غرائب الفقهاء : مسائل خيالية وأجوبة ذهانية وهلوسات

محمد ياسين
hhomza119@gmail.com

2019 / 9 / 26

في هذه المقالة سأتناول بعض الفتاوى الغريبة المنصوص عليها في أمهات الكتب الفقهية، وهذا التناول ليس من باب السخرية أو الساركازم وإن كانت هذه الفتاوى في ذاتها تبعث على التهكم والتفكه والطنز، فالمبتغى الوحيد من هذا العرض الموجز هو إبراز ماهو مطمور في الكتب المعتبرة التي يخضع لها الكثير من الأشخاص وتتدخل في أدق تفاصيل حياتهم على الرغم من مصادمتها للمنطق والأخلاق والقوانين الدولية والإجتماعية بل والكونية أيضا.
وقبل البدء في استعراض هذه الفتاوى، أريد تأكيد أمر جد مهم وهو أنني عندما أتحدث عن الفقهاء فأنا أقصد بهم رجال الدين الأوائل المشهود لهم من قبل خبراء هذا الفن وسرواته، ولا أقصد بحال هؤلاء الشيوخ الذين يظهرون في الفضائيات؛ لأنهم في ذيل الترتيب أو ربما غير محسوبين أصلا على المجال الفقهي، يقول ابن كمال باشا في رسالته "طبقات الفقهاء" بأن الفقهاء ينقسمون إلى سبع طبقات:
الطبقة الأولى : تضم مؤسسي المذاهب، الثانية: تضم المجتهدين داخل المذهب والذين يخالفون المؤسس في بعض الفروع، الثالثة: تضم القادرين على استنباط الأحكام في المسائل التي لم يذكرها المؤسس، الرابعة: تضم القادرين على تفضيل المجمل والمبهم بالاحتمال، الخامسة: تضم القادرين على تفضيل بعض الروايات على بعض في المذهب، السادسة: تضم القادرين على التميز بين القوي والأقوى منه والضعيف، السابعة والأخيرة: تضم أولئك الذين لا يقدرون على شيئ ويكتفون بالتقليد فقط وهم كما قال المؤلف: لا يفرقون بين العجاف ولا السمين ولا الشمال ولا اليمين .
ولا شك بأن هؤلاء الشيوخ الذين ينشطون الآن -في هذا العصر الذي رفع فيه العلم بحسب قولهم- ينتمون إلى الطبقة الأخيرة وعلى افتراض وجود بعض الاستثناءات القليلة جدا، فإلى الطبقة التي قبلها على أبعد تقدير، علما بأن معظمهم ليس إلا مجرد داعية أو واعظ ولا يشملهم الترتيب أصلا .
فالفقهاء الكبار كانت لهم خيالات واسعة تخول لهم الإجابة على مسائل افتراضية لم تتحقق على أرض الواقع أو أنها نادرة الحدوث، وربما تستفحل بهم خيالاتهم وتستشري إلى أن تبلغ بهم المرحلة الذهانية ولذلك كانوا يتخيلون بعض المسائل التي لا يمكن لها الحدوث مطلقا ثم يجيبون عنها وهذا ما حولهم إلى أهكومة في نظر خصومهم .
*****************************
1- مسالة دخول شخص كامل فرج امرأة :
في مسألة فقهية من أغرب غرائب الدنيا والتي لا يمكن لعاقل أن يتصورها حتى مجرد تصور؛ إذا دخل رجل بكامله من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه في فرج امرأة (ونحن نتسائل بذهول : كيف ذلك؟؟) هل يجب عليه غسل الجنابة ؟
جاء في حاشية الصاوي: ((لو دخل شخص بتمامه في الفرج فلا نص عندنا وقالت الشافعية إن بدأ في الدخول بذكره اغتسل وإلا فلا، كأنهم رأوه كالتغييب في الهوى ويفرض ذلك في الفيلة ودواب البحر الهائلة))[1/114] .
إذن لو دخل رجل شخصيا في فرج امرأة أو فيلة أو في دابة من دواب البحر فلا غسل عليه إلا إذا سبق الولوج بعضوه الذكري! وفي نفس المصدر أيضا إذا أمسكت المرأة بذكر الميت وغيبت الحشفة في فرجها فلا غسل على الميت!! فهذه النظريات العظيمة التي تقوض قوانين الطبيعة والعقل تسمى علما في عرف الفقهاء، وهي تجيب على الأسئلة الوجودية الكبرى، وكما لاحظتم فإنها تهتم بشؤون الأقليات مثل الذين يعانون من الزوفيليا أو نكاح البهائم وتنظم أنشطتهم، وكذلك النكروفيليين العاشقين لنكاح الأموات، فأي شيئ أكثر من هذا تريدون ؟!
*************************
2- مسألة إذا أدخل رجل قضيبه في قضيب رجل آخر :
نعم السؤال كما قرأته ولا بطيط، فإن قوانين الكوزمولوجيا تتكسر ومبادئ العلوم كلها لا قيمة لها في مقابل العلم الحقيقي الذي هو عند الفقهاء وحدهم، فيمكن للرجل فقهيا أن يدخل قضيبه في قضيب رجل آخر وليس هذا محل إشكال! الإشكال الوحيد هو : هل هذا الإدخال يوجب الغسل أم لا ؟ وللإجابة يتفضل الإمام عبد الحميد الشرواني في حاشيته على تحفة المنهاج : ((ولو أدخل ذكره في ذكر آخر وجب الغسل على كل منهما كما أفتى به الرملي شيخنا)) [1/259].
فهنا كل من الرجلين يجب عليها غسل الجنابة!! لاحظ.
***************************
3- مسألة إذا شق ذكره نصفين :
مادام بمقدور الرجل أن يدخل بتمامه في مهبل المرأة وأن يدخل عضوه الذكري في عضو رجل آخر فإن بمقدوره أيضا أن يشق ذكره إلى نصفين ويدخل كل نصف في مكان!! وكل هذا ليس بمعضلة عندهم ، المعضلة هي إن كان ذلك يوجب الغسل أم لا ؟
ورد في حواشي الشرواني أيضا: ((ولو شق ذكره نصفين فأدخل أحدهما في زوجة والآخر في زوجة أخرى وجب عليه دونهما ولو أدخل أحدهما في قبلها والأخرى في دبرها وجب الغسل عليهما)) [1/260].
فإذا شطر الرجل قضيبه إلى نصفين ، فأدخل نصفا في زوجته الأولى ونصفا في زوجته الثانية وجب عليه الغسل وأما هما فلا؛ لأنه أدخل قضيبا كاملا أما الزوجتان فكل منهما أدخلت نصف قضيب فقط، لكنه إذا أدخل نصفه في فرج امرأة ونصفه الآخر في دبر المرأة نفسها وجب عليه الاغتسال وعلى زوجته أيضا، لأن كل منها أدخل قضيبا كاملا إذا قمنا بجمع النصفين المنشطرين من القضيب!!
فبحق ما تقدسون أليس هذا هو العجب العجاب ؟ أليست هذه هي الكتب التي بسببها يساق الناس إلى الذبح وتشتت الأسر ويعرقل تطور البشرية وتتحول الحياة إلى وعيد وتهديد ؟؟
***************************
4- مسألة خرجت دودة برأسها من أحد المسلكين : إذا خرجت دودة من فرج الشخص أو من دبره فهل يوجب خروجها الوضوء ؟ قال النووي في المجموع شرح المهذب: ((لو أخرجت دودة رأسها من أحد السبيلين، ثم رجعت قبل انفصالها، ففي انتقاض الوضوء وجهان حكاهما الماوردي والروياني والشاشي وغيرهم، أصحهما ينتقض للخروج، والثاني لا)) [2/12].
فكما تري اختلف الفقهاء الشافعية في هذا الخروج العجيب لرأس دودة من مسالك الإنسان، فقال فريق يبطل الوضوء وقال فريق آخر لا يبطل مادامت الدودة رجعت إلى الفرج أو الدبر قبل أن تنفصل عنه!! لا تعليق.
****************************
5- مسألة لف المصلي خرقة على أصبعه ثم يدخلها في دبره:
ومع أننا لم ولن نفهم أي صلاة هذه التي سيقوم فيها المصلي بهذه العملية المقززة، لكن النووي يقول في المجموع : ((حكى الشيخ أبو محمد – فى الفروق – أن بعض أصحابنا قال : لو لف على إصبعه خرقة وأدخلها فى دبره وهو فى الصلاة لم تبطل صلاته فحصل وجهان)) [11/2] .
لا تعليق أيضا !!
****************************
6- مسألة موت الكافرة وفي بطنها جنين مسلم :
فرض الواقع معضلة منطقية على الفقهاء، فإذا ماتت الكافرة وهي حامل بولد رجل مسلم فإن الفقهاء يحكمون بكفر الأم وإسلام الجنين، وبالتالي أين ستدفن هذه المرأة الحامل ؟
اختلف الفقهاء كما العادة، واختلافاتهم ذكرها ابن القيم في كتابه "أحكام أهل الذمة"، أقتصر على قولين، الأول : لا تدفن في مقابر الكفار لأن في بطنها ولد مسلم، وفي نفس الوقت لا تدفن في مقابر المسلمين لكي لا تؤذي المسلمين بعذابها التي تتعذب فيه في القبر كما قال الإمام أحمد !! بل تدفن في مكان منعزل.
ولمزيد من التفصيل في كيفية هذه الدفنة العجيبة يتفضل ابن تيمية: "ويُجعل ظهرُها إلى القبلة ؛ لأن وجه الطفل إلى ظهرها ، فإذا دفنت كذلك كان وجه الصبي المسلم مستقبل القبلة" .
الثاني : هو أن تدفن في مقابر المسلمين فتكون بمثابة ثابوت للولد المسلم!! يقول ابن القيم في نفس الكتاب (ص163) "قال أصحاب هذا الوجه: وتكون للولد بمنزلة صندوق مودع فيه" .
الدرر النفيسة التي استفدناها من هذه الفتاوى :
أن جثة الكافرة الحامل بولد مسلم تؤذي الأموات المسلمين بعذابها البرزخي .
وجوب أن يكون ظهرها باتجاه القبلة لكي يكون وجه الولد باتجاه القبلة أيضا.
أن جسد الأم هو صندوق يدفن فيه الولد.
****************************
7- مسألة إذا ابتلع الرجل خيطا في ليلة رمضان وبقي طرفه في فمه حتى دخل وقت الصيام : إنه لمن المحير بمكان أن تخطر هذه الفكرة على إنسان سوي، وكيف سيبتلع الشخص خيطا ويبقى طرفه خارجا من فمه وطرفه الآخر داخل معدته !؟ سيتسحر بجرارة سنارة مثلا؟ أو ربما الجهابذة الفقهاء قد تنبؤوا بأكلة السباغيتي قبل الأوان؟ وكم هو هذا مشهد مقزز وفظيع رجل يبتلع خيط ويضل بعضه يطل من فيه !
لكن الفقهاء تطوعوا للإجابة على هذه المسألة الهرائية، ولها هنا ثلاث حالات :
- إما أن يبقى الخيط بهذه الكيفية حتى آذان المغرب وبالتالي الصوم صحيح.
- إما أن يبتلع الخيط أو يخرجه بمحض إرادته، فيبطل صومه.
- إما أن يبتلعه أو يخرجه من غير قصد كأن يكون نائما أو مكرها ، فيصح الصوم.
المجموع شرح المهذب [2/12] .
****************************
مسألة طفل يدعيه رجلان أو امرأتان :
إذا تنازع أكثر من شخص على ولد كل شخص منهم يدعي بأنه أبوه الذي ولده، فهنا أحوال كثيرة تختلف باختلاف الفقهاء أذكر منها:
استدعاء القافة، والقافة هم مجموعة من الأشخاص لهم خبرة بالتشابهات المورفولوجية بين الناس ويعرفون من ولد من من خلال الشكل التشابه، وإذا قال الخبراء أنه ولدهما جميعا فإنه ينتسب إلى أكثر من أب واحد!! وقد ذكر ابن عثيمين في شرحه لزاد المستقنع كيف ننادي هذا الولد، فمثلا اذا كان كلا الرجلين الذين ينسب إليهما اسمه محمد، فإننا ننادي الولد : يا ابن محمدين!!! وإن كان كلاهما اسمه عبد الله فلا يجوز أن نقول له : يا ابن عبد اللاهين لأن هذا شرك والله واحد، وإنما نقول له : يا ابن عبد الله وعبد الله!! ثم ذكر كيف يرث وكيف يورث وغيرها من التفاصيل.
وعند الحنفية لا شرعية للقافة لأنها حكم بالطن، بل ينتسب لجميع المتخاصمين وإن كانوا ألفا ذكورا كانوا أو نساء!! وهو في نظرهم ابن إمرأة واحدة في الحقيقة ولكنه في نفس الوقت مخلوق من ماء ذكرين أو أكثر كما نص عليه ابن قيم في زاد المعاد.
ويوجد أيضا حل آخر وهو إجراء قرعة لتحديد النسب، علما بأن المسلم إذا تنازع مع كافر في ولد ، فإنه ينسب للمسلم دون قرعة ولا قافة، كون جميع الأطفال مسلمين بالولادة !!
[زاد المعاد 825] / [نخب الأفكار 14/539] .
****************************
طبعا هناك الكثير من هذه الأعاجيب التي ذكرها الفقهاء ولكنني اقتصرت على ما تقدم تجنبا للإسهاب وإلا فإن الأمر يحتاج إلى مجلدات، وأيضا هذا كاف للتأكيد والبرهنة على أن الكتب الفقهية فيها الغث والسمين ولا تستحق أن تكون فيصلا لنا، وأن الكثير من الفقهاء قد بلغت بهم فهلوتهم وهلاوسهم مبلغا عظيما من الخرق والحمق ولا غرابة أن نشك في سلامة عقولهم، ويرصف التذكيز بأن بعض المرقعين يحاولون تبرير هذه الفتاوى بالقول أنها مجرد افتراضات لتنشيط العقل وتحفيز الذكاء، وهذا الزعم باطل قطعا، لأن الفقهاء كانوا في منتهى الجدية وهم يبدعون تلك الأباطيل والحذلقات وأدخلوها في مسائل حساسة لا تقبل العبث مثل الحدود والإرث والحضانة، كما أن هؤلاء المرقعين لا شك بأنهم ينتمون إلى الطبقة السابعة التي لا تفرق بين اليمين والشمال ولا الأفعى والسمكة فلا عبرة لأقوالهم ولا يلتفت إليهم.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن