المرأة المسلمة في مرآة غربية -قراءة في كتاب

سهير فوزات
souhearfouzat@gmail.com

2019 / 8 / 18

في كتابه (استسلام) يعرض ميشيل ويلبيك بطريقة محايدة صادمة موضوع المرأة في الإسلام
من خلال بطل الرواية العازب الذي يفشل طوال حياته بالحفاظ على علاقة نسائية مستقرة. يطرح الكاتب بداية وجهة نظر تحجّم المرأة وتضعها في مرتبة دون الرجل طبيعيا في صورة فشلت محاولاته من مكان لآخر عبر الرواية من تعديلها. هذا البطل غير المتوازن جنسيا والمحتقر للنساء والفاشل في عاطفيا يكون في نهاية الرواية نموذجا مثاليا ليعتنق الإسلام ويتمتع بميزاته كدين ذكوري.
فيما بعد وفي سياق استعراض ميزات الإسلام كتنظيم سياسي بالنسبة للأنظمة السياسية الأوربية المعاصرة يعرض الكاتب المرأة المسلمة وطريقة (تدجينها) ومنحها الميزات مقابل امتلاكها كأي حيوان أليف آخر: قطة- بقرة- عصفور قفص أو دجاجة... صنف بشري مختلف قليلا كما يصفها في إحدى الصفحات.
للحقيقة هو لا يجانب الصواب في تسليط الضوء على هذه الرؤية الإسلامية للمرأة التي وفقها، أي الرؤية، يتم إنتاج نساء طفاليات مغناجات يستمتعن بخضوعهنّ "لا يلبثن أن يتركن عهد الطفولة حتى يعدن إليه عبر الإنجاب" حسب تعبيره وبعد ذلك حين يكبر الأولاد تأخذ المرأة مكانها الذي ألفته في المطبخ وفي خدمة الزوج الثري أو المقتدر الذي يزداد عدد زوجاته واحتمالات متعته كلما زادت نقوده. لم يتطرق حتما لوضع المرأة الخاضعة دون مقابل، تلك التي تنخرط في الإطار الأسري المتوفر مقابل مجرد منحها شرف الأمومة والانفصال عن بيت أهلها بما يسمى عقد زواج (بالتراضي) وكأن الخيارات خارجه كثيرة وتستحق المقارنة ولا توقع المرأة فريسة تبعية أخرى حتى وإن كانت عاملة ومستقلة ماديا.
السؤال هو إن كانت المرأة المسلمة الخاضعة والمدجّنة موجودة حقا في مجتمعنا ومتآلفة مع وضعها (وقد ساعدت مؤخرا وسائل التواصل في ارتفاع هذا الصوت عبر فيديوهات وصور تبين الرأي الإيجابي لعدد من النساء في تعدد الزوجات وفي قوانين تشريعية ترسخ الوصاية والتبعية) فهل يجب على بقية النساء الشرقيات -الطبيعيات اللاتي لا تراهن مرآة الكاتب الغربية- وضع خط فاصل بينهن وبين النموذج الأول والتوقف عن محاولات تحريره ومحاولات توعيته؟ وبالمقابل أليس على الرجال التمييز أيضا بين هذين الصنفين والتوقف عن أخذ الثاني بجريرة الأول ووضع القوانين على المقاس الضيق للصنف الأول، أتحدث هنا عن كل القوانين التي تعطي الرجل حق الوصاية على المرأة بحسب نفس النظرة الدونية للنساء من قانون الشرف مرورا بحضانة الطفل والنفقة وصولا إلى منح الجنسية واسم عائلة الأم للطفل المولود من رحمها مهما كان أبوه والتي يخضع لها ويطبقها الرجال الشرقيون منذ قرون سواء من احترم المرأة منهم ودافع عن حقوقها أم من اضطهدها.
هل علينا أن نطالب بقوانين جديدة للنساء الراغبات في تكبد عناء المساواة والحرية وترك المترفات و(النساء القطط) يستمتعن بسعادة طفولية وزوجية غير منتهية في إطار استقرار أُسروي إسلامي.
وهل تتوصل كل امرأة لتحديد انتمائها لأي من النموذجين من خلال اختيار تبعيتها أو استقلالها بعيدا عن الضغوطات الاقتصادية والعاطفية والاجتماعية وبعيدا عن التهديد بفقدانها الجنة السماوية حتى بعد فقدان الأرضية؟
حسب إحدى الإحصائيات الحديثة فإن نسبة العزوبية بين النساء تصل أعلى مستوياتها في عدة دول عربية أعلاها لبنان والإمارات وسوريا، وفي إحصائية عام 2017 وصل عدد النساء العازبات اللواتي تجاوزن الثلاثين من العمر في مصر وحدها إلى 13 مليونا. مقابل تلك الأرقام بدل أن يقترح أصحاب النظر مثلا تشريع قانون يمنح المرأة حق بناء أسرة بلا ذكر وصي، أو حق منحها اسما لطفلها بلا أبٍ يأتي ربع الشهر (حسب قانون الزوجات الأربعة) لكي يرمي ظله الاجتماعي -وأشياء أخرى- ويمضي، المرأة المستقلة اقتصاديا والتي ليست بحاجة لصدقة ورعاية الآخرين! المرأة التي تمنح جسدها لحبيب عابر من أجل طفل! نجدهم يفكرون ضمن الإطار التقليدي الموروث لرجل يتمتع بميزاته ولا يرى من المرأة سوى تابع وكائن درجة ثانية فيطالبون بالعودة ألفا وخمسمئة سنة واستنطاق تشريعات أكل عليها الدهر وشرب لتشريع فرض زواج ثان وثالث على الرجال.
إن الناظر إلى قوانين الدول العربية يعتقد أنها دول خالية من النساء. دول تعتبر فيها النساء بطونا منجبة أو حديقة خلفية لمنزل فاره يُلجأ إليها للاستراحة. لكن حين يعلم أن المرأة في أغلب تلك الدول برعت في كل ميادين الحياة وحتى المحاماة والسياسة يدرك أن العلة تشريعية جامدة ولا علاقة لها بالواقع. أستثني تونس التي حققت وتحقق تميزا في تشريعاتها المغضوب عليها عربيا وإسلاميا.
عودة إلى كتاب استسلام: يوصل لنا ويلبيك بأسلوب نقض الفرض فكرة تأخر التشريع الإسلامي عن روح الحضارة مع أن الكتاب الجدلي هو مزيج عجيب بين تمجيد الإسلام والذعر من وصوله الحكم في فرنسا في الأعوام القادمة إلا أنه ينجح في طرح الكثير من الأسئلة على العالم الغربي أسئلة يصل صداها إلى العالم الإسلامي ونسائه مضخما مئات المرات ليفضح المسكوت عنه ويهز ولو مؤقتا غفوة النساء والرجال المغيبين عن ركب الحضارة.
فهل من أذن تلتقط هذا الصدى أم أنه -على حد تعبير الشاعر عبد المعطي حجازي- سوف "يضيع في صمت الفضا"؟!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن