الحب والزمن _ تكملة وخاتمة

حسين عجيب
ajeebe@scs-net.org

2019 / 8 / 1

الحب والزمن _ ملحق وخاتمة

إشارة أولية
عبر هذه الحلقة ، سوف أتعرض لتجربة شخصية حدثت منذ أشهر مع السيد غسان خليفة ، ولم أتخذ قراري النهائي بعد ، حول كيفية التعامل الصحيح والايجابي معها أو في الحالات المشابهة التي قد تحدث لاحقا ( المقصود تحقيق وتطبيق الحل المتوازن ، الذي يتوافق مع الأخلاق والقيم المشتركة ، ويحقق الرضا الشخصي بعد عشر سنوات مثلا ) .
أعتقد أن كل موقف يسلكه الانسان ، يعكس مستواه المعرفي _ الأخلاقي ، بدقة ووضوح .
المستوى المعرفي _ الأخلاقي أو شخصية الفرد ( ...) ، تعبير ثابت نسبيا عن الحياة المتكاملة ، بما فيها الجوانب اللاشعورية وغير الواعية .
لكن يبقى الأهم نمط العيش والاتجاه الشخصي وهما يشكلان بالتزامن ، محور القرار الشخصي ، والذي تتحدد نوعية الحياة الفردية ومستواها من خلاله وبواسطته أولا .
بعبارة ثانية ،
لا توجد انعطافات مفاجئة ، خارج التوقع ، في سلوك الفرد عادة .
والأقلية النادرة من البشر ، التي يمكنها التفكير من خارج الصندوق ، عبر التكيف مع نمط العيش الجديد والمختلف عن السائد ، هي استثناء ويمكن اهماله لضعف تأثيره المباشر . سواء لجهة السلب ، حيث الانحرافات العقلية المتنوعة أو لجهة الايجاب ، حيث الابداع والتجديد .
فكرة أخرى ، وحدهم الأصحاء يستطيعون تغيير سلوكهم النمطي والمتكرر . وحتى بين هذه الفئة القليلة جدا في مختلف المجتمعات ، لا يحدث التغيير سوى مرات محدودة طوال العمر .
هذه الفكرة تحتاج إلى مناقشة أوسع ، فهي ما تزال ضمن مجال غير المفكر فيه .
....
" انت في قربك ناسيني زي بعدك "
ومعناها المباشر ، أنك لا تحترمني ولا تكترث لحضوري أو غيابي .
والمخاطب هو الحبيب !
بالعدوى أحببت أغنيات أم كلثوم ، خلال شبابي الأول ، مع كلمات أغنياتها لاحقا .
وكنت أرددها مثل غيري ، بدون تفكير غالبا .
وهنا لا أنكر جمالية العبارة وفنيتها العالية ، من حيث الشكل . لكن المعنى ... كارثة .
صورة المحب _ ة ، الذي يتلقى أشد درجات الإهمال ، والاذلال أيضا ، ...لماذا ، وكيف حدث ذلك وإلى متى سوف يستمر ؟!
بالطبع بقية الأغاني العربية بنفس المستوى من الرداءة الفكرية والأخلاقية أو أدنى ،...!!!
....
بعد الخمسين صدمت ، لدرجة السخف ( التناقض وانعدام المنطق ) في أغلب الأغنيات .
ولأوضح الأمر ، ما أزال أطرب لأغنيات أم كلثوم .
وتفسيري أنها عادة تحولت إلى إدمان ، مع صوت استثنائي وموسيقا عذبة...
أيضا توجد حرفية عالية في تصفيف الكلمات ، والصور الجديدة كما عند أحمد (..) مثلا .
....
الحب السلبي يعرفه الجميع ، ويحدد حياة أغلب الناس طوال العمر .
الحب السلبي ، يتضمن الحاجة والجاذبية فقط .
الحب الإيجابي يتضمن الحب السلبي ، بالإضافة إلى الاحترام ، ثم الثقة .
الحب الإيجابي نعمة ،
بالنسبة لي شخصيا كانت هدية ولا أعتقد أنني كنت أستحقها ، وإلا لما فقدتها .
" لو كنت تستحق الحب لوجدك ووجدته "
وأضيف بعد سنوات على كتابة العبارة ، أيضا :
" لو أنك تستحقين الحب لوجدك ووجدته "
....
....
بعض الأمثلة التطبيقية ، الشخصية ، والفجة ....
الحب السلبي يتمحور حول حب الحاجة ، الموقف النفعي بالتعبير الشعبي والسائد .
حب الحاجة ، أو الحب بدلالة الحاجة ، لا يجهله أحد .
كل منا يتذكر بسهولة ، يوم كان لدى أحد ( الشركاء أو الأقرباء أو المعارف أو الغرباء أحيانا ...) حاجة عنده _ التودد والتقرب والتزلف إن لزم الأمر _ وكيف ينقلب التعامل بعد تلبيتها .
وبعضنا يتذكر بسهولة ويفهم الآن ، كيف تتغير المشاعر الشخصية تجاه آخر ( شريك _ة أو قريب _ة أو صديق _ة ) ، بعد اشباع الحاجة أو تعذر اشباعها .
مرحلة الطفولة تجسد حب الحاجة ، حيث كل شيء لعبة ومادة للتسلية بشكل مؤقت . وبينما ينجح الغالبية بتحويل الاهتمام إلى اليوم والغد ، عبر مراحل النمو والنضج المتعاقبة ، تعلق فئة من البشر في الماضي ، بأحد الفترات والمراحل التي انتهت ، في الواقع والحقيقة . ولكن بالنسبة لأصحاب الاحتياجات العقلية الخاصة ، يستمر الماضي ( تصوراتهم الخاصة عن الماضي ) على حساب حياتهم الفعلية في الحاضر والمستقبل ، وهو ما يعبر عنه في التحليل النفسي بمصطلح " التثبيت " بدل المرونة والتكيف مع المتغيرات .
بكلمات أخرى ، يمثل حب الحاجة موضوع هرم الحاجات عند ابراهام ماسلو ، بطريقة مكثفة وتغني عن الكلام الكثير .
....
يتعذر الفصل بين الحاجة والجاذبية ، بشكل نظري ومسبق .
ما نحتاجه نشعر أنه جذاب غالبا ، ولحسن الحظ توجد بعض الأمثلة المشتركة ، والتي توضح بجلاء الفرق بين المستوين السلبيين للحب .
حب الحاجة يأخذ كلا الشكلين الإيجابي والسلبي ، عندما يكون أحدنا مريضا بشدة ( أو أحد الأعزاء بالفعل ) ، نشعر بالحب فجأة تجاه الأطباء أو الممرضين من بين معارفنا أو أقربائنا .
ويتكرر الأمر نفسه عندما يحدث عطل كبير في البيت ، أو أحد الأغراض الثمينة والعزيزة على قلوبنا ، حيث ينتقل الشعور إلى الميكانيكي أو الكهربائي وغيره .
مثال آخر يكرر ماسلو ، بأن الشخص الذي يتوه في غابة أو صحراء ، يبادل كأس ماء بثروته وكل ما يملك ، وبعد الاشباع أو زوال الحاجة ، تزول قيمته معها مباشرة .
وهذا ما يسمى في التحليل النفسي " التحويل " ، وهو مصلح رئيسي في التحليل النفسي بمدارسه المختلفة .
لكن ، يوجد للتحويل ثلاثة أنواع ، التحويل الإيجابي ( الأمثلة السابقة ) ، والتحويل السلبي ، حيث ينسب المريض عواطفه المكبوتة السلبية فقط ( العدوان والغيظ والخوف ) إلى المعالج ، أو إلى موقع الأستاذ أو الرئيس أو القائد أو الصديق _ ة ، والنوع الثالث من التحويل هو التحويل المضاد ، حيث يحدث العكس ( ومثاله الشهير عنبر رقم 6 لتشيخوف ) ، حيث الطبيب هو من يسقط عواطفه المكبوتة على المريض _ ة .
الجاذبية مستوى آخر ، يتمثل بالجمال عادة .
ويمكن فهم قوة الجاذبية بدلالة عكسها القرف ، بسهولة .
لا اعتقد بالحاجة إلى التوسع في مناقشة الجاذبية أيضا .
توجد أمثلة مشتركة بين مختلف الشعوب والثقافات : العادات الغذائية واللباس والأزياء ، وطقوس الصيام أو الصلاة ...وغيرها كثير .
ما يثير القرف والتقزز لدى شعب أو ثقافة ، هو مصدر للجاذبية في بلد آخر وثقافة أخرى .
والعكس صحيح أيضا .
....
يعلق معظم البشر في المستوى السلبي للحب ، وهذه خبرة وليست مجرد رأي ، وتمثل تجربتي المزدوجة الثقافية والاجتماعية معا .
ويتضح ذلك بالمستوى النوعي للحب : الاحترام .
وهو ميزة إنسانية حصرا .
الاحترام يمثل البديل الثالث لثنائية الخضوع أو التمرد ، التي يتعرض لها كل طفل _ة .
_ الخضوع ، ينطوي على خسارة الثقة بالنفس ، أو التقدير الذاتي المناسب والضروري .
_ التمرد ، ينطوي على خسارة الأمان الوجودي ، والضروري للطفل _ة والراشد أيضا .
موقف الاحترام ، يشكل قفزة نوعية في حياة الانسان _ الفردية والاجتماعية بالتزامن .
للأسف هو مفقود في الثقافتين العربية والإسلامية .
وربما في أغلب المجتمعات والبيوت ، وتلك كانت أولى الاكتشافات النوعية للتحليل النفسي .
لكن للأسف ، تراجع فرويد وتبعته بقية مدارس التحليل في موقف الانحياز للسلطة والمجتمع ، بعدما اكتشف في بداية التحليل أن مصدر المرض العقلي الأول للفرد ، هو الأم والأب أو من يقوم في مقامهما من الأهل والأساتذة ...وهذا موضوع يطول ويستحق حوارا أوسع .
....
الثقة تتضمن الاحترام .
بعبارة ثانية يوجد الاحترام بدون ثقة .
لكن ، لا تتحقق الثقة بدون الاحترام .
....
أعتقد أن تجربتي الشخصية المزدوجة ، هي مثال جيد على الثقة .
من الجانب الثقافي ، كتبت الكثير من النصوص وهي منشورة على الحوار المتمدن ، تحت عنوان " قفزة الثقة " .
من الجانب الاجتماعي والشخصي ، تجربتي ليست أقل غنى .
سأذكر مثالا شخصيا ، حدث معي أوائل شباط هذا العام :
كنت عائدا من النقابة ، وفي جيبي مبلغ خمسون الف ليرة سورية . هي حصتي عن شهرين من الصندوق المشترك في نقابة المهندسين باللاذقية .
صادفني صديق قديم اسمه غسان خليفة ، من حمام القراحلة .
تبادلنا السلام الحار ، مثل أي صديقين قديمين ، لم يلتقيا منذ سنوات .
باختصار ، جلسنا في مقهى الحكيم بالشيخ ضاهر ، وانتبهت أنه رأى النقود .
لكن ، لم أكترث للأمر .
في الطريق معا ، بنهاية الشيخ ضاهر ، سألني الصديق ، وهو مرتبك بالفعل ... اريد ان اطلب قاطعته ، تحتاج إلى مال ؟
نعم .
ليس معي سوى هذه ، ومددت له المبلغ .
أخبرني أنه سيعيدها ، بعد أسبوع .
وقبل ذلك كان قد اخبرني أنه يعمل كمهندس ميكانيك ، ولم اسأله أين .
أخبرته أنني لن أحتاج المبلغ قبل آذار ، ولا داعي للعجلة ، يستطيع أن يسدده على دفعات .
كما يتحادث أي رجلين عاديين ، يعرفان بعضهما منذ مدة ...( وليس صديقين فقط ) .
....
السيد غسان خليفة خدعني ، وأنا أشعر بالاستياء .
وحتى اليوم ، لم أصل إلى حل يرضيني ...
لماذا فعل ذلك !
كان لديه أكثر من مئة طريقة ، تحفظ له كرامته ، وتحفظ لي حقي المعنوي عالأقل .
لو ان الحادثة نفسها تكررت مع أخي أو صديقي ، لتمنيت من صديق (ه ) أن لا يتناسى الموضوع ، لأنه إشارة خطيرة بالفعل .
بالنسبة لي سوف أكتفي بنشر ما حدث .
مع أنني أفكر بإقامة دعوى قضائية عليه ، وليحكم القانون بيننا .
....
بالمختصر المفيد ،
غالبية من سمعوا الحكاية اعتبروني مغفلا !
وانا أعتبر أنهم من أصحاب الاحتياجات العقلية الخاصة ، وبشكل محدد الحاجة إلى الأمان الزائد ، كتعويض لاشعوري عن فقدان الأمان الوجودي ، موقف التجنب المزدوج .
....
لو تكررت الحكاية ، سوف أكرر سلوكي مع صديق – ة قديم .
بالطبع لوكان المبلغ متوفرا .
2
الثقة ليست شرط الحب فقط .
الثقة المتبادلة بالنفس والآخر ، عتبة الصحة العقلية والنفسية المتكاملة .
....
ذكرت الحادثة السابقة بهدف أساسي ، التطرق ثانية إلى قضية الصدق _ الكذب ....
الموضوع الذي ناقشته مرارا عبر نصوص منشورة على الحوار أيضا ، الفكرة الأساسية التي يدور البحث حولها ، اعتبار الكذب مرحلة متقدمة في الوعي والأخلاق أيضا .
الكذب والحب السلبي ، من نفس المستوى المعرفي _ الأخلاقي للفرد .
في ذلك المستوى الأولي والبدائي في الوعي ، توجد مهارات تحمي شخصية المريض _ة من التفكك أو الجنوح إلى الجريمة المباشرة . لكن ذلك لا يكفي .
....
2
هل كذب الممثل _ ة من الفضائل أم العيوب ؟
هل كذب السياسي فضيلة أم عيبا ( ة ما تزال عرضية في العربية ، وهو جوهر المشكلة ) ؟
أقترح عليك التفكير بهدوء في القضيتين .
....
لا يمكن لعاقل أن يعتبر التدخين عادة صحية .
عادة الكذب تشبه عادة التدخين إلى درجة تقارب المطابقة .
التضحية بالمستقبل لصالح الحاضر الآن _ هنا .
هذه القضية ، بؤرة تناقض في الفلسفة الكلاسيكية وفي نظم الأخلاق الحديثة بالتزامن .
البطولة بالتعريف ، هي التضحية بالمستقبل كله لأجل موقف أو لحظة .
" نكون أو لا نكون " عبارة شكسبير الشهيرة ، نموذج للتضحية بالمستقبل لأجل اللحظة .
وهذا الأمر لا يتوقف على ثقافة دون الأخرى !
بالمقابل ، جميع مدارس التربية الحديثة ( خلال قرن ) تعلم العكس والنقيض تماما .
ضرورة التضحية بالحاضر لأجل القادم ...كيف يمكن حل هذه المعضلة .
بالطبع لو افترضنا انها تقبل الحل ...
( أستثني الحلول الميتافيزيقية وما بعد الموت أو ما فوق الطبيعة ، فهي خارج الموضوع )
....
هذه الموضوعات ناقشتها سابقا عبر نصوص منشورة ، وكي لا أكرر الأفكار ، وتجنبا لملل القارئ _ة ، أذكرها باختصار شديد :
نمط العيش والاتجاه الشخصي ، ثنائي بطبيعته إما أو :
سلبي ، وهو طريق المرض العقلي والنكوص إلى مرحلة سابقة في الخبرة والتفكير ...
اليوم أسوأ من الأمس .
أو النقيض ، الإيجابي ....اتجاه النمو وتكامل الشخصية ...
اليوم أفضل من الأمس ، وغدا أجمل .
يوجد معيار آخر لنمط العيش السليم ، سهل ويقبل الاختبار والتعميم بدون استثناء .
الصحة النفسية والعقلية بدلالة العمر العقلي للفرد :
_ اتجاه المرض والانحدار ، يتمثل في تخلف العمر العقلي عن العمر البيولوجي .
_ اتجاه الصحة والنمو ، يتمثل في تحقيق المطابقة والانسجام بين العمر العقلي والبيولوجي .
المعيار الثالث للصحة أو المرض العقليين بدلالة دائرة الراحة ...
_ توسيع دائرة الراحة ، يتوافق مع اتجاه الصحة والنمو
أو
_ تضييق دائرة الراحة ، من خلال العادات الانفعالية ( الإدمان ) حيث اتجاه المرض .
يوجد معيار رابع ، وأعتقد أنه يتضمن الثلاثة السابقة ، الصحة بدلالة المقدرة على تحمل الخسارة أو موقف الكومبارس والدور الهامشي أو الثانوي .
.....



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن