رواية: فرانكشتاين في بغداد

مروان عبد الرزاق
marwa.78@gmail.com

2019 / 7 / 7

قراءة في رواية:
فرانكشتاين في بغداد

تعود رواية فرانكشتاين إلى الروائية الإنجليزية "ماري شيلى" التي أصدرت روايتها بعنوان فرانكشتاين، أو "بروميثيوس الحديث"، أي إله النار الجديد، في القرن التاسع عشر وقبل مئتي عام، والتي تحولت إلى أفلام ومسرحيات عديدة.
وتدور قصة الرواية حول العالم السويسري "فيكتور فرانكشتاين" الذي أبدع في الكيمياء، وتوصل إلى "خلطة سرية لنقل الحياة إلى مادة غير حية، مثل جثة الانسان" "وعمل شخصاً من أشياء متفرقة، من أعضاء بشرية، وتم بث الروح فيه بالصعق الكهربائي، ويتمتع بصفات الانسان كافة، إلى حد الكراهية لصانعه مما يقودهما إلى التهلكة في النهاية، إلا أنه لخطأ ما كان هذا الشخص في منتهى البشاعة إذا ما قورن بالإنسان الطبيعي".
و "لا تنتمي الرواية إلى أدب الرعب، حيث تعتبر مثالاً مبكراً لروايات الخيال العلمي، وكان لها تأثير كبير في الادب والثقافة الشعبية، وبحيث هذا المخلوق "المسخ" يعبر في دلالته الرمزية عن الابليس وبروميثيوس والتمرد، وتبحث الرواية في موضوعات أصل الشر والإرادة الحرة وخروج المخلوق عن طاعة الخالق". وعندما يرفض الخالق خلق انثى للمخلوق لئلا يتم تدمير الكون، ويحطم تمثال الانثى الذي عمل عليه، يقرر فرانكشتاين قتل المخلوق، ويبدأ العداء بين الخالق والمخلوق، حيث يقوم الأخير بالقتل، وقتل شقيقه الأصغر والخادمة، وصديقه، وقتل زوجة فرانكشتاين في يوم زفافها، ويموت الخالق بعد وقت قصير، بكلماته " إنه يسعى للسعادة بهدوء وعليه أن يتجنب الطموح"، ويحاول المخلوق أن يلقي بنفسه في نار مشتعلة كملجأ أخير بسبب شعوره بالعار بسبب كل ما حدث".
ومن الخطأ وصف المخلوق بالوحش، أو الحقير، أو الشيطان، بحيث يتحدث الوحش إلى فرانكشتاين قائلاً: " كنت يجب أن أكون آدم الخاص بك، لكنني بدلاً من ذلك كنت الملاك السيء". وقد عاش حياته في الجبال، في كوخ فقير، حيث كان البشر يخافون الاقتراب منه، لكن الإشكالية بين الخالق والمخلوق، بين الرب وابليس، بين الالهة وبروميثيوس الذي علم البشر اشعال النار، وكانت النتيجة موت الخالق، وذهاب المخلوق الى الظلام، او النار، لكنه بقي على قيد الحياة دون ان يراه أحد بعد ذلك. بحيث "خلق فرانكشتاين وحشاً وجلب المأساة لحياته".

وقد حازت رواية "فرانكشتاين في بغداد" للروائي "احمد سعداوي" على جائزة البوكر في (٢٠١٤). وعلّق سعد البازعي نيابة عن لجنة التحكيم على الرواية الفائزة بقوله: "جرى إختيار فرانكشتاين في بغداد لعدة أسباب، منها مستوى الابتكار في البناء السردي كما يتمثل في شخصية (الشسمه). وتختزل تلك الشخصية مستوى ونوع العنف الذي يعاني منه العراق وبعض أقطار الوطن العربي والعالم في الوقت الحالي. في الرواية أيضاً عدة مستويات من السرد المتقن والمتعدد المصادر. وهي لهذا السبب وغيره تعد إضافة مهمة للمنجز الروائي العربي المعاصر".
والمستوى السردي للرواية شاعري جميل مع بعض الجمل باللغة العامية، كما يتمثل في شخصية "الشسمه"، وباقي شخصيات الرواية، مثل هادي العتاك، وايليشوا، والعميد سرور والمنجمين المرافقين له، ومحمود السوادي، والسعيدي. إضافة إلى وصف الأمكنة والمشاعر الإنسانية، مثل الكنيسة وتداعيات ام دانيال، وحي البتاويين الشعبي، والآلام التي تفجرت نتيجة عمليات القتل اليومي، والأشلاء المتناثرة.
ويختار الروائي حي البتاويين، وهو حي شعبي تسكنه كل الديانات: الإسلام ممثلاً بآية الكرسي المعلقة في بيت العتاك، والمسيحية بصورة القديس كوريكوس والعذراء، وخلفها إشارة لليهود الذين هاجروا منذ زمن بعيد. ويدخل في مجموعة من القصص المتشابكة والمترابطة مع الشسمة، مثل: ام دانيال ونواحها وبحثها عن ابنها الذي فقدته منذ عشرين عاما، ووجدته في شخصية الشسمة، والتي بعثت في الرواية منذ بداياتها طابع البؤس والحرمان والمأساة، وقصة محمود السوادي الذي كشف قصة الشماس عبر آلة التسجيل التي قدمها للعتاك، والعميد سرور ممثلا للسلطة والذي تم ازاحته لعدم قدرته مع منجميه كشف حقيقة الشمسه وتسليمه، وقصة تاجر العقارات الذي يبحث عن المال وتأجير العقارات والتي لا يملكها. وبذلك يمزج بين الاحداث الاجتماعية والسياسية، ورواية الرعب التي تبدأ منذ البداية بنواح ام دانيال على ابنها، وقصص الرعب عن الشسمه التي كان يقدمها العتاك في القهوة، ولم يكن يصدقها أحد، وقصة العميد سرور ومنجميه، وكلها مرتبطة بالشسمة، وهو الحالة الميتافيزيقية باعتباره "المخلص" أو "المنقذ" والذي لا اسم له، أو فرانكشتاين، والذي وصفته السلطة بالمجرم "إكس".

وكما تم تفصيل فرانكشتاين عند "ماري شلي"، يقوم هادي العتاك، وهو بائع عاديات من سكان حي البتاويين وسط بغداد، بجمع بقايا جثث ضحايا التفجيرات الإرهابية من كافة الاجناس والطوائف والملل، خلال شتاء 2005، ليقوم بلصق هذه الأجزاء، وينفخ فيه الروح إحدى الضحايا-كما هو الصاعق الكهربائي عند شيلي، فينتج كائناً بشرياً غريباً، حيث ينهض ويقوم بعملية ثأر وانتقام واسعة من المجرمين الذي قتلوا مالكي أجزائه المتكون منها. ويسرد هادي الحكاية على الزبائن في المقهى، فيضحكون منها ويرون أنها حكاية مثيرة وطريفة ولكنها غير حقيقية، لكن العميد سرور مجيد، مدير هيئة المتابعة والتعقيب يرى غير ذلك، فهو مكلف، بشكل سري، بملاحقة هذا المجرم الغامض.
وفي روايته عن نفسه يقول الشسمه: "إنهم يتهمونني بالإجرام، أنا العدالة الوحيدة في هذه البلاد". وأنا المواطن العراقي الأول". حيث "لم يكن المساعدون يجلبون لي لحوما "غير شرعية" أي لحوم مجرمين". وخلال مسيرته في الرواية بعد قتله إنساناً بريئاً واستحواذه على مقلتيه خوفاً من العمى بعد الألم في عينيه التي انتهت مدتها، ويقنع نفسه ان ذلك ليس مثاليا، ويقنع نفسه أن ذلك هو المناسب كي يستطيع انجاز المهام الكبرى، ويكتشف الفرق بين البراءة، والتوحش، وأنه ليس كل القاتلين متوحشين مئة بالمئة، وليس كل الأبرياء كذلك، فالبشر هم خليط من البراءة والتوحش. فتحول من الرغبة في قتل المجرمين انتقاماً للأبرياء الذين يشكلون جسده، إلى مجرم يشارك الآخرين في اجرامهم وتوحشهم، مما يؤشر إلى أن الجميع مشترك في تأليف هذه الشخصية لتخوض الحرب الطائفية التي تعالج موضوعها الرواية. والقتل خيار من الروائي الذي عمل على الضحية والجلاد، وضاعت المسألة عليه بحيث لم نتعرف إلى الضحية والجلاد. هل الضحية هو الشسمه الذي تحول إلى مجرم، أم الضحية هم المجرمون الذين يحملون بعض البراءة.
بعد محاولات القتل والتفجير في الانفجار في مرقد الامام الحادي عشر للشيعة، وفي سامراء، وحارة البنتاوين، وتبدأ الصراعات الطائفية البغيضة، حيث يرحل الجميع من الحارة، مثل السوادي، والسعيدي، وام دانيال. وغيرهم. وتنتهي قصة الشسمه-كما هي في رواية شيلي- بالصراع بين الخالق والمخلوق، ويموت الخالق باعتقال العتاك أي موته، من قبل الأجهزة الأمنية، ويبقى المخلوق أي الشمسه وهو يسرح في البراري مشاركاً البشر في الاقتتال الطائفي الدائر.

لقد فشل الحل الميتافيزيقي-الشسمه-في السيطرة وحل إشكالية الصراع الطائفي، وتحول إلى مجرم غير عادي في حلبة الصراع. دون أن يعترف أنه "الملاك السيء"كما هو في رواية شيلي. فهو كما صوره المنجمين الثلاثة-كما يراه أحد النقاد-، مكون من أشلاء العراقيين جميعهم، وغياب الهوية الوطنية بعد إسقاط صدام حسين، فهو يمثل العراقي الكامل. وأن هذا المخلص، أو المهدي، أو فرانكشتاين، هو وحيداً فكيف يمكن أن يؤدي الى الخلاص، والعدالة دون أن يؤدي ذلك الى الدكتاتورية السياسية التي يعاني منها العراق تاريخيا. واختيار الروائي للقتل على يد الشسمه يحوله إلى ممثل للخراب الشامل، أي مشاركاً بالحرب الطائفية. وطالما القتل والانتقام للأبرياء هي مادته، فكيف يمكن الجمع بين تناقضات طائفية تتقاتل على الأرض، وبالتالي فهو يمثل "ثقافة الثأر بكل معانيها"، "وهذا ما أرادت الرواية ايصاله، والثأر يولد الثأر الآخر، والقتل على الدوام. وحين تسود المعايير الخاصة للقتل فإننا سنعيش الحرب الاهلية، وبالتالي فرانكشتاين يمثل التشخيص المرئي للأزمة الكبرى، أي الحرب الطائفية وليس الحل". وبالتالي لم يجيب الروائي على سؤال محمود السعيدي "هل سبق أن رأيت قطعة ذهبية من الخراء؟" سوى أنه الخراء ذاته.
والمسألة الثانية: من الجيد استعارة فرانكشتاين من شيلي، والتي كانت رواية لصالح البحث العلمي، والعلاقة بين المخلوق والخالق، وهي فكرة دينية بالأساس. حتى فكرة المهدي تميل إلى السلم. وليس هناك داعي للقتل في الحرب الطائفية التي تعالجها الرواية. لماذا لم يتم اختيار السلم للشسمه بدلاً من القتل. والبحث عن دعائم شعبية من كافة الطوائف والاعراق، وكانت هذه موجودة في العراق الذبيح. السلم المطالب بالحرية والعدالة ورفض البنية الطائفية للسلطة، والتي تجرأت وقتلت النظام السابق، وتم حل الجيش والدولة حتى يتم تشكيل بنية طائفية جديدة، وهي التي اشعلت الحرب الطائفية. وبالتالي الروائي لم يقارب الإجابة عن "البعد السببي الفلسفي للأحداث"-بتعبير أحد النقاد-.
والمسألة الثالثة: ماهي الاعمال التي فجرها الشسمه، هل تفجير مرقد الامام أم في نينوى ام في البنتاوين، حيث لم يلاحظ سوى تفجيره للفندق وحارس الفندق. كما أنه تجاهل الوجود الأمريكي ولم يوجه له أية تفجيرات، وهو السبب الرئيسي في الاحداث العراقية وهو الذي صمم السلطة الطائفية البديلة، ووجه سهام الحرب الطائفية التي انتجت القاعدة وغيرها من المؤسسات والعصابات الشيعية ليزرعوا الأرض بالخراب والدمار. وهو الذي كان يدعم الكتل الطائفية حتى تتقاتل تحت شعار "توازن العنف"، بهدف إفناء بعضها البعض، خلال الحرب الطائفية (٢٠٠٥٢٠٠٦). وربما لموقف سياسي من الروائي لم يوافق على هذا التحليل حتى أنه "وقف على الحياد من كل الأطراف حتى الامريكان، فخرجت الرواية دون موقف، ودون موقف جدي من الاحداث". فأصبحت الرواية مجرد حكاية عن احداث الحرب الطائفية، والتي مازالت مستمرة حتى الآن.
المسالة الرابعة: صحيح أن الرواية فن خيالي في التشكيل والصور التي تقدمها، والشخصيات ايضاً، لكن مرجعيتها الخيالية تبني مادتها على عناصر الواقع التي يختارها الروائي باعتبارها تمثل الواقع الذي يراه. فالسكن في البنتاوين الحي اليهودي لا قيمة له، والصفحات الكثيرة حول المسيحية ام دانيال، لا علاقة لها بالحرب الدائرة بين الشيعة والسنة، سوى استمرار مآسي الحرب الاهلية التي تبعد عشرين عاما، سوى برحيلها خوفا من الحرب. كما أن دور المنجمين كأنه إضافة لفشل لجهود الإنسانية في التحليل والتركيب.
لكن لكل رواية هوية، أو قيمة نسبية تستند إليها وتدافع عنها خلال أحداث الرواية. وهذه الرواية لاتقدم مثل هذه القيمة. وقيمة هذه الرواية بالحبكة الدينية لفرانكشتاين، والتي جعلت الرواية عبارة عن رواية بوليسية مليئة بالحزن والقهر والدمار، ولكنها قابلة لكي تكون فلماً سينمائياً ممتاز.
-----------
مروان عبد الرزاق ------ ٧٧٢٠١٩



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن