نشوء الحركة الوطنية ودورها في ثورة العشرين !

صبحي مبارك مال الله
subhimubarak@yahoo.com

2019 / 7 / 4

لمناسبة الذكرى التاسعة والتسعين لثورة العشرين في الثلاثين من حزيران 1920م، نستذكر ملحمة من ملاحم الشعب العراقي الثورية التي أدت إلى بلورة الوعي الوطني ونشوء الحركة الوطنية العراقية التي كانت تناضل من أجل الإستقلال والسيادة الوطنية هذه الثورة التي أمتدت من شمال وجنوب ووسط العراق، لعبت دوراً كبيراً في تعزيز مقدمات الوحدة الوطنية ومن أجل تحقيق كيان الدولة العراقية. فالثورة التي أنفجرت كان لها خلفية وأسباب سياسية وإقتصادية وإجتماعية، أشتركت فيها مكونات الشعب العراقي بكل شرائحه من المدن والأرياف، ومن الطوائف الدينية والعشائر والفئات المثقفة التي كانت تنمو في تلك الفترة. لقد تفجرّت الثورة وسط أجواء عالمية وإقليمية تعيش حالة المتغيرات الجغرافية والسياسية وتوزيع مناطق النفوذ بين الدول الكبرى التي أنتصرت في الحرب العالمية الأولى(1914-1918) حيث باشر الإحتلال العسكري لتلك المناطق وخصوصاً مناطق الشرق الأوسط والمناطق العربية والتي كانت تحت نفوذ الدولة العثمانية ولعدة قرون، حيث جرى تقسيم تلك المناطق حسب إتفاقية سايكس بيكو، فأصبح العراق تحت الاحتلال البريطاني بدلاً من الإحتلال العثماني.
(تعرض العراق إبان الاحتلال العثماني إلى عديد من العوامل التي أثرت في حياته الاقتصادية والإجتماعية ودفعت إلى تأخره ) لقد كان موقع العراق بين الدولتين المتنافستين العثمانية والفارسية حيث ظلت البلاد مسرحاً للقتال بين الدولتين وتداعياته من قتل وتدمير وتخريب وخصوصاً المدن ولهذا عانى العراق من التخلف في كافة مناحي الحياة فلا طرق ولا مدارس ولا مشافي ولاشبكات لنقل الماء حيث كانت بغداد تستقي الماء مباشرة من نهر دجلة. وهناك الكثير من التفاصيل في حالة المدن والمناطق الريفية والتأثير العشائري الكبير والعلاقات العشائرية والتمايز الذي ظهر بين المدينة والريف وإقامة الأحياء في المدن وتشكيل إدارة بعيداً عن إدارة الدولة كما عملت الإدارة العثمانية على تفريق العشائر وإشعال الفتن بينها . لقد ظهرت في المدن العراقية والإقاليم، السلع الأجنبية البريطانية منذ فترة مبكرة قبل الاحتلال البريطاني والتي أثرّت سلباً على الحِرف القديمة كما ظهر الإبحار البخاري النهري (1859)وظهور البرق الكهربائي (1861) والتعمق المرافق للتسلل الاقتصادي الإنكليزي وربط العراق بالعالم الرأسمالي وفتح المدارس الحكومية (1869) وتطور الصحافة بعد (1908)والمحاولات المتكررة للسلطة التركية الحاكمة بين عامي (1831 و1914) لجمع كل وسائل السلطة في قبضتها وكسر تماسك العشائر وعثمنة سكان المدن ....بطاطو (العراق -الكتاب الأول)
وما يخص تطور الحالة الجنينية للإنتلجلسيا (الفئات المثقفة ) حيث إنتشر الشعور القومي الجديد من خلال تزايد عدد الشباب العراقيين الملتحقين بمدارس التعليم العالي التركية وخصوصاً الأكاديمية العسكرية في أستنبول، والتعرف على الأفكار الأوربية وطرق التفكير ونمو التركية الجامعة وتسارع إيقاع التتريك وإنتشار الكتب والصحف وتكاثر الاتصالات العربية -العربية وظهور النوادي والجمعيات العروبية ، والإهتمام بالتأريخ العربي وبإنجازات الماضي والشعور بالأوضاع القائمة من فقر وكآبة وما جاء بعد ذلك من إستنهاض اللغة المشتركة والأصول العرقية المشتركة لمعظم العراقيين .
ولكن الذي ساهم في زيادة الشعور الوطني والقومي هو الغزو الإنكليزي للعراق بين 1914-1918 وظهرت المقاومة لهذا الاحتلال حيث وصلت الذروة عام 1920 كما ظهرت حالات تحدث لأول مرة بعد مرور قرون وهي إنضمام الشيعة سياسياً إلى السُنة وضمت عشائر من الفرات جهودها إلى جهود سكان مدينة بغداد وإقيمت إحتفالات شيعية -سنية مشتركة.وفضلاً عن الفعاليات الإحتفالية المشتركة لكلا الطرفين كانت تجري فعاليات الخطابات والأشعار السياسية تهدد الأنكليز وتتوعدهم (علي آل بازركان)
وكما ذكرنا فأن التغلغل الرأسمالي الأجنبي في العراق وتزايد نفوذ بريطانيا السياسي وسياسة الإضطهاد العثماني للسكان في المدينة والريف لم تقابل برد فعل شعبي وقومي يمكن ان يوصف بحركة وطنية مضادة ، كما حدث في الولايات العثمانية في أوربا. يقول كامل الجادرجي في مذكراته (لم يكن هناك مظهر بارز كحركة وطنية حقيقية في العراق ) كانت هناك فئات وطنية صغيرة ورواد قلائل حملوا أفكار قومية مناهضة للحكم العثماني ولكن هذه الآراء أو الأفكار ونشاط الرواد لم تكون رأي عام يدعو إلى الإستقلال الوطني. أثار إعلان السلطان عبد الحميد إعلان العمل بالدستور في 24تموز 1908إثر إنتصار حركة الإتحاد والترقي نشاطاً سياسياً في بغداد والبصرة والموصل ، ونشط المتعلمون العراقيون في أسطنبول للمشاركة في الحركات السياسية العربية التي تألفت للمطالبة باللامركزية، ولكن عودة الدستور لم يقابل في العراق بحماسة حيث كان الدستور مشوباً بالشك (غسان العطية -نشأة العراق). تأسست في العراق تنظيمات سياسية إما امتداد للاتحاد والترقي كفروع في المدن الرئيسيةأو المنافسة كما حصل مع الحزب الحر المعتدل وتأسست تنظيمات أخرى وصحف كثيرة ولكن هذا النشاط لم يتطور إلى حركة تدعو إلى الإستقلال ولم تستطع تطور وعياً واسعاً ولم تحقق هوية منفصلة لها في العراق ولم تهتم بالإصلاحات الاجتماعية والإقتصادية والمطالب الشعبية (نفس المصدر)
دخل العرق في دائرة الحسابات البريطانية منذ زمن بعيد لما تمتاز البلاد من موقع ستراتيجي يسهل الوصول إلى الهند وبدأت تضع الخطط لوضع اليد عليه بعد الهيمنة على الهند، تأسست شركة الهند الشرقية عام 1600م حيث أتخذت الهند مقر لها ولغرض السيطرة على تجارة الخليج دخلت في نزاع مع البرتغاليين ثم الهولنديين وفي عام 1639م وصل ممثلوها للبصرة وأقاموا مركزاً تجاريا ًفيها عام 1643 وأخيراً إنسحب الهولنديين منها عام 1753 فأصبح الوضع للسيطرة البريطانية تجارياً وقامت الشركة بأعمال كثيرة تمهد الطريق لهم أي للبريطانيين وفي عام 1802 أصبح وكيل الشركة كلوديوس ريج مقيماً دائماً في بغداد ومنح جميع السلطات القنصلية وجلب حرس كبير من الهنود لحماية القنصلية مع مدرعة نهرية مقابل بناية القنصلية. وفي عام 1903 وبحجة حماية التجارة الإنكليزية قررت بريطانيا الإمتداد في المياه، دجلة والفرات من خطاب وزير الهند اللورد لنزدن . عبد الرزاق الحسني تأريخ العراق الحديث الجزء الأول. إزداد نشاط البعثات القادمة من بريطانيا لغرض إستكشاف صلاحية الفرات ودجلة للملاحة ودراسة جغرافية البلاد فرسمت الخرائط الدقيقة للنهرين التي أفادت الحملة العسكرية لاحقاً مع نشاط آخر وهو رسم خرائط جيولوجية للبحث عن النفط والمعادن والعمل على مد سكك حديد عبر العراق إلى الخليج. وفي 15كانون الثاني عام 1912 ألفت حكومة الهند لجنة خاصة لدراسة إحتلال العراق حيث كان العراق يسمى بلاد العرب التركية. وفي آب -أيلول 1914 أرسلت قوة عسكرية لإحتلال البصرة وفي 3 تشرين الثاني 1914 وصلت القوة مياه شط العرب أي قبل إعلان الحرب رسمياً على تركيا بيومين وفي 6تشرين الثاني أحتلت الفاو لتبدأ زحفها بإتجاه الشمال .ودخلت عوامل تمثلت 1- المقاومة التي أبداهاالشعب العراقي 2-إفتضاح اتفاقية سايكس بيكو بعد ثورة أكتوبر في روسيا 3- تأثير الثورتين البلشفية في روسيا والكمالية في تركيا 4- إنكشاف زيف التصريح الأنكلو-فرنسي الذي وعد بإستقلال البلدان العربية 5- دخول أمريكا ومبادئ الرئيس ولسن كعنصر ضاغط على لندن وباريس. ومن الأسباب التي أدت إلى إنفجار الثورة 1- سيطرة بريطانيا العسكرية على حركات النقل والطرق وإقامة المعسكرات على المناطق المزروعة مما أدى إلى توقف الزراعة فيها 2-إنطمار قنوات الري 3- جباية الضرائب وإستخدام القوة في جبايتها من الأغنياء والفقراء 4-دفع أسعار واطئة لقاء المحاصيل الزراعية التي تجبر المزارعين على تسليمها 5-التضخم النقدي وإرتفاع الأسعار 6- ظهور مجاعة في بغداد 6- تسليط شيوخ القبائل على أفراد قبائلهم وجمع الضرائب بواسطتهم من أبناء القبيلة.
ومن خلال سوء إدارة المحتل البريطاني للشعب العراقي وتعامله الشديد وبقسوة وإعتبار الاحتلال أصبح حق مشروع للمحتل، حفزّ ذلك إلى ظهور الوعي السياسي الوطني ولكن البلاد لم تؤلف كيان سياسي متماسك واحد، الناس كانت تتوزعهم الولاءات المختلفة والمتقلبة ولكن مع مرور الزمن أشتد التذمر وظهرت عناصر ذات نفوذ واسع وقادرة على جذب الجماهير الواسعة وراءها ولهذا برزت الرغبة بالتخلص من الحكم الغريب سواء ان كان تركياً أو بريطانياً ونشأت حركة تدعو إلى ذلك شملت النجف وكربلاء والحلة وتحركات كوردية قادها الشيخ محمود الحفيد في السليمانية والمدن والأرياف المحيطة بها.وتحركات كوردية أخرى في العمادية وعقرة وكفري وقبائل كيوان في أربيل وتحركات في إنحاء مختلفة من العراق منها عشائر الفرات الأوسط وبني مالك في شمال القرنة وبغداد والكاظمية والنجف وكربلاء وقدمت المظابط وعرض الحال والإحتجاجات . وظهرت عوامل أثناء الاحتلال نحو تطور سياسي وأتخذ هذا التطور أشكالاً فكرية وتنظيمية ونشاطات سياسية وعسكرية. لقد خطت الحركة الوطنية خطوات محسوسة نحو توحدها وبلورة أهدافها وتو جهها نحو التنظيم فتكونت منظمات سرية نشيطة وأقامت لها فروع في المدن ومنها حرس الإستقلال، وجمعية العهد العراقية ، وجمعية الشبيبة وحزب الدفاع برئاسة الوطني الجريء عبد المجيد كنة الذي أعدم عام 1920 وكان على راس ما حققه الوطنيون توحيد النشاط السياسي السني والشيعي وعقد الإجتماعات والمواكب المشتركة وإستغلت المآتم الحسينية والمواليد النبوية وغيرها من النشاطات الجماهيرية في بغداد والكاظمية وفي 30 حزيران أندلعت ثورة العشرين بعد التحضيرات المستمرة ولهذا نستنتج بأن الثورة لم تحدث بشكل مفاجئ والتي أسست إلى حركة وطنية ثم تطورت نحو تأسيس الأحزاب الوطنية والديمقراطية. لقد كان دور المثقفين العراقيين كبير في الفترة قبل إندلاع الثورة في 30 حزيران وما بعدها من خلال عقد الندوات والإجتماعات وإلقاء الخطابات التي تحرض على الثورة وكذلك قيادة التظاهرات وكتابة العرائض التي تحمل مطالب الشعب وكذلك قيادة الوفود والعمل على تشكيل الأحزاب الوطنية. وبالنظر لوجود عدد من الصحف الرسمية الموالية للإنكليز ومعادية للثورة مثل جريدة العرب ، العراق ،ودار السلام وبغداد تايمس، وبصرة تايمس في البصرة ،والموصل في الموصل ونجمة كركوك في كركوك مع منع إصدار أي جريدة سياسية (تأريخ القضية العراقية – محمد مهدي البصير ) ولهذا قاد المثقفون العراقييون حملة من أجل إصدار صحف وطنية وقيادة وفود لأجل المطالبة بحرية الصحافة كما قدم وفد الذي مثل أحدى المظاهرات التي سبقت إنفجار الثورة بشهرين، عريضة إلى وكيل الحاكم العام البريطاني تضم مطاليب المتظاهرين ومنها أطلاق حرية الصحافة فوراً ليستطيع الشعب التعبير عن شعوره الوطني ويشرح مطاليبه واحتياجاته...الصحافة العراقية ميلادها تطورها ..فائق بطي ولهذا صدرت جريدة الفرات في مدينة النجف المحررة أيام الثورة وجريدة أخرى أسمها الإستقلال ... نفس المصدر
المصادر : 1-عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي -عزيز سباهي
2- العراق -حنا بطاطو الكتاب الأول
3-نشأة العراق -غسان عطية
4- علي آل بزركان -سياسي عراقي عاصر ثورة العشرين
5-مذكرات كامل الجادرجي -كامل الجادرجي
6- تأريخ القضية العراقية –محمد مهدي البصير



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن