(7) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف

أسماء غريب
letteraturasmgher@gmail.com

2019 / 8 / 12

مفارقة عجيبة عندما نرى السَّلام والتّنوير يحلُّ في دولة غير دينيّة مثل اليابان، وهي في أوج تحضُّرها وسلامها مع ذاتها ومع الكون، ونرى حروباً مدمِّرة تقوم ركباً في دنيا الشَّرق، في أرضِ الأديان؟!
*

ملاحظة على قدرٍ عال من الأهمّيّة وهي تذكّرني بصورة لإنسان غريب حاول أن يخلقَهُ أهل اليابان منذ مئات السِّنين، وأعني به الرّجُلَ السّاموراي، أو الرّاهبَ المُحارِب، وقد كان اليابانيون يعوّلون كثيراً على هذه الصُّورة الجديدة للإنسان لأنّها في عرفهم الأكثر كمالاً وتعبيراً عن احتياجات عصرهم وما عرفهُ من تغييرات سياسيّة بالغة التَّعقيد آنذاك. لكن الَّذي يثير تساؤلي في هذه الصُّورة هو كيف يمكن أن تجتمع صِفتا الرّاهب والمحارب في إنسان واحد، أليس الأمر فيه نوعاً من التَّناقض؟ لا أعتقدُ أنّ اليابانيين كانوا بهذا المستوى من الضُّعف الفكريّ حينما أرادوا للرّاهب أن يخرج من معبده ويكون أيضاً محارباً، لأنّ الحياة بأسرها تقتضي المعرفة بفنون القتال بمعناه الكفاحيّ الرّوحي أكثر منه كفاحاً مُسلّحاً، وهذا يعني أنّ كلّ إنسانٍ هو مَعْنِيٌ بالقضاء على منظومة الخوف بداخله واقتلاعها من جذورها مع التَّحلّي بالشّجاعة اللَّازمة لخوض تجربة الحياة. وهذا ما يُفسّرُ كيفَ أنّ اليابان حينما تبنّت فكر المصباح في يد الرّاهب إلى جانب السّيف منذ سنوات أصبح لها شأن عظيم اليوم. وإذ أقول المصباح والسّيف فإنّني أقصدُ أن يصبحَ كلّ إنسان سيفاً من حيث الانضباط والشَّجاعة والحرِّيّة، وهذا أمرٌ يحقّقهُ العقلُ، أمّا المصباح أو القنديل فأعني به التَّنَوُّرَ الرُّوحيّ وهذه مهمّة ثدي الأمّ وقلبِها ملتئماً مع قلب ابنها أو ابنتها. لاحظ معي، أنّ العالم أصبح اليوم منقسماً إلى جزأين: غربٌ يحمل السّيف، وشرق يحمل المصباح، ولا أحد من الاثنين لديه القدرة على أن يحملهما معاً. الشّرق ضائع بين كتبه المقدّسة وتأويلاتها وشروحاتها الّتي لا أوّل لها ولا آخر، والغربُ منهمك في علومه العقليّة الّتي ما أوصلته إلّا إلى صناعة الأسلحة الأكثر فتكاً بالبشريّة. وهذا يعني أنّنا مازلنا بعيدين جدّاً عن واحة السّلام. وكلّ ما كان يبدو سلاماً في حقبة ما من تاريخ الإنسانيّة، إنّما هو هدنةُ استعدادٍ لحروب أكثر ضراوةً وشراسة. السّلام يأتي من الدّاخل، والحال أنَّ قلوب النَّاس تغلي كالمراجل بالأحقاد والضَّغائن فلا سلام في الأفق. مازال نهرُ الحبّ الحقيقيّ لم يتدفّق على الإنسانيّة والكلّ في محنة كبيرة. فقل لي بالله عليك يا عزيزي القارئ، بأيّ إله يبشِّرُ كلّ هؤلاء الأنبياء والعرفاء الجُدُد؟ بل ما الَّذي يريدونه منكَ مقابل "رسالاتهم": جنّات الخلد، سماوات فسيحة من الملائكة والقدّيسين والأنوار؟ يا إلهي ما أشدّ طمعهم جميعاً، لا أحد يفكّر في الله حقّاً، وإنّما الكلّ يبحث عن مقابل ماديّ كبير، وأينه السّلامُ في كلّ هذه المهزلة الكبيرة، بل أين الله؟ مقصيٌّ كما العادة لدى الجميع: الكلّ عينُه على الحور العين والفراديس والقصور والغلمان والذّهب والفضّة والخمر المصفّى، لا أمل يا إلهي في أحدٍ، وما جاء أحدٌ اليوم إلّا وبشّرَ بالجنّة كمقابل. نعم كمقابل لأيّ شيء؟ لمعرفتكَ وعبادتكَ؟ وهل أنت في حاجة إلى عبادة أحد؟ ما أضعفَ النّاسَ وما أشدّ جحود القلوب. مرارة ما بعدها مرارة!
لن يتحقّق السَّلامُ ما لم يعرفِ النّاسُ معنى الخسارة: يجبُ أن تنتفض أيُّها الإنسان كما الشّجرة في الخريف. عليك أن تتعرّى وتعرفَ كلّ شيء عن الحرمان، علّك ترى الله بداخلك، عندها صدّقني سوف يتساوى عندكَ كلّ شيء ولن يعنيكَ في شيء أن تكون نبيّاً ولا وليّاً ولا قدّيساً، لأنّ الغاية هي ألّا تكون، وما دمتَ كائن ولا شيء يطفو منكَ سوى أنت فلا سلامَ سيسطعُ في سمائك. والمرأة في هذا تتساوى معك أيّها الرّجل: المرأة النَّبيّة بأمومتها، والقدّيسة بكفاحها من أجل غدٍ أفضل، والوليّة بنضالها لكي تقدّم أبناءَها زهرة الحياة لمجتمع يزهو بها ويعتبرها سيّدة العالمين.
وتذكّرْ أنّ ما تسمّيه أيُّها الإنسان حبّاً في حياتكَ إنَّما هو مجرّدُ كمّية قليلة من الكراهية في قلبكَ، وما تسمّيه سلاماً إنّما هو نسبة قليلة من الغضبِ في قلبك، ما دمتَ لم تقرّرْ يوماً أن تحبّ حقيقة، لأنّكَ لو تفعل هذا سوف يتدفّقُ عشقُكَ حتّى على الأشرار، وستفعلُ كما الله: تدعُ الشَّمسَ تشرقُ على الجميع، والمطر يسقي الجميع بالخير والبركات دون التّمييز بين صاحب خطيئة أو معصية، وبين صاحب فضيلة أو خُلُقٍ حسن!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن