هل كان نوري السعيد فعلا داهية؟

علاء الدين الظاهر
alaaddinxyz@gmail.com

2019 / 7 / 28

لا يزال الكثير من العراقيين ممن يظن او يروّج للادعاء بأن نوري السعيد داهية. الدهاء يعني امتلاك الفرد لقدر عال من الذكاء والحذق وبعد نظر ويحسب خطواته بدقة مما يدع لا مجالا للشك بأن خطته سليمة ويدع خصمه يقع في فخ لا يخرج منه. لنراجع بعضا من خطوات نوري السعيد ونرى إن كانت تدل على ان الرجل داهية.

لنبدأ بإيمان نوري السعيد العميق بأن بريطانيا هي التي تسيطر على العالم وان على العراق التحالف معها تحت اي ظرف. لا شك بأن بريطانيا كانت دولة عظمى وتسيطر على امبرطورية عظمى معظمها من المستعمرات وكانت فرنسا منافسة لها وبدرجة اقل المانيا. بعد الحرب العالمية الثانية اصبحت الولايات المتحدة هي القوة العظمى التي تقود العالم الغربي. لم يخفِ هذا على جمال عبدالناصر وهو ضابط برتبة بكباشي او مقدم ومن دون اي خبرة سياسية داخلية او دولية عندما كان يعد للاطاحة بالنظام الملكي عام 1952 وانهاء الاحتلال البريطاني لمصر. وبالفعل ايدت الولايات المتحدة مصر في هذا المسعى بعد وصول عبدالناصر الى السلطة. بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 اصدر رئيس الولايات المتحدة دوايت آيزنهاور انذارا بالانسحاب من السويس مما اجبر بريطانيا وفرنسا على الانسحاب ولاحقا اسرائيل بعد انشاء قوة طوارئ عازلة تفصل بين غزة واسرائيل. بعد فترة وجيزة استقال مجبرا رئيس وزراء بريطانيا انطوني ايدن من منصبه. إذا لم يكن هذا كافيا لايضاح بأن بريطانيا فقدت مكانتها كقوة عظمى فهل هناك دليل اكثر منه؟
من ضمن تصورات نوري السعيد ايضا بأن بريطانيا هي التي تسيطر على اميركا من خلال دهاء ساستها وهي التي جرّت اميركا الى الحرب العالمية الثانية. اولا، اميركا لم تدخل الحرب بسبب سيطرة بريطانيا عليها. اميركا اعلنت الحرب على اليابان بعد هجوم الاخيرة على بيرل هاربر. واميركا لم تعلن الحرب على المانيا لكن هتلر هو من اعلن الحرب على اميركا بعد اعلان اميركا الحرب على حليفته اليابان وكان من الممكن ان لا يقوم هتلر بذلك لأن اليابان لم تعلن الحرب على الاتحاد السوفيتي الذي اعلن هتلر الحرب عليه قبل هجوم اليابان على بيرل هاربر. هناك بعض الاكاديميين ممن يقول بأن الرئيس روزفلت تلقى تحذيرات من هجوم ياباني متوقع ولم يقم بشئ لأنه اراد ادخال اميركا في الحرب ضد المانيا وهذا امر مشكوك فيه لأن المانيا هي التي اعلنت الحرب والهجوم الياباني فاجأ اميركا تماما. كانت هناك تحذيرات لاميركا عن عملية ارهابية قبل 11 ايلول لكن هذا الهجوم فاجأها ايضا على حين غرة. ستالين استلم تحذيرات عديدة عن هجوم الماني على الاتحاد السوفيتي ولم يعرها اي اهتمام. هذه الاخطاء تحدث من دون ان يكون بالضرورة ورائها مؤامرة. من الطريف ان تصورات نوري السعيد هذه لا تزال في عقول بعض العراقيين المفتونين به رغم اننا رأينا كيف جرت اميركا بريطانيا الى حرب 2003 في العراق رغم معارضة شعبية وكنائسية قوية وحتى داخل حزب العمال الحاكم حينها في بريطانيا.

هذا يكفي لان نكتشف بأن نوري السعيد لم يمتلك الدهاء في السياسة الدولية بل افكارا عفا عليها الدهر وشرب. لننظر الآن الى دهائه في السياسة الداخلية. لنتوقف اولا عند اعدام العقداء الاربعة بعد الاحتلال البريطاني الثاني للعراق عام 1941.
الدهاء السياسي كان يفترض من نوري السعيد ان يحذّر عبدالاله وهو شاب في الحادية والعشرين عديم الخبرة، ان يحذّره من مغبة اعدام هؤلاء الضباط وسجن الساسة المؤيدين لهم ولكل من هؤلاء شعبيته العارمة. لم يكتفِ عبدالاله بهذا بل امر بتعليق جثثهم على بوابة وزارة الدفاع كي يقول لبقية الضباط هذا مصيركم اذا حاولتم الانقلاب علي مرة اخرى. هناك من يقول بأن بريطانيا اجبرت عبدالاله ونوري السعيد على تلك الاعدامات لكن من الذي اجبر عبدالاله ونوري السعيد على حضور تلك الاعدامات شخصيا؟ كان يمكن ان يقولا لبريطانيا هذا امر يقوم به الجنود ولا داع هناك لحضورنا كقادة دولة وساسة إن كانت بريطانيا بالفعل وراء تلك الاعدامات. لكن حضور عبدالاله ونوري السعيد شخصيا كان للتشفي لا غير وليس في هذا اي دهاء. لا بد ان اقر بأن نوري السعيد امتلك قدرا من الدهاء عندما بقي بعد ذلك لشهر كامل في بيته خوفا من انتقام شعبي. ولم يتعلم نوري السعيد او عبدالاله درسا عندما اعدما بعد ثلاث سنوات صلاح الدين الصباغ.

في نهاية الاربعينيات اصدر نوري السعيد قانونا بالسجن المؤبد لمعتنقي المبادئ الشيوعية وسجن به قادة الشيوعيين. لم يكتف نوري السعيد بهذا بل اتهمهم بالتآمر لقلب نظام الحكم وقام بإعدام اربعة من قادتهم. ولم يكن هذا كافيا بل قامت شرطته بإطلاق النار على السجناء المضربين داخل السجون والعمال المضربين والمتظاهرين من نهاية الاربعينيات حتى سقوط النظام الملكي وهذا لا يظهر ان نوري السعيد امتلك دهاءً سياسيا ينذره بعواقب سلوكه.

في بداية الخمسينيات طلب نوري السعيد من احد حكام التحقيق غلق ملف في قضية عدلية. عندما علم وزير العدل بذلك قدّم استقالته مما اجبر نوري السعيد على تقديم استقالة حكومته وتم اعادة تشكيل الحكومة بنفس الوزراء ما عدا وزير العدل المستقيل. الرسالة الواضحة لبقية الوزراء بأن من حق نوري السعيد ان يتدخل في شؤون وزراتهم وما عليهم إلا الصمت لأن هذا يعني فقدانهم للمنصب وللجاه الذي يأتي معه. هذا يعني ان نوري السعيد مستهتر ولا يملك اي احترام لوزرائه او للرأي العام وليس في هذا اي دهاء.

جرت في عام 1954 انتخابات فاز بها 11 نائبا من المعارضة فطلب نوري السعيد من عبدالاله ومن خلاله الملك فيصل الثاني حل المجلس النيابي قبل جلسة افتتاحه كشرط لتشكيل حكومته والتي قامت بعدها بالتوقيع على إعلان حلف بغداد. كان من الواضح ان الغالبية العظمى من العراقيين تعارض الاحلاف مع الغرب وكانت المظاهرات مستمرة في هذا الخصوص لكن نوري السعيد لم يأبه لما يعنيه حل المجلس النيابي او الدخول في حلف بغداد. لم يستطع ان يقدر عواقب ذلك بل كان سلوكه استهتارا لا مثيل له.

امر نوري السعيد بإطلاق الذخيرة الحية على المتظاهرين ضد العدوان الثلاثي على مصر بل وسجن لثلاث سنوات كامل الجادرجي رئيس الحزب الوطني الديمقراطي بسبب تصريح صحفي وسجن القومي الاسلامي النزعة عبدالرحمن البزاز بتهمة الشيوعية واستمر نوري السعيد في تحالفه مع بريطانيا رغم كراهية الشعب لها. اي دهاء هذا الذي يتحدثون عنه؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن