المزرعة الشرقية بين الماضي والحاضر ( الحلقة الثانيه )

محمود الشيخ
sawadmahmoud1949@gmail.com

2019 / 8 / 20

بقلم : محمود الشيخ
الحلقه الثانيه

مرت المزرعة الشرقية بعدة مراحل تاريخيه،من عصر الرومان الى الصليبين،الى مرور جيش صلاح الدين الأيوبي منها عندما قدم لتحرير القدس،قدم له اهالي المزرعة الشرقيه واهالي سلواد المساعده في وصول جيشه الى القدس وتحريرها،ثم سيطرت تركيا العثمانيه على فلسطين فكانت المزرعه الشرقيه وسلواد كرسي السلطان.
اما جذور التسميه فاول اسم اطلق عليها ( الدرجه ) نظرا لتدرج طبقاتها الأرضيه كان ذلك في العهد الروماني، والإسم الثاني لها (مزرعة ابو طاسه) اطلقه العثمانيين عليها وتدل التسميه على انها بلد زراعي تملىء طاساتها من محصولها الزراعي ولا يحتاجون غيرهم، ثم الى (بني مره) ،نسبة الى الشيخ صالح جد ال زبن القادم من واد موسى في الاردن،وقد اطلق على مبنى كبير بمحاذاة المسجد القديم اسم قهوة الموسه او (الشركه او بالفلاحي الشرجه) كدليل على المكان الذى قدم منه الموسه وهو واد موسى في الأردن ،وهم حامولة زبن وحجاز وفرج،وفرج بالأصل هم دار ابحميده ودار عبد العزيز ودار عبد الباقي ثم انضم فيما بعد لهم حامولة دار ابو عجاق القادمين من كفرعقب، ثم تغير اسمها الى (المزرعة الشرقيه ) يعني انها بقيت محافظة على اصل تسمينها،الذى يعني انها بلد زراعي،
واما مساحة البلد المسموح البناء فيها حسب مخطط شمشون البريطاني في عهد الإستعمار البريطاني وحتى نشوء السلطة الفلسطينيه،هو ( 950) دونم وبقيت على هذا الحال الى ان تأسست السلطة الفلسطينيه وتوسع هيكلها التنظيمي ليصبح اليوم (5732) دونم وعدد الأبنية فيها ( 950) بيتا حسب بيانات دائرة الإحصاء المركزي الفلسطيني في العام 2007، ليرتفع عددها
الى ( 1200 ) بناء حسب معطيات البلديه اليوم 2019 بغض النظر عن كون عشرات الأبنيه غير مأهوله وخاليه من الحياة،بسبب الهجرة الى امريكا اذ يقدر السيد (محمد باسم مهندس البلديه ) ان نسبة الأبنيه الخاليه او غير المأهوله تبلغ
( 40%) من مجمل الأبنية القائمه في البلد،.
وتبلغ مساحة شوارعها حوالي (71 ) دونم و(100) متر،ويقدم سنويا للبلديه ما لا يقل عن من (20) الى (25) معاملة رخصة بناء،ويبلغ عدد سكانها المقيمين فيها (4260 ) نسمه ايضا حسب احصاء دائرة الإحصاء المركزي الفلسطيني لعام (2017) اما في سنة ( 2007 ) كانت (4495 نسمه يعني العدد في تناقص، وتبلغ مساحة الأراضي المزروعه فيها (7692) دونم معظمها بالزيتون وقليل منها بالعنب والنين، اذ تبلغ مساحة ألأراضي المزروعه بالعنب اليوم فقط (23) دونم من اصل مئات الدونمات التى كانت مزروعة بالعنب غير اشجار التين،وسنأتي للحديث عنه لاحقا،وواما مساحة الأراضي المرويه فهي (24) دونم زراعه مرويه يقوم بها السيدان ( صالح مبارك وعبد الجواد سعد )،ومساحة البلد تبلغ (16333) دونم صادر الإحتلال اعلى تل مجاور لتل العاصور اقام عليه معسكرا للجيش اراضي مملوكه لأهالي المزرعة الشرقية واهالي ديرجرير.
الزراعه كانت المصدر الرئيسي لإقتصاد البلد في االعقود التى عاشها الناس ابان فترة الإستعمار سواء البريطاني وغيره، وفي عهد الأردن كذلك ،إذ لا تخلو ( نقاره ) كما يقولون باللهجة الدارجه من زراعتها،لأنها كانت المصدر الوحيد لمعيشة الناس،يزرعونها بالشتاء ويحصدونها باول الصيف،وهم يغنون لها ( منجلي يامن جلاه راح للصايغ جلاه.... منجلي يابو ) يزرعونها اما بالعدس او الفول والكرسنه والقمح والشعير والفول او البندوره والكوسا والفقوس والباميه والبازيلا وخضروات اخرى، ومناطق اخرى مخصصه للعنب والتين الذى كان مصدر مهم من مصادر دخل العائلات ، يبيعونه لمقاولين من نابلس يأتون للبلد مع مركباتهم (تركات) البازيان وصناديقهم الخشبيه يأخذونها اصحاب كروم العنب لتعبأتها بالعنب هذا يأخذ عشر صناديق وذاك خمسة صناديق فيشغل البلد ببيع العنب الأبيض احد المقاولين كان لقبه ( بيزو ) يلبس طاقية بيضاء،ذات يوم سقطت عن رأٍسه فإلتقطها العم صبحي شحاده عسكر ووضعها على رأسه ومن يومها أطلق عليه لقب (بيزو) المقاول وبقي ملاصق هذا اللقب له حتى مماته رحمه الله.
بطبيعة الحال كانت البلد عامره ليل نهار ايام الحصيده قسم من الناس ينام على بيدره ليفيق مبكرا اما ليدرس قمحه وعدسه وكرسنته او غير ذلك ليقوم (بذري )محصوله يستعجلون انجاز عملهم حتى ينتقلون الى العرايش او (العزب ) في الأراضي المزروعة بالعنب والتين ليأكلوا من ثمارها مثلما كان يقال عنها (المونه على القصفه ) اي على ظهر الشجره او في عبها،فكانت حياة الناس بسيطة جدا وممتعه لا يوجد غني او فقير كل الناس ينتمون الى طبقة واحده الغني فيهم لا يمتلك في جيبه اكتر من (10) دنانير،حال الناس ( امستره ) معيشتهم وراضون عنها،لا ترى صاحب (كرش ) بل كل الأجسام مستقيمه بسبب ان كل شخص من رجل وامرأة يمتلكون اما فأسا يحفر فيه ارضه ويزرعها على يده او ( منتاشا ) للمرأة تقلع فيه (النتش ) لإستعماله في الطبخ فلا وجود للغاز كأداة للطبخ ولا وجود للغسالة كأداة للغسيل،بل هذا يعملوه على ايديهم،وطبخات الناس معروفه بسيطه معظمها خالية من اللحمة والدجاج ،واللحام او الجزار عندما يذبح لا يذبح ذبيحته الا بعد ان يكون قد باعها سلفا لخلو البلد من الثلاجات،وفي الأعياد عندما كان الناس يذبحون (عيديتهم) يقومون بشبحها او تعليقها في (كلاب ) او في سقف البيت يغطونها في قطعة قماش خفيفه تكثر فيها المسامات ليصل الهواء للحمه يسمون هذا الشكل (تذبيل ) اللحمه او تجفيفها ومتى ارادوا الطبخ منها يتناولون الجزء المراد يقطعونه منها ويطبخوه،لكن معظم طبيخ الناس يقتصر على الخضروات ولذلك كان عدد الوفيات قليله بسبب خلو اكلاتهم من الكلوسترول،والسكريات،والوحيد في البلد من كاان يمتلك (كرشا ) هو السيد ابو رافع حميده او كان يطلق عليه (عبد الله الهيدي) وعندما كان احد اصدقائه وكل الناس كانوا قريبين من بعضهم البعض علاقتهم متينه مبنيه على التسامح لا كبير ولا صغير لا غني ولا فقير الناس ميسوره احوالهم وعلاقتهم مبنيه على الإحترام الشديد،يترجمونها في علاقتهم بالمناسبات وسنأتي عليها فيما بعد،اما السيد ابو رافع كان جوابه للناس عندما يلمسون بطنه المتكرش هذا دفعت عليه دولارات كان مغتربا في كوبا ثم ان اخوه واسمه ( طالب حميده ) كان مغتربا وناجحا والمسموعات انه مليونير يرسل له اموالا لا تكفيه فقط بل تزيد وكانت بنية ابو رافع الجسميه قوية جدا،ثم قدم السيد طالب حميده العديد من المساعدات للبلد وكان مضرب مثل للناس عندما كان احد يريد الإستهزاء من اخر بسبب فقره يقول له (اه يا طالب حميده ) كدليل على فقر التاني.
مهما تحدثنا عن الماضي لن نوفيه حقه وبسبب بساطة حياة الناس فيه ان سألت احد عن الماضي سيقول لك (ساق الله على ايام زمان ) فنصف دينار كانت تكفي الناس ربما شهرا بسبب اولا رخص الحياة وثانيا متطلبات الناس لم تكن كما هي اليوم،فدجاجة تبيض لك بيضة في اليوم تنير لك البيت اسبوعا،
بقي هذا الوضع قائما بإعتماد الناس في حياتهم على بيع العنب ثم التين الى ان اصيب العنب بمرض قاتل اتلفه وغدت مئات الدونمات خاليه غير مفتلحه،وبدأ الناس بزراعتها في ساحات بيوتهم بعدد قليل لا يتجاوز الشجرتين اوالتلاته،فقط للمونه،في الوقت الذى بدأ الناس يهاجرون الى امريكا بعد عام ( 1970)، بكثره رغم ان الهجره بدأت بعد العام 1949 ثم سبقها اواخر القرن التاسع عشر الهجرة الداخليه،-.
فمنذ اكتر من خمسة عشر عاما قاما الساده ( محي الدين عزات رشيد والسيد فاروق جميل هيفا بزراعة ما يقرب من (13) دونم من العنب الأبيض وكذلك الساده (فتحي فخري وفوزي فخري وفؤاد فخري بزراعة حوالي (عشر) دونما بالعنب الأبيض ايضا طبعا يقومون ببيع منتوجه للاعراس في البلد،
مع ان الإحتلال فتح باب العمال في بدايته كان في توسيع شارع نابلس اخذ عددا كبيرا من الناس خاصه الشباب العمل فيه مع الأشغال العامه في توسيع الشارع لكن يتقاضون اجورهم عن طريق رجل (يهودي ) الى ان افتتح العمل في المشاريع الإسرائيليه،فإنتقل اعتماد الناس في حياتهم ومعيشتهم على العمل في اسرائيل،يوميا يخرج من البلد حمولة باصين في الصباح الى القدس،وفي احد الأيام اطلق مستوطنين النار على ركاب باص ابو صبحي زهدي الشسلبي في الصباح مما ادى الى جرح (6) من العمال،فشكلت هذه نقطة تحول في اذهان الشباب للتفكير الجدي في الهجره ومن الجرحى ( محمد رشيد ابو الزرده وابو اكرم درويش الشلبي ) الى ان غدى عدد المهاجرين من الشباب في ازدياد كبير وصل حتى يومنا هذا الى (11500) مغترب او مهاجر،انما يرتبطون بروابط قويه في بلدهم،ساهم في ارتفاع عدد العمارات والأبنيه في البلد حتى وصل الى (1200) منزل ،وتوسعت على ضوئه المسطح الهيكلي للبلد المسموح البناء فيه من (950) في عهد بريطاني الى (5732) دونم غير المساعدات الماليه التى يقدمونها للبلد،مما ساهم في تطوير البلد في كافة المجالات،مثلما للهجرة انعكاسات سلبيه كان لها انعكاسات ايجابيه،لا يعني ذلك اننا نشجع الهجره بل ننادي الشباب في المهجر العودة الى وطنهم وعدم ترك اولادهم يعيشون في بلد اخر ينهلون من ثقافتها وعاداتها،وينسون حتى جغرافية وطنهم وعاداته وتقاليده وثقافته،ثم حتى لا ينسون لغة شعبهم ولا يفقدون حسهم القومي.
في السبعينا ت من القرن الماضي كثر بيع التين الأبيض وكون البلده كانت مليئة بشجرة التين الأبيض،في تلك السنين، كان ترك المقاول يقوم بتوزيع الصناديق على اصحاب التين (السحاحير ) وهذه كانت احد مصادر دخل الناس،ولذلك لم يكن هناك غني او فقير بل كل الناس سواسية في الدرجات الطبقيه الكل من طبقة واحده يشتركون بنفس الأكلة وبنفس الصفات في الصيف كان ينتشر العيش في كروم العنب،يقومون من نومهم وهم حاملين في ايديهم قطعة خبز يأكلونها مع التين المشطب او العنب وهنا اتحدث عن ايام ما قبل الإحتلال،يوميا يلقط الناس ما يتساقط من شجر التين ( الذبيل ) ليحولوه الى ( قطين ) تجده في الشتاء في جيوب الكبار مليئة بالقطين عندما يشعرون بالجوع يتناولون مجموعة من حبات القطين ليسد رمق جوعهم ،حياة الناس كانت بسيطه ماءهم في الزير او الجرة يتنناولون شرابهم منه وفي وقت نزوح المياه التى كان الناس يعتمدون فيها على ابار الجمع وعند انتهائها يذهبون الى عيون المياه ( عين الصراره وعين العباصه وعيون الحراميه وعين يعقوب ) نذهب النساء وهن يحملهم ما تجمع من ملابس متسخه ويقمن بغسلها هناك يذهبن ( سروة ) يعني مع الضحى ،ومع بزوغ الشمس لتملأ سطلها بالماء وتنظف الملابس التى تجمعت لديها.
وفي زمن عادات الناس المحببه والتى كانت متأصله ك ( العونه ) التى فقدناها ولم تعد موجوده كان الناس يترجمونها عندما يقوم اي شخص ببناء سكن له ووصل مرجلة العقد،كان الناس ينصبون السقايل من الأرض حتى العقد يشكل الشباب صفا متواصلا يوصلون تنكة الباطون من الأرض وصولا حتى اخر شاب من الذين يقومون بتجهيز خلطة الباطون يسكبونها في تنكات يرفعونها واحدا تلو الأخر حتى تصل العقد ويسكبونها واما النساء كانت تحمل الخبز والسكر او الرز للمساهمه في تحضير الطعام للشباب،وفي موسم الحصاد من يتأخر في حصاده يقومون الناس من اقاربه واصدقائه (بفزعه )( عونه) له منذ الصباح حتى ينتهي من حصاد قمحه،وكذلك في موسم قطف الزيتون ايضا يفزعون الناس لمن يتأخر في قطف موسمه.
هذه كانت عادات متأصله في عقول الناس بيوتهم من طين صحيح لكن قلوبهم مليئه بالحب والتسامح والتكافل والحياة.
ثم اعتمد الناس في حياتهم كذلك على زراعة البندوره والكوسا إما لمونة بيوتهم او للبيع ان زاد عن حاجتهم منه شيئا،ففي تلك الفتره من الصعب ان تجد قطعة ارض غير مفتلحه او غير مزروعة،ثم ان البعض من الناس اقتنى بعضا من الأغنام تزوده بالحليب واللبن والكشك فكانت البلد مليئة بالأغنام قبل العام 1967 منها يطلق عليه (لحوش) اي اغنام ليست لواحد من البلد بل لناس كثر يقوم برعايتها شخص واحد يتقاضى اجرة شهرية عن كل شاة،فالرعاة كانوا هم (عطا ابو المنسي ) (ووليد فوزي طه الشلبي ) هولاء سافرا الى البرازيل بعد ان توقفا عن الرعي،عاد المنسي وبقي وليد ثم فضل ابرباح وابو فارع ابو الشايب،ومحمد ابحرب وسعيد قاسم شيخه،ثم من اقتنى دجاجة بياضه كان يشتري ببيضته كازا او اي شيء اخر مبادلة مع صاحب الدكان،بقي حال الناس على هذه الشاكله الى ان احتلت البلاد في العام 1967 انتقل الناس للعمل في اسرائيل وبعد ذلك ازدادت الهجره الى امريكا.
فكانت اولى ثمار المغتربين وصل البلد بشبكة الكهرباء
التى كانت تبرعات المغتربين سببا في ربط البلد بشبكة الكهرباء فستهم الأهالي ب (10) الاف دولار وماتبقى من المبلغ (11) الف دولار دفعها السيد طالب حميده، ولهذا كانت سببا في ربط البلد بشبكة الكهرباء،والمبادر كان السيد كمال عبد العزيز الذى قدم طلب لشكرة الكهرباء عن طريقه بعد ان عاد الى امريكا ليجس نبض اهالي البلد في امكانية تقديم المال لصالح ربط البلد بشبكة الكهرباء كان ذلك في العام 1973 وانيرت البلد مع بداية العام 1974 يعود الفضل في ذلك الى اخواننا المغتربين والى السيد كمال عبد العزيز صاحب المبادره في ذلك.
.
واما شوارع البلد بقيت ترابيه حتى اوائل الستينات عندما بدأت الحكومة الأردنيه بحفر غرف في الصخرتمتد حتى (16) متر كل غرفة وعددها (4) في منطقة المغر استعملت كمخازن تموين لصالح الجيش ،اشتغل فيها المرحومين عبد الحميد حميده ووالده الملقبين محمد سليمان حميده الملقب ( ابو قنينه ) رصف الشارع الموصل لها ثم شارع البلد الرئيسي،يعني لم يمضي اكتر من (50) عاما على تعبيد شارع البلد الرئيسي،و(34) عاما على ربطها بشبكة الكهرباء،وسنأتي على ربط البلد بالمشاريع الأخرى كالمياه وتعبيد الطرق وبناء المدارس والمستوصفات ورياض الأطفال وغير ذلك من مشاريع وعن الأكثر مساهمة من شخصيات البلد في تطويرها.
يتبع في الحلقة الثالثه



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن