بحث جديد في طبيعة الزمن

حسين عجيب
ajeebe@scs-net.org

2019 / 10 / 18

بحث في طبيعة الزمن ، بدلالة البديل الثالث ، كبداية...

بعد مضي حوالي العقدين على القرن الجديد ما يزال الزمن ، كظاهرة أو موضوع ثقافي وعلمي ، فكرة غامضة لا يتفق على تعريفها اثنان ، عدا عن تعذر تحديدها بدقة وموضوعية .
وبعبارة ثانية ،
طبيعة الزمن ما زالت في مجال غير المفكر ، بالإضافة إلى حركته وسرعته واتجاهه .
....
لفهم التصور الجديد عن طبيعة الزمن مع حركته واتجاهه ، ومحاولة تحديد سرعته أيضا بشكل منطقي ( طالما لم تتيسر بعد دراسته بشكل تجريبي وموضوعي ) ، أعتقد أنه من الضروري فهم البديل الثالث كفكرة وخبرة أولا ، لكون التصور الجديد عن الزمن يختلف _ إلى درجة التناقض _ عن الفهم التقليدي ، المألوف والمتفق عليه بين الدين والفلسفة والعلم أيضا .
هذا بالإضافة إلى أهمية البديل الثالث المتزايدة ، وفي مختلف المجالات ، خاصة في السياسة وقضايا الشأن العام المتنوعة وبمقدمتها الديمقراطية وحقوق الانسان .
ناقشت البديل الثالث _ كما أفهمه _ عبر نصوص عديدة ومنشورة على الحوار المتمدن ، وخاصة خلال بحث الخوارزمية وحل قضية الجدل .
وهذا النص يمثل إضافة على ما سبق ، لا ملخصه فقط ، حيث يتطور فهمي عادة للقضايا التي أناقشها خلال الكتابة ، وبعدها أكثر بفضل النقد الذي أتلقاه ، والسلبي منه خصوصا .
....
ملاحظة شديدة الأهمية ، وجديرة بالتفكير ، قبل الانتقال إلى موضوع البديل الثالث :
عند النظر إلى الفضاء ، عبر المكبر أو بالعين المجردة ، المشهد الذي يظهر هو الماضي .
وعند النظر داخل الذرة ، المشهد الذي يظهر هو المستقبل لحظة تحوله إلى الحاضر .
والمشهد العام ، عدا ذلك ، الحاضر التفاعلي والمستمر بطبيعته .
وهذا الخطأ ( الرؤية بالمقلوب ) موروث ومشترك بين الدين والفلسفة والعلم .
بعد تصحيح اتجاه الزمن : من المستقبل إلى الماضي عبر الحاضر ، بعدها تتضح الصورة .
الماضي تكرار ، أو سلاسل سببية ، ولا وجود للصدفة فيه مطلقا .
المستقبل احتمال وصدفة يتعذر تحديدها أو معرفتها مسبقا ، ويتحقق وفق معادلة : صدفة _ نتيجة أو الحاضر .
الحاضر تفاعلي بطبيعته = سبب + صدفة .
....
البديل الثالث ظاهرة ( فكرة وخبرة ) تطورية _ دينامية ، ومعروفة في الفلسفة منذ عشرات القرون " الثالث المرفوع " . وهي نشأت كنوع من الحل العقلي والمنطقي للثنائيات المتنوعة التي تحكم الوجود الإنساني ، وخصوصا المتناقضة منها ، مثل البداية والنهاية والخير والشر والله والشيطان .... وغيرها .
لكن بقيت المشكلة ، التي تتمثل بتفسير التطور النوعي والطفرة وغيرها من ظواهر الجديد والمجهول ، على حالها .
أقصد التفسير العلمي ( التجريبي ) أو الفلسفي ( المنطقي ) ، وليس التفسير اللغوي والسحري ، وبقية التفسيرات المتعالية التي تزيد من تعقيد وغموض القضية التي تناقشها ، بدل تبسيطها وتسهيل فهمها بالفعل .
الفقرة السابقة مع أنها مختصرة بشدة ، تفسر الصدفة أو الطفرة وهي تحدث من الجانب الزمني للحاضر المستمر ... الذي يتحول بشكل دوري ومتكرر من المستقبل ( المجهول ) إلى الحاضر الآني ، على العكس من السبب الذي يتكرر عبر الجانب الحي من الماضي ( الذي حدث سابقا ) إلى الحاضر الآني المقابل . وهذا يفسر ظاهرة استمرارية الحاضر خاصة . وهذه الأفكار عرضتها سابقا بتفصيل أكثر عبر نصوص منشورة على الحوار المتمدن تحت عناوين ( رواية الزمن ، كتاب الزمن ، علم الزمن ، وغيرها أيضا ) ، وقد اكتفيت بهذه الإشارة تجنبا لملل القارئ _ة المتابع _ة للسلسلة .
....
العلاقة بين الزمن والبديل الثالث بديهية ، لكن يحتاج الأمر إلى تصحيح التصور العقلي التقليدي من الزمن أولا ، والذي يفترض اتجاه الزمن بعكس ما هو عليه بالفعل .
سأحاول توضح ذلك بشكل تدريجي ، من خلال بعض الأمثلة ...
....
مثال 1
البديل الثاني أو السيناريو ب أو الخطة البديلة ، ....وكلها تشير إلى الفكرة والخبرة _ الفردية والمكتسبة _ الضرورية للصحة النفسية ، وتحقيق الانسجام الإيجابي مع المجتمع .
البديل الثاني ، يتمثل عبر العديد من الخبرات الفردية _ الاجتماعية بالتزامن . وهو يجسد مهارة الفرد ( طفل _ة أو امرأة أو رجل ) في تجاوز المرحلة النرجسية بنجاح ، عبر نقل موقفه القيمي والمعياري من الذاتي ( التمركز الذاتي الشديد ) ، إلى المستوى الاجتماعي ، الذي تجسده القوانين الأخلاقية في كل مجتمع .
وقد عبر عنه فرويد بفكرة ، ضرورة الانتقال من مبدأ اللذة إلى مبدأ الواقع بعد سن الرشد .
وهذه قضية إشكالية ، لكن مع ذلك يوجد اتفاق على الجانب السلبي ، حيث يمثل فشل الفرد في تحقيق التوافق الاجتماعي بحدوده الدنيا والأساسية عتبة الصحة النفسية .
التوافق السلبي مع المجتمع ، يوضح فكرة البديل الثاني ، حيث الوافدون الجدد ( إلى الدين أو الوطن أو الفريق ) يبالغون في التبعية وبشكل متطرف للجماعة الجديدة وعاداتها وأعرافها ، ومثالها حالات التطرف بين المسلمين غير العرب قياسا بالمجتمعات الأصلية والحاضنة الأولى للدين ، أو غيرها من مظاهر التطرف بين المواطنين الجدد أو المنتسبين الجدد للدين أو الحزب أو الجماعة ...
يوجد مثال ، ربما يكون أكثر وضوحا ، التدخين كنوع سلبي من معالجة اضطراب التغذية . على النقيض من التدخين الإيجابي بهدف معالجة الاضطراب نفسه .
....
مثال 2
يوجد مثال شامل على البديل الثالث يتمثل باللغة والمعنى :
حيث المعنى في لغة الكتابة والأدب خاصة ، تمثل البديل الثالث والذي يتضمن المعنيين القاموسي والاجتماعي للكلمات .
مثال في سوريا اليوم .... كلمة " ثورة " ، تمثل هوية للشخصية التي تستخدمها ، وهي كلمة مشحونة بطاقة انفعالية عالية جدا من الجهتين على السواء ، من يعتبرون ما حدث مؤامرة مصدرها الخارج أو ثورة شعب تم اجهاضها بفعل مؤامرة من الخارج أيضا .
والمثال الأشمل الذي تجسده اللغة كبديل تعددي ( يتضمن الثالث ويتجاوزه ) ، يتضح عبر احتواء اللغة لعدد كبير من اللهجات .
....
مثال 3
البديل الثالث للأسف ما يزال نخبويا في الثقافة العربية ، مع أنه تحول إلى ضرورة ، وتتزايد الحاجة إليه مع التطور السريع ، والمتسارع ، وعلى المستويين الفردي والاجتماعي بالتزامن .
بالنسبة للأبوين ، تتمثل ضرورة البديل الثالث كحل لثنائية إما أو :
1 _ حالة الخوف بين الطفل _ة والأبوين ، إلى الدرجة التي تدفع أحدهما إلى الكذب وانقطاع التواصل بالفعل .
2 _ حالة خوف الأبوين من غضب الطفل _ة ، إلى الدرجة التي تدفعهما إلى الاستجابة لمختلف مطالب الطفل _ ة سواء العقلانية منها أو غير العقلانية أيضا .
يمثل هذا الوضع " فشل الأبوين في تشكيل قانون للمنزل ، واضح ومنطقي ومقبول " ، وتكون الاستجابة غالبا ، بفقدان الطفل _ة للمقدرة على التمييز بين السلوك الصحيح والمناسب عن نقيضه السلبي والمتناقض بطبيعته .
بكلمات أخرى ،
عندما ينشأ الطفل_ ة في أسرة ، قد تكافؤه عندما يكون مخطئا ويستحق العقوبة ، مع العكس أيضا ، حيث يعاقب بدون أن يكون قد أخطأ ، مع عدم وجود قوانين واضحة في البيت تحدد السلوك الجيد والمطلوب ، مقابل السلوك السيء والمرفوض ، بالتزامن مع السلوك الانفعالي والمزمن لأحد الأبوين ( أو من يقوم مقامهما ) أو كلاهما ....
بهذه الحالة يحدث فقدان للثقة بالنفس وبالغير معا ، والنتيجة الانحراف الاجتماعي والنفسي .
ظاهرة فقدان القيم والمعايير الموضوعية لدى بعض الأفراد ( ...) ، نتيجة مباشرة وثابتة للتعامل العشوائي خلال الطفولة ، وغياب المعايير المنطقية والواضحة حاليا .
....
ملحق
الحاضر يمثل البديل الثالث الموضوعي ، والثابت في الوجود والزمن .
بعد فهم العلاقة الجدلية ، العكسية ، بين اتجاهي الزمن والحياة ، يمكن فهم ظاهرة استمرارية الحاضر وتفسيرها بشكل منطقي وتجريبي معا .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن