدم الثقة بالنفس في المناطق الأخرى للخروج نتيجة التهميش والخوف من رد الفعل كون تلك المناطق لا تزال تتعافى من جرائم داعش ورد الفعل عليها منطقي جدا لكن المتأمل منها مساندة أي تغيير ديمقراطي.
تجدر الإشارة الى إن الاستجابة الأسطورية للشباب العراقي والإصرار على فكرة إن ليس لديهم ما يخسرون وعدم عودتهم الى حياة تباع عليهم فيها شعارات طائفية بدلا من الخدمات والوظائف في ظل دولة وصلت فيها الزبائنية الى درجة التوزيع الطائفي حتى للمشاكل. العنف غير المسبوق الذي مارسته السلطة في العراق من اجل احتواء المشهد لم يجعل أحدا بريئا منه، إذ من الواضح إن الجميع ساهم من الفصائل المسلحة والقوات الرسمية. العنف يدل على ثقافة سياسية فيها نوع من التأثر والتأثير بالمحيط المجاور والتي ثبت في كل مرة أنها تجلب الويلات بدل الحل.
الحراك الثوري في العراق يمثل ثورة ثقافية تريد الخروج من البودقة الطائفية الفاسدة، لكن لكي يحدث ذلك يجب إن يتمخض عن ذلك الحراك حركات كبرى أو تنظيمات تجمع المواطنين حول القواسم الوطنية المشتركة لضمان التغيير، هذا التغيير المنشود لن يتم ألا بوصول حركات ديمقراطية الى البرلمان. القوى الوطنية لو أتيح لها إن تتنافس على مستوى البلاد بنظام النسبة المئوية عندها سيحصل لها تمثيل حقيقي في البرلمان وتحصل ديناميكية مختلفة تماما في العملية السياسية.
العناصر المهمة في رفض النظام الطائفي يكمن في تقديم حركات سياسية غير طائفية، هذه الحركات الوطنية يجب إن تطرح كبديل أو يبرز لها قوى منظمة تطرح البديل السياسي المناسب. حقيقة إن الانتقال من النظام الطائفي الى النظام الديمقراطي الوطني قد يتطلب المساومة للانتقال التدريجي، الذي قد يضمنه الحراك السلمي لولا التدخل الخارجي.
الديمقراطية قضية وطنية في النهاية إذ تحت سقف هذا الوطن تصبح التعددية ممكنة، كما إن الإجماع على نهج الدولة من اهم شروط الديمقراطية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن