ذكرى مرور مئة عام على ميلاد أمينة الرحّال

أمير أمين
amirhabeb@hotmail.com

2019 / 7 / 29

تحتفل شعوب العالم بنسائها المتميزات وتفخر بهن مثلما تحتفل وتفخر برجالها المتميزين في أي من مجالات الحياة المختلفة الكثيرة , وهناك نماذج من هنّ في البلدان العربية ومثلهن في بلدان العالم الأخرى مبدعات ومتميزات في المجالات السياسية والعلمية والثقافية بمختلف أنواعها وخاصة الشاعرات وكاتبات القصة والرواية والرسامات والموسيقيات والناشطات في مجال الرياضة وهنّ كثيرات جداً ومعروفات على جميع الأصعدة , فمثلاً الشاعرة نازك صادق الملائكة تلك المرأة العراقية التي كانت السباقة في نظم الشعر الحر منذ الاربعينيات من القرن العشرين وكتبت أولى قصائدها في ذلك عام 1947 وكانت قصيدتها تحت عنوان الكوليرا.. وتعتبر الشاعرة نازك من مؤسسي الشعر الحر مع زميلها الشاعر بدر شاكر السياب وحصلت على ماجستير في الادب المقارن من أمريكا وعينت أستاذة في جامعة بغداد وجامعة البصرة ثم في جامعة الكويت وإستقرت أخيراً في القاهرة التي توفيت ودفنت فيها .., كذلك من المبدعات الدكتورة نزيهة جودت الدليمي وهي طبيبة وسياسية ومناضلة بارزة من أجل الدفاع عن حقوق المرأة العراقية حيث أنها أسهمت في تأسيس رابطة المرأة وصارت أول رئيسة لها في العراق وتبوأت مراكز قيادية في أتحاد النساء الديمقراطي العالمي وفي عام 1959 أصبحت أول وزيرة في العراق والعالم العربي حيث صارت وزيرة البلديات في حكومة الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم وأسهمت في صياغة وإصدار قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 ونشطت في المجال السياسي كشيوعية ووصلت الى عضوية اللجنة المركزية للحزب وفي عام 2009 أقر مجلس وزراء العراق إقامة تمثال لها وهي أول امرأة تحصل على هذا التقدير الشرفي في العراق . وفي بلادنا الكثيرات من النساء المتميزات وفي البلدان العربية يمكنني الإشارة الى الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان والى الاديبة اللبنانية الفلسطينية المعروفة مي زيادة المولودة في الناصرة عام 1886 وهي من أب لبناني وأم فلسطينية والتي كانت تتقن تسعة لغات وإنتقلت مع عائلتها عام 1907 الى القاهرة التي توفيت فيها عام 1941 وعلى الرغم من قصر عمرها أي 55 عام إلاّ أنها كانت بحق أديبة عربية وعالمية سامية . وكذلك الحال مع الطبيبة والاديبة الكاتبة الدكتورة نوال السعداوي المولودة في قرية تابعة لمحافظة القليوبية عام 1931 بمصر وهي مدافعة بقوة وشجاعة عن حقوق الانسان وخاصة المرأة وقد وقفت ضد ختان الفتيات وضد الحجاب الذي يقيد حرية المرأة وضد ظلم المرأة بشكل عام وخاصة في الميراث حيث أنها تستلم نصف حصة الرجل ووقفت ضد تعدد الزوجات ولا زالت تكتب وتبحث في الكثير من الأمور التي تساهم في رفع الحيف ضد النساء وخاصة في البلدان العربية والإسلامية ولها كتب ومقالات كثيرة وخاصة عن موقف الإسلام من المرأة . وفي المجال العالمي برزت السياسية وإبنة جواهر لال نهرو السيدة أنديرا غاندي رئيسة حزب المؤتمر الوطني في الهند ورئيسة الوزراء وهي شخصية أممية مرموقة أسهمت في تطوير بلدها في مجالات عدة حتى تم اغتيالها على يد أحد المعارضين لسياستها , وفي حياتها الزاخرة حازت على عدة أوسمة وجوائز تقديرية ومنها جائزة لينين للسلام . والدكتورة ماري كوري الذائعة الصيت والتي تسمى مدام كوري وهي بولونية وحاصلة على الجنسية الفرنسية ولها أبحاث ودراسات وإكتشافات مذهلة في النشاط الاشعاعي والراديوم وحصلت في عام 1903 على جائزة نوبل في الفيزياء وفي عام 1911 حصلت على جائزة نوبل في الكيمياء وبعد عدة سنوات من وفاتها تم نقل رفاتها في عام 1995 الى مقبرة العظماء في باريس . وفي روسيا إشتهرت رائدة الفضاء السوفيتية فالنتينا تريشكوفا التي حصلت على وسام بطل الاتحاد السوفييتي سلمه لها خروشوف شخصياً في حفل التكريم يوم 22 حزيران عام 1963 بعد رحلتها الناجحة والتاريخية للفضاء الخارجي وهي عضو لجنة مركزية للحزب الشيوعي السوفيتي من عام 1969 الى 1991 بالإضافة الى عضويتها في مجلس السوفييت الأعلى وهي سياسية وعسكرية برتبة لواء طيار ومهندسة وكان عمرها لحظة طيرانها للفضاء 26 سنة فقط وهي الآن متقاعدة في عمر ال 82 عام ..ومن الجدير ذكره أنني حضرت لها وإستمعت اليها في ندوة عقدتها أواسط الثمانينيات في عدن عاصمة اليمن الجنوبية وكانت في معهد عبد الله باذيب للعلوم الاشتراكية الذي كنت أحد تلامذته حينذاك .. وحينما نعود الى بلدنا العراق نتحدث عن شخصية فريدة في كثير من أوجه الحياة ونخص هنا بالذكر أمينة علي الرحال والتي يصادف هذه السنة 2019 عيد ميلادها المئة والتي ولدت في أسرة متنورة فيما كان يسمى لواء الدليم غرب بغداد لأب من أصل عربي وأم تركمانية في عام 1919 وكان والدها يعمل ضابطاً في الجيش العثماني ثم أصبح قائممقام عسكري ومديراً للمدرسة الحربية في أسطنبول ثم صار قائممقاماً مدنياً لعدد من المدن وبهذا فقد كان كثير التنقل , أكملت أمينة الرحال دراستها ثم دخلت الحقوق , وقد نشأت في بيئة كانت التقاليد الاجتماعية والدينية فيها تمنع المرأة من الاختلاط بالرجل وحتى صعوبة الخروج للشارع بمفردها وكانت نظرة الرجال بشكل عام للنساء هي تواجدهن في البيت للانجاب وخدمة الرجل والأطفال والعمل داخل المنزل , ومن هذه الأجواء إنطلقت أمينة لتتحدى الجهل والتخلف الذي يحيط بها وبالمجتمع فكانت أول امرأة تتخلص من ارتداء غطاء الرأس أي الحجاب في ثلاثينيات القرن العشرين وبخطوتها الجريئة هذه فتحت أبواب التحدي لنساء العراق من مجايليها بحيث صرن يقلدنها بالتدريج , وفي عام 1936 وكانت في السابعة عشر من العمر حصلت على لقب السائقة المثالية لأنها أول امرأة إستطاعت أن تسوق سيارتها الخاصة وهي انگليزية الصنع من نوع بيبي فورد في شوارع بغداد بعد حصولها على إجازة السوق , وكان سكان بغداد لا يصدقون ما يروه وهي تمر أمامهم بسيارتها فارعة الرأس فيصابون بالذهول لكن بعضهم بارك لها تلك الخطوة الجريئة والتي اعتبروها انتصار للمرأة العراقية الواعية ومساهمة في تحريرها من ربقة العبودية والتسلط وأشار بعضهم الى ضرورة أن تأخذ المرأة دورها الريادي الى جانب الرجل في المجتمع , وهي أول امرأة عراقية تمارس مهنة المحاماة في العراق حيث تخرجت من كلية الحقوق عام 1943 وعملت في مكتب المحامي عبد الرحمن خضر الذي كان يدرّس في هذه الكلية وله كتابات في القانون ..وأمينة تعد من رائدات العمل التطوعي في العراق حيث سافرت الى دمشق لحضور المؤتمر النسائي الشرقي في تموز عام 1930 , وأمينة الرحال نشطت في العمل السياسي ضمن صفوف الحزب الشيوعي العراقي حتى صارت أول امرأة عضو لجنة مركزية في الحزب من عام 1941 الى عام 1943 وبجانب عملها السياسي إهتمت بالعمل الجماهيري والديمقراطي حيث أنه لما تأسست جمعية المرأة العراقية المناهضة للفاشية والنازية عام 1945 أنتخبت أمينة الرحال عضواً في هيئتها الإدارية وإستمرت في هذا العمل بالرغم من توقفها عن مزاولة العمل السياسي الحزبي وإشتركت في المؤتمر العربي النسائي في القاهرة عام 1954 وبعد ثورة 14 تموز عام 1958 عينت مشرفة تربوية حتى عام 1963 بعد انقلاب 8 شباط وامينة هي الأخت الصغرى للماركسي المعروف حسين الرحال المولود عام 1901 والذي كان من منظمي أولى الحلقات الماركسية في العراق وقد أسهمت أفكاره النيرة في توجهها الماركسي لذلك إنغمرت في العمل السياسي وهي لم تزل طالبة وشاركت في الحركة الوطنية وخاصة ضمن نشاطات الشيوعيين العراقيين من خلال وثباتهم وإنتفاضاتهم ضد النظام الملكي ورموزه . وأمينة هي إبنة عم النحات العراقي المعروف خالد الرحال .. وهنا لابد من الإشارة لزوجة الماركسي حسين الرحال وهي سعدية سليم فتاح التي كانت ناشطة نسوية تخرجت من دار المعلمات وكانت تحمل أفكار شبيهة بأفكار وتوجهات زوجها حسين وتدعو عند تدريسها الفتيات الى ضرورة التحرر والانفتاح كشرط أساسي لبناء المجتمع الحديث المتطور وترى ضرورة أن تكون للمرأة دور هام فيه , فأثرت بكلماتها تلك على عدد من الفتيات وتخرجت سعدية من كلية الحقوق عام 1941 وشاركت في تأسيس أول جمعية نسائية سياسية وهي جمعية المرأة العراقية المناهضة للفاشية والنازية التي أشرت اليها هنا , وبعد ثورة 14 تموز المجيدة عام 1958 أسهمت هي أيضاً في وضع مسودة قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959 , لذلك تعتبر هي وأمينة الرحال والدكتورة نزيهة وعدد آخر من أولى النساء العراقيات اللواتي أسهمن في النضال الشاق من أجل أن تحقق المرأة العراقية حقوقها المهضومة في مجتمعنا . المجد لتلك النسوة المبدعات , المجد لأمينة علي صائب الرحال تلك المرأة القدوة لنساء العراق وأخيرا أشير الى أن أمينة حصلت على تكريم من قبل مديرية المرور العامة قبل عدة سنوات وذلك لسياقتها سيارتها لأكثر من نصف قرن دون أن ترتكب أية مخالفة وبقيت لنهاية عمرها وحياتها الزاخرة لا تعرف مقدار الغرامة المترتبة على المخالفة المرورية لأنها وببساطة ..لم ترتكبها مطلقاً ..!!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن