قانون التقاعد العام

راغب الركابي
rakeb.alrekabi@gmail.com

2019 / 8 / 13

التقاعد في مفهومه العام :  -  هو ضمان مالي يعطى للفرد في سن معين ، أو إنه يعطى  للفرد  في حال لم  يكن  قادرا على العمل  -   ، وهذا  الحق  مكفول  من قبل الدولة  لكل فرد فيها  سواء أكان من المشغلين أو العاجزين ، ولا يرتبط هذا الحق بكون الفرد عاملاً أو لا  ، ولا يستثنى من هذا الحق النساء ولا  الشباب بإعتباره حقا عاما ،  هذا من ناحية البنية التعريفية  والتكوينية لأصل هذا الحق ، وأما التفاصيل فتكون بقانون مُنظم  لا يجب أن يظلم فيه أحد .
وبما ان الكلام عن الحق المادي فالواجب  أن  يرتبط  هذا  الحق  بحياة الأفراد   لا بعد موتهم  ، أي إن هذا الحق  مؤوسس  للأحياء  وليس للأموات  ،   فلذلك نقول إنه  يسقط  بالموت  ولا يصح  إعطائه لورثة الميت   مهما علو أو قربوا   -  لأنه  حق  يتعلق بالفرد المعين بذاته  في الحياة  -   ، وأما خاصة الميت وعائلته فليس لهم من هذا الحق شيئا  .
  لماذا  ؟  :  لأن الأصل  في القانون العام  (  أن يكون  لكل فرد في الدولة ومن يقيم فيها  أو عليها   راتب شهري   )  ،  هذا الراتب هو بمثابة  المعاش الذي يوفره   للفرد  العمل أو غيره ، والدولة  والحكومة  بكل مؤوسساتها  مسؤولة  مسؤولية مباشرة  عن توفير ذلك  ،  وبالتالي فليس هناك إعالة  أو إحالة   من أحد لأحد  في المعاش أو الحياة  من الناحية المادية ،  [   فلا الزوج مُعيل لزوجته ولا الزوجة معيلة لزوجها  ]   ،  أعني  إن الدولة ومؤوسساتها  مسؤولة عن  توفير  الضمان  و الحرية المادية والإقتصادية لكل فرد  ،  بمعنى :  إن  لكل فرد من أفراد  الدولة  دخل وراتب  شهري  معين  ،  يكفل له كرامته  وحياته  وهذا هو الكفيل  بسقوط  مفهوم الإعالة بعد الموت  ،  كما هو متبع في البلدان المتخلفة  والتي تسن قوانين التقاعد على أساس ذلك .
ومن الطرائف في هذا الشأن ما قام به الرئيس مام جلال   حين أعطى  لعبدالكريم قاسم راتباً  تقاعدياً   (  في منقبة  وهبه  لا أفهمها  ولا أعرف مغزاها  )    ،   والحق إن هذا التصرف  من مام  جلال   هدرا متعمدا وإفسادا  في البنية الإقتصادية والمالية للبلد ،   نعم  تصرف الرئيس جلال  من وحي  قدم   قوانين  التقاعد  وماهي عليه بالفعل   ،  ولأن ذلك كذلك  فهنا تبدو الحاجة ماسة لإعادة النظر  في كتابة قانون للتقاعد  جديد ينسجم من بنية وطبيعة النظام الجديد .
مستفيدين ومتكأين  مما قدمناه  في مجال الحماية والضمان لكل فرد في حياته  ،  إذ عندما توفر للمرء في حياته المعاش الذي يحفظ كرامته وإنسانيته ، لا تعد الحاجة للعمل  بذلك القانون القديم بمعنى إن ما يوفره الضمان  لكل فرد  من راتب يُغنيه عن الإنتفاع بحق الغير من غير وجه حق ، وبحسب القانون العام  فالدولة مكلفة بتوفير ذلك الراتب الشهري لكل فرد ذكرا كان أو أنثى صغيرا كان أم كبيرا ،  هذا الحق يجب ان تكفله قوانين الدولة وأنظمتها  ،  وإذا توفر هذا الحق للجميع لم تعد الحاجة لإستقطاع المال تحت بند تقاعد الميت ، فالميت لا تقاعد له ولا يصح ذلك مطلقا .
  طبعا نحن نتكلم عن القانون وعن الواجب  الذي   يجب أن تكفله  الدولة والحكومة  وتعمل به  ،  وهذا الواجب  يوفر للدولة  الضمانة والحماية  من الوقوع بالهدر والفساد   والتبديد والإسراف في المال العام ،  والعمل بموجب هذا  ليس مسألة عويصة   ،  بل هو  في صميم العمل الوطني :  أعني في حال ضمان وتوفير  الراتب الشهري لكل فرد تنتفي الحاجة ، لراتب للميت تحت بند التقاعد ، فالتقاعد عمليا يشمل الفئات الحية والمستحقة بحسب القانون  .
وفي هذا  المجال  لدينا رؤية  متكاملة  وتفصيلية   ، إن رأت الحكومة والمجلس النيابي  ذلك ، فيمكننا مناقشتها وبحثها  معهم  وإقرارها  على نحو قانوني   ، والأمر في ذلك يحتاج إلى إرادة ونية  صالحة   وعزيمة  وطنية تحقق للفرد العراقي ما يغنيه ويحفظ كرامته  في حياته ،  ومن دون اللجوء لإستهلاك المال العام  وتبديده  ، وهذا الكلام أوجهه للأخ رئيس الوزراء والأخ رئيس البرلمان ، للإحاطة والعلم فيما لو توفرت  الإرادة و الجدية والصدق والنزاهة ، فنحن بعون الله جاهزين للمساهمة في صياغة هذا القانون وتعميمه ..



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن