بعض ما يحدث في جمهورية الإسلام السياسي

رياض رمزي
dectar@hotmail.co.uk

2019 / 11 / 24

زمن عمّ فيه الفجور... أعضاء المجاميع الدينية يضطجعون بين أحضان العاهرات ويطلبون من .. البسطاء التزام العفة. بلزاك رواية" الجلد المسحور"

سبق لي أن كتبت عن تأثير الطقوس الشيعية على الحياة الاجتماعية، السياسية والاقتصادية لمواطني البلد عامة، المشاركين منهم في الطقوس على وجه الخصوص، في كتابي الموسوم الاقتصاد السياسي للمواكب الحسينية، وجزئه الثاني على شكل مخطوطة. مراقبتي للطقوس والكتابة عنها لم تجعلني مهرطقا بل تأكد لي أن الطقوس التي طبعت حياة أبناء البلاد بطابعها وفّرت نوعا من تماسكٍ روحي في بلد تراكمت عليه، لأسباب عديدة، البلايا وبات لديهم ما يكفي من الأحزان، فوجدوا في الطقوس مفزعا كي لا يكون وطأ البلايا عليهم مميتا. إذ بدلا من التعرّض لنوبات هستيرية مكبوتة تفوق اقتدار التحمل لديهم، باتت الطقوس أشبه بنزع الغطاء الذي يعجّل بخروج ما يكابده الفرد من كروب متواصلة، تصيبه بالوهن وقد تثخنه، من شدة نكالها، بالكآبة وتجلب له شقاء العيش. وفّرت الطقوس للشخصية المحلية السكينة. يشهد عقل العراقي، من كثرة تكرار إقامة الطقوس، مرورا كثيفا لذكريات معركة الطف، التي باتت جزءً من نقاط الارتكاز موفّرة الشجاعة والتضحية والصبر كما يتبدى في واحدة من أعظم ثورات القرن الحديث: ثورة شباب التحرير وما يصاحبها من شجاعات تأخذ منحى حسينياً مفاده أن للثبات على المبادئ ولحب الوطن ثمن سيُدفع لا محالة. استمعوا للنبرة الحسينية لمن يغني للثوار في ساحات التحرير والاعتصام، وكيف يعمل الصوت الجميل لصالح الجود بالحياة، وكأن المغني يقرأ مقطعا من مقاتل الطالبيين، مقدّرا فداحة المصيبة التي حلت بعائلة سبط النبي، جاعلا الجمهور يسجّل نفسه في سجل حافل بالخالدين. تشكّلت كينونة الفرد وفقا لتلك السردية الحزينة، وكأنه يعيش أبدا في زمن طفولة تلك الأحداث.
هل ينطبق ذلك على أعضاء الإكليروس الشيعي الذين يطلق عليهم محليا تسمية" الموامنة، ومفردها مومن"؟. كلا هم يستحقون أن يضعهم خارون في قارب العذاب الأبدي الذي يحشر به الكفار والفاسقين ينقلهم إلى باب جهنم، كما ورد في جحيم دانتي. توقظهم كل صباح ملائكة الجحيم بالسباب للذهاب إلى المصطلى، على عكس شهداء التحرير الذين يبعث لهم الخالق رشقات نسيم، مع بلابل تدعوهم على شكل تغريد للتمتع بنعم الفردوس.
أشير إلى البرنامج الذي عرضته قناة BBC 2 عدة مرات تحت عنوان" تجارة الجنس الشيعية. زواج المتعة". يوضّح البرنامج ما يحدث في مملكة المرجعية ويحيط المشاهد علما بالحالة الأخلاقية السائدة فيها. لكي تدرك طبيعة ما يحدث في تلك المملكة لا بد من معرفة درجة الانحدار الأخلاقي في ربوع تلك المملكة، في برنامج قام بتوثيقه شهود متنكّرين من تلك القناة، وكيف يلتزم " السيد" الصمت حيال ما يحدث من موبقات لا تفضحها الألسن، لوجود حلف بين نخب الإسلام السياسي ومن يدعي أنه وكيل أهل البيت، ضد من هن بحاجة إلى غوث ألهي خاص ومستعجل، من هاتين الطغمتين الغارقتين في الفحش والفساد السياسي، ونقصد بنات البلاد أللواتي مارست الطغمتان بحقهن فسقا يفوق كل تصوّر.
كما ورد في البرنامج: امرأة فقدت زوجها نتيجة فتوى الجهاد الكفائي. بدأ زادها ومدخراتها بالنفاد، ولشد ما آذاها جوع أطفالها ذهبت تستجدي العون ممن أدخرتهم المرجعية لساعات عسر جمهورها. قصدت " المومن" .قال لها أنه ينوي أن يوفّر لها الستر عن طريق زواج المتعة. كلا لم ينته الأمر إذ بعد أن قضى وطره منها " سرّحها" من الخدمة. ولكنه كسيد محمي من المرجعية المحمية بدورها من" قوى سماوية" كما تدّعي، غلبته العاطفة فانفجر في البكاء حزنا عليها وقرر تزويجها بنفس الطريقة لرجل آخر. مثل جائعة تعيش فوق حد الكفاف مع أولادها صدّقت الخبر لكنها فقدت الشرف عندما حوّلها الثاني إلى ثالث ورابع قام بدوره بجلب رجال آخرين هم مجموعة من مؤمنين ميامين، تجار من أصحاب المواكب، هاجت شهواتهم الحسية فوطئوها وهي دامعة العين. ربما كانت لدموعها وقعا بهيجا على قلوبهم، أشاعت سرورا بالغا فيهم، لأنهم يراهنون على خدمة زوار أهل البيت كورقة رابحة يوم الحساب. الكاميرا السرية التي حملها رجل أدّعى أنه يسعى لزواج متعة فضحت الزوج الأول، " المومن" الذي عرض على الصحفي غنيمة مشيدا بمزاياها لقاء مائتي دولار وعارضا عليه فراشا مريحا. دُهش الصحفي وهو يرى " المومن" وقد تحول إلى سمسار بطريقة لافتة للنظر، دون أن ينزلق إلى ابتذال القوادين لأنه وشّح كلامه بشريعة فقهية . تعجب الصحفي واستجمع قواه وهو يستمع لعرض " المومن" لنصوص شرعية مصدرها فقه يجيز تحويل المرأة إلى عاهرة، مندهشا من طريقته في الإشادة بمزايا بضاعته. جليس تفوح من فمه المعسول رائحة الكافور، وهناك زَفارة تختفي وراء عمامته وفقهه. لم يلزمه الأمر وقتا طويلا ليكتشف أن " المومن" ليس سوى تاجر لحم بشري، تجارته تتوسّد كل تلافيف عقله. اكتشف ّأنه سمسار ليس من صنف معتدل بل هو خريج محترف في بيت عام brothel تعلّم فيه كيف يُدخل الطريدة ويضعها في مرمى تصويبه، وأنه درس بدوام كامل في مدرسة تعلّم الفقراء الهداية. عندما اتصلتْ به مقدّمة البرامج بعد أن قابلته أنكر قائلا" لا أبوية هذا اللي تكوليه مو صحيح". وقفل السكة. آه كم يبدو ذلك مرعبا. عندما عُرضت القضية على " السيد الكبير" لم يعر بالا للمأساة الإنسانية. لم يتمكنوا من أنتزاع تعهد بإجراء تحقيق مكتفيا بإجابة خطية: أن ذلك غير مسموح في مملكة مرجعيته. كأنه يدّخر عواطفه لقضية أهم: حساب أموال الزكاة... من يدري ربما يتطلّع السيّد الكبير للقاء ذلك" المومن" في الفردوس ويعاتبه على تصرفه تجاه زوجة المتعة؟. سيرد " المومن" على سيد المرجعية قائلا" ألم تقل لي أن هذا ليس عهرا، ألم تقل أنه عهرٌ شرعي له سند سماوي، ولا يخضع لعقوبة إلهية".
قالت الفتاة التي كانت تجلس مع مقدمة البرامج وهي تنتحب باكية" حوّلوني إلى عاهرة". دون ـن تعلم بوجود حلفٍ بين التجار و"المومن". أحد التجّار يقيم موكب سنويا للعزاء ينشد فيه" المومن" " الردّات"، والتاجر يوفّر زادا وشرابا مجانيا للزائرين. رجل الدين يوفّر زواجات " شرعية" للتاجر وأحد شيوخ العشائر....
في فترة السبايات جاء أحد الزوّار سائرا على قدميه ودخل سرادق العزاء واستمع "للمومن" وهو يردد باكيا خاشعا المقتل، أمام جمع غفير مرتديا جبّة سوداء وهو يَبكي ويُبكي. تناول الزائر الطعام في سرادق التاجر وهو يستمع بأصفى آيات الخشوع، لصوت من اعتلت وجهه مسحة حزن صادق وبكى بشدة وهو يستمع " للمومن" ويشاهد التاجر يبكي وهو يستمع لمقطع يصوّر حزّ رأس سبط الرسول دون أن يعرف أن كلا من " المومن الشيخ " والتاجر قد اشتركا في صفقة أجهزت على عفاف أخته. زوجة شهيد جوزي استشهاده بالنكران على يد مرجعية قادته إلى الموت بفتوى جعلت خيرة الشباب يحزمون حوائج حياتهم ويرحلون إلى العدم، تاركين نسائهم وأخواتهم ليستقر بهم المنام في فراش التاجر و"المومن" العاهر. هل حدس الزائر بما حدث لأخته؟، هل أخبرته شكوكه؟ ثم أين كان السيّد الأكبر؟ هل كان مشغولا بهاجس الزكاة والخمس وتوزيع المغانم على العترة والأقرباء. الأموال التي تحولت إلى أصول سائلة وثابتة في خزائن دار الكفر. لا شك أن الحادثة بلغت سمعه وشكّ بما حدث لأخته عن طريق الاستجواب الذي قدّمته الصحفية. هل قضى ليلته يموج بعرق الحمى؟ هل أثارت الرعدة فيه؟ أم كلها ظنون بعيد الاحتمال؟.
قصة يجب أن يعيها كل زائر ومشارك في فرجة الطقوس، كما وعاها المتظاهرون الأبطال. وعي أعطاهم امتيازا في تفويض أمرهم إلى مرجعية المرجعيات كلها، مرجعية الثائرين التي لا تُنتهك فيها حرمات شهداء الوطن، واحدة يستحيل لأي مرجعية أن تضاهيها. من يقرأ هذه القصة سيتعمق اكتئابه، ولكنه حين يسحب ثقته ممن استودعها فيهم، سيتراخى غيظه فيكفّ عن محض الثقة لمن كانت لهم سطوة عليه، وسيحصل على تفسير لسبب ما حصل لعَرْضه من عسف. ما يحز في قلبه أن كفار ال BBC 2 من أبلغوه بذلك. ستحل فيه صحوة ضيائها أكثر سنا من ضياء ما بعد انقضاء ظلام الغروب. الغروب الذي صدّع هيبة الأخ حامي العرض، الشبيه بورقة بيضاء عَلَق بها سخام حلف الدين والمال الذي حاولت المرجعية التمويه عليه بصخب الطقوس.
اليأس والألم شأنهما شأن حصان إن تم ترويضه سيتحوّل إلى خلاص سيوصل إلى مسافات بعيدة. خُلق العالم من رغبات تراكمت في قلب الخالق فتفجّرت فيضا خلق منه عالما جميلا على صورته. كل ما هو عظيم، في العراق، سيصدر من ذوات مليئة بالرغبات، ستعيد اكتشاف نفسها في ساحات التظاهر. عندما يحصل الجمهور على نجاح تزداد رغبته في الإنجاز. ثمة حد يتوقف فيه الماضي ويبدأ الفرد بالتصرف بدافع من قناعات تجيئ نتيجة كشوف جديدة، فترتفع مقاييسه الجمالية على الفهم الحسي الزاني الصرف الذي ينصب للنساء شراكا " شرعية"، مستخدما فقها لونه أصفر لا ينتمي إلى مقاييس إنسانية. مثل شخص ما أن يترك مسكنه، رديء التهوية الذي قرأ فيه مقررات طوسية ظل زمنا يرددها في ظلام محبسه، إلى منزل فسيح يوجد فيه متسع لكل جديد، سيجتاح وجهه وعقله لونا ورديا بفعل روضة منزله الجديد العامرة بالزهور.
أخيرا، ما هو تأثير ونتائج حلف المال والدين على المجتمع:
أولا- الزنا ليس فعلا يستحق عقوبة، لأنها ممارسة تدر ربحا مكفولا بشريعة سماوية.
ثانيا- سيغيّر سلوك " المومن" والتاجر من نظرة المجتمع لنفسه ولحقوقه. في ظل سيطرة الفقر العام، هل ستطلق الضحية، وهي تنفرد بنفسها، زفرة قوية، وتتجمل بالصبر ملتمسة الغفران من خلال توسل الخلاص عن طريق نفس المؤسسة التي هيأ " وكلائها" عمودا من الآجر على عفّتها، أم تلجأ إلى تلافي ما حدث لها بالصمت؟. ربما ستقول زوجة الشهيد لست أنا وحدي...؟ سيكون مقضيا عليها أن تعيش الذل في مبنى شيّدته المؤسسة سقفه الأخلاقي واطئ، وتلك حالة تجعل النساء، نصف المجتمع، أشبه بحمامات مهيضة الجناح، يستشعر أعضاء الحلف الديني/ السياسي غبطةً مردها أن صيدهن بات أمرا ميسورا. تصبح حرارة الجو من الشدة أن حمامات أخرى برغم جوعها الشديد ترفض الخروج من أعشاشها، وهي طريقة أخرى لسحب نصف المجتمع وتأديبه.
ثالثا- سيستفيد الحلف من طريقة انسحاب ذلك النصف( الذي تم تطبيقه بقتل الشهيد كرار نوشي والشهيدة لارا فارس..) حيث تتهاوى طريقة نظر الفرد لحقوقه مثل جدار جصٍ متهالك. سرطان خوف البنت البائسة سيغدو سلوكا عاما يحرسه جيش من الأكليروس الديني وسارقي المال العام. الفقر والزنا الديني( زواج المتعة) سيزيدان من قوة وبأس ذلك الحلف الذي سيقاتل من أجل بقاء" دينه" المدعوم بواحدة من أعظم القوى المالية في العالم: المرجعية التي تُغرق المجتمع عشرة أيام في العام ببحرٍ من سواد.

سلطة الإسلام السياسي مغارة يحرسها تنانين من الإكليروس وسارقي المال العام، تحتاج تسويتها بالأرض إلى صنف مثل أولئك الذين أزالوا أعتى الإمبراطوريات: مقاتلون عيونهم ضيّقة، محلوقة رؤوسهم عدا خصلة الشرف التي تظلّل غرتهم: أنهم أبناء الملْحة التي أوصتهم أمهم، عند توديعهم وهم يتجهون نحو حومة الميدان، قائلة" هزّوا الكون ولا تميلون لوْ الدنيا مالت". عندما تواجهوا مع مرتزقة ذلك الحلف صرخوا: دربكم مغايرٍ لدربنا، الموت في سبيل وطننا يجعلنا أسعد حالا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن