البحث عن الجمال في رحلة المجهول

سيروان شاكر
sirwan_sh_a@yahoo.com

2019 / 8 / 30

فتاح محمد: لايمكنني التوقف عند غليان الانفعالات
فنان تشكيلي بارع في البحث عن المجهول لايتوقف عند حالة معينة فانفعالاته الجياشة لاتجعله ان ينتظر المجهول بل يخوض معركة لاهوادة فيها، فهو في كل لحظة يعيش حالة معينة افكاره في الابداع لاتتوقف- يلون، ينحت، يزخرف، يحفر في اعماق ذاته عسى ان يلقى الحقيقة تنتظره ليظهر الى العالم ان ما ترونه ليس حقيقة بل حقيقة اخرى ذاتية سترونها في هذه الاعمال الابداعية. انه صراع من القوانين الانسانية بفغل ضربات الفرشاة او التقنيات التي يستخدمها هذا الفنان في كل عمل فني حيث يختلف من عمل الى اخر وهذا دليل رؤيوي على انه يمتلك قدرات كبيرة في مجال التعبير يضاف الى ذلك ان حقيقة الجمال لاتنحصر في تفسير الاشياء او وصفها بل هي تنحصر في ضرب من الرؤية العاطفية لهذه الاعمال، فهذه الاعمال تحتاج الى تفسير حدسي وتصوري ليتحول الى معرفة رمزية تنظم رؤية الاشكال فيبقى المتذوق صامتا وجها لوجه مع هذه الاشكال الخرافية تارة واشكال لا تظهر للعيان بل هو يساعد على تكوين نظرة اعمق للبناء الصوري للعالم، ربما كانت بعض مزايا فتاح الطبيعية انه ليس مقيدا بنمط معين من التعبير فهو يختار رموز الواقع الذي يراه هو فقط فيوصفها في مفاهيمها ليكون فلسفة شكلية رمزية وتعبيرية في ان واحد دون تم يكون لهذا اي معنى قابل للفهم او دلالة قابلة للتوصيل فهذا هو ذاته طابع رمزي يجعل منها لغة بشرية ذات صبغة انسانية.
فنان العصر فتاح موجود ويحيا ليكون فنانا وبالذات في عالم من الرموز، فلديه من الاستاطيقيا العاطفية ان يغزو بها عالما ماديا فيحوله سحرا اسطوريا حيث انه يتفنن بالالوان ويرقص فوق اسلاك من الحديد ليصنع بذلك احدى قصائده الجديدة وابداعاته الراقية في مدينة الخيال التي صنعها لذاته، فمجد ذكرياته بلغة نوعية واثاره تحكي قصصا توصف الجمال في كل عمل فني رسما كان او نحتا فلا تفرق عند هذا الفنان المبدع وسيلة التعبير لان اندفاعه وانتفاضته الذاتية تجعل من افكاره الجديدة محورا للصراع الذاتي فخياله الوجداني امتزج بين الدياركرى اقع وفلسفة اللاعقلانية الا ينظر الى الشيء بتفاعلاتها البسيطة بل يغزو المعرفة الذاتية باحاسيسه المنطلقة نحو عالم اشبه مايكون بالانفجار الذاتي.
جدل بين الاحاسيس والواقع وبين الادراك والحقيقة صورة تدركها الاحاسيس وصورة يدركها الفكر فهو يعيد تجريته الذاتية بهدف تحقيق المبدا للوجود عارفا عن الحسيات ليخرج من دائرة الصيرورة والتغير بحثا عن المطلق الذي يخلف عنه الوجود الحسي لذا كانت احاسيسه تنسب الى مملكة خاصة في استنباط المعارف الذاتية الوجدانية من التجارب الانسانية- فحسه يكيفه ان يعيد المنهج العلمي الصحيح بتجاربع وقدراته الداخلية فيكون صورة من الاكتشاف الذي يحمل اليه الحس- لقد ساعدت معاصرة فتاح ليؤكد على العقل الذي يستخلص ماهيته من علاقته المادية الا تحقيق في العمل الجمالي الا المطلق فانحصر في شكوك الافكار ليعيد التاريخ في كل مرة برواية جديدة يستمر معها لفترة وجيزة فتنقلب الاية مرة اخرى ويكتب رواية جديدة لامجاده واساطيره تلك التي تشبه اساطير الزمن المفقود، فطاقاته لاتتوقف عند برنامج محدد او اعماله لا تتوقف عند تجربة واحدة او اثنتين بل وعشرات التجارب الانسانية لايفقد الصبر في وفائه لحالاته الابداعية، متميز ومتطور هكذا هو فتاح محمد مقياس للزمن المعاصر فمرة يحفر ويبحث ومرة ينقش ويزهوا العالم بالوان لامثيل لها ومرة يدمج العقل بالاحاسيس ويدمج الواقع بالخيال فتظهر صورة فتاح باماله المستقبلية ثم في الاخير يخضع لقوانين الفضاء الحتمية. اعماله لايمكن ان تكون انعكاس الموضوعات الخارجية بل الحكم الذي يصدره فكره عن طريق الانطباع الحسي- احكام تجاربية وقضايا ميتافيزيقية لايمكن معرفتها هو ذاته انها حداثة فتاح احكام تحليلية تستمد من التجربة الحسية كي يفهمها هو ذاته ويفهما متذوق عال الحس ليتحسس فاعليته والسعي من دائرة المعطى الحسي نحو مبدأ جوهري يتجاوز الذات الاعتيادية والعارفة نحو الحقيقة المطلقة لقد عانى هذا الفنان المبدع في البحث عن جوهر الطبيعة والحقيقة في حوار تام وفي عزلة تامة مع الارواح التي لا تستقر عند منعطف يبدأ بفكرة مجردة وينتهي بقصة درامية ابطالها افكاره الخارقة تناقض نفسها بنفسها فهو مهتم كي يرتفع فوق ذاته ويبني صورته الاخيرة في اوجه مؤطرة مرة ومجسمة مرة اخرى رسم ونحت واعمال اخرى ليس لها اسم محدد عرفنا فتاح صورة المتغيرات الكبرى عاصفة ثلجية وفي بعض الاحيان غبار سد الطرق فلا مفر من الهروب، دوامة تبدأ عند بداية لمس الفرشاة ولاتنتهي الا عندما تهدأ العاصفة، وعندما نقم الاخرة عند فتاح لانرى سوى اشكالا خرافية وانهيارات هنا وهناك رعد وبرق وزلازل تهز الارض وحينها يظهر العمل الابداعي الذي كان احاسيسه في موعده الاخير عالمي شبيه بفترات النهضة العالمية، فانه يجد في الوعي التاريخي بتحولاته الكمية والكيفية وحده الخليقة بما هو منسجم ووحده قادر على الالمام بالحقيقة، لانه يعبر عند حركته العفوية والتلقائية تضم في صميمها الفكر والوجود، فالجدل لديه ينكر على الواقع اي قيمة ثابتة والطبيعة ماهي الا فكرة قد انتقلت الى الخارج وما الاحساس الا قوام للخيال، فكره التصوفي اعلن الحرب على الاتصال المباشر ليعطي للوجدان رؤيته اللغوية والتعبيرية فيرى الحقيقة هي ضرب من التشبيه برؤية المحسوسات فالعاطفة الجمالية عند فتاح لاتفصح انما توحي كي لاتعرقل الافكار عند المتذوق- شعور ينفذ العقل الباطن من الانهيار وهو بذلك في نفس غير مدرك بما تتجه اصابعه هل هو يدرك الاشياء والاشكال والالوان والمجسمات ام تنمو في داخله نتيجة لحاضره وماضيه وما يفكره في المستقبل- استئصال واستقصاء من معرفة عملية يمنحك من ما تبقى في ذاكرته ومن عالمه الذاتي ليعلن عن نشاطه الروحي مرة بعطاء الرقص ويوحي لك ومرة بحروب مدمرة ومرة بالوان عفوية فبمعرفته الحدسية تراها تارة وتارة اخرى تراها تلقائية، حاصلة في مجردات فكرية تتخذ سبيلها الى انقاذ عالمه من الموضوع ليصل الى الحقيقة المطلقة في عالم الوهم عالم الخيال الذي لاندركه ادراكا مستقلا عن اي تعبير فهو حين يعود الى الحياة يبلغ الحقيقة بكل جمالياتها ويعطي للمادة قيمتها الحقيقية في صورة وباحساس.
ان نظام فتاح جدلية لاتنتهي في نقطة ولاتبدأ في حوار، قانون ازلي ينشر الانسانية في عدة صور ومن المتناهي الى اللامتناهي انما تحمل في ذاتها حقيقتها الفعلية تعكس تطور ذاتية هذا المبدع بوصفها مذهبا جديدا في عالم الجمال.
الكاتب
سيروان شاكر



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن