طاح الحك وصاب غطاه...

العياشي الدغمي
elayachi.doghmi@gmail.com

2019 / 8 / 26

الزواج ؟ ما معنى أن يتزوج المرأ وينشئ أسرة/مؤسسة..؟
قبل أن نتحدث عن الزواج كمؤسسة عرفها البشر منذ القدم .. وعن ما سايرها من أعراف وتقاليد وممارسات وتمثلات خاضت فيها الأنثروبولوجيا خوضا .. أو عن البنود والشروط والأوامر الأخلاقية والدينية والقوانين المؤطرة لها .. باختلافاتها وتنوعها زمكانيا .. فإن الزواج .. قبل كل هذا يبقى عبارة عن اتحاد ونفي وتضاد وتكامل في نفس الوقت لروحين أو أكثر (polygamie ou polyandrie) .. جمعت بينهما/هم مشاعر أو عواطف نبيلة تتجسد في أرقى صورها على شكل حب واحترام ..
ولعل أهم تصور للزواج ذاك الذي يقوم على اتحاد طرفين من جنسين مختلفين (امرأة-رجل) ولا ننفي الأشكال الأخرى التي تتخذ أزواجا من نفس الجنس (امرأة-امرأة أو رجل-رجل) -رغم غرابة الفكرة للبعض- يكون الهدف من هذا الاتحاد : التعاون وتبادل المصالح .. وتكون غايته الأسمى تبادل مشاعر الحب والاحترام ونفي الكراهية والحقد في محاولة سيزيفية للتكامل وملء الفراغات النفسية والبيولوجية (غريزة الحياة والبقاء والاستمرارية) ..
وقد عرفت الطبيعة ذاتها أشكالا مختلفة وعديدة للزواج والتزاوج بين الأنواع الحيوانية المتنوعة .. غير أن الزواج بلمسته الإنسانية .. يعتبر بحق ظاهرة توشي بالتعقيد والتركيب .. إذ نلاحظ الأشكال المتنوعة للطقوس التي ترافق "حفلات الزواج" وما يطبعها من ممارسات وتقديس .. يجعل من "الحفل غاية في ذاته" وليس وسيلة لإعلان والتشهير باقتران طرفين .. تعبيرا عن "فرحتهما" وعن عبورهما وهجرتهما نحو عالم الأزواج وترك عالم العزوبية .. لقد أضحى كل ما يرتبط بالزواج شكلانيا/مظاهريا لا غير .. طغى عليه البهرجة والظهور والتمسرح .. حتى صار الزواج يعني "العرس" .. ولكن السؤال الملح هنا هو : ماذا بعد هذه البهرجة ؟
إن الجواب عن هذا السؤال يقتضي منا التساؤل عن ما قبله؟ أي عن كيف يتمثل "العريسان" الزواج ذاته .. وما يرتبط به من بنيات وعلاقات ومسؤوليات ومشاعر .. وما الذي يمثله كل طرف بالنسبة للآخر؟
إن نظرة بسيطة في ذهنيتي العريس أو العروس معا .. توحي بأن هناك تناقض صريح في تصورهما للزواج ولوظيفته ووظيفة كل منهما .. إنهما منتوج ونسخة مصغرة عن تمثلات المجتمع ذاته للزواج (أقصد بتمثل الجتمع - تصورات الأفراد - المنشئين) والتي تتصف بنوع من المثالية السوريالية الغارقة في التجريد .. إن العريس يتصور الزواج كمحاولة لإثبات الذات "غادي يولي راجل - وما يبقاش زوفري أو عازب" ولتحقيق تلك الغاية فإنه لا يهمه من هو الطرف الآخر ولا كيف يفكر ولا فيما يرغب ولا فيما لا يرغب .. المهم أن يكون من الجنس الآخر "يعني باغي مرا وصافي" .. الأمر الذي يدفعه إلى قبول اي ممن "تقبل عليه" ... والتي في غالب الأحيان تكون "عبارة عن عبوة من المشاعر والعواطف الزائدة عن الحد" التي كانت نتيجة لشحنات كثيفة من الأحلام والمتمنيات .. زكتها خطابات المجتمع اللامعة عن كون "الزواج سترة وكمالة دين" "لمرا هي براجلها" و " عز لمرا راجل" .. هكذا بنت تلك الفتاة "الطائشة" صورة مشوهة عن الزوج والزواج في نفس الآن .. من حيث ان الأول هو ذاك الفارس المغوار الذي سينتشلها من قيود ونعوت المجتمع ويبني لها قصر الإمبراطورة المدللة .. فيما الثاني أي الزواج فهو "البيت والاستقلالية والأطفال" .. وهكذا بين تنشئة العريس والعروس وتمثلاتهما وبين الواقع تتشكل الهوة ويزداد الانشقاق ..
فلنعد لسؤالنا الملح مسبقا ؛ فماذا يحدث بعد أن "وجد الحك غطاه" .. ؟
بعد الخطبة والعقد والعرس وما جاورهما من طقوس وممارسات وتبريكات .. وبعد مرور "سبع يام مشماش" تبدأ الصورة في الانجلاء .. وتبدأ حقيقة الواقع في فرض ذاتها ..
تجد الفتاة/الزوجة حاليا ذاتها أمام مسؤوليات أكبر مما تصورت .. دون ان تكافأ بأي من تمثلاتها وأحلامها السابقة .. تجد ذاتها وكأنها في ثكنة عسكرية .. تتلقى الأوامر من هنا وهناك .. والتوبيخات من هنا وهناك .. من طرف الحماة .. والأخت .. وحتى من الزوج ذاته فارس الأحلام .. الذي لم يكن ليتصر انه في يوم من الأيام سيحارب على جبهتين بنفس السلاح .. والذي بدأ يصحو على نغمات "تا كون راجل حكم مرتك شوية" أو "لا لا أخويا .. يا أنا يا مك" ... انتظرو إنها فقط بوادر الحرب الأهلية .. ولم يحم وطيسها بعد ...
بعد انقضاء فترة النقاهة "فترة مولاي السلطان" والتي غالبا ما لا تدوم إلا لأيام ... تجد العريس جالسا قرب "شي نادر ديال تبن" ويكمي في شقوفة ويخمم ويدوي عا مع راسو قائلا : وا ناري ميمتي شنو درت انا .. غرقت " ... وفجأة يأتيه خبر "الأبوة" (لأنو داك شي عند لمزااليط بزبة - ما كاينش) حينها يدرك ان آخر منفذ للنجاة قد تم تعتيمه ... "وكي ندير دابا ولولاد ووو"هنا يصحو من غيبوبته .. ويكون أمام أمرين أهونهما مر : إما أن ينتصر للزوجة بأن يستقل او "يفرق- يبدل باب البيت" وحينها يوصم بالسخط والعقوق ويصبح "حريمي من فعلو" أو يرضخ لضغوط الأم وحليفاتي في الحرب مهددا بذلك ما بناه يوما وتورط فيها حالا فيشتت العش و"يفركت الرمانة" ويطلق الإمبراطورة ويشرد الأمير ...
كلا الأمرين أحلاهما مر .. أليس كذلك؟ بالطبع .. أضف لهما قلة اليد والحالة فقيرة .. وستدرك حجم الورطة .. فما الحل حينها ...؟ في الواقع لم يعد هناك من حل .. إلا بمشكل آخر أكثر تعقيدا .. لقد كان هناك مجال للحل فيما سبق وليس فيما هو الآن أو فيما سيكون .. لقد كان على المجتمع ان يقول الحقيقة .. وأن يكون واضحا في تنشئته "للعزري" من جهة و "للعزبة" من جهة ثانية .. كما كان لابد من "التصور والتخيل" على قدر الإمكان .. والاستفادة من تجارب من سبق .. ومن الوقائع الماثلة .. وكان من الأجدر إدراك أن الزواج هو بالأول : حب وتقدير واحترام وتعاون ونفي واتحاد وتكامل وصبر وتنازل وواقع ومسؤوليات ومشاركة .. وليس عرسا او احلاما أو تخيلات سرعان ما تنكسر مع صخرة الشاطى لأول موجة مد ...
وأخيرا أقول : الزواج هو ان تكون قادرا على أن تعيش روحك في جسد آخر يبادلك نفس الإمكانية .. غير أن هذا الأمر يتطلب معرفة دقيقة بذاك الآخر .. وتقبل اختلافاته وقناعاته .. وان يكون هو ايضا متقبلا لك ولواقعك ومعتقداتك وتصوراتك .. وبعدها فلتبحر السفينة حيث شاءت شريطة ان تكون سفينة مستقلة من المرسى والمنطلق ..
وحينها يمكن القول فعلا : "طاح الحك وصاب غطاه"
العياشي الدغمي - 26-08-2019
المغرب



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن