فتاة الليل تقتحم عالم الكتابة

نوال السعداوي
nawalalsaadawi@yahoo.com

2019 / 9 / 15

تشجعت الفتاة الصغيرة، عمرها خمسة عشر عاما، وقررت أن تنشر قصيدتها فى مجلة الشعر، وإن ذهبت إلى مكتب رئيس التحرير دون موعد، ستبقى واقفة أمام بابه حتى يخرج الشاعر وتعطيه القصيدة، خرج الشاعر من بابه بخطوته الواسعة السريعة، كان يرتدى بدلة رياضية زرقاء والحذاء الكاوتش الأبيض، أقبلت عليه الفتاة مترددة متوجسة متوقعة أنه سيطردها من طريقه، لكن الشاعر استقبلها بابتسامة رقيقة أدهشتها، سألها: أتحبين رياضة المشى على القدمين مثل كتابة الشعر؟

قالت نعم، تعودت أن تقول «نعم» خوفاً من العقاب أو الحرمان من رضا الناس، دعاها الشاعر إلى النادى لرياضة المشى تحت الشمس، سألها عن حياتها، فاندهشت، لم يكن أحد يسألها عن حياتها، ولم يكن أحد ينظر إلى شىء فيها إلا النهدين والساقين. تشجعت، وبدأت تحكى عن طفولتها فى حارة فقيرة بإمبابة، دخلت المدرسة الابتدائية وتعلمت القراءة والكتابة، بدأت تسرق الصحف والمجلات من الكشك المجاور لبيتها، ماتت أمها بعد طلاقها من أبيها، دخل أبوها السجن بتهمة سرقة المحال التجارية، أشفق عليها صاحب محل لبيع ملابس المحجبات، أقنعها بارتداء النقاب، واشتغلت عنده بالمحل، تزوجها فى السر زواجا عرفيا، كان فى الستين من عمره وكانت فى الثالثة عشرة من عمرها، له أربع زوجات، وأولاد بالمدارس والجامعات، بدأ يضربها إن رآها تقرأ أو تخرج من البيت دون إذنه، لم تكن تخرج إلا لشراء الكتب، منع عنها المصروف، فبدأت تسرق الكتب، كان يدعو الرجال لقضاء الليل معها نظير المال، هربت من بيته ومن إمبابة كلها، حاصرها القوادون فى الزمالك ونهشها الزبائن، هربت إلى مصر الجديدة واشتغلت فى مكتبة صغيرة، عشقت القراءة والكتابة، تغيرت رؤيتها للعالم وعلاقة الرجل بالمرأة، بدأ تذوقها للأدب الجيد، اكتشفت أنها كانت تقرأ روايات جنسية تحتقر النساء، كتبها الأدباء المشهورون عن عشيقاتهم، تمنت أن تكون عشيقة لأحدهم، فيكتب عنها رواية.

لكن هذا الشاعر، بعد رياضة المشى، أخذ منها القصيدة، وقال، سأقرؤها، وأتصل بك غدا الرابعة بعد الظهر، أعطينى رقم الموبايل، لم تنوقع منه الاتصال بها فى الموعد، وإن اتصل فلن يتعلق الأمر بقصيدتها، واندهشت حين اتصل بها فى الرابعة تماما، وأكد أن القصيدة جميلة وسوف تنشر العدد المقبل، وتوقعت أن القصيدة لن تنشر، لكنها نشرت، وتوقعت بعد النشر أنه سيطلبها للفراش، لكنه لم يطلبها للفراش أبدا، كان يطلب منها أن تستمر فى الكتابة والنشر، واستمرت فى الكتابة والنشر، تحررت من هوان العمل فى مجال الجنس والهوى، بلغت ثمانية عشر عاما حين نشرت ديوان شعر، ورواية طويلة حازت الإعجاب، واستطاعت أن تستأجر شقة مع ثلاثة من صديقاتها الكاتبات، وأصبح الشاعر صديقا لها، لم تدرك أن الصداقة يمكن أن تكون بين الجنسين، سألته مرة: ليه إنت مختلف عن الرجال؟.

سألها: مختلف فى إيه؟ قالت: فى الأخلاق، سألها: تقصدى إيه؟ شرحت له ماذا تعنى، قال: إنها أمى، كاتبة حرة، لم يستعبدها أحد، هى اللى علمتنى احترام النساء، سلامى يا صديقى لأمك المحترمة، لو كانت أمى مثلها لما اشتغلت ثلاث سنوات فتاة ليل.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن