إعلام غير حر في بلاد تتدعي الحرية

دعد دريد ثابت
daadthabit@gmx.de

2019 / 11 / 4

مؤامرة وساسميها كذلك، هذه التعمية الإعلامية الدولية، والسكوت الرسمي من كل حكومات العالم بشأن مايجري من جرائم القتل والإعتقالات والخطف والإرهاب بحق الشعب العراقي ولمدة زادت عن الشهر، برغم إثباتات تدل على إنتهاك حقوق الإنسان والتشريعات الدولية والدستورية بحق الشعوب بالتظاهر السلمي، ومنع إستخدام الغازات المحرمة دولياً،
هذا أوصلني للقناعة المؤكدة، أن حكومات ليس فقط الدول المجاورة بل والعالم تخشى على نفسها من إستشراء العدوى بين شعوبها، وربما تؤدي الى تظاهرات مشابهة في بلادهم.
نعم لاتعجبوا، فالحال مثلاً في المانيا يزداد سوءاً من حيث تجمع رأس المال بيد طبقة صغيرة محتطرة كل امور الدولة وشبه إختفاء الطبقة الوسطى التي هي دليل على عافية أي مجتمع. أما أغلبية الشعب فهو يعاني صعوبات جمة في إيجاد العمل أو السكن للغلاء الفاحش بتوفير إيجارات الشقق، بل وفقدان الكثير محل سكناهم وخاصة من المتقاعدين أو ذوي الدخل المحدود، بعد أن باعت الحكومة الألمانية هذه الشقق والمفروض أنها حكومية (ولكن من هي الحكومة؟ هي مجرد طبقة من رأسماليين يبيعون لمن يعطي ثمناً أعلى)، باعت هذه الشقق لمستثمرين أجانب من خارج البلاد، ليعيدوا هؤلاء ترميمها وتأجيرها بعد طرد سكانها، لأنهم لايستطيعون دفع تلك الأسعار الجديدة الباهظة، ليتحولوا بليلة وضحاها طريدي الشوارع، وهم في هذا السن، أو نساء مع أطفالهن ولا من قانون يحميهم.
حتى الدراسة، إن كنت من أصحاب الدخل المحدود فليس لك الا المدارس الحكومية التي تعاني نقصاً في كل مايحتاجة الطالب للدراسة من كمبيوترات وغيرها، مقارنة بالمدارس الخاصة ومن كفاءة الكادر التعليمي والضغط العالي الذي يعانيه المدرسين، لكثرة الصفوف وعدم إستقدام معلمون جدد.
وهكذا لايكمل معظم الطلاب شهادة الإعدادية، بل يتوجهون بأحسن الأحوال للمعاهد وهذا إن وجدوا بعد ذلك عملاً بأجرٍ يستطيعون العيش منه، وإن لم يتمكنوا سينجرون الى عصابات المخدرات أو تنظيمات إرهابية سواء داعشية أو فاشية، فكلاهما تلعبان على الوتر الحساس.
أم اليسار الحالم، فهو حالم كعادته، وأصبح ليبرالي برجوازي مفن عصري أكثر منه يساري، فهو يحلم بالأكل النباتي رأفة بالحيوان ويحتج لتحسين ظروف الحيوانات فقد نسي منذ زمن بعيد الإنسان بيحتج من أجله، بل ويهتم بشراء سيارة كهربائية حفاظاً على البيئة، وهو لايعلم ان توفير الكهرباء يحتاج الى صرف مياه كثيرة ومولدات ضخمة ستؤثر على البيئة.
فنرى حتى تظاهراتهم من أجل البيئة أبتدأتها طفلة من السويد، لتشعل حماسة أقرانها في المانيا وليقرروا الإعتصام يوم الجمعة ورفض الدوام المدرسي ( بم يذكركم هذا؟) مع بعض علماء البيئة، وبعد عدة أسابيع يضطر البالغون للمشاركة تحت هذا الضغط الشبابي لتقرر الأحزاب إتخاذ بعض الخطوات لتخدير هؤلاء الشباب الى حين آخر.
وأما مايحدث في العالم، فلا شأن لهم به، الا إن وجههم الإعلام، فسيدونون بعض المقالات او يتحاورون في إحدى جلسات الترفيه حين يلتقون بأصدقائهم، ربما يقرر بعضهم حتى يريح ضميره بالتبرع، أو بمساعدة بعض اللاجئين، وهكذا يكون أدى دوره.
أما مايحدث في العالم، فهو لاشأن له به، أو بقدر ماتنقله الصورة والخبر كأنه يرى فيلماً من أفلام هوليوود الأكشن.
وماأذكره هي أمثال بسيطة، لكن تحت هذا السطح اللأبالي البارد القاسي، هناك بركان يعتمل ويحتاج فقط لأخبار متتالية وكا نراها ونتابعها نحن المعنيين من العراق، أثر تلك الصرخة القوية العظيمة بسلامها وتعاضد هذا الحشد وبدون أي قيادة أو تنظيم، بل كخلية نحل يؤدي كل واجبه ومن دون أن يؤمر أو يؤتمر، وبدون توقع أو إنتظار لمكافأة أو حتى كلمة شكراً، بل الهدف هو حماية الملكة الأم " العراق " وبحماية بعضهم بعضاً ستُحمى تلك الأم.
فصمود الشعب العراقي بكل أعماره ومختلف طوائفه وطبقاته، وسلمية أسلوبه في التظاهرات برغم العنف اللأخلاقي وبرغم العزلة العربية والدولية وبرغم عدم حصوله على أي معونات أوموقف رسمي من الدول أخرى، سيكون ملهماً للشعوب المسحوقة والمقهورة إجتماعيا ومعيشياً. بل وسيفضح كل المؤامرات الأمريكية والغربية حين سلموا العراق بطبق من ذهب لإيران وكل توراطاتهم وسرقاتهم في العراق والى اليوم. هذا بالإضافة الى تدريبهم لداعش في بلادهم وتزويدهم بالدعم العسكري واللوجستي والتعامل معهم بعدها بشراء النفط بعد سيطرة داعش على الموصل، وحتى يومنا هذا وننتظر متى سيحركون داعش باي لحظة.
ومن يزود تركيا وإيران بالأسلحة وقنابل الغازات المحرمة؟ إن لم تكن أمريكا والغرب يفعل ذلك؟
بل حتى قرار ترامب المفاجئ بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، وكان بعد ايام من تظاهرات العراق الأولى، أهي صدفة، أم لتوجيه أنظار العالم عن العراق الى هجوم تركيا على شمال وشرق سوريا، وأنتهت كما أبتدأت الضجة الإعلامية حينها، لأنهم لم يكن في حسبانهم أن يطول صمود شعب العراق الأبي.
إذا مادور إعلام الغرب من كل مياحدث في العراق ولم هو أخرس؟
ماهو الا يد تُحرك من قبل أصحاب سلطة ونفوذ ومن يحكم تلك البلاد، بلاد الديمقراطيات والحريات، بلاد تحدد فيها الحريات بقدر ماتملك وبلون بشرتك البيضاء ودينك الذي يدعي تعاطفه مع اليهود الا خوفاً من أموالهم، وهم أكثر من يمقتون اليهود ولليوم، ولايغركم الإعلام، هل نسيتم، ماهو الإعلام؟ يحرك حسب المصلحة.
أما الإسلام وعلاقتهم به، فهي كعلاقتهم بالشرق، علاقة السيد أو الكولونيست الذي ينظر الى البلاد العربية والأفريقية والشرق الأقصى نظرة متعالية ونظرة السيد لخادمه، لولا حاجتهم للنفط وأكلة شاورما، ماكانوا حتى يسمحون للمسلمين بالعيش معهم، وكل ماتفعله الأحزاب الفاشية اليوم، ماهو الا تعبير عن معظم مشاعر الغربي تجاه هذا الصنف من المتوحشين. وهذا الكره تجاه الأجنبي العربي لم يحدث صدفة، ولكن لرأسمالية السلطة التي تلقي عن طريق إعلامها بالذنب وتصب نقمة شبابها الأوربي الغبي على اللاجئ الذي يبالغون بأعداهم، ولايصرحون بأنهم هم وسياسياتهم في المنطقة بدعمهم للديكتاتوريات وبيعهم للأسلحة لها وتمويل كل الحركات التطرفية الطائفية من القاعدة والوهابية السلفية وداعش، بدعمهم لهم كانوا السبب في حروب تلك البلاد وتمزيقها وتشتيت ثرواتها بينهم، ولهذا السبب يضطر هؤلاء الناس للهروب بعد التضحية بكل مايملكون بل وبحيواتهم للقدوم لأرض الله المختارة، أرض الحرية والديمقراطية المزعومة، وليعانون من جديد في بلاد لاتحترمهم وتشك بهم بل وقد تقودهم للموت.
أبعد كل هذا نعجب لم الغرب ساكت؟ بل وأكثر من هذا لنحترس منهم ومن إعلامهم، الا حين تقتضي مصالحهم سترون التحول المفاجئ، كما أنقلبوا على صدام وأدعوا أنهم من حرر العراق.
ولكن أملي الكبير وطموحي أن الشعب العراقي وعى تماماً هذا الدرس، ولن تنطلي عليه أي مفاجآت او حيل، بل على العكس ثورتكم هي وحي ودورساً للتاريخ والحاضر والمستقبل، ومهما حاول الإعلام إخفاء مايحدث، فإن أيام طغمة العمائم في إيران معدودة والشعب الإيراني يعاني الأمرين ومنذ أربعون عاماً، وماقدمتموه من تضحيات لن يذهب سدىً.
أما الغرب فسيسقط بده عن إيران خوفاً على نفسه من شعوبه، ولكن يومهم آتٍ بلا محالة، فشبابهم يذكرونني بشباب إنتفاضات الستينيات في اوربا وامريكا، ومايحتاجوه الا معاناة أكثر وحباً لوطنٍ لا لشئ آخر، حين ستكون نهاية هذا الرأسمال القبيح أو ستكون مرتعاً لحرب عالمية ثالثة إن لم يتم التغير.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن