في احتفالية الذكرى الخمسين لاستشهاد الرفيق ستار خضير صگر الحيدر أستذكار لجميع شهداء الحزب والوطن

محمد الكحط
mk_obaid@hotmail.com

2019 / 7 / 2

لم يكن حفلاً عادياً، بل مهرجاناً للنضال وأستذكاراً لتلك التضحيات المجيدة، فأحياء الذكرى الخمسين لاستشهاد الرفيق الخالد البطل ستار خضير صگر الحيدر، كانت بحق مهرجاناً جماهيرياً كبيراً، فهذه الفعالية التي أقامتها عائلة الشهيد ستار خضير مع منظمة الحزب الشيوعي العراقي في السويد، في مدينة لوند Lund جنوب السويد يوم السبت ٢٩ حزيران، والتي حضرها جمهور غفير من الشيوعيين والديمقراطيين والأدباء والفنانين وممثلي الأحزاب والقوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني من داخل السويد وخارجه ومن العراق ودول عدة، كان مهرجاناً سياسياً وثقافياً، فتضمنت ألأحتفالية مساهمات من فرقة ينابيع المسرحية وعدد من الشعراء المعروفين، إضافة لعرض فلمين عن الشهيد ومعرض فن تشكيلي ساهم به نخبة من الفنانين، إحياء لهذه الذكرى المجيدة واستذكار لمأثرة أستشهاد رفيق قدم كل ما يملك لخدمة الشعب والوطن، ومن أجل المبادئ التي نذر حياته لها، فنال الشهادة وهو في عز عطائه الثوري بعد أن قدم أجمل صور التحدي والشجاعة والصمود والعطاء.


بدأت الفعالية بالترحيب من قبل عريفي الحفل الرفيق صلاح الصكر والسيدة زهور بابل، بجميع الحضور وبعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي الرفيق جاسم اللبان، وتم دعوة الجميع للوقوف حداداً على أرواح جميع شهداء الحزب والوطن، ومن ثم تم عزف النشيدين الوطني والأممي، وبكلمات مفعمة بروح النضال قدم الرفيق صلاح الصكر للفعالية
بعدها بدأت الفقرات تتوالى وكانت أولى الكلمات لعائلة الشهيد ستار خضير والتي ألقتها أبنته منى ستار خضير ومما جاء فيها: (( .... قبل خمسين عامآ فقد الشعب العراقي والحركة الوطنية وعائلة آل الحيـدر احد ابنائها الابرار، الذي نذر نفسه للدفاع عن حقوق طبقات الشعب المهضومة والشغيلة منهم خاصة على خطى من سبقوه من ابناء العائلة. ولد الشهيد ستار خضير عام 1929 في ناحية الكحلاء الغافية على ضفاف الاهـوار.. في اول شبابه ولنشاطه وشخصيته المتميزة وصفه احد السياسيين وقتها بـ " رجـولـة مبكرة وعـقـل نيــر". كان طالبآ نشيطآ ومجتهدآ، انهى دراسته الابتدائية في الكحلاء، والثانوية في مركز العمارة حيث كان مسؤول الطلبة والمدافع الامين عنهم، تشرف بقيادة احدى المظاهرات الكبيرة في مدينة العمارة في وثبة كانون الثاني عام 1948 ، في عام 1950 تخرج من الاعدادية وعمل معلمآ في قرى ناحية الكحلاء ، نقـل الى بغداد وعمل معلمآ في ابو غريب، التحق بمعهد العالي للمعلمين في 1952، سجن لمدة سنة ونصف في الكوت لاشتراكه في انتفاضة تشرين عام 1952 بعد اطلاق سراحه عاد للكحلاء وعمل صاحب محل للقرطاسية والمواد الغذائية . ولنشاطه في تنظيميات الشباب والعمال والفلاحين والمرأة وانصار السلام اعتقل عام 1954 وحكم عليه بثلاث سنوات وسفر الى سجن بعقوبه، ثم ابعد منفيآ الى قضاء بدرة لمدة سنة قبل ان يطلق سراحه.. وبعد ثورة 14 تموز المجيدة عمل في تنظيمات الحزب في بغداد، وفي عام 1959 تزوج من ابنة عمه ورزق منها بأربع بنات .. وفي عام 1960 كلف بمهام حزبية في الموصل على أثر فشل حركة الشواف وحملة الاغتيالات التي رافقتها، بعد نجاحه بالموصل اسند له الحزب قيادة كركوك حيث بقى هناك لغاية انقلاب 1963 وقد ابلى بلاءً حسنآ ..، في عام 1965 كلف بمهام حزبية في الاشراف على انصـار الحزب في جبال كردستان، ولصلابته وشجاعته ونجاحه في مهماته الحزبية في كردستان تشرف بمهام مسؤولية الخط العسكري للحزب.. وفي عام 1966 عاد الى بغداد للعمل في تنظيمات الحزب وانتخب عضوآ في اللجنة المركزية ليكرس ما تبقى من حياته لخدمة الحزب ومبادئه السامية وحتى لحظة استشهاده في حزيران 1969 ، ليلتحق بكوكبة شهداء الحزب والوطن. كان البطل ستار خضير ابنآ بارآ لعائلته الكبيرة ال الحيدر وعائلته الصغيرة / زوجتـه وبناتـه، كما كان بـارآ لحزبه وشعبه.. ولـم تكن عائلته بمنئى عن المضايقات والقلق بسبب خصوصية العمل الحزبي السري، ثم ذاقـت الامريـن بعـد استشهـاده، مما دفع عائلته للهجرة الى خارج العراق.
الحضور الكريم: بطـل شجـاع هذه هي سيرته الذاتية الا يستحق ان نحتفـل بيـوم ميلاده ويوم استشهاده، لقـد كان الشهيد سـتار شـيوعـيآ صلبـآ ، فارسآ شجاعـآ مهابـآ ، فيه كل مواصفات القائد الشيوعي المتمرس والمتميز .. ترجل عن صهوته مكرهآ لا خائفـآ أئـر الجراح العميقة التي اصابته من رصاصات الغـدر والخيانة على ايدى عصابات البعـثـفاشية واعتلى مع النجوم يضيء درب الحريـة مع رفـاقه من الشهداء .. واليوم نحتفل معكم ايها الحضور الكرام بالذكرى الـ 50 لاستشهاد ابن الوطن ستار وبنفس الوقت نضيء له الشموع بذكرى ميلاده الـ 90 التسعون وكلنـا فخرآ واعتزاز.
تحيـة تملؤها المحبة والافتخار بكل شهيد قدم روحه وسالت دماؤه على تراب الوطن نـذرآ لقضايا الشعب العادلة، اليوم الوطن ينحني اجلالآ لارواح ابطاله من الشهداء .. ان الامة التي تنسى شهدائها في ايام ولادتهم واستشهادهم لا تستحق الحياة ، أن التضحية لحـد الشهادة في سبيل المبادئ السامية للانسانية وتوفير العيش الكريم لابناء الوطن هي خلـود لارواح هؤلاء الشهداء .. من يجعـل من جسده جسرآ ليعبر الاخرون الى درب الحرية، وينيـر الدرب لرفاقـه ان حـل ظـلام الجـور والاضطهـاد يستحق منا ان ننحني له احترامـا واجـلالآ، نعـيـد سـيرتـه ونعـيش ذكـراه ..سـلام على روحك الطاهره ابن العائلة البـار عزيزنـا ستار .. وسلام على الارواح الطاهـرة لشهداء العائلـة الذين ساروا على خطى سـتار وحزبـه المقـدام / نـافـع عبدالرزاق، هيثـم ناصـر وسـمير جبـار، سـلام على ارواح شهداد الحزب والوطن اجمعين)).
وكان لقيادة الحزب كلمتها لهذا الشهيد البطل ستار خضير ألقاها عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي الرفيق محمد جاسم اللبان، نقتطف منها ما يلي: ((نحتفي اليوم برمزٍ متألق دائماً من رموز حزبنا الشيوعي العراقي، وعلم من أعلامه الخفاقة في ربوع عراقنا الحبيب، وفي ضمائر وقلوب كل الوطنيين والتقدميين العراقيين، انه المناضل الجسور المعروف بصلابته المبدأية والشيوعي الذي لا يلين مهما كانت الصعوبات والتحديات، ومهما أدلهمت الخطوب وعوت الذئاب في صحاري العراق، الرفيق الباسل حد الشهادة ستار خضير...إنه أحد أبطال حزبنا الأفذاذ الذي يصح أن نطلق عليه بفخر وإعتزاز "أيقونة الحزب" والتي سيظل إشعاعها الفكري والنضالي والسلوكي ملهماً، لكل الذين يغذون الخطى لملاقاة الشمس وسط ظلام القرون .....وتواصل الكلمة ....وقد أنفرد البعث وأجهزته القمعية، بأتباع أساليب لم تكن في متناول الأنظمة الرجعية والدكتاتورية التي سبقته، فأبتكروا نظرية تأطير المجتمع، وتعني في التطبيق العملي تحويل الناس جميعاً وحتى الأطفال الى وشاة بحق عوائلهم وأصدقائهم ومعارفهم، فكانت البداية لإنهيار المنظومة الاجتماعية والأخلاقية الرصينة التي عرف بها المجتمع العراقي، وصارت مدخلاً لكلِ أساليبهم الجهنمية التي باتت معروفة للقاصي والداني. ومن بين تلك الأساليب الدنيئة، وأشدها خطورة في محاربة حزبنا الشيوعي العراقي هو العمل الدؤوب لإفراغه من كوادره المجربة، وذات التاريح النضالي المشرف والخبرة التنظيمية والسياسية المتميزة، القادرين على إعادة بناء منظمات الحزب عندما ينجح العدو في تحطيمها أو أضعافها، بأستهدافهم هذه الكوادر قبل غيرها، لأنهم يعتبرونها الخطر الحقيقي على حزبهم وتجربتهم المريضة. ولذلك أغتالوا مبكراً الشهداء ستار خضير ومحمد الخضري وشاكر محمود والشيخين حسين ومعروف البرزنجي وعزيز حميد والعشرات من خيرة الكوادر الحزبية، أملاً منهم في تحجيم دور الحزب الشيوعي والقضاء عليه لاحقاً، لكن فألهم السيء خاب، كما خاب فأل من عادى الحزب الشيوعي وفكره النير.....)).
وفي فقرة خاصة تم عرض فلم عبارة عن شهادات من ذلك الزمان تحدث فيه العديد من المناضلات والمناضلين الذين عايشوا حياة الشهيد النضالية.
بعدها قدم القاضي زهير كاظم عبود مطالعة قانونية عن استشهاد البطل ستار خضير بعنوان استشهاد ستار خضير من وجهة قانونية: هذا نصها ((في خضم ألأحداث التي تزامنت مع مجيء سلطة انقلاب 17-30تموز 1968 واتخاذ رؤوس السلطة منهج يليق بأبناء الشوارع والشقاوات وسقط الناس من الذين يفتقدون للخلق وألاخلاق والقيم في تصفية الخصوم السياسيين، بالنظر للحذر الذي اتخذته القوى السياسية من سلطة ألانقلاب ولمعرفتها بالانحطاط السياسي وألأجتماعي للأسماء التي نجحت في ألاستيلاء على السلطة، فقد عمد صدام الذي كان يرأس منظمة حنين ألإرهابية ومكتب العلاقات العامة، الجهاز الذي يتخذ من هذا ألاسم ستارا في تصفية واغتيال عدد من السياسيين العراقيين المناوئين للبعث بطريقة تمثيلية وغادرة، ومحاولة إضفاء نوع من القصص الملفقة والرخيصة التي لم تستطع السلطة أن تمررها على عقول العراقيين لأبعاد الشك عنها.
عصر يوم 23/6/1969 وبعد خروج (الشهيد ستار خضير) من بيت في حي المعلمين المتفرع من شارع فلسطين، توجه الشهيد عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الى موقف سيارات مصلحة نقل الركاب للعودة الى أهله، وأثناء انتظاره باص المصلحة تقدم باتجاهه شخصان أحدهما يحمل رشاشة والآخر مسدسا وقبل الوصول الى مكان الشهيد بعدة أمتار أطلق ألاثنان من سلاحيهما سوية فأصيب بعدة اطلاقات متنوعة في بطنه غير أنه استطاع أن يركض باتجاههم ويمسك بأحدهم وأسقطه أرضا بعد أن سقط معه ثم استطاع الوقوف رغم جراحاته لكن القاتل ألآخر عاجله بأطلاقة أخرى من مسدسه أصابته في رجله أعاقته عن التقدم بالنظر للنزف الشديد وألم ألإصابات، تنادى أحدهم على الثاني بقوله (اتركه م !!)وكان هذا الشخص يرتدي بنطلون سرج رصاصي وقميص أبيض وقد بقيت آثار أظافر الشهيد مطبوعة فوق وجهه وعلى رقبته قبل أن يسقط أرضا ، وهو ينادي الناس الواقفين في موقف باص المصلحة بأنه ستار خضير وهو عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وطلب إسعافه ثم غاب عن الوعي. نقل المصاب الى المستشفى حيث عالجه الدكتور محمد صالح سميسم الذي كان طبيبا مقيما وشارك في إسعافه الدكتور نوري فتاح باشا، وقاما سوية بأجراء العملية بعد أن تم إيقاف النزيف واستئصال قسم من ألأمعاء المصابة بطلق ناري، واستخراج الطلق الأخر من رجله ثم أخرج ليلا من غرفة العمليات.
قام جهاز ألأمن باعتقال عم الشهيد ياسر صكر وشقيقيه جبار خضير الصكر وقيس خضير الصكر حيث باتوا ليلتهم موقوفين في مركز شرطة القناة ومن ثم تم اخلاء سبيلهم صباحا. أفاق الشهيد من تأثير المخدر والعملية وأستطاع أن يتحدث لأهله وأخوته وسرد لهم بشكل تفصيلي ما حدث له بدقة وتفصيل يفيد التحقيق، وحضر الى غرفة الشهيد شخصان ادعوا أنهم حكام تحقيق وسألوه تفصيليا عن القضية وبعد أن شرح لهم ذلك سألوه عما إذا لم يزل يعمل في الحزب فأكد لهم أنه كادر من كوادر الحزب.
غادر ألاثنان دون اتخاذ أي إجراء معين. وفي اليوم التالي تدهورت صحة الشهيد وبدأت أعراض التسمم تطغي، وراجعه الطبيبان مهدي مرتضى وفاضل الطائي، وفي اليوم الثالث تدهورت صحته أكثر أثر التسمم الذي بدأ يسري في جسمه، ولما أصبحت حالته ميئوسا منها وأنه ميت لامحال حاول الطبيب محمد صالح سميسم أن يقدم له ما يستطيع من عوامل ألإنقاذ والمساعدة بالتنفس ألاصطناعي والضغط على القلب دون جدوى فقد رحل الشهيد في اليوم الخامس 28/6/1969 متأثرا بإصاباته القاتلة ولم تستطع المعالجة الطبية إنقاذ حياته. وبعد أن قام حاكم التحقيق المختص تدوين أقوال المدعين بالحق الشخصي والذين طلبوا الشكوى ومعرفة الجناة، وبعد فترة من ورود التقرير التشريحي لجثة الشهيد ستار خضير قرر قاضي التحقيق غلق التحقيق لمجهولية الفاعل.
كان يقتضي على حاكم التحقيق أن يستثمر أسم أحد المتهمين في البحث والتقصي بألأضافة الى استدعاء الشخص.....الذي كان الشهيد ستار خضير قد غادره وتم التصدي له بعد ذلك من قبل القتلة بأسلحتهم النارية، وكأنهم كانوا يعرفون بموعد اللقاء، بألأضافة انه يتوجب على حاكم التحقيق أن يستفسر من مركز الشرطة معرفة أسماء المواطنين الذين كانوا بانتظار باص المصلحة ومن بين أهل المنطقة، ليقوموا بتشخيص القتلة وألأدلاء بأية معلومات تفيد التحقيق، إذ ليس من المعقول أن أحدا لم يكن قد لمح أو شاهد الجناة وكيفية انسحابهم من ساحة الجريمة، بألأضافة الى ضرورة استجواب ضابط الشرطة (المحقق حينها في مركز شرطة القناة) عن تفاصيل القضية وعن الأمور التي تم التستر عليها، وعن أصل ألأوراق التحقيقية وما تم تدوينه في السجلات اليومية لمركز الشرطة أو في السجلات ألإحصائية التي تقوم بها مديرية الشرطة العامة ووزارة الداخلية. وكان على حاكم التحقيق أن يتمعن في الدافع ألأساس لارتكاب الجريمة، فالرجل كان عضو لجنة مركزية في الحزب الشيوعي العراقي وكادر من كوادر العمل السياسي مما يقتضي أن يكون القتل بدوافع سياسية حيث لم تكن للشهيد عداوات عشائرية أو شخصية، وقد تركزت المعلومات التي تشير الى المدعوا أبو جلال الصحفي البعثي المرتبط بجهاز أمن صدام.
إن غلق التحقيق من قبل حاكم التحقيق (قاضي التحقيق لاحقا) لمجهولية الفاعل لا يعني غلق التحقيق بشكل دائم إنما يتم الغلق بشكل مؤقت وفقا للفقرة ج من المادة 130 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فإذا ما ظهرت أدلة جديدة وظروف تستدعي فتح التحقيقات يقرر قاضي التحقيق البدء بفتح التحقيق مجددا.هذا من جانب ومن جانب آخر فأن عائقا سياسيا قويا مانعا من ألاستمرار في التقاط ألأدلة ومتابعة القرائن من قبل المدعين بالحق الشخصي أو من قبل الحزب الشيوعي نفسه الذي تعرض للمطاردة والتصفية وألأرهاب طيلة السنوات الطويلة الماضية. وطيلة الفترة التي أعقبت استشهاد ستار خضير سيطرت نفس الجهة (سلطة صدام) المتهمة بقتله على السلطة فأصبحت في منأى عن المسائلة القانونية، كما لم يكن بأمكان المدعين بالحق الشخصي أن يطلبوا فتح التحقيق مجددا لأي سبب كان بالنظر لكون القضية حفظت في ملفات ألأمن العامة ولا يوجد لها أساس في أضابير وملفات التحقيق الخاص بالشرطة، كما كان على قاضي التحقيق أن يستوضح من الجهات ألأمنية والجهة المشرفة على ملفات ألأمن أن تميط اللثام عن تفاصيل قضية استشهاد الشهيد ستار خضير والشهيد محمد الخضري والشهيد شاكر محمود وجميعهم من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وتمت تصفيتهم بنفس الفترة وبطرق مختلفة لكنها صادرة من جهة متهمة واحدة. إن على الجهة التحقيقية المشرفة على ملفات ألأمن أن تفيد التحقيق بمن كان يدعى (م) ومن ضباط أو مفوضي أو مرتبات أمن بغداد أو ألأجهزة ألأمنية والمخابراتية ألأخرى واستجواب من ترى ضرورة استجوابه وصولا الى الحقيقة وكشف تفاصيل هذه الجرائم التي تسترت عليها السلطة الصدامية. على ألادعاء العام كممثل للحق العام أن يبادر بتحريك الشكوى ومتابعة التحقيق لإزالة الملابسات والغموض الذي تخلله بالنظر للظروف السياسية وألأمنية التي كانت تبسطها السلطة على جميع ألأجهزة ألأمنية، كما ينبغي على قيادة الحزب الشيوعي وعائلة الشهيد المطالبة بتحريك هذه الشكوى والكشف عن الجناة ألأداة الطيعة والرخيصة التي يوظفها الجلاد في اغتيال الرموز العراقية وكوادر الحركات السياسية كما تطالب عائلة الشهيد بالتعويض المادي والأدبي لفقدانها رب أسرتها ومعيلها طيلة هذه الفترة.
اليوم نحن مطالبين جميعا أن نتوصل الى حقائق تلك الجرائم وأن نعيد البحث عن الأدلة والقرائن، الجريمة في القانون العراقي لا تتقادم ولا تسقط، وأن انتهى رأس السلطة فثمة أدوات وجلادين صغار مارسوا القتل والتعذيب لم تزل طليقة ولم يطالها القانون، أرواح الشهداء تطالبكم بالكشف عن القتلة، وليس هناك أخس وأحقر من قاتل مكلف بأسكات رأي أو معتقد أو فكر. نقف أجلالا للشهيد الخالد ستار خضير ولكل شهداء الحزب الشيوعي العراقي وشهداء الحركة الوطنية في العراق)).
وكان للشعر الثوري مكانه في هكذا فعالية، وقد حضر العديد من الشعراء ليقدموا قصائد خصيصاً للفعالية، وأولهم الشاعر رياض النعماني بمصاحبة الفنان عدنان سبتي بالعزف على العود، ومن القصائد التي قدمها: ((قصيدة عن بغداد تأثر لها الجمهور: «بغداد متموت/ مثل النخل والنجم والعشك متموت/ مثل الله متموت
مثل الفرات/ بكل مسامه يفوت/ بغداد عزنه/ شلون عزنه يموت».
أما الشاعر الدكتور صلاح السام فقد ألهب الحضور بقصائد حماسية تفاعل معها الجمهور منها القصيدة التالية: ((يا شدة الورد.... يا شدة الورد ياغرساً نحنُ لهُ...يافخر أهلي وياعطر الرياحينِ/ أبا بسيمٍ أيا نجماً ويا ألقا...وعالي الشأن في كل الميادينِ/ يا أبن العراقِ وأنتَ الفخرُ أجمعهُ...وأنَّ حبكَ يجري في الشرايينِ/ أقتادوكَ للموتِ بئساً للذي صنعوا...يخسى الطغاةُ من سفلٍ ومن دونِ/ يا آل حيدرَ قد جاء العطاءُ بكم...تقدموا النذرَ من حينٍ الى حينٍ/ قد جئتكَ اليوم يا ستار منتحباً...ما عادَ في موطني بيتٌ ليأويني/ فالقتلُ والموتُ قد أضحى يطاردنا...بكاتمِ الصوتِ أو في نصلِ سكينِ/.......))، أما قصيدته الثانية فقد تغنت بالحزب ونضالاته ((قلبتُ أوراقاً قد إصفرَ لونها...فالدهرُ ولى والزمانُ تعدا/ فأعوامٌ خلت سودٌ عجافٌ...وكنت أريدها زهواً ووردا/ وأبدأ من عراقٍ يشكو جرحاً...متى يلتامُ بل والآن ندّى/ ألا تباً لكلِ يدٍ وفردٍ...أهانَ كيانه وله تصدى/ في بعث الحروب وبعث شؤمٍ...جعلت بلادنا للغربِ عبدا/ لقد أوحى الأباة الى كريمٍ...بتضييقِ الخناقِ وأن يشدا/ فوا أسفاً فقد أرخاهُ حبلاً...فلم ينج من الإرهابِ فردا/ ففي رمضان قد قادوا إنقلاباً...فكانَ الدمُ طوفاناً ومدا/ لو أنَّ المبتغى منهم يزيداً...بديلاً يصطلى بالنارِ زيدا/ سلامٌ قادَ حزبهُ في تحدٍ...ليكون درسئة ويكون سدا/ لقد كان الشيوعيون دوماً...على التخلفِ زمجرةً ورعدا/ وكان المجرمون بلا ضميرِ...فلم يجنِ كريم القومِ لحدا/ قد أقتيد النساءُ بلا رداءٍ...وما فعلوا جبين المرء يندى/ ومرَّ الحزب في ظرفٍ عصيبٍ...ونحسبُ كل شيءٍ قد تردى/ فهل تُجدي الملامة بعد لأيِ...وما نفع الأدام اذا تبدى/ وكان علينا أن نرضى بحيفٍ...ونقبل منهم ماكان بدا/ وجاءت جبهةُ فيها خنوعٍ...وخان البعث ما كتبوه عهدا/ وكنا كلما نزداد قرباً...وجدنا نفسنا نزداد بعدا/ أذلونا ونحنُ أباة شعبٍ...ثعالب حزبهم تصطادُ أسدا/ فقتلٌ واغتيال في تمادٍ...ولم يوقفهم في العنفِ حدا/ وفي التعذيب قد قتلوا فهوداً...وقد ذعروا ليبصروا ألف فهدا/ فهم جُبلوا على الإرهابِ دوماً...وزادوا حقدهم قيحاً وحقدا/ لقد كان الشيوعيون سيفاً...على الإرهابِ لا يحويه غمدا/ وان الحزب للأجيالِ نورٌ...أستنار بفكرهِ عرباً وكردا/ يقضُّ مضاجع الأوغاد دوماً...ويحسب في الحساب إذا تحدى/ وفي سوحِ النضال لهُ سجلٌ...وفي الوثبات عقداً أثر عقدا/ مشينا للصعاب وفي سباقٍ...ومازلنا لأجلِ الشعب جندا/ وفي العمل المرير لنا دروسٌ...لنشمخ عالياً فكراً ومجدا/ لقد كنت المهيب وسوف تبقى...تخوض غمارها حراً وبردا/ ليهنأ شعبنا حراً سعيداً...وينبذ للورى سجناً وقيداً/ فدمتم للعراق دعاة حقٍ...ويبقى الحزب مدرسة ومهدا/ وللشهداء منا أنحناءٌ...وباقاتٌ من الأزهارِ تُهدى)).
وكان للشاعر والاعلامي فالح حسون الدراجي حضوره أيضاً وقدم قصيدة جديدة عن الشهيد والشهداء، تأثر الحضور بكلماتها المفعمة بروح العطاء للشهداء. ((إذا مات النهر
المقدمة.. كانت السلطات البعثية تعرف تماماً من هو ستار خضير(أبو مي).. فهو ليس مجرد قائد شيوعي ومسؤول الخط العسكري في الحزب فحسب، إنما كان مشروع ثورة وقائد ثوري، لذلك سعت بكل طاقتها لتصفيته والتخلص منه !!
عثر جدم الزمان وطاح والد مَي ..
عمت عين الزمان إشعثر من عثره
إنكسر ضلع التحدي بموت والد مَي
خمس عقود محَّد جبَّر الكسره
خمس عقود نآكل من لحمنه الحي
وحدر جلودنا مورثة ألف جمره
عثر جدم الزمان وضاع أجمل شَي
لَهذا اليوم محَّد ناقش العثره :
لماذا وليش وشلون الحصل والصار
أنه بگلبي بلاوي وأسئلة خطره
سؤال يجِّر سؤال ونار تحرگ نار
وأمَّر من المنايا الأجوبة المُرَّه
إذا طاح الجبل معناها صاير شَي
لو ثمة خلل .. لو بالجبل ثغره
وإذا مات النهر، موش العتب ع المُي
العتب كل العتب ع الما حمه نهره
چذب عين الشمس يكسر رمحها الفي
إذا عين الشمس متنمرَّةوحمره
د حط كل الظلام اگبال برگة ضَي
وشوف شلون يشِّرد من تجي الگمره
إذا تقصير حاصل لازم إنقر بيه
والمقصِّر وجوباً لازم أنقصرَّه
ما أشك بالحزب هذا حزب خيون
أخوي الماتت أمي وما لگت گبره
ما أشك بالحزب هذا حزب هندال
لَهذا اليوم باسمه إتفاخر البصره
ما أشك بالحزب هذا حزب وضاح
ميِّت، والأعادي تخاف تتذكره
ما أشك بالحزب هذا حزب بشار
وأتحدَّه النخل لو يوصل لصدره
ما أشك بالحزب هذا حزب شمران
إمام الصراحة وسيَّد الفكره
ما أشك بالحزب هذا حزب طوفان
أبو ليلى الصبُر يتنومس بصبره
ما أشك بالحزب هذا حزب جاويد
حزب تلو وسلام وخالد وذكرى
ما أشك بالگمر هذا گمر فريال
وأنسام وعميدة وعايدة وبشرى
ما أشك بالشمس هذي شمس إكرام
وجواد العطية ومتي أبو سمره
ما أشك بالحزب هذا حزب توماس
أطهر من حليب الزاچية الحرَّه
أشكن؟
أشكن بيَّه آني وما أشكن بيه
ورد آذار ياهو إيشكك إبعطره ؟؟
مطر تشرين ما يحتاج أي برهان
مثل ريحة العنبر ريحة المطره
هم هيچ الحزب وأكثر بعد تلگاه
مواسم للفرح وأعياد للخضرة
ما أشك بالحزب هذا حزب الانصار
من دم النصير إتشع الف زهره
لا تسأل بشر خاف البشر تنحاز
روح لهندرين وإسأل الصخره
مو بس الجبل يحچيلك إعله الصار
بأهوار الغموگة تشوف الف ذكرى
تفگ خالد وأمين لهسَّه محتَّرات
وابو محيسن علم خفاك بالشطره
ما أچذب عليك وداعتك مشتاگ
مثل شوگ البنات لفرحة الزهره
وما أچذب عليك وداعتك عطشان
يرويني ودادك وأشيع بنظره
وما أضُمَّن عليك وداعتك تعبان
أريد إبفيك أغفه وأنته فَي شجره
يا أمي وأبوي واهلي والخلان
ياگمرة حياتي وأحلى كل گمره
مرات الكسر يثگل على المكسور
والمكسور ما يتحمل آلكسره
ومرات الظنون تلوج وسط الروح
لچن گلبي عفيف ويسِّتر العشره
ثلثين العمر خلصته شوگ وياك
وما أريد بتوالي اسنينه أندمرَّه ؟
ما أغير هواك ولا أغير الشوگ
ألف موته أموت وشوگي ما أغيره
يا طعم الثمالة وأحلى ما بالكاس
نخب حبك أشربه وأختم السهره
جنت بأول ربيعي .. وأزغر من الطير
گلت هذا الكلام ولسَّه أنه أتذكرَّه
لو ستار ما طايح هذاك اليوم
چا فوگ الشمس راياتنا الحمره
ولو ستار ما طايح هذا اليوم
چان الليل ناصي وعالية الگمره
ولو ستار ماطايح هذاك اليوم
جان أحله المدن بالعالم الثوره
ولو ستار ما طايح هذاك اليوم
چا روما العمارة ولندن البصره
ولو ستار ما طايح هذاك اليوم
چا نخل السماوة أتطرَّه ألف سمره
ولو ستار ما طايح هذاك اليوم
چا هسَّه الرمادي أورود مو صحره
وجان الموصل اجمل من صباح الخير
وأجنحة الفرح بديالى منتشره
ولو ستار ما طايح هذاك اليوم
ما شفنه حروب ونار مستعره
ولا شفنه منافي وليل الولايات
وعلى أبواب اللجوء آلاف منتظره
ولو ستار ما طايح هذاك اليوم
چا ماكو فقير ولا بقت فقره
وچا اربيل ترگص چوبي وي ميسان
وبدهوك العزيزة تصِّيف البصره
وچا بغداد كعبة وقبلة للأحرار
وكلمن زارها تنوله الف عُمرة
وچا بابل أنيقة وأحلى من العيد
وسامرَّه لمجدها تعود سامره
وچا واسط قصيدة بشفة الأنبار
وأبو الطيب عليها يبث عبق شعره
وچا وادي السلام أگبوره مو مليون
بل مليون نخلة وزنبقة وشجرة
وچا هور الچبايش أحلى ما بالكون
لوحة من الخيال الفاتن بسحره
لكن للأسف طاح الگمر مغدور
والتاريخ حافظ ملحمة غدره
طفه غفله النهار وضاع سِّر الليل
وهاي اسنين محَّد گادر يدوره
إنكسر ضلع التحدي بموت والد مَي
ولهذا السبب ما صارت الثورة))

وكان للفن التشكيلي حضور في مدخل قاعة الحفل، حيث ساهم الفنانون التشكيليون، عماد الطائي، كاظم الداخل، سلام غريب، يوسف عكار، نوري عواد أبو رشا، قاسم الساعدي، أمين عبد الله، ستار عناد، تضافة الى معرض لصور الشهداء.
وللغناء مكانته فكانت الأغاني الثورية التي تتغنى بالشهداء ((مرلي مرلي مرلي بشمع زفتك مرلي...))، حيث ساهم العديد من الفنانات والفنانين في الغناء وكذلك تم مساهمة الفنان طالب غالي بتلحين أغنية من كلمات الشاعر فالح حسون الدراجي بعنوان "خمسين عاماً" نالت أعجاب الحضور.
أما فرقة ينابيع المسرحية فكانت لها مساهمة جادة ومهمة وهي مسرحية من تأليف آشتي، - تمثيل وأخراج سلام الصكر ألأدارة المسرحية صلاح الصكر وتنفيذ الموسيقى روزا سلام، وكتقديم للمسرحية قرأت كلمات الاستاذ سعيد غازي الأميري التالية: ((((يدٌ متمرِّسة بالرذيلة، تتقن التقاط الأوامر والفتات معاً، ضغطٌ على الزناد رصاصةٌ وحشيَّةٌ، تلتها الثانية والثالثة، استقرَّتْ بغدر مسبق بجسد ستار خضير، الحالم بوطن حرّ وشعبٍ سعيد، أُوصِلَ النبأ...، رئيس جهاز حنين، تملكته قهقهة صاخبة، أنعشت روحه الملتهبة، المُضاف لسِفر الحالمين طريح في مشفى عام...، يوصي بتكملة المسار ذووه، وبصمت المؤمنين، ألبسوه كفناً أبيضَ، معقوداً بهميان جسده يلامس الثرى، عند عقدة تشابك عروق النخيل المتشربة من شهد دجلة وعذب الفرات.
حبلُ الظلم، معقود، بعد أربعة وثلاثين عاماً...رئيس جهاز حنين (مسحولا) من جحور الضواري، مرتعداً، فاغراً فاه، يتوسل طبيباً أمريكيّاً الرأفة والغفران، دفق الضياء ممدود
خمسون عاماً مَرَّت، يوبيلا ذهبياً لستار خضير يُحيي أهله وأنصاره، والأحرار الحالمون بوطن حرٍّ وشعبٍ سعيد،...))، صفق الجمهور للمسرحية وللممثل والمخرج والمؤلف، فقد جسدت عظمة العطاء للشهيد.
وعودة للشعر حيث قدم الشاعر الشاب أحمد الثرواني قصائد وطنية جميلة، تبعته الشاعرة زهور بابل بقصيدة عن الشهيد البطل ستار خضير. ومن ثم قدم الأستاذ صلاح جبار عوفي أيضا قصائد نالت استحسان الحضور، منها مهداة لأم الشهيد الثانية أم صباح، كما وصلت مساهمة شعرية من الشاعر حمزة الحلفي مسجلة بصوته بعنوان "شبل الصكر ستار القضية"
أعقب هذه الفعاليات تقديم فلم عن الشهيد من اخراج عصام حسين وهو محطات نضالية عن الشهيد.
وفي فقرة خاصة تم تكريم كل المساهمين في الفعالية وكل من ساهم بأنجازها بدرع الذكرى الخمسين لأستشهاد الرفيق ستار خضير.
في الختام أحيت فرقة ينابيع للأغنية باكورة عملها، حيث قدمت عدة أغاني جميلة.
هذا وقد وصلت العديد من البرقيات الواردة لأحتفالية الذكرى الخمسين لأستشهاد المناضل ستار خضير منها برقيات من:
1 - منظمة الحزب الشيوعي العراقي في النروج
2 - الرابطة المندائية للثقافة والفنون
3 - البرلمان الكردي الفيلي
4 - منظمة الحزب الشيوعي العراقي في المانيا
5 - تجمع الكرد الفيليين الديمقراطيين في كوبنهاكن - الدنمارك
6 - فرقة مسرح الصداقة
7- حقوق ألأقليات -
8- منظمة الحزب الشيوعي العراقي في السويد
9 - منظمة الحزب الشيوعي العراقي في الدنمارك
10 - التيار الديمقراطي ألجتماعي في النروح
11 - ألأستاذ باقر ابراهيم
12- اللجنة التنفيذية لرابطة ألأنصار الشيوعيين
13 - المجلس الصابئي المندائي في جنوب السويد وأوربا
14 - منظمة الحزب الشيوعي العراقي في كندا
15 - رابطة المراه العراقية جنوب السويد مع باقة ورد
16 - منظمة الحزب الشيوعي العراقي في هولندا
17 - منظمة الحزب الشيوعي العراقي في بلجيكا
18 - منظمة الحزب الشيوعي العراقي ي بريطانيا

الرفيق الخالد ستار خضير صگر الحيدر ((1969 ــ 2019))
محطات في حياة الشهيد
فائز الحيدر
ولد الشهيد ستار خضير في عائلة مناضلة عام 1929 في ناحية الكحلاء (مسيعيدة) التابعة لمحافظة ميسان، تلك الناحية الفقيرة المسالمة الغافية عند زرقة الهور وصفاءه، وكانت عائلته الكبيرة آل الحيدر قد اعتنقت الافكار اليسارية منذ فترة مبكرة من تأسيس الحركة الوطنية العراقية، كما أنخرط عدد منهم في صفوف الحزب الشيوعي العراقي ومنذ السنوات الأولى لتأسيسه عام 1934، حيث كان أبن عمته المناضل الراحل (خيري يوسف الحيدر) مسؤول التنظيمات الفلاحية للحزب في محافظة ميسان، بينما كان أخوه الأكبر (جبار خضير الحيدر) عضوا" في التنظيم العسكري وأحد الضباط الاحرار الذين شاركوا في انتصار ثورة الرابع عشر من تموز الخالدة.... عمل والد ستار في مهنة الصياغة والتي كانت مهنة الشقاء والكدح والتعب اليومي في ذلك الوقت، لبساطة الأدوات المستعملة في هذه المهنة الشاقة... كانت عائلة خضير صكًر ميسورة الحال رغم الكدح اليومي، وكان بيتهم ملتقى سمر أكثر المندائيين ليلا" لشرب القهوة العربية التي برعوا وتفننوا في صنعها ولتبادل الأحاديث اليومية عن آخر الأخبار السياسية وأخبار السوق.
دخل الشهيد ستار مدرسة الكحلاء الابتدائية عام 1937، ثم توفيت والدته وهو لم يزل صبيا" لم يتجاوز عمره بعد التسعة سنوات، وقد ترك هذا الحدث حزنا" وفراغا" كبيرا" في حياته رغم أن زوجة أبيه الثانية (ناجية فندي) قد غدت أما "رؤوما" له وكانت بحق القلب الكبير الذي عوضه حنان والدته الراحلة، فلجأ الى والده يساعده في عمله اليومي الشاق، حيث بدأ منذ ذلك الوقت يشعر بمسؤوليته أتجاه البيت والعائلة.
بدت يقظة وفطنة ستار خضير الحيدر على التباين الاجتماعي في العراق وأدراكه معنى الصراع الطبقي منذ فترة مبكرة من حياته، وبعد أنهائه المرحلة الابتدائية عام 1944 وكلما وجد نفسه في دكان والده يساعده في مهنة التعب والنار والمنفاخ والطرق على السندان، كي تزين بعد ذلك ما تنتجه أياديهم الحلي الذهبية صدور وأيادي الفتيات الجميلات الثريات.
كان الشهيد دمث الأخلاق، لطيف المعشر، حاضر البديهية، صديق الصغار قبل الكبار، محبوبا" من قبل الجميع دون استثناء، الاساءة وايذاء الآخرين ليس لهما وجود في تصرفاته وطريقة كلامه، عندما يعاشره أحد يدرك أنه نذر حياته للشعب ولأفكاره ومبادئه التي كان يتطلع من خلالها لبناء مجتمع عادل حر... لم يضع مصالحه الشخصية في حسابات حياته، كان مترفعاً عن الصغائر ولا هدف له إلا خدمة الناس والحزب.
ودّع الشهيد الأهل والأحبة مغادرا" الكحلاء لإكمال دراسته في متوسطة العمارة عام 1945.. وفي مدينة العمارة الواقعة تحت سيطرة الأقطاع في ذلك الوقت كان ستار يحرّض الفلاحين المظلومين البائسين على رفض الانصياع لأوامر الشيخ الاقطاعي ( محمد العريبي ) الذي كان مسيطرا" على معظم أراضي محافظة ميسان وما تنتجه من خيرات.. وخلال دراسته تعرف على الكثير من الطلبة القادمين الى مركز المحافظة من الأقضية المجاورة، مما جعله يطالب وزارة المعارف بفتح قسم داخلي لسكنى الطلبة من العوائل الكادحة القادمين من خارج المركز، ثم أصبح مسؤولا" عن القسم بترشيح من زملائه.. وخلال اقامته في القسم التقى بعدد من الطلبة المثقفين حملة الفكر الافكار الشيوعية، فأزداد حبا" ورغبةً في التعرف على هذه الأفكار والسير في دربها.
وفي مكان آخر من القسم الداخلي، كانت أعين المجرم ( ناظم كًزار ) زميل الدراسة حينها ومدير الأمن العام في عهد البعث عند وصوله للسلطة عام 1968، ترصده بعين الحقد تحت ستار الابتسامة الكاذبة، فقد أحتسى هذا المجرم حليب الوضاعة والقتل منذ نعومة أظافره مفكرا" بالانتقام منه ورفاقه يوما". وفي نفس الوقت في العمارة أيضا" تعرف ستار وزملائه على الشخصية الوطنية المناضلة ( الشيخ حسين الساعدي ) الذي كان صاحب دكان صغير لبيع السكائر والتبوغ في سوق مدينة العمارة.. أخذ هذا الشيخ يحدثهم عن هموم الشعب ومآسي العمال الكادحين والفلاحين المستضعفين فوجد فيهم تربة خصبة لتغذيتهم بالأفكار الوطنية.
كان ستار في الصف الرابع من المرحلة الثانوية عندما حدثت وثبة كانون 1948 وعمّت المظاهرات مدينة العمارة، فكان أول عمل قام به ستار وباقي الشباب المناضلين هو نزولهم الى الشارع الرئيسي في المدينة والاشتراك مع ابناء شعبهم في تظاهرهم هاتفين للوثبة مطالبين بإلغاء معاهدة (بورتسموث) الجائرة وأسقاط الحكومة العميلة، وكان الشهيد ستار خضير أول من هتف في تلك المظاهرة، حتى هاجمتهم عناصر الشرطة بأطلاق الرصاص عليهم فنجا ستار ورفاقه بينما أستشهد زميله الثائر الى جانبه. فيما بعد سافر مع رفاقه الآخرين الى ناحية الكحلاء بعد أغلاق مدرستهم وقسمهم الداخلي.
بعد عودته ورفاقه الى ناحية الكحلاء أقاموا مجلس الفاتحة على أرواح شهداء الوثبة في مسجد الناحية مستقبلين المعزين من أبناء جميع الطوائف التي تسكن مدينة العمارة، من صابئة ومسلمين ومسيحيين ويهود.. وكانت هذه بحق صورة رائعة للتآلف والتأخي العظيم بين جميع مكونات المجتمع العراقي وكل هذا يعود بالأساس للأفكار النبيلة التي روجوا لها في الناحية ليقطفوا ثمارها في هذا الوقت.
بعد أن تخرّج الشهيد ستار من الثانوية بين عامي عام 1949 و1950 عيّن معلما" في قرى ناحية الكحلاء لمدة سنة وكانت هذه المدة كافية لإقامة علاقات وثيقة بينه وبين الفلاحين روج من خلالها أفكاره الشيوعية بينهم.. نقل بعدها الى مدينة بغداد حيث عيّن هناك معلماً في مدرسة (الحاجب) وهي أحدى مدارس منطقة أبو غريب الابتدائية في مطلع عام 1951، لكنه عاد بعد فترة قصيرة الى مدينة العمارة ليلتحق بمعهد المعلمين عام 1952 ويعين معلماً ثابتاً لكنه فصل من الوظيفة في نهاية العام نفسه بسبب انتمائه السياسي ومشاركته في انتفاضة تشرين عام 1952، مما أضطره للعودة الى ناحية الكحلاء ليمارس نشاطه الحزبي من جديد مع جموع الفلاحين الكادحين موزعا" عليهم منشورات الحزب الشيوعي وما كانت تحمله من أفكار تحررية وتوعوية لهم من خلال دكان البقالة البسيط الذي فتحه، وهناك كان لقائه الأول مع المناضل الثوري الفلاحي صاحب ملا خصاف والذي أستشهد فيما بعد على يد الأقطاع بعد انتصار ثورة 14 تموز 1958 حقداً على نضاله المرير الساعي لتطبيق قانون الاصلاح الزراعي.
وخلال أيام انتفاضة تشرين عام 1952 وصلته من بغداد عن طريق أحد الأقارب رزمة من منشورات الحزب الشيوعي من أجل توزيعها على أهالي ناحية الكحلاء، ونتيجة لوشاية أحدهم ويدعى ( جودي أبراهيم ) الذي سلم احد المنشورات الى مفوض الشرطة المجرم علي مجو، فألقي القبض عليه وجميع أخوته وأقاربه من قبل رجال الشرطة ليرسلوا مخفورين الى دائرة أمن العمارة بتهمة توزيع المنشورات الشيوعية، حيث تعرض الجميع الى الضرب والاهانة .. عندها قال ستار أمام المحقق (أنا وحدي هذه موزع المنشورات ولا شأن لأهلي بها).
أحيل ستار الى المحكمة ليحكم عليه بالحبس لمدة ستة أشهر. وبعد أن أكمل محكوميته خرج من السجن أكثر شجاعة صارخا" أمام الجميع .... ( الأن ازدهرت الشيوعية في أعماقي)، ليعود بعدها الى ناحية الكحلاء ويستأنف نشاطه الحزبي مع رفاقه بين صفوف الفلاحين.
في عام 1954 جاءت سيارة مسلحة من العمارة لألقاء القبض على ستار بسبب نشاطه الحزبي، فحاول الهرب الى قلعة صالح مشيا" على الأقدام إلا أن الشرطة تابعته على الطريق المؤدي الى هناك فألقت القبض عليه وأعادته الى الكحلاء بعد أن أعتدت عليه بالضرب أمام والده الذي كان يكن له الحب ويفتخر بنضاله وبطولته أمام أهالي الناحية، فما كان منه ألا أن أنقض على الشرطة ليضربهم بعقال رأسه وساهم أخيه الأصغر ( باسم ) بقذف رجال الشرطة بالحجارة، فأصاب شرطيين منهم سالت الدماء من رؤوسهم.. فألقي القبض على الجميع وأرسلوا الى المحافظة، وهناك تم التحقيق مع ستار باعتباره عضوا" في الحزب الشيوعي العراقي، وعلى والده وأخيه لاعتدائهم على الشرطة أثناء تأدية واجبهم.. وبعد محاولات ووساطات ودفع مبالغ كرشوة تنازل على أثرها أفراد الشرطة عن حقهم، فأطلق سراح والده خضير صكًر وأخيه باسم، بينما حكم على ستار بالسجن لمدة ثلاث سنوات على أن يبقى بعدها سنة كاملة تحت المراقبة، وبعد صدور الحكم سفر فوراً الى سجن بعقوبة ليقضي محكوميته هناك. وخلال تلك الفترة أخذت للعائلة تتعرض الى مضايقات عديدة من قبل رجال الشرطة والأمن والعناصر الرجعية المرتبطة بالأقطاع، مما أدى بها وبقية عائلة الحيدر الى الهجرة القسرية من ناحية الكحلاء عام 1955 الى مدينة بغداد ومدن أخرى من العراق.
أنهى الشهيد ستار محكوميته وخرج عام 1956 فسفرّ فورا" الى مدينة بدرة وجصان قرب الكوت في محافظة واسط والمحاذية للحدود الايرانية، حيث يقضى المئات من الشيوعيين هناك فترات مختلفة من الأبعاد القسري والمراقبة بسبب نشاطهم السياسي... وبعد اكمال مدة مراقبته في عام 1957 وقبل ثورة 14 تموز بأشهر قليلة التحق بعائلته في مدينة بغداد مواصلا" نضاله العنيد ضد الظلم والتعسف. وأستمر في مقارعة النظام الملكي البائد حتى بعد انتصار ثورة الرابع عشر من تموز، حيث عمل في تنظيمات مختلفة منها التنظيم العسكري للحزب مثبتا" قدرة تنظيمية كبيرة ونشاط متميز.
ولظروفه المالية الصعبة حصل على عمل بسيط في حسابات أحد معامل المواد الانشائية في بغداد عن طريق أحد معارفه فأشتغل هناك فترة قصيرة من الزمن، وبحكم ثقافته الواسعة وخبرته النضالية مع السجناء والمراقبين السياسيين في سجن بعقوبة ومدينة بدرة أصبح من قيادات الصف الاول في الحزب، فأنيطت به مهات صعبة وذات مسؤوليات كبيرة فنجح فيها جميعاً نجاحاً" لافتا".. وبعد ثورة 14 تموز عمل موظفا" في مصرف الرافدين في بغداد لعدة أشهر قبل أن يستقيل بتوجيه من الحزب كي يتفرغ للعمل النضالي الحزبي.
رغم أن الشهيد ستار كان قد نذر حياته لوطنه والمبدأ الذي آمن به، الا أنه كان يحلم أيضا" بالاستقرار وبناء بيت يستظل بسقفه وأسرة يشعر بدفئها.. لذلك فقد تزوج عام 1961 من أبنة عمه (سميعة حيدر الحيدر) التي غدت رفيقة العمر والنضال.. وعند زواجه أكمل كافة مراسيم الزواج وطبق كافة الاجراءات الدينية المندائية، مما دفع الأخرين من قصّار النظر وسطحيي الفكر للتندر عليه، لكنه دافع بشدة عن تمسكه بتقاليد دينه باعتبار أن الشيوعيين أولى بتطبيق معتقدات المجتمع الدينية التي لا تضر بالفكر الذي يحمله المناضل، بل بالعكس فان ذلك يقربه من جماهير الشعب ويحببهم به... وقد رزق الشهيد بأربعة بنات كان يرى فيهن المستقبل الجميل الذي تمنى رؤيته في ابناء شعبه وجيله الجديد الذي وهب شبابه من اجله.... وبناته هن.. مي 1962، منى 1963، مها 1965، ندى 1968.

كان الشهيد رجل المهمات الصعبة بحق، فقد أرسله الحزب للعمل في مدينة الموصل في ظل الظروف الاستثنائية التي عاشتها تلك المدينة، لإعادة بناء تنظيمات الحزب هناك بعد الهجمة الشرسة التي تعرض لها الحزب الشيوعي العراقي أثر حركة الشواف الانقلابية عام 1959 واغتيال أعداد كبيرة من كوادر الحزب في مدينتي الموصل وكركوك، حيث كان العمل الحزبي فيهما من المهمات الخطرة جدا" وتحتاج الى خبرة وذكاء وتحمّل وقدرة على التكيف مع الظروف الاستثنائية الصعبة.
وكانت هذه النقلة اختبارا" شديدا" لصلابته وسعة تفكيره ودقة وسائله التنظيمية، حيث عمل عضوا" في اللجنة المحلية، التي كان يقودها آنذاك الرفيق الشهيد (طالب عبد الجبار)، وتضم في عضويتها كلا" من يوسف القس حنا وعابدين أحمد وعادل الصبحة وآخرين.... وكانت الخبرة التي كسبها في الموصل أعدته فيما بعد للعمل الحزبي في مدينة كركوك التي استمر نضاله فيها، حتى بعد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي، حيث ساهم بنشاط ومثابرة نادرة في صيانة تنظيمات الحزب.
كان الشهيد يتنقل بين هاتين المدينتين وأختار أكثر المناطق خطورة فيهما محلا" لسكناه لأبعاد الشبهات عنه، ولتتبع آخر أخبار القوى المعادية للحزب من أجل أخذ الاحتياطات اللازمة لتجنبها.. وكان يتردد على المساجد ويقوم بالصلاة مع المسلمين ليستمع هناك الى الخطط الموضوعة من قبل العناصر الرجعية لاغتيال كوادر الحزب والتي تنفذها القوى الارهابية بعد أن اتخذت من المساجد قواعد لانطلاق عمليات الاغتيال تلك، موصلا" المعلومات الى تنظيمات الحزب منبها" رفاقه الى تجنب عمليات التصفية، وبذلك أنقذ حياة العديد من رفاقه الذين وضعت أسمائهم في قوائم الموت ، وقد أتخذ أحيانا"من مقابر المدينة مرات عديدة مأوى له تجنبا" لمخاطر جمة تعرض لها، أضافة لكل تلك المهام فقد كان يقود التنظيم العسكري للحزب في كردستان العراق. فعندما بدأت الحركة الكردية برفع السلاح ضد حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1962 كان يبين دوما" موقف الحزب المعارض للقتال لقائد الحركة الملا مصطفى البرزاني مباشرة من خلال اللقاءات معه، حيث أن ذلك القتال من شأنه أن يضعف ثورة 14 تموز ويعرضها للخطر، وهذا بالفعل ما استغلته القوى الرجعية للقيام بانقلاب 8 شباط 1963 المشؤوم. بعد ذلك تنامى نشاطه في إقليم كردستان، وكلف في عام 1965 بالإشراف على فصائل الأنصار في السليمانية وأربيل، وبالتنسيق مع قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني ومن ثمة قيادة الإقليم.
في عام 1967 وبعد أكثر من أربعة أعوام قضاها مع رفاقه في قرى ومدن وجبال كردستان عاد الشهيد الى بغداد لينتخب خلال المؤتمر المُصّغر للحزب عضوا" في اللجنة المركزية ، فتعددت على أثر ذلك مسؤولياته ونشاطاته الحزبية، من بينها مسؤولية الخط العسكري في الحزب...
كـان الشهيد شيوعيا" متمرسا" وفي أعلى هيئات الحزب القيادية، ومارس خلال مهامه النضالية أخطر الأدوار لكن أسمه كان غير متداول بين الناس، ولا حتى بين الأوساط الحزبية، لا على نطاق واسع، ولا على نطاق ضيق فاظا"على سرية تحركاته وأمانه الشخصي.. كان الحزب قويا" وعظيما" به، حيث أستحوذ من خلاله على عقول وقلوب الجماهير، وكان بحق من الرفاق والقادة الصادقين المتعففين الذين أحبوا عوائلهم وشعبهم، وكرهوا الاستعراضات الزائفة الخادعة، ومقتوا الطائفية والعنصرية وكل أنواع التعصب الاعمى.
في تلك الأيام الصعبة التي مرّ بها الوطن، عاد حزب البعث الفاشي للسلطة من جديد في 17 تموز من عام 1968 وتحت شعارات وهمية مزيفة أنطلت مع الأسف على الكثير من القوى السياسية العراقية. وقد كرّس الشخص الثاني في حزب البعث المجرم صدام حسين جلّ اهتمامه لتقوية منظمة (حنين) الارهابية، والتي ضمّت داخلها القتلة المحترفيــن والتي طورها فيما بعد لتصبح جهاز المخابرات العراقية والذي اصبح أداة رهيبة بيد سلطة البعث لتصفية قادة وكوادر القوى السياسية المعارضة جسديا" سواء بالدهس بالسيارات أو بالرصاص والسموم القاتلة، وبناء على الأوامر الصادرة منه مباشرة، حيث كان يقود ويشرف على جميع الأجهزة الأمنية والمخابراتية كما أنه وضع على قمة تلك الأجهزة قتلة محترفون، أمثال المجرم ناظم كزار وقيادات البعث التي اتخذت من قصر النهاية أو الرحاب عندما كان يسمى سابقا" عندما كان محل سكنى العائلة الملكية مقراً للتصفيات الجسدية لكل القوى السياسية.

بعد أن أستتب الوضع للسلطة الجديدة اتخذت قيادة البعث قرارا" بتصفية كوادر وقيادات الحزب الشيوعي العراقي بما فيهم الشهيد ستار خضير عضو اللجنة المركزية للحزب، لمعرفتهم بشخصيته وتجربته النضالية وصموده وتحمله مسؤولية خطرة ألا وهي أدارة تنظيم الخط العسكري، فباشرت عبـر أجهزتها المختلفة بجمـع المعلومات عن الشيوعيين المستهدفين ومن ضمنهم الشهيد ستار من كل الجوانب مستغلة بعض نقاط الضعف في عمل الحزب الشيوعي العراقي خلال تلك الفترة. إزاء ذلك كان لدى الشهيد حدس بمؤامرة اغتياله بعد أن تولد لديه والحزب أحساس بأن المخابرات العراقية تخطط لذلك.
وفي عصر يوم 23 / حزيران / 1969 خرج الشهيد ستار خضير من أحدى بيوت حي المعلمين في منطقة شارع فلسطين في مدينة بغداد قرب الجامعة المستنصرية، متوجها" الى موقف الباصات للعودة الى أهله، وهناك هاجمه شخصان مسلحان حاولا اختطافه لكنه قاومهم ببسالة، وكانت طبعاً مواجهة غير متكافئة بينهم أدت الى تمكين القتلة من اطلاق عدة رصاصات غادرة عليه أصابته في بطنه، غير أنه أستطاع رغم أصابته البليغة أن يركض نحوهم ويمسك بأحدهم ويسقطه أرضاً وسقط معه لكنه أستطاع الوقوف رغم جراحه فما كان من القاتل الآخر أن عالجه برصاصة أخرى أصابته في ساقه أعاقته من الحركة، وغادر القتلة المكان مسرعين معتقدين بأنه فارق الحياة وهو ينزف بشدة، في الوقت الذي كان يبّين للمواطنين الذين التفوا حوله بأنه ستار خضير عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وطلب اسعافه، بعدها غاب عن الوعي... وبعد مرور أكثر من ساعة على أصابته نقل بمساعدة أهالي المنطقة إلى مستشفى الطوارئ في شارع الشيخ عمر، وهو يعاني من جروح بليغة.
وبدلاً من أن يتم إلقاء القبض على القتلة القى رجال الأمن القبض على أخوته وعمه بسبب تواجدهم في ساحة المستشفى التي بدت مكتظة بالرفاق وابناء العائلة واتهموهم بالشيوعية، وقد أطلق سراحهم في اليوم التالي حيث كان العديد من أبناء عائلة الشهيد كانت تنتظر عند مدخل المستشفى نتيجة العملية الجراحية المعقدة التي قام بأجرائها الدكتور الجراح (نوري فتاح باشا ) والطبيب الشيوعي ( محمد صالح سميسم ) الذي بذل كل الجهود للاعتناء به وابقائه حيا"، حيث تم في العملية أيقاف النزيف الدموي، واستأصل قسم من الأمعاء المصابة، كما تم استخراج الرصاصة التي أصابت ساقه ليخرج بعدها من غرفة العمليات ليلا".
بعد ساعات أفاق الشهيد من المخدر وأستطاع أن يتحدث الى أهله وأخوته عن الحدث، وهذا ما أكده أمام حكام التحقيق وأحد رجال الأمن الذين حققوا معه وسألوه :
ـ من تعتقد الذي أطلق النار عليك؟
ـ أنهم أعداء الحزب الشيوعي العراقي .
ـ هل أنت من الحزب الشيوعي العراقي أم من جماعة عزيز الحاج؟
ـ لا يوجد في العراق غير حزب شيوعي واحد هو الحزب الشيوعي العراقي .
فعلق رجل الأمن (هذا أشكًد صلب)..
رغم الحراسة المشددة من قبل الشرطة لغرفته كنت أخوته ومعارفه نتناوب بالدخول اليه وحراسته ليل نهار، حيث كان صدام حسين وناظم كزار يتابعون أخباره عن بعد في محاولة للإجهاز عليه فيما لو تحسنت حالته من جديد.
في اليوم الثاني بدأت صحة الشهيد بالتدهور، أذ بدأت أعراض بالتسمم تظهر على جسمه، نتيجة الرصاصات القاتلة التي أصابته والتي تبين فيما بعد أنها من النوع السام المخصص لمثل هذه الاغتيالات الجبانة.. وفي اليوم الثالث تدهورت صحته أكثر فأكثر أثر ذلك التسمم الذي سرى في كل أجزاء جسمه.. وحاول الأطباء بجهود استثنائية كبيرة إنقاذ حياته لكن دون جدوى، وكان أخيه الدكتور (باسم ) ملازما" لفراشه لا يفارقه مطلقا" طيلة فترة بقائه في المستشفى.. وفي ساعته الاخيرة رن جرس الهاتف من القصر الجمهوري في محاولة وقحة لأبعاد الشبهة عن الحكومة ودورها في عملية الاغتيال.
ـ أننا من القصر كيف حاله الأن؟ نحن مستعدون لأرساله الى أية دولة للعلاج فورا" !!!!
ـ شكراً على اقتراحكم المتأخر لأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة .
فارق الشهيد الحياة ظهر يوم 28 / 6 / 1969، فارتعشت الغرفة الصغيرة في مستشفى الطوارئ، فصرخ الناس من رفاق وأصدقاء الشهيد الواقفين أمام المستشفى والمتواجدين في ساحتها الموت للقتلة البعثيين، عاش الحزب الشيوعي العراقي.
وفي قصر النهاية صرخ القتلة وعلى رأسهم المجرم ( ناظم كزار) وهو يشرب كأس النصر مع القتلة الأخرين (مات الشيوعي ستار خضير الحيدر).. وبنفس الوقت أهتز الحزب وارتجفت مدينة الكحلاء، وصرخ محبيه ورفاقه وأصدقاء العائلة (لم يمت ستار خضير الحيدر فهو يحيا في القلوب وسنواصل المسيرة).
بعد الوفاة قام حاكم التحقيق بتدوين أقوال المدّعين بالحق الشخصي والذين طلبوا الشكوى ومعرفة الجناة. وبعد ورود تقرير الطب العدلي لجثة الشهيد ستار خضير الحيدر قرر قاضي التحقيق غلق التحقيق لمجهولية الفاعل.
وفي مساء نفس اليوم 28 حزيران 1969 أصدر الحزب الشيوعي العراقي بياناً تحت عنوان (الحزب الشيوعي العراقي ينعي عضو لجنته المركزية المناضل البطل ستار خضير)، يشرح فيه تفاصيل عملية الاغتيال مطالباً الجماهير لرفع صوتها بالاستنكار والاحتجاج على هذه الجريمة النكراء، مطالباً الحكومة بإصدار بيان تستنكر فيه الجريمة وتكشف النقاب عن مرتكبيها ومدبريها لأن دوائر الأمن على علم تام بهم، كما تمت المطالبة بأجراء تحقيق سريع وجاد وبمشاركة ممثلين من الحزب الشيوعي ونقابة المحامين.
المجد والخلود للشهيد ستار خضير الحيدر ولرفاقه الأبطال



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن