(الاهمية الجيوسياسية لمنفذ زرباطية الحدودي بمنظور الجغرافية السياسية المعاصرة)

نظير احمد هلال
nadherahmeda@gmail.com

2019 / 7 / 6

يقع منفذ زرباطية في محافظة واسط جنوب شرق العراق وبالتحديد في ناحية زرباطية التابعة لقضاء بدرة والتي جاءت تسمية المنفذ منها وزباطية تعني إِناء الذهب وفي الجانب الإِيراني يقابل منفذ زرباطية منفذ مهران في محافظة إِيلام والتي جاءت تسميته نسبةً إِلى مدينة مهران, ويبعد المنفذ نحو 150كم من العاصمة بغداد ويعد منفذ زرباطية من أَهم المنافذ بين العراق وإِيران ومنذ إِفتتاحه بعد نيسان 2003 شهدت حركة تبادل تجاري كبير بين الدولتين وهو من أَكثر المنافذ الذي يشهد دخول للزوار الإِيرانيين في زيارة الأَربعين. ويتمتع منفذ زرباطية بوزن جيوبولتيكي منذ زمن طويل حيث كانت زرباطية من المناطق الزراعية والتجارية القديمة, وكان يعرف المنفذ الحدودي في السابق بمنفذ (عرفة). وحتى في فترة الحصار الإِقتصادي على العراق أَستمر المنفذ بالعمل من خلال عمليات التبادل السلعي بين الجانب العراقي والإِيراني.
يتمتع المنفذ بموقع جغرافي مهم وهذا الموقع هو الذي يقف وراء هذا إِلايراد المالي العالي للمنفذ, حيث بلغت إِيرادات المنفذ في عام 2010 (24,478) مليار دينار وبنسبة(47,5%) من أَجمالي إِيرادات المنافذ الشرقية مع ايران البالغة(51,414) مليار دينار, وأَستمرت بالإِرتفاع حتى بلغت في عام 2017(61,690) مليار دينار, وبنسبة(41%) من أَجمالي إِيرادات المنفذ الشرقية البالغة(151,716) مليار دينار, وهذا يعود إِلى إِرتفاع التبادل التجاري عبر هذا المنفذ.
لعبت الخصائص الجغرافية الطبيعية والبشرية منها دور في الأَهمية الجيوإِقتصادية لهذا المنفذ, إِنَّ بقية منافذ الدراسة تعاني من ضعف جيوبولتيكي عند مقارنة قيم السلع الداخلة عبرها مع قيمة السلع الداخلة عبر هذا المنفذ بالرغم من تماثل نوعية السلع بينهما حيث تتصدرها السلع المصنعة والغذائية, وفي عام 2010 أَحتلت السلع المصنعة المتمثلة بالسيارات أَعلى قيم السلع المستوردة عبر هذا المنفذ حيث بلغت قيمها(63,623) مليار دينار وبنسبة(51,6%) وبما إِنَّ إِتجاه سلع هذا المنفذ نحو محافظات وسط وجنوب العراق فيمكن ملاحظة حجم السيارات بكثرة في هذه المحافظات بالمقارنة مع المحافظات الشمالية, لكن ما يلاحظ إِنَّ هذا النوع من السلع ينعدم إِستيرادها فيما بعد نظراً لفشلها في تلبية رغبات مستهلكيها في الشارع العراقي, وأَحتلت المرتبة الثانية المواد الإنشائية حيث بلغت قيمتها(17,777) مليار دينار وبنسبة(14,4%), وفي المرتبة الثالثة تأتي الفواكه والخضراوات وبقيمة(16,548) مليار دينار وبنسبة(13,4%), وفي المرتبة الرابعة تأتي المواد الغذائية وبقيمة(13,968) مليار دينار وبنسبة(11,3%), وشكلّت هذه السلع الأَربعة 91% من قيمة السلع الداخلة إِلى هذا المنفذ عام 2010, وهذا المنفذ يعاني من ارتفاع نسبة الاستسرادات على حساب الصادرات الذي تعاني منه بقية المنافذ من حيث نوعية السلع المستوردة, أَمَّا بقية السلع تتراوح نسبتها بين(0,00-2,2%), وفي هذا العام بلغت قيم السلع الداخلة عبر هذا المنفذ (122,981) مليار دينار.
أَمَّا بالنسبة لعام 2017 زاد التنوع بالسلع الداخلة عبر هذا المنفذ بالمقارنة مع عام 2010, وتصدرتها المعادن ومصنوعاتها المتمثلة: بليت حديد, شيلمان, برميل, مقاطع المنيوم, شيش حديد, سيم ربط, أواني فافون, تنور غازي, حيث بلغت قيمها(1,084,670) تريليون دينار وبنسبة(61,3%) وهي تزيد عن نصف السلع المستوردة عبر هذا المنفذ, وهذا راجع إِلى ضعف الواقع الصناعي للعراق نتيجة للمتغيّرات السياسية والإِقتصادية التي طرأت على العراق, وفي المرتبة الثانية تأتي المواد الإِنَّشائية حيث بلغت قيمتها(213,441) مليار دينار وبنسبة(12%) ويشكلان هاتان السلعتان نسبة (73%) من إِجمالي قيم السلع لعام 2017, وفي المرتبة الثالثة والرابعة تأتي الفواكه والخضراوات والمواد الغذائية وبنسب لا تتجاوز(5%) لكل منهما, أَمَّا بقية السلع تتراوح نسبتها بين(0,00-4,5%) وتأتي بالمرتبة الأَخيرة العطور ومواد التجميل. ويتبين من بيانات العام 2017 إِنَّ مهمة المنفذ في هذا العام أَصبحت إِستقبال مواد البناء بالدرجة الأَساس, وبالرغم من تشابه الخصائص الجغرافية للعراق وايران ولكن تمكن أَحدهما من استغلالها نظراً لتوفر الإِرادة الوطنية في حين لم يتمكن الثاني من إِستغلالها وحتى إِنَّ أَستغلها فبشكل محدود غير قادر على سد الحاجة المحلية من الطلب عليها, وفي هذا العام بلغت قيم هذه السلع الداخلة عبر هذا المنفذ (1,767,173) تريليون دينار.
يتمتع منفذ زرباطية ببعد جغرافي لما يحتويه من إمكانيات إِستراتيجية وجيوستراتيجية جعلته محطة أَنظار الجارين العراق وإِيران, حيث يعد من المنافذ التصديرية بالنسبة للعراق, لكن عند مقارنة قيم السلع المصدرة عبرة مع قيم السلع المستوردة عبرة نجدة يعاني من ضعف من الناحية التصديرية, وكذلك عند مقارنة قيمة صادرات هذا المنفذ مع قيمة السلع المصدرة عبر منفذ المنذرية نجدة ادنى من قيم صادرات منفذ المنذرية وربما هذا راجع لقربه الجغرافي من الموانئ التصديرية في الجنوب, إِنَّ الجلود تأتي بالمرتبة الأَولى من حيث قيمة الصادرات حيث بلغت قيمها (2,369) مليار دينار وبنسبة(78%), وفي المرتبة الثانية يأتي أَسفلت مؤكسد وبقيمة(300) مليار دينار وبنسبة(10%), أَمَّا بقية السلع فتتراوح نسبتها بين(1,2-4,5%), وبلغ إِجمالي قيم هذه السلع(3,035) مليار دينار وهي أَعلى من قيمة صادرات منفذ مندلي لكنها أَدنى من قيمة صادرات منفذ المنذرية لعام 2017.
هناك مؤثرات جيوبولتيكية هي التي تقف وراء هذا إِلايراد وقيم السلع المرتفعة العابرة من خلال هذا المنفذ, وهذه المؤثرات هي التي منحت المنفذ وزن جيوبولولتيكي عند مقارنته مع أَقرانه من المنافذ البرية الشرقية الأَخرى, ومنها موقعة الجيوستراتيجي الذي وفر له بعد أَمني عالي المستوى وهذا ما جاء على لسان المساعد الإِقتصادي في محافظة إِيلام الإِيرانية حشمت الله عسكري "إِنَّ منفذ مهران هو من أَكثر المنافذ الحدودية البرية الإِيرانية أَمناً والمخصصة لتصدير السلع إِلى العراق, وأَضاف بقولهَ إِنَّ هذا المنفذ يمتاز بقصر المسافة الفاصلة بين المحافظات الإِيرانية والعاصمة بغداد, كما إِنَّه يمتاز باستقرار أَمني كبير والذي جعلهُ يحظى بإِقبال من التجار ورجال الأَعمال وزوار العتبات المقدسة".هذا بالإضافة إِلى أُمور اخرى جعلت من المنفذ يتمتع بحاسة سياسية من الناحية التجارية, منها كون المنفذ من أَول المنافذ التي أَفتتحت بعد الأَحتلال الامريكي للعراق بعد عام 2003والتي تولت حمايته قوات حفظ السلام الأَوكرانية والتي وصل رسم الدخول للزائر الإِيراني في عهد هذه القوات 50 دولار لتسهيل العبور إِلى العراق. في حين أَفتتحت المنافذ الأُخرى تدريجياً, أضافةً إِلى إِنَّ المنفذ لم يتأثر بالمتغيّرات الإستراتيجية الي طرأت على المنافذ الأَخرى على سبيل المثال أَحداث عام 2008والتي تأثر بها المنافذ البرية الاخرى بالجنوب منه.
وتعد الإستراتيجية التي أَتبعتها الحكومة الإِيرانية في تطوير السوق الحدودي في مهرإِنَّ كخطوة لإخراجها من عزلتها الجغرافية حيث تفصلها عن المدن الإِيرانية الأَخرى جبال زاكروس هذا من جانب, أضافةً إِلى كونها من المدن المتضررة من جراء الحرب العراقية الإِيرانية من جانب آخر, حيث عملت الحكومة الإِيرانية على إِنشاء أَسواق, وحرف متنوعة, ومناطق حرة, وتقديم الدعم في مجال النقل, أضافةً إِلى ذلك عملت الحكومة الإِيرانية على تطوير هذه المنطقة لجعلها منطلق للزائرين الإِيرانيين بإِتجاه العتبات المقدسة في العراق, خاصةً بعد توفر الأَمن الكامل على طول حدود هذه المنطقة, وكل هذه الأَجراءات جاءت من اجل سهولة نقل السلع عبر المعبر الدولي(مهران), وأَنشأ نظام مصرفي مشترك لنقل العملات الأَجنبية بين العراق وإِيران, وأَصبحت لهذه المدينة أَهمية إِستراتيجية وإِقتصادية ومن أَغلى المدن في البلاد خاصةً بعد احتلال العراق في عام 2003, وتعد مواد البناء المتمثلة: بالإسمنت, والجص, والطوب, والبلاط والأَجهزة المنزلية, والاطارات, أَهم السلع المصدرة إِلى العراق, وفي اليوم الواحد تعبر منفذ مهران حوالي 600شاحنة نحو العراق. تتميّز الحركة التجارية عبر هذا المنفذ بحاسة سياسية عالية, وهذا راجع للموقع الإِستراتيجي للمنفذ الذي آثار توجهات الحكومتين العراقية والإِيرانية نحوه عبر تفعيل العناصر الجيوسياسية للمنفذ, وعلى وجه الخصوص في الجانب الإِيراني, حيث أَدى التفاعل الإِيجابي بين العناصر الجغرافية الطبيعية والبشرية إِلى زيادة الاهمية الاقتصادية لهذا المنفذ وجعلهُ من اكثر المنافذ حاسة سياسية من الناحية التجارية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن