-أخي ومن بعده !-

أمير بالعربي
AmirBelArbi@outlook.com

2019 / 7 / 1

("امرأة حياتي" لا تمرّ , و "رجل حياتي" لا تمرّ أكثر ... من حكم أنها زوجة , وأنه شأن المثليين ؟)
********


كانت المرة الوحيدة , الأولى والأخيرة , التي ضرب فيها أبي أحدنا . كنا في الصالة نلعب ولم نأبه بطلبه أن نسكت , بل على العكس زدنا من ضجيجنا .
ذلك اليوم , كان هناك توتر في المنزل لا أعلم ما كان سببه . لذلك كان سلوك أمي التي ظلت تصرخ في وجهي طويلا , وسلوك أبي , سلوكا غريبا شاذا لم نعهده ...
صفعني أبي على وجهي أول مرة ذلك اليوم , فسكت الجميع ؛ هو , أنا , أنس وأمي .
جميعنا استغرب كيف حصلت تلك الصفعة , وأولنا أبي الذي اعتذر مباشرة وقبّلني وضمني إليه بقوة فلم أستطع أن أفلت من بين ذراعيه رغم محاولتي .
أمي بقت تنظر لنا , أما أنس فغاب ثم عاد سريعا لنفطن أنا وأبي لعودته عندما صرخت أمي : "أنس ماذا تفعل ؟" ...
كان في يده سكين حمله من المطبخ , وعندما نظر له أبي وهو لا يزال يحضنني , صرخ في وجهه : "إذا ضربت أخي مرة أخرى أقتلكَ !" ثم نظر إلى أمي وقال لها : "وأنتِ أيضا !" .
بقي أبي على ركبتيه لم ينطق ولم يتكلم , أما أمي فلم تستطع البقاء واقفة فجثت على ركبتيها ووضعت يديها على وجهها وبكت , أما أنس فجذبني من يدي وقال : "تعال , لنخرج !" ...
جرينا طويلا حتى وصلنا لمخبئنا بين الأشجار بجانب النهر , ثم استلقينا على أظهرنا ننظر السماء ولم نتكلم ...
بقينا كذلك بعض الوقت حتى تكلم : "هل أنت غاضب مني ؟" , فأجبت أن لا وسألت عن سبب سؤاله , فذكر السكين وما قاله لأبي وأمي , فقلت له أنه مهما حدث لا يجب أن يغضب أحدنا من الآخر !
قبل حلول الليل , لحقت بنا خالتي ونادتنا من بعيد تستأذن فدعوناها , كانت تعرف مخبأنا فقد أريناه لها في بداية ذلك الصيف ...
لم تتكلم معنا عما حصل , لكنها حملت معها سندويتشات ومشروبات , أكلنا ثلاثتنا وبعدها طلبت منا أن نسبح , فسبحنا ولعبنا معا ثم عدنا إلى منزلنا . هوايتنا المحبذة كانت السباحة , وقد سبحت معنا خالتي بملابسها ... فقط من أجلنا ...
أمضت خالتي معنا تلك الليلة وسهرنا ثلاثتنا في غرفتي ثم نمنا معا , وفي الصباح أيقظتنا للفطور ففطرنا أربعتنا معا ؛ أنا , أنس خالتي وأمي . أبي كان قد غادر للعمل وترك لنا ورقة كتب فيها بالإنكليزية : "البابا يحبكما ويعتذر منكما ." , كنا نجلس بجانب بعض أنا وأنس , وخالتي وأمي أمامنا ...
طلبت خالتي أن نقرأ الرسالة فقرأتها لها . قالت أن الماما أيضا تحبنا وتعدنا أن الذي حصل لن يتكرر أبدا , وتريد أن نتصالح لأنها لا تستطيع أن تتحمّل غضب ابنيها ...
نظرت لأنس ففهمت من وجهه انه لا يريد الصلح فركلت ساقه من تحت الطاولة ثم جذبت يده وقمت , قاومني قليلا لكنه أذعن ومشى ورائي حتى وصلنا وراء أمي , فاستدارت إلينا واحتضنتنا معا , وتصالحنا ...
أما أبي فعاد من عمله قبل وقته المعتاد , تصالح معي ثم مع أنس الذي وعده ألا يشهر السكين في وجه أحد مرة أخرى , لكنه بعد ذلك قال لي أنه كذب عليه ...
كنت في التاسعة ذلك الصيف , وكان أنس قريبا من العاشرة , بيننا أقل من سنة ... أمي وأبي صنعاني مباشرة بعد شفائها من مخلفات ولادته ..
تلك الواقعة لم ينسها أحد منا , وظلت تُذكر ولا تزال إلى اليوم ...

تزوجتُ قبل أنس ... قبل زواجي ومع أول لقاء لأمي بخطيبتي كلمتها طويلا عن أنس فأجابتها أنها تعلم , لكن أمي أرعبتها بالقول : "أنس خط أحمر إذا اقتربت منه لن يفكر لحظة وسيهجرك وإن عشت معه ألف سنة !" .
قالت الحقيقة نعم ! لكن قولها لم يعجبني ولمتها عليه , لم يكن ذلك كلاما يقال في أول لقاء مع كنة المستقبل !
عند زواج أنس بعد سنوات , لم تفعل أمي نفس الشيء مع كنتها الجديدة , فقد تكفلت بذلك زوجتي بعد أن جرّبت وعلمت أن عمتها كانت تزن كل كلمة قالتها لها قبل زواجنا .
وبعد أقل من سنة من زواجنا , قلت لأنس أني أفكر في الطلاق ...
لم يصدر منها شيء عظيم نعم , لكنها كانت تخفي عني امتعاضها منه , عديد المرات كنّته بالضرة وكلما اتصل بي كان وجهها يتغير علاوة على ابتساماتها المنافقة كلما أعلمتها بخروجي للقائه ...
قلت له أنها ليست ذكية , وبمرور الأيام دخلت حقل الألغام الذي لا يجب لأحد الاقتراب منه .
عديد المرات ذكرت لها صديقتها التي تمضي معها الوقت الكثير وكيف لم أكن أرى في ذلك أي غضاضة , أمها التي تزورها تقريبا يوميا , أخوها الصعلوك الذي لا يتصل بها إلا لتخرجه من مصيبة أو ليطلب مالا ... كل ذلك لم يقلقني وتقبلته , لكنها لم تفهم ولا أظنها ستفهم !
جواب أنس كان السكوت , وعندما سألته قال أنه يعيش نفس المشكل مع خطيبته , قال أنه يحبها ويريدها بحق لكنه متوجس من سلوكها ...
قال أنها سألته عن لو أجبروه على أن يبقي شخصا واحدا حيا على الأرض من سيكون ؟ وعندما أجابها قالت أنها تحبه ولا ترى حياة مع غيره لكن عليها التفكير جيدا قبل الإقدام على الخطوة القادمة ... أي الزواج منه .
يومها تنزهنا طويلا وتكلمنا كثيرا , في نهاية كلامه قال لي أني على حق وأنه يرى أن أطلق زوجتي الآن وأن يقطع هو علاقته بخطيبته دون أن ينتظر قرارها بعد تفكيرها , كان غاضبا وذكّرني بحادثة السكين وقال : "نستطيع أن نصنع غيرهن في أي لحظة لكن لا أحد منا سيستطيع أن يصنع الآخر من جديد , "أخي ومن بعده !" قبل الأرض ومن عليها , هكذا كنا ولن نتغير من أجل أم أو أب أو ... امرأة !"
لكني لم أوافقه , وأقنعته بأن يترك قصص الانفصال تلك وأن يصبر قليلا على خطيبته وأن أصبر أنا على زوجتي ... وقد كان , وتزوج أنس .
بعد مدة من زواجه , ذكر لزوجته في لحظة غضب ما دار بيننا في ذلك النقاش , فذكرته لزوجتي ومنها وصل الخبر إلى خالتي ...

خالتي أي "من بعده !" , ومنذ صغرنا كانت الوحيدة التي تستطيع التأثير علينا وخصوصا أنا , لا أبالغ إذا قلت أننا نحبها أكثر من أبي وأمي وأنها تحبنا أكثر من أبنائها ....
طلقت ونحن صغار , ثم افتك منها زوجها أبناءها لسنوات طويلة , وعند عودتهم وجدوا أنه برغم كل الحب الذي غمرتهم به لم يكن المكان شاغرا ... عانينا كثيرا من غيرة أبنائها منا ولا نزال ... لذلك تعودنا أنا وأنس منذ الصغر على السكوت عندما تتكلم خالتي , وكثيرا ما كنا نرفض شيئا تفرضه علينا لكننا كنا نذعن دون نقاش , الأمر الذي لم يحدث إطلاقا مع أبي أو أمي !
عندما كبرنا , كان الكود بيننا أن تدعوني وحدي دون أنس , لأنها كانت تستطيع التأثير عليّ أكثر منه , وإذا فعلتْ ذلك كنا نعلم بحدوث أمر جلل إذا لم نكن نعلم به , أما إذا كنا نعلم السبب فلا يغضب أنس لأنها لم تدعه , لكنه كان يطلب مني ألا أتنازل لها كثيرا وألا أعدها إلا بالقليل لأنه يعلم أنه سيكون ملزما بتنفيذ كل ما وعدتها به .

كانت نهاية أسبوع , ذهبت مع زوجتي وابنتي لمنزل خالتي ...
لا أزال أتمنى لو ذهبت وحدي , كان ذلك سيُجنب زوجتي كل الألم الذي شعرتْ به بعد ذلك ...
أحب زوجتي , لا أحد يستطيع التشكيك في ذلك , لكنها في ذلك اليوم رأت , وبعده اكتشفت الطبيعة الحقيقية لعلاقتي بخالتي ...
كثيرا ما كنت أنظر لها وهي نائمة بجانبي وأعتذر منها , كنت أكلمها في سري وأقول لها : "رجاء ابتعدي عن المقارنات , رجاء اسمحي لنا أن نعيش في سلام ولا تدخلي حربا ستخسرينها لا محالة , رجاء كوني ذكية وافهمي فلا أريد لك أن تتعذبي فنتعذب جميعنا معك !" ...
مع مرور الأعوام , صرت أتفهم أكثر زوجتي ولا أقول أنها غبية كما كنت أقول عنها سابقا , لكني لم أستطع تغيير ما بداخلي , لم أستطع أن أغيّر ذرة مما شعرت به طوال حياتي : "أخي ثم خالتي ثم الباقون !" .
كان يوم سبت , وصلنا قرابة الخامسة ... فتحت الباب ودخلنا .
سألتني زوجتي عن المفتاح فقلت لها أن ذلك تحسبا ليوم يحصل مكروه لها خصوصا بعد أن أصبحت تسكن وحدها , سألتني عن أنس فأجبت أن عنده مفتاح هو أيضا !
لم أفكر عندما أجبتها لأني كنت على عجلة لأسلم على خالتي التي لم أرها منذ أيام , كنت أكلمها يوميا بالطبع وبالرغم من أني كنت متخوفا من سبب دعوتها لي , والذي لم أكن أعلمه وقتها , إلا أني كنت مشتاقا لأن أحضنها وكأني لم أرها ولم أسمع صوتها منذ سنوات .
لاحظت زوجتي الفرق الشاسع بين سلامي على خالتي وعلى أمي أو أمها هي , كما لاحظت أني أمضيت جل الوقت إما ملتصقا بها وإما متكئا في حجرها علاوة على الوقت الطويل الذي أمضيته معها عندما دعتني لنزهة بجانب البحر لتكلمني في شأن النقاش الذي حصل مع أنس قبل زواجه .
قالت لي زوجتي بعد أيام أنها فهمت كل شيء بعد عودتنا من عند خالتي , أما ونحن عندها فكانت تظن أن تصرفات خالتي كانت بهدف التأثير عليّ رغم ملاحظتها أنها كانت قريبة أكثر من اللازم مني .
رأيت الدموع في عينيها عندما قالت أنها شعرت أنها غريبة مع زوجها , تأسفت كثيرا لذلك وندمت على غبائي لأني عندما ذهبت مع خالتي إلى البحر أخذنا معنا ابنتي فبقت زوجتي وحدها في المنزل !
في تلك النزهة , كانت خالتي تكلمني عن زوجتي وتقول أن عليّ أن أتفهم غيرتها وإن لزم الأمر أن أقلل من الوقت الذي أمضيه مع أنس وأن أتجنب الكلام عنه أمامها ... وكنت أرى أني أسعد البشر ولا ينقصني في تلك اللحظات إلا أنس !
نعم ! كنت أسمع لها ولا أسمع ...
نعم ! الكلام كان بخصوص زوجتي , لكني كنت لا أرى إلا خالتي ولا أفكر إلا في أخي ...
نعم ! حتى ابنتي التي كانت تجري وتلعب أمامنا لم أرها ...
الأهم من ذلك كله أني لم أكن الوحيد الذي شعر في تلك اللحظات ...
أنس اتصل بي وتكلم قليلا مع خالتي , ولا حاجة لي أن أقول أنه لو استطاع لطار من مكانه ليلتحق بنا ...
أما خالتي , فقد قالت كل شيء بعد أن أكملت كلامها عن زوجتي ... والذي قالته كان عكس ما طلبته مني في بداية كلامها !
كلمتني عن ابنتها التي لا تزورها -ابنتها التي قالت لها مرة أنها لم تشعر يوما بأمومتها لأنها تحبنا أكثر منها- , عن ابنها الكبير الذي لم يدعها لحفلة عيد ميلاد ابنه , عن ابنها الذي بعده والذي نادرا ما يتصل بها أو يسأل عن أحوالها ...
كنا نمشي وهي تتكلم عن ثلاثتهم , وعندما أكملت توقفت ونظرت لي ... قبّلت يدي اليمنى ثم خدّي الأيمن واحتضتني ثم قالت : "لا أستطيع لومهم , ولا ألوم أحدا !" , وصدقتْ .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن