الشركات المصرية الخاسرة ومسئولية العلاقات العامة

محمد محمد البادي
aliali-24@hotmail.fr

2019 / 6 / 28

مسئولية العلاقات العامة
في الشركات المصرية الخاسرة
محمد محمد البادي
أستاذ الاتصال الجماهيري والعلاقات العامة كلية الآداب جامعة المنصورة
أهمية موضوع البحث:
قد يكون غريباً أن نتكلم عن مسئولية للعلاقات العامة في شركات خاسرة، ليس لها واقع سليم تقوم عليه مثل هذه المسئولية، كما تقول القاعدة المعروفة في المفاهيم التقليدية، ومضمونها أن الواقع السليم أساس للعلاقات العامة السليمة. فهل يمكن الخروج على هذه القاعدة في مواجهة مسئولية ننادي بها للعلاقات العامة في الشركات المصرية الخاسرة، أي الشركات التي تفتقد الواقع السليم المعبر عن نجاحها وتقديمها؟!

أن المفاهيم التقليدية للعلاقات العامة لا تتصور مثل هذه المسئولية في مثل هذه الشركات، لأنها تعتبر أن الواقع السليم قاعدة ضرورية وحتمية لقيام دور إيجابي للعلاقات العامة بها. وبالتالي، فلن يكون متصوراً أن يقوم دور للعلاقات العامة بدون توفر قاعدته الأساسية المتمثلة في هذا الواقع السليم. ويؤكد على هذه الحقيقة كل الباحثين والخبراء التقليديين في مجال العلاقات العامة.

ففي دراسة للخبيرين الأمريكيين دافيد فن D. Finn ونايل فوجتيا N .Fujeta يؤكدان فيها على أن القاعدة البديهية التي تقوم عليها العلاقات العامة، هي أن برامجها ينبغي أن تبني على قاعدة سليمة من الحقيقة (1)، أي تبني على قاعدة سليمة من الواقع الصادق المعبر عن كيان ناجح بالفعل.

وفي دراسة أخرى قام بها جون هل J. Hill كان أكثر وضوحاً. وهو يحدد المتطلبات الأساسية للعلاقات العامة كمهنة في الشركات الصناعية، في ثلاثة مطالب: أولها. أن تحقق الشركة لنفسها تكاملاً صحيحاً. وثانيها. أن توفر لنفسها سياسة صحيحة وقرارات سليمة وأنماط سلوك مقبولة على ضوء مصالح جماهيرها. وثالثها. أن تعتمد على الحقائق الصادقة وهي تتجه بالبرامج المهنية إلى جماهيرها (2).

وهذا يعني أن العلاقات العامة تبدأ بالمنزل أولاً، كما يقول للويد H .Lloyd أي تبدأ بالشركة التي تعمل من أجلها. وعندما يكون المنزل مرتباً ومنظماً. أي عندما تكون الشركة ناجحة ومتطورة وذات سياسات وتطبيقات سليمة، فإن العلاقات العامة تستطيع أن تفتح الباب الأمامي وتخرج إلى الجماهير وتتكلم إليها، لأن كلامها في هذه الحالة، سوف يكون معبراً وصادقاً عن أفعال صادقة وواقع سليم (3).

ولئن كان الواقع السليم من اختصاص الإدارة العليا. فإليها يرجع نجاح الشركة وتطورها وتقدمها. فإن التعبير عن هذا الواقع السليم من اختصاص العلاقات العامة. لكنها لا تستطيع أن تعبر أمام جماهير الشركة عن أشياء ليس لها وجود. بمعنى أنه إذا أنتفى الواقع السليم، فإن كلامها لا يكون مؤثراً ولا فاعلاً وبالتالي تفشل العلاقات العامة لفشل المنظمات التي تعمل من داخلها ومن أجلها. وهذا هو مضمون القاعدة التي تقوم عليها المفاهيم التقليدية.

ويكون السؤال الملح الذي تقوم عليه مشكلة هذا البحث، هو: هل معنى ذلك، أن العلاقات العامة عليها أن تقف عاجزة أمام أوضاع مسيئة، كالأوضاع التي تعاني منها الشركات المصرية الخاسرة والتي اضطرت الدولة إلى أن تعرضها للبيع، لتتحول بهذا الاتجاه من شركات تابعة للقطاع العام إلى شركات تابعة للقطاع الخاص، على أمل أن تستعيد قوتها وقدراتها الذاتية على أن تتحول إلى شركات ناجحة. بكل ما يعنيه ذلك من قوة للاقتصاد القومي الذي تنتمي إليه؟!

بمعنى: هل تستمر العلاقات العامة متمسكة بقاعدتها التقليدية. وتنتظر قيام الواقع السليم لهذه الشركات؟ أم أن عليها في مثل هذه الحالات المتعثرة أن تدعم الواقع غير السليم. ليصبح سليماً فيدعمها؟ وبمعنى آخر: هل عليها أن تسهم في عودة الواقع السليم لهذه الشركات، حتى تسترد عافيتها ويعود واقعها سليماً مرة أخرى، وبالتالي، تسترد العلاقات العامة قاعدتها التقليدية وتعود إلى دورها الطبيعي والتقليدي؟!

إن الإجابة هنا إذا كانت تؤكد على ضرورة قيام العلاقات العامة بتحمل مسئوليتها وإثبات قدرتها على الإسهام في عودة الواقع السليم إلى هذه الشركات الخاسرة، تعتبر نقطة تحول في تاريخ العلاقات العامة، لأنها تخرج بالعلاقات العامة من الجهود إلى الإنطلاق، ومن العجز إلى إثبات وجودها، كمهنة حيوية وقادرة على التكيف مع كل الظروف التي تدعو إلى تجديد طاقاتها وإمكاناتها. وهذا ما يعطي لموضوع هذا البحث كل أهميته وأحالته.

منهج البحث وخطواته:
لا شك أن الدراسات العلمية في مجالات الإدارة والعلاقات العامة قد تفيدنا في فهم طبيعة المشكلة التي يقوم عليها هذا البحث، ولكنها لا تكفي وحدها للوصول إلى مدخل علمي صالح لتأسيس قاعدة جديدة، تقوم عليها العلاقات العامة، وهي تؤدي دورها المستهدف هنا في مواجهة هذه الشركات الخاسرة، وعلى ذلك تكون الدراسات العلمية في مجالات الاتصال والإقناع أكثر قدرة على الإسهام في تحقيق الهدف الذي نسعى إليه من وراء عرض هذه المشكلة وتحليلها. خاصة ونحن نعلم أن الاتصال والإقناع يمثلان جوهر العلاقات العامة كمهنة متخصصة. فالاتصال يمثل ديناميتها. والإقناع يمثل الغاية منها.

وعلى ذلك. يكون منهج التحليل النقدي المقارن مناسباً هنا لتحليل نتائج الدراسات العلمية المباشرة وغير المباشرة، والتي يمكن أن تؤدي بنا إلى تحقيق الغاية من هذا البحث.

وبناء عليه. نستطيع أن نحدد الخطوات التالية التي تصل بنا بطريقة منطقية إلى ما نستهدفه هنا، وهي:

واقع الشركات المصرية الخاسرة والحلول المقدمة لها.

موقف الدراسات العلمية الإدارية ونتائجها.

المدخل العلمي إلى دور إيجابي للعلاقات العامة

التخطيط المتكامل لدور العلاقات العامة.

الخطوات المهنية لدور العلاقات العامة.

الاعتبارات التي تحكم التطبيق.

الخلاصة والتوصيات.

ومن الواضح هنا. أننا نبدأ بتوصيف الواقع وما قدم له من حلول ومواجهات، ثم نتناول نظرة الدراسات العلمية إلى مثل هذا الواقع وكيفية تطويره، وصولاً إلى الزاوية التي تدخل منها إلى تصور شامل لدور العلاقات العامة على ضوء النتائج التي تقدمها النظريات العلمية في مجالات الاتصال والإقناع. وطالما أن النتائج جديدة، فلابد من تطبيقها داخل إطار سليم، وبذلك، تتكامل نظرتنا إلى تصور الواقع وكيفية تطويره واستثماره لصالح علاقات عامة أفضل.

أولاً: واقع الشركات المصرية الخاسرة والحلول المقدمة لها:
يقصد بالشركات المصرية الخاسرة تلك الشركات التي يجمعها ما يسمى بالقطاع العام أو قطاع الأعمال العام، وهي تمثل ما نسبته 70% من موارد مصر الإنتاجية. ويعتبرها الباحثون مسئولة عما آلت إليه حالة الاقتصاد المصري، بسبب حالات التعثر الشديد والمديونيات الهائلة والمنتجات التي تملأ المخازن ولا تعرف طريقاً إلى الأسواق المحلية والعالمية، وغيرها من أشكال المعاناة التي تنعكس سلباً على قدرة الاقتصاد المصري على النمو والتطور (4). ولقد كانت قوانين يوليو سنة 1960 دفعة أساسية في تطوير القطاع العام، حيث أممت عشرات الشركات الخاصة، وتلتها قوانين أخرى خلال الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن العشرين محاولة تنظيم الشركات الخاضعة لهذا القطاع العام، وتنظيم علاقتها بالدولة. سواء من خلال ما يسمى بالمؤسسات العامة التي تضم كل منها نوعية معينة من الشركات المتخصصة، أو من خلال الهيئات العامة، أو من خلال التبعية القانونية والإشرافية لوزارة معينة، وغيرها من الأشكال التى تكشف بوضوح عن مدى التخبط في التعامل مع شركات هذا القطاع العام، والتي انتهت جميعها إلى فكرة خصخصتها تدريجاً للتخلص من الأعباء التي كانت تثقل بها كاهل الاقتصاد المصري.

وقد أجمعت الدراسات العلمية التي تناولت هذا القطاع العام وشركاته على أن هناك العديد من المشكلات الثقيلة التي كانت تقيد خطوها وتكبل انطلاقتها. ونستطيع هنا أن نعرض عدداً من هذه المشكلات لنعرف اتجاه هذه الدراسات نحو طبيعتها ونظرتها إلى آثارها ونوعية الحلول التي قدمتها (5).

فقد أرجعت هذه الدراسات العلمية حالات التعثر التي أربكت هذه الشركات وأدت إلى المشكلات الثقيلة التي كانت منها السنوات طويلة إلى أنها كانت تعمل في ظروف غير مواتية تمثلت أساساً في عدم قدرتها على تحديد أهدافها، وتصارع المؤسسات العامة وغيرها من الأجهزة الرقابية على سلطة الإشراف عليها وعلى اتخاذ القرارات الملزمة لها، وتصاعد نفوذ القوى والتنظيمات السياسية في أمور إدارتها، وتوالي التغيير في التشريعات واللوائح المنظمة لها. والتخبط ما بين تطبيق المركزية أو اللامركزية في الإشراف عليها وتوجيهها. وكلها أمور تدل على أن الدولة ملكت هذه الشركات ولم تملك تصوراً سليماً لإدارتها طوال السنوات الماضية جميعها. ولقد نتج عن هذه الظروف غير المواتية للمشكلات التالية:

عدم الفصل بين الملكية والإدارة. فقد تحولت هذه الشركات إلى تبعية الدولة إدارياً. على الرغم من اختلاف طبيعتها القانونية من خلال تبعيتها لجهة إشرافية أعلى. سواء كانت على شكل مؤسسة عامة أو هيئة قطاع عام. مما أثر على حرية الحركة أمام قيادات هذه الشركات.
التحكم المطلق للوزير المختص في سلطات مجلس الإدارة، سواء من حيث الترشيح لأعضاء مجلس الإدارة أو عزلهم أو التعيين في الوظائف العليا، مما جعل الولاء للوزير المختص أهم من الولاء للشركة.
سيطرة البيروقراطية في اتخاذ القرار وتخلف الحافز الفردي وتدني مستوى الأداء وانخفاض الإنتاجية. السياسة الخاطئة للتسعير والتي تقضي بفرض سعر اجتماعي لا يعكس التكلفة الحقيقية للسلعة، مما أدى إلى تخسير كثير من هذه الشركات.
أوضاع العاملين بهذه الشركات، فقد نظم القانوني رقم 48 لسنة 1978 أوضاعهم من خلال وضعه إطاراً محدداً لدرجاتهم الوظيفية ولأجورهم وما شابه ذلك، مما أدى إلى خلق حقوق مكتسبة لهم، استقرت أوضاعهم عليها، بدون ربطها بتطوير الإنتاج كما وكيفا، إلى جانب ما زاد الطين بله عندما قررت الدولة تشغيل الخريجين في هذه الشركات إلى جانب الوزارات. بدون مراعاة لحاجة العمل بها، مما خلق نوعاً من البطالة المقنعة.
اختلال الهياكل التمويلية، وسحب كثير من الشركات على المكشوف من القطاع المصرفي. مما أدى إلى زيادة مديونيتها لهذا القطاع.
سياسة توزيع الأرباح وما تضمنته من توزيع جبري. حتى ولو كانت الشركة خاسرة. وهذا يتنافى مع التوزيع الأمثل للأرباح في أي مشروع اقتصادي ناجح. ويحرم الشركة من تكوين الاحتياطي اللازم.
اللوائح والقوانين النمطية التي لا تتمشى مع ما تستوجبه الأنشطة المختلفة من استقلالها بقوانين ولوائح وأنظمة تتلاءم مع طبيعة النشاط الذي تباشره. عدم إجراء الإحلال والتجديد للآلات والمعدات بعد انقضاء عمرها الافتراضي، مما يؤثر على جودة الإنتاج.
المخزون السلعي الراكد الذي لا يعرف طريقة إلى الأسواق، لضعف سياسات التوزيع والتسويق.
الخطر التشريعي من إشهار إفلاس هذه الشركات، رغم غرق بعضها في المديونية وفقدانها كل رأسمالها. ورغم أن كل الدراسات العلمية التي تناولت أوضاع هذه الشركات ومشكلاتها لم تتناول الجانب الإنساني بها، وركزت جميعها على الجوانب الاقتصادية المادية وانعكاساتها، إلا أن هناك دراسة علمية تناولت هذا الجانب الإنساني في حالات مماثلة لشركات القطاع العام
الواقع السليم ضرورة حتمية لدور إيجابي للعلاقات العامة

وهي الشركات التي تتعرض للإندماج أو البيع، وهي تصلح. من وجهة نظرنا، لبيان الأوضاع الإنسانية في شركات القطاع العام (6).

فقد أوضحت هذه الدراسة أن العاملين في هذه الشركات يشعرون بقدر من عدم الوضوح والتوتر والقلق، وتتعدد الضغوط التي يواجهونها، إلى جانب الإحساس بعدم الأمان الوظيفي، وصعوبة التكيف مع التغيرات التي تحدث في المناخ الثقافي لشركاتهم، إلى جانب ما يحدث لهم من إحباط نفسي ومادي وضعف في توقعاتهم المستقبلية. وغيرها.

وتضيف هذه الدراسة إلى جانب هذه التأثيرات النفسية والاجتماعية. نتائج أخرى تتصل بانخفاض ثقة العاملين. وانتشار مشاعر العداء والمرارة واليأس. وانتشار الشائعات والصراعات والتركيز على المصالح الخاصة. وكذلك ظهور بعض الأمراض النفسية والبيولوجية كالصداع والأرق وضغط الدم. وما يصحبها من أمراض جسمانية.

ورغم أهمية هذا الجانب الإنساني، فإن الحلول التي قدمتها الدراسات الإدارية للحالات الميئوس منها في الشركات الخاسرة، كانت أيضاً حلولاً اقتصادية مادية ولم تتطرق إلى هذا الجانب الإنساني، رغم أنه محور القضية كلها.

وكان من أهم الحلول التي قدمتها هذه الدراسات، ما نادت به من تصفية لهذه الشركات وبيعها لتعود إلى القطاع الخاص على أن يشترك العمال في ملكيتها وبعد

الهياكل التنظيمية في الشركات المصرية الخاسرة من الأسباب الرئيسية لفشلها

التعرف على أسباب فشلها. وقد تدخل البنوك الدائنة كمساهمين في شرائها. على أن تكون الديون ثمناً مدفوعاً مقدماً إلى بعض أسهم هذه الشركات، ومع الإبقاء على الشركات القادرة منها على البقاء، مع إعادة هيكلة ديونها وتحسين إنتاجها وفتح الأسواق أمامها وفصل ملكيتها عن الإدارة، وما شابه ذلك، مع إعدادها لمواجهة التحديات العالمية التي تهدد السوق المصرية بالإغراق من خلال إدارتها إدارة اقتصادية مستقلة وسليمة.

أما عن الجانب الإنساني في هذه الشركات، فإن الدراسة التي أشرنا إليها، ترى إمكانية تحقيق العاملين لقدر من التكيف مع الأوضاع المستهدفة من تطوير هذه الشركات. من خلال تكوين فريق عمل يختص بعملية إدخال التغييرات واختيار القيادات الإدارية ذات الاتجاهات والقدرات الإيجابية والمشجعة والمدعمة للتغيير ووضع نظام فعال للاتصال لإمداد العاملين بالمعلومات الصادقة. خاصة بالنسبة للفرص المتاحة للنهوض بشركاتهم، مع بيان دورهم في تحقيق هذه الغاية، مع تقليل الضغوط النفسية والاجتماعية التي يعانون منها.

ولئن كانت هذه الاقتراحات هامة وخاصة بالنسبة للشركات القادرة على البقاء، إلا أنها اقتراحات لا يجمعها تصور شامل ومتكامل، يمكن ترجمة إلى خطة عمل لها خطواتها وأساليبها، وبالتالي، فهي اقتراحات نظرية بأكثر منها اقتراحات عملية وواقعية ومتوافقة مع المتطلبات الأساسية لهذه الشركات، وخاصة الخاسرة والفاشلة منها.

ثانياً: موقف الدراسات العلمية الإدارية ونتائجها:
تبين من دراسة علمية أن الولايات المتحدة الأمريكية شهدت ظاهرة اقتصادية غريبة سنة 1956م. فقد بلغ عدد المشروعات الصناعية والتجارية الفاشلة في هذه السنة 12686 مشروعاً. وعلى الرغم من أن عدد المشروعات المستحدثة في سنة 1956 بلغ أضعاف عدد المشروعات الفاشلة، إلا أن ظاهرة المشروعات التي تعرضت للفشل ظلت أمراً خطيراً يستدعي الانتباه.

وقد توصلت الدراسات العلمية التي تتبعت هذه الظاهرة إلى أن أسباب الفشل لكل هذه المشروعات الاقتصادية خلال هذه السنة، تشبه إلى حد كبير أسباب الفشل التي عانت منها الشركات المصرية الخاسرة التي تنتمي للقطاع العام. ويمكن أن نلخص هذه الأسباب، تمهيداً لعرض الكيفية تراها مناسبة لمواجهتها. فيما يلي (7):

هناك مشروعات بدأت أعمالها بدون رأس مال كاف.
هناك مشروعات قامت أساساً على إنتاج سلع أو إعداد خدمات لا تلقي قبولاً حسناً من المستهلكين.
هناك مشروعات يعزى أسباب فشلها إلى افتقارها إلى سياسات البيع الملائمة أو الخبرة الفنية المطلوبة أو حاجتها الملحة إلى تطبيق سبل الإنتاج الحديثة.
كان ضعف الإدارة وفشلها في كل هذه المشروعات هو السبب الرئيسي وراء فشلها.
وكذلك تبين من هذه الدراسات أن المشكلات التي عانت منها هذه المشروعات الفاشلة في الولايات المتحدة الأمريكية هي نفسها المشكلات التي عانت منها الشركات المصرية الخاسرة. وتستطيع هنا أن نجملها فيما يلي:

مشكلات التمويل. فكل مشروع يتطلب تدبير الأموال اللازمة لتنفيذه وتحقيق أهدافه. وإذا لم يكن هناك تخطيط سليم لتغطية متطلبات المشروع الاقتصادي تعرض للفشل الذريع. وهذا ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية. وحدث مثله أيضاً في مصر.
مشكلات الإنتاج، وما يتصل بها من تنظيم ومراقبة وإجراءات عمل ملائمة، وإذا لم يحدث هذا، كان الفشل نتيجة حتمية. ولعل الهياكل التنظيمية وضعفها في الشركات المصرية الخاسرة كانت إحدى المشكلات الرئيسية التي أدت إلى فشلها.
مشكلات التسويق. وهذه تتطلب رسم سياسات تسويقية، تقوم على دراسة واعية لأسواق السلعة ومستهلكيها. وإذا لم تتوفر هذه القاعدة، انتهت إلى الفشل. ولعل المخزون السلعي الراكد في مخازن الشركات المصرية الخاسرة أكبر دليل على ذلك.
مشكلات الاستخدام. وهي تأتي لغياب الأسس الواضحة التي يقوم عليها اختيار العاملين وتعيينهم وترقيتهم ومكافآتهم. وتوفير سبل الاتصال والبرامج الاجتماعية والصحية. ولعل ظاهرة البطالة المقنعة التي تعاني منها الشركات المصرية الخاسرة دليل واضح على غياب تلك الأسس الواضحة.
مشكلات العلاقات العامة. وهي ناتجة عن غياب الثقة والسمعة الحسنة والعلاقات السلمية، وهذه كلها ظواهر لا تحتاج إلى إثباتها في الشركات المصرية الخاسرة. ولعل أضعف الأجهزة الإدارية في هذه الشركات هي أجهزة العلاقات العامة.
وإذا سلمنا مع الدراسات العلمية الإدارية بأن المشروع الاقتصادي الناجح عبارة عن وحدة اقتصادية مكتملة العناصر وتامة التكوين وتقوم على تأدية خدمة أو إنتاج سلعة. وتستهدف إشباع حاجة أو أكثر من حاجات البشر، ولذلك، يقال أن المشروع هو الوجود المادي والكيان الحس لمنشأة ناشطة وهادفة في المجتمع.
فإننا نستطيع أن نسلم في مواجهة مشكلات المشروعات الفاشلة والشركات الخاسرة في الولايات المتحدة الأمريكية ومصر، بأن هناك ثلاث حلقات متشابكة. تفسر لنا كيفية حدوث هذه المشكلات، وتفسر لنا أيضاً الزاوية التي دخل الباحثون لمواجهة هذه المشكلات. وهي: الإدارة والواقع والعلاقات العامة، فهي عند تفسير المشكلات تعني إدارة فاشلة وواقع غير سليم وعلاقات عامة فاشلة. وهي عند وضع مواجهة مع هذه المشكلات تعني إدارة قادرة وفاعلة وواقع سليم وقوي وعلاقات عامة إيجابية ومرنة. وقد قام الباحثون بتفسير هذه العلاقة بين الحلقات الثلاثة. عندما وضعوا قصورهم لمواجهة المشكلات التي تعاني منها هذه المشروعات والشركات، كما يلي:

أن تقوم إدارة قادرة ومتضمنه ومرتكزة على أسس
العلاقات العامة يمكن أن تكون عنصراً قوياً للنجاح فهي مهنة مرنة قادرة على التكيف مع الظروف والتحديات التي تواجهها المنظمات

علمية، وأن تبذل كل جهد منسق ومعونة صادقة وتوجيه صحيح وسليم. وأن تمتلك القدرة على اكتشاف المشكلات وأسبابها ومواجهتها ووضع الحلول الملائمة لها، حتى لا تكون عائقاً أمام تحقيق أهداف المشروع. وهذا يتوقف على توفر الإدراك الحس لطبيعة الأحداث والقدرة على تفسيرها للمواقف الناتجة عنها. إلى جانب القدرة على اتخاذ القرارات السليمة في التوقيت السليم.

النظر إلى بيئة العمل على أنها البيئة التي تنمي الواقع السليم. وهذا الواقع السليم ليس مواد جامدة فقط، وإنما هو أيضاً بشر لهم عقول وأفكار ومشاعر وعلاقات. بل أن هؤلاء البشر هم القادرون على خلق هذا الواقع السليم إذا وجهوا التوجيه السليم. وبالتالي، فأن عليهم أن يدركوا أهمية دورهم وخطورة المسئوليات الملقاة على عاتقهم. وإذا كانت الدراسات الإدارية ترى أن هذا الوعي وهذا الإدراك متوفر بدرجات متفاوتة في المستويات الإدارية. إلا أنه قد يكون مفتقداً، وبدرجات متفاوتة أيضاً بين طبقات العاملين، حيث يعوزها المزيد من ذلك الوعي والإدراك. ويكون على الإدارة العليا أن تعمل بجميع السبل لإيقاظ هذا الوعي والإدراك بين العاملين عن طريق تثقيفهم (8).
ثم أن الإدارة العليا عليها أن تنمي عند العاملين جميعهم وبكل مستوياتهم الشعور بالانتماء نحو المشروع أو الشركة والمجتمع الذي ينتمون إليه، وتقع على كواهلهم مسئولية النهوض به، لأن تقدمه ينعكس على تقدمهم ورضائهم عن أنفسهم.

وكذلك يكون على الإدارة العليا أن تنمي في بيئة العمل ثقافة تنظيمية متطورة وواعية وإيجابية. ولابد من استئصال ما هو سلبي منها من عادات وتقاليد وسلوكيات، ودعم ما هو إيجابي منها، مع إضافة وزرع عناصر ثقافية جديدة، تدعم بها ثقافة البيئة داخل مجتمع الشركة أو المشروع. إلى جانب إقامة نظم وهياكل وشبكات اتصال إيجابية وفاعلة، وعلاقات نفسية واجتماعية سليمة ومنتجة (9).

وتأتي العلاقات العامة، كحلقة ثالثة، لتسهم في وضع المواجهة الشاملة مع مشكلات المشروعات الفاشلة، وإذا كانت الدراسات العلمية الإدارية نسبت دورها إلى الإدارة العليا. كما رأينا في الحلقة الثانية، فإن هذا قد يعود إلى سوء فهم إمكانية العلاقات العامة ودورها، أو لأنها أدركت أنها تتكلم عن مشروعات فاشلة.

وسواء كان هذا التفسير أو ذاك وراء نظرة الدراسات العلمية الإدارية غلى العلاقات العامة وهي تتكلم عن مواجهة مع مشكلات المشروعات الفاشلة، إلا أن المنطق يقول: أنه طالما اعترفنا بوجود حلقات ثلاث تقف وراء مشكلات المشروعات الفاشلة، فإنه لابد وأن تعترف أيضاً بنفس الحلقات الثلاثة كأسس تقوم عليها مواجهة شاملة مع هذه المشكلات التي تعاني منها هذه المشروعات. خاصة إذا أمكننا إثبات أن العلاقات العامة قادرة على تحمل مسئوليتها، حتى في حالة غياب الواقع السليم في الشركات الفاشلة، وأنه يمكنها أن تكون عنصراً قوياً من عناصر النجاح، سواء وجد الواقع السليم كقاعدة لدورها الإيجابي أو لم يوجد، فهي في الحالتين مهنة مرنة وقادرة على التكيف مع الظروف والتحديات التي تواجهها وتواجه المنظمات التي تعمل لها ومن أجلها.

ثالثاً: المدخل العلمي إلى دور إيجابي للعلاقات العامة:
أن الفلسفة التي تقوم عليها المفاهيم التقليدية للعلاقات العامة، هي أن الواقع السليم في كل منظمة أساس لقيام دور إيجابي لها، لأن الأفعال التي يمثلها هذا الواقع السليم أبلغ من الأقوال التي يمثلها دور العلاقات العامة، وبالتالي، فإن الأفعال توفر للأقوال مصداقيتها. فتنتج الثقة.

لكننا في مواجهة الشركات المصرية الخاسرة نفتقد وجود هذا الواقع السليم، وبالتالي، نفتقد الثقة التي تحققها أقوالنا، ويكون علينا في هذا المدخل العلمي أن نثبت إمكانية قيام العلاقات العامة بدور في خلق هذا الواقع السليم، لكي تستعيد القاعدة التي ينبغي أن يقوم عليها دورها. ويكون السؤال هنا حول إمكانية العثور على نتائج علمية تؤكد إمكانية قيام هذا الدور في غياب هذه القاعدة؟ بمعنى: هل يمكن أن نجد أساليب للإقناع تفيد عند استثمارها في أحداث التأثير المطلوب لصنع الواقع السليم نفسياً واجتماعياً بين العاملين والذي يسهم في قيام واقع سليم لهذه الشركات الفاشلة ويدعمه؟! ولقد تبين لنا من مراجعتنا لنتائج الدراسات العلمية في مجالات الإقناع، أن هناك ثلاث نظريات تفسر الكيفية التي يحدث بها الإقناع، أي التي يحدث بها التأثير المستهدف منه على اتجاهات الجماهير وآرائها ومعارفها، وهي: نظرية الاتجاه النفسي المضاد ونظريات التعلم والنظريات الوظيفية. ولسوف نعرض أمثلة لها بإيجاز، ثم نحاول أن نصنع من نتائجها تصوراً لكيفية الاستفادة منها في تحديد الخطوات المهنية لدور إيجابي للعلاقات العامة في مواجهة الواقع غير السليم للشركات المصرية الخاسرة.

فقد انتهى ميلر G. Miller وبرجون M .Burgoon في دراستها خلال السبعينات من القرن العشرين إلى ما يسمى بنظرية الاتجاه النفسي المضاد. وهي نظرية تقوم على إمكانية حدوث الإقناع بواسطة المستقبل ذاته، إذا استطاع القائم بالإقناع توجيهه إلى إعداد رسالة تحتوي على تناقض معرفي مع ما يعتقده.

وبذلك يعمق القائم بالإقناع الشعور بالتناقض المعرفي عند المستقبل، بكل ما يترتب عليه من ضغط نفسي. وهو ما يؤدي في النهاية إلى محاولة تخفيفه بتغيير سلوكه. وبذلك، يكون المستقبل هو الذي قام بإقناع نفسه، بعد أن تكون لديه اتجاه نفسي مضاد لاتجاهه السابق، ويتزايد نجاح هذه الأسلوب، إذا لم يكن مصحوباً بتهديد أو عقاب أو مكافأة. وهذا يعني أن الثواب والعقاب ليس لهما مكان في هذه النظرية (10).

وإذا عرفنا أن هناك حالات من اليأس والقنوط والإحباط تسوء العاملين في الشركات الخاسرة، وهذه الحالات تعود إلى اعتقادهم بأنه لا أمل في المستقبل، فإن تطبيق هذه النظرية وأساليبها من خلال العلاقات العامة، كجهة موجهة لهم، وداخل إطار جهود الإدارة العليا الهادفة إلى تغيير مسار هذه الشركات. يؤدي إلى طفرة في الروح المعنوية لهؤلاء العاملين، تكون دافعاً لهم نحو الإسهام في جهود التطوير بروح جديدة.

وفي دراسة أخرى قام بها فشباين M .fishbein ضمن الدراسات العلمية التي انتهت إلى ظهور نظريات التعلم، والتي استهدفت إقامة ارتباط شرطي مبني على الحالة الداخلية للفرد المستهدف خلال عمليات الإقناع. بمعنى أن الدوافع التي تمثل باعثاً لشخص معين للاهتمام بمثير معين، تعتبر من العوامل الداخلية الهامة لعمليات الإقناع. ولفهم الكيفية التي تحدث بها.

وعلى ذلك، يفترض هذا الباحث وزملاؤه، أن هناك نظاماً داخلياً من الدوافع التي تحرك الشخص خلال عمليات الإقناع التي يتعرض لها. فعندما يشعر شخص ما بدافع معين، يكون هذا الدافع مصحوباً بحالة من عدم الاستقرار التي تنتهي بإشباع الحاجة التي حركت هذا الدافع. فوجود الحاجة مع المثير في إطار موقفي معين، يجعل منهما دافعاً للسلوك بطريقة معينة، والحاجات الإنسانية كثيرة ومتنوعة. والمهم هنا أن نلاحظ أن الشخص يلعب دوراً في إحداث استجابة معينة في مواجهة مثير معين، أي أنه ليس سلبياً.

ويرى أصحاب هذه النظرية أن الدوافع ليست ضرورية فقط لقبول سلوك جديد فحسب، ولكنها ضرورية أيضاً لقبول سلوك جديد على حساب سلوك قديم. وقبول قيمة أو عقيدة جديدة على حساب قيمة أو عقيدة قديمة، على أن يؤخذ في الاعتبار أن يكون الإطار الموقفي مؤيداً لهذا التغيير. وقد يتمثل هذا الإطار الموقفي المؤيد في آراء الآخرين داخل الجماعة التي ينتمي إليها، أو في القدوة داخل جماعته، أو في الأفكار السائدة في بيئته (11).

وإذا ربطنا بين نتائج هذه النظريات التعليمية والجهود التي تقوم بها الإدارة لأحداث تطور في هذه الشركات الخاسرة، فإنه يمكن القول أن هذه الجهود تمثل مثيرات تستجيب لحاجات نفسية ومادية عند العاملين. ولكن المهم هنا أن تكون المثيرات متوافقة مع هذه الحاجات من ناحية. ومتناسبة مع القدرات والإمكانات التي توفرها الخطط التنفيذية للتعبير حتى لا تحدث ثورة من التطلعات غير القابلة للتحقيق. ثم تأتي العلاقات العامة، بما توفره من إطار موقفي مؤيد لهذا التوافق بين الحاجات والمثيرات، ليكون داعماً لأحداث التغيير ومعمقاً لنتائجه.

وهنا ينبغي أن تبني العلاقات العامة بجهودها على حقيقتين:

أولاهما: التأكد المستمر من التوافق بين درجة الإثارة ودرجة الإشباع عند العاملين. داخل إطار التوازن بين الحاجات والمثيرات.

وثانيتهما: أن الحاجات التي يمكن استغلالها كثيرة، وأن لكل حاجة أساليبها الإقناعية التي ينبغي استخدامها في مواجهة جماهير العاملين المستهدفين.

فمن خلال الدراسات العلمية التي قام بها دانيل كاتز D.Katz تبين فيها أن الناس يمتلكون حاجات كثيرة تبرر اتجاهاتهم النفسية. بمعنى أن الاتجاهات النفسية عند الناس تسهل تحقيقهم لنتائج ذات قيمة عندهم. ولقد قامت النظريات الوظيفية على هذه الحقيقة وأكدتها بوضوح (12).

ويؤكد دانيل كاتز D.Katz في هذه النظريات على أن الحاجات الإنسانية متعددة، وأن لكل حاجة منها أسلوب الإقناع المناسب لها. فإذا كان الشخص يحتاج إلى أن يدافع عن صورة ذاته.

فإن إقناعه يكون ممكناً إذا أمكن إزالة التهديدات التي تخيفه وإتاحة الفرصة له لكي ينفس عما بداخله وتقديم رؤية جديدة لذاته. وإذا كان يسعى إلى التكيف والتوافق مع بيئته ومجتمعه. فإن إقناعه يكون ممكناً إذا حرم من هذه الحاجة، في الوقت الذي تقدم له فيه حاجات جديدة أو مستويات جديدة أو طموحات جديدة. أو سبل وأساليب جديدة، بمعنى أن يحرم من أساليبه الخاصة في التكيف والتوافق والتي قد تكون ضارة بالبيئة والمجتمع، وتحل محلها هذه الأساليب الجديدة والتي تكون أصلح له وللمجتمع.

وإذا كان الشخص يسعى إلى التعبير عن نفسه، فإنه قد يتجه إلى المبالغة في صورة ذاته، ويكون الإقناع ممكناً إذا أشعرناه بدرجة من عدم الرضا عن النفس مع التأكيد على سلوك جديد. يستطيع به أن يعبر عن نفسه بالكيفية التي تحقق رضاءه عن نفسه بدرجة أكبر مما هو

المشروعات الفاشلة تعاني من غياب الأسس الصحيحة لاختيار العاملين وتعيينهم وترقيتهم ومكافآتهم

عليه الآن. وأخيراً، إذا كان الشخص يسعى إلى كسب المعرفة، فإنه يشعر بالحاجة إلى الفهم ووضوح الرؤية وتنظيم معارفه بطريقة ذات معنى معين. وهنا يكون الإقناع ممكناً إذا أمكن إشعاره بالغموض وعدم الوضوح من خلال تغيير البيئة من حوله، ثم إعطائه بعد ذلك قدراً من المعلومات ذات المغزى حول المشكلات المحيطة به. ففي البداية نعمق درجة الحاجة التي يشعر بها، وعندما نقدم له الإشباع بالكيفية التي نراها. يكون أكثر تلهفاً وأسرع تأثراً (12).

ومن السهل أن نتصور كيفية الاستفادة من هذه النتائج التي تقدمها لنا تلك النظريات الوظيفية. إذا ربطنا بينها وبين نتائج النظريات التعليمية. فلاشك أن البيئة المتغيرة بفعل خطط التطوير التي تقوم بها الإدارة العليا. تقدم مثيرات كثيرة ومتعددة في مواجهة هذه الحاجات التي ذكرها دانيل كاتز إلى جانب الحاجات المادية الأخرى. وتلاقي الحاجات مع المثيرات بتوازن وتوافق سوف يصل بالعاملين إلى الدوافع التي تدفعهم إلى إشباع هذه الحاجات. بالكيفية التي تراها العلاقات العامة مناسبة لظروف التطوير ومتطلبات التقدم وإمكانيات الشركة. على أن يكون واضحاً أن الحاجات الفسيولوجية تعلو في أهميتها تلك الحاجات النفسية والاجتماعية التي ذكرها دانيل كاتز D.Katz ولذلك، يكون إشباعها سابقاً عليها،

ولاشك أن استغلال هذه النتائج جميعاً يحتاج إلى تخطيط علمي مدروس ومبني على أبحاث ودراسات ميدانية على جماهير العاملين بكل مستوياتهم. لتتعرف العلاقات العامة على من تتعامل معهم وكيفية التعامل معهم على ضوء متطلبات التطبيق العلمي لنتائج هذه النظريات. وهذا إحياء لإحدى القواعد المهنية التي يتجاهلها الكثيرون من ممارسي العلاقات العامة وخاصة في الدول النامية.

وبالتالي. يكون مهما هنا لاستكمال أغراض هذا المدخل العلمي إلى دور إيجابي للعلاقات العامة، أن نضع تصوراً لكيفية التخطيط الذي يستهدف الاستفادة من هذه النتائج العلمية، حتى يكون هذا القصور أساساً لما تستهدفه هنا من خطوات مهنية يقوم عليها هذا الدور. وتستطيع به أن تدعم مفاهيمها التقليدية، لتمكنها في مواجهة كل المواقف التي تستدعي خروجاً على هذه المفاهيم لعدم قدرتها على استيعابها والتعامل معهما.

رابعاً: التخطيط لدور العلاقات العامة:
عرفنا أن هناك ثلاث حلقات متشابكة ومتفاعلة معاً، كانت مدخلاً إلى فهم الكيفية التي حدثت بها المشكلات التي تعاني منها الشركات الخاسرة، واعتبرتها الدراسات العلمية الإدارية مدخلاً أيضاً إلى فهم الكيفية التي يمكن بها أن تواجه هذه الشركات واقعها المتدهورة وتحول إلى واقع سليم ومتطور، وهي: حلقة الإدارة العليا وحلقة البيئة وحلقة العلاقات العامة، وكل منها تؤدي إلى الأخرى، سواء كانت في حالة سالبة أو في حالة موجبة.

وعرفنا أن دور العلاقات العامة في المنظمات المعاصرة يقوم على واقعها السليم. بمعنى أن هذا الواقع السليم شرط لقيام دور إيجابي لها. بحسب ما تعنيه المفاهيم التقليدية لها. ولم تتصور هذه المفاهيم التقليدية دوراً لها إذا غاب هذا الواقع السليم نتيجة لفشل منظمة منها، على أساس أن العلاقات العامة ليست قادرة على صنع هذا الواقع السليم. ولذلك. كانت أهمية المدخل العلمي الذي قدمناه في أن نثبت أنه في قدرة أساليب الإقناع التي تقوم عليها أن تسهم في صنع هذا الواقع السليم. كدور داعم لجهود الإدارة العليا.

وطالما إن إعادة الواقع السليم إلى منظمة فاشلة يأتي من تكامل الجهود بين الإدارة العليا والعلاقات العامة، فإن دورها في هذه الحالة يعتبر مرحلياً إلى أن يعود هذا الواقع السليم إلى طبيعته، وتعود العلاقات العامة إلى دورها التقليدي، ويمكن النظر إلى دورها هنا أنه نوع من البرامج العلاجية التي تقوم بها من خلال برامجها الوقائية الدائمة، ولكن بجهود ذات طبيعة خاصة لم تعرفها من قبل. وبالتالي، فهي جهود تطور المفاهيم التقليدية للعلاقات العامة وتدعمها.

وعلى ضوء هذه الحقائق، نستطيع أن نضع إطار المخطط، نتصور من خلاله إمكانية قيام هذا الدور الجديد للعلاقات العامة في مثل هذه الشركات الخاسرة والفاشلة.

كما يلي: انظر شكل (1) الذي يقدم رسماً توضيحياً لكيفية ممارسة دور العلاقات العامة من خلال العلاقة المتشابكة بين الحلقات الثلاث).



جهاز مشترك من كبار الإداريين ومدير العلاقات العامة، والهدف منه وضع خطة مشتركة سواء كانت طويلة المدى أو إستراتيجية، على أن تكون خطواتها الإدارية متكاملة مع خطوات العلاقات العامة على أساس أن العلاقات العامة تمهد لكل خطوة إدارية وتسايرها وتبقى بعدها لتدعم نتائجها، وهناك دراسات علمية قمنا بها حول التخطيط الإستراتيجي للعلاقات العامة، وهي توضح الكيفية التي يمكن أن يحدث بها هذا التكامل بين التخطيط الإداري والتخطيط للعلاقات العامة، داخل إطار خطة واحدة مشتركة (13).
الإدارة العليا: تختار من الكفاءات العلمية والفنية المشهود لها. ومهمتها أن تأخذ ما يخصها من الخطة الإستراتيجية المتكاملة، وتحولها إلى خطط تنفيذية بأساليب علمية وتقنية مدروسة، لتطوير الإنتاج والتسويق وتوفير الإجراءات التنظيمية المناسبة والمناخ الثقافي المناسب.
بيئة العمل، ويطبق فيها الخطط التنفيذية بعد تطوير إمكاناتها المادية والفنية والبشرية والتنظيمية، بالكيفية التي تجعلها صالحة لقبول التغيير وتحمل مسئولياته، مع الأخذ في الاعتبار أن كل ما تقوم به الإدارة العليا ما هو إلا مثيرات ينبغي أن تلتقي مع حاجاتها وحاجات العاملين، لكي تتولد الدوافع الداعمة للتطوير والتغيير.
علاقات عامة فاعلة، وهي تقوم بأساليب الإقناع التي أشرنا إلى بعضها، والتي بها تسهم من خلال خطواتها المتكاملة مع الخطوات الإدارية في خلق الواقع السليم، وهذه هي المرحلة الأولى التي تستعيد بعدها العلاقات العامة وأنها والذي تمارس على أساسه خطواتها المهنية التقليدية.
جهاز مشترك لتقويم النتائج أولاً بأول، سواء خلال تنفيذ كل خطوة من الخطوات الإدارية المتكاملة مع خطوات العلاقات العامة أو بعد الانتهاء من الخطة كلها واستعداداً للخطط التالية. وتوجه نتائج التقويم إلى الإدارة العليا من ناحية وإلى العلاقات العامة من ناحية ثانية، بحسب تخصص كل منهما.
وبهذا التصور لكيفية تطبيق الدور الجديد للعلاقات العامة من خلال مخطط متكامل بين الجهود الإدارية وجهود العلاقات العامة، يتحول المدخل النظري إلى واقع تطبيقي أو قابل للتطبيق من خلال مواجهة شاملة مع الدافع السيء للشركات الخاسرة بكل مشكلاته المادية والإنسانية.

خامساً: الخطوات المهنية لدور العلاقات العامة:
لقد أكدت الأساليب الإقناعية على ضرورة توفير المناخ المناسب في الإطار الموقفي المحيط بالعاملين وتؤكد الدراسات العلمية على أن هذا الإطار الموقفي المناسب هو الذي يجعل أية عملية للإقناع ناجحة فهو الذي يدعم كل عناصرها.

وتمثل بيئة العمل في الشركات الخاسرة إطاراً موقفياً. يجمع بين الإدارة العليا والعلاقات العامة كطرف أول قائم بالإقناع والعاملين بكل مستوياتهم كطرف ثان مستهدف، وبالتالي، يكون على الطرف الأول أن يستثمر كل المعاني التي تعنيها بيئة العمل كإطار موقفي يحيط بكل عمليات الإقناع التي تقوم بها.

برامج علاجية للعلاقات العامة تعيد الواقع السليم إلى المنظمات الفاشلة بالتعاون مع الإدارة العليا

وبيئة العمل، كإطار موقفي هنا، تعني في مفهومها الواسع كل الظروف والعوامل النفسية والاجتماعية والمادية التي تتفاعل داخلها، وتمارس تأثيرها كمتغيرات لها مغزاها. وهذا التعريف يشمل معاني كثيرة ومتعددة، لكل منها أهميتها التي تفرض ضرورة استثمارها، إذا أردنا أن ينجح دور العلاقات العامة في الإسهام في خلق واقع جديد ومتطور في هذه الشركات المستهدفة هنا (14).

فهذه البيئة تعني توفر الأرضية المشتركة بين العاملين من ناحية وبينهم وبين العاملين في العلاقات العامة كطرف قائم بالإقناع من ناحية ثانية، ويقصد بها وجود تشابه بينهم في بعض الجوانب التي تؤلف بين ميولهم وخبراتهم. وهي تسهم في عبور فجوة الاختلافات بينهم. ولا شك أن أوجه التشابه أكبر من أوجه الخلاف.

وهذه البيئة تعني أيضاً الخلفية المشتركة التي تساعد كل طرف منهما على تفسير ما يجري حولهم وبينهم.

وهي تتكون من عوامل مادية ونفسية واجتماعية كثيرة، كالعوامل التاريخية والزمانية والمكانية والحوادث الجارية المحيطة بهم والضاغطة عليهم، إلى جانب ما تعنيه من عادات وتقاليد وسلوكيات مشتركة.

وهذه البيئة تعني كذلك المصالح المشتركة بينهم، بحيث يشعر الطرفان أن هناك أهدافاً تتحقق خلال عمليات الاتصال بينهم، مما يسهل التفاهم بينهم، خاصة إذا كانت الأهداف المتحققة لها صلة بالخلفية الثقافية والنفسية لهما معاً كالمواقف وأساليب الحياة، ويضاف إلى ذلك، ما تعنيه بيئة العمل كنظام اجتماعي يرتبط به العاملون ويتأثرون به، ويقصد به تلك الجماعات المتواجدة فيها والتي ينتمي إليها كل فرد فيها. فهذا يعني أن هناك مصالح مشتركة تجمع بينهم لأن المصالح المشتركة أساس لقيام الجماعات. ولا شك أن الانتماء للجماعة له تأثير قوي على اتجاهات أفرادها وآرائهم.

كما يضاف إلى ذلك أيضاً ما تعنيه بيئة العمل من تقديم مثيرات اجتماعية للعاملين، والمقصود بهذه المثيرات التي يوجدها النظام الاجتماعي في مواجهة الحاجات التي يشعرون بها. والتي يتحقق من التقائها بهذه الحاجات الدوافع القوية نحو العمل.

وأخيراً، يضاف إلى ذلك ما تعنيه بيئة العمل من علاقات اجتماعية بين العاملين، والتي تشكل مناخاً اجتماعياً إيجابياً أو سلبياً، وأهمها السلطة والاعتماد المتبادل والنفوذ والأدوار. وهو ما يعني أهمية دور الإدارة العليا

أساليب الإقناع تفيد في إحداث التأثير المطلوب لصنع واقع سليم نفسيا واجتماعيا بين العاملين

هنا في إعادة تشكيل النظام الاجتماعي بكل عناصره، لكي يخلق مناخاً اجتماعياً مناسباً، أساسه علاقات اجتماعية إيجابية بين العاملين من ناحية وبينهم وبين الإدارة العليا ومستوياتها من ناحية ثانية.

ومن الواضح هنا أن كل هذه المعاني التي تقدمها بيئة العمل، وهي الحلقة الثانية من حلقات التطوير، والتي توجه إليها جهود الإدارة العليا من ناحية وجهود العلاقات العامة من ناحية ثانية، كجهود مشتركة ومتكاملة، يمكن أن تمثل أسهاماً في التطوير والتغيير. إذا أحسن الطرفان هنا. وهما الإدارة العليا والعلاقات العامة. استثمار كل هذه المعاني بالكيفية التي تؤدي إلى تحويل العاملين إلى عناصر بشرية قادرة وفاعلة في عمليات التطوير.

وعلى ضوء هذه الحقائق، نستطيع أن تقدم هنا رؤيتنا لمضمون الخطوات المهنية التي يقوم عليها دور العلاقات العامة الذي يستهدف الإسهام في خلق الواقع السليم والمناسب داخل الشركات المصرية الخاسرة، وهي تنقسم إلى ثلاث خطوات أساسية ومتكاملة مع كل خطوة إدارية تقوم بها الإدارة العليا تنفيذاً لخطتها الإستراتيجية. فهي تمهد لها وتسايرها وتبقى بعدها لتدعمها. ولكل خطوة منها أساليبها، كالتالي:-

1- الخطوة التمهيدية:

وهذه الخطوة تمهد لكل خطوة من خطوات الخطة الإستراتيجية. وتهدف إلى إعداد العاملين في بيئة العمل لتلقي جهود التطوير والتغيير والتعامل معها بإيجابية، فهم الذين تقع عليهم مسئولية التنفيذ، وتتوزع هذه الخطوة إلى اتجاهين:

أولهما: الاتجاه نحو بيئة العمل ذاتها، بزيادة درجة الغموض حول ما يجري وما سيجرى فيها، وتعميق الإحساس بعدم الرضى عما انتهى إليه الحال، ودفعهم إلى التفكير في الصورة المستقبلية التي يتمنون تحقيقها من خلال إثارة قدر من التوقعات حول قدرتهم على التطوير، وحثهم على التعبير عما يرونه مناسباً. ودفعهم إلى الإحساس بما بحاجاتهم المادية والمعنوية التي قد تحققها هذه الصورة المستقبلية داخل حدود الإمكانات المتاحة للشركة، بحيث يأتي تطبيق الخطوة الأولى من الخطة الإدارية كمثيرات تلتقي مع هذه الحاجات، لتتولد الدوافع التي تدفعهم إلى العمل.

وثانيهما: الاتجاه نحو العاملين أنفسهم، بإتاحة الفرص لهم لكي ينقسون عن أنفسهم من خلال تقديم رؤى جديدة لذواتهم، بعد إزالة التهديدات التي يشعرون بها كضغوط نفسية مخيفة، إلى جانب خلق الإحساس لديهم بحاجات جديدة ومستويات جديدة وسبل جديدة لإشباع هذه الحاجات، مع اقترانها بالقدرة على تحقيقها وإشباعها بسلوكيات جديدة، يستطيع بها أن يعبر عن نفسه بالكيفية التي تحقق له الرضاء عن النفس بدرجة أكبر مما هو عليه الآن.

وهذه الخطوة التمهيدية باتجاهيها. تهدف إلى تحويل العاملين بكل مستوياتهم إلى بشر ذوي إرادات قوية وفاعلة وطموحة ومبتكرة وسط بيئة يتحدون ظروفها وغموضها، ويندفعون إلى العمل وتنفيذ خطوات التخطيط الإداري بفاعلية على أساس أنها استجابة لتصوراتهم واستجابة لحاجاتهم. وبمعنى آخر، أنها تستهدف تحقيق التهيئة النفسية والاجتماعية والمادية لبيئة العمل وللعاملين فيها. استعداداً للتكيف مع متطلبات التغيير والتطوير.

2- الخطوة المسايرة:

وهي الخطوة المهنية التي تساير تنفيذ كل خطوة من الخطوات الإدارية وتستمر معها إلى أن تنتهي. وتهدف هذه الخطوة المسايرة إلى تحويل حاجات العاملين إلى دوافع من خلال العمل على أن تلتقي بعناصر كل خطوة إدارية كمثيرات. بشرط أن يكون الالتقاء متساوياً بين الحاجة والمثير ومتوازياً معها، حتى تصبح الدوافع الناتجة عن هذا الالتقاء قوة إيجابية بناءة، وليست قوة سلبية هادمة. وذلك من خلال اتجاهين أيضاً:

أولهما: يتجه إلى العاملين لتعميق الإحساس لديهم بأن هذه الخطوة الإدارية أو تلك جاءت استجابة لما يراه كل منهم، وأنها تعبير عن ذاته وطموحاته، وتعبر عن رؤيته الخاصة في التعبير بمعنى إقناعه بأن ما يحدث ما هو إلا تعبير عما يراه هو، وليس مفروضاً عليه، فهو ينبع من داخله ومتوافقاً مع آماله. مع التأكيد هنا أيضاً على ضرورة أن يكون التقاء الحاجة مع المثير داخل حدود الإمكانات المتاحة للشركة.

وثانيهما: يتجه إلى بيئة العمل كإطار موقفي داعم. فلابد من تنمية الإحساس بالانتماء إلى جماعة العمل وإلى المنظمة، وتعميق الإحساس بالإعتزاز بهذا الانتماء. وخلق المنافسة الشريفة بين الأفراد والجماعات، ونشر الأنشطة والمفاهيم الداعمة لهذه المنافسة. ونشر الآراء المؤيدة، والتأكيد على دور القيادة، وزرع عناصر ثقافية جديدة، وهذه الخطوة المسايرة باتجاهيها، تهدف إلى تحويل بيئة العمل إلى بوتقة تتفاعل داخلها بإيجابية أفراد وجماعات تمتلئ بالحماس والإدارة القوية، وتتنافس على تأدية المسئولية بأمانة وإتقان وشرف إنها تحول بيئة العمل بكل مواصفاتها السلبية السابقة إلى بيئة يتغير حاضرها ومستقبلها نحو الأصلح والأفضل، وبالكيفية التي تخدم مصالح المنظمة والعاملين فيها.

3- الخطوة الداعمة:

وهذه الخطوة المهنية تبدأ مع نهاية كل خطوة إدارية. ويلاحظ هنا أنها تلتقي مع الخطوة التمهيدية. لكن الخطوة الداعمة تعمق الآثار والنتائج التي تنتهي إليها الخطوة الإدارية التي انتهت. وتقبل بها إلى كل معانيها ومفزاها في نفوس العاملين وعقولهم. بينما الخطوة التمهيدية تهدف إلى الإعداد للخطوة الإدارية التالية. ويشترط أن يكون بينهما تناسق وتكامل بين الأفكار والأساليب والاتجاهات لأنهما موجهتان إلى جمهور واحد. ويكون هذا التناسق والتكامل إطار يحكم الخطوتين معاً. وهذه الخطوة الداعمة لهما اتجاهات أيضاً:

أولهما: يتجه إلى بيئة العمل، كإطار موقفي لكل الخطوات الإدارية والإقناعية. وهذا الاتجاه يهدف إلى نشر الإحساس الجماعي بين العاملين كجماعات بالحاجة إلى الاستمرار في التطور وتحقيق مزيد من الإنجازات فالنجاح يولد النجاح. وهذا يعني أن يكون هذا الإحساس وليداً لرؤية جماعية، على أن تكون الخطوة الإدارية التالية استجابة لهذه الرؤية، لتفجير الدوافع المؤيدة لها. فالرؤية الجماعية حاجة جماعية، والخطوة الإدارية التالية مثيرات تستجيب لهذه الحاجة الجماعية. ومن هذا المنطلق تنشأ الدوافع الجماعية المندفعة إلى تحقيق هذه الخطوة الإدارية التالية:

أما الخطوة الإدارية المنتهية. فإنها انتجت آثاراً ونتائج مادية ومعنوية، قد يكون بعضها إيجابياً وقد يكون بعضها سلبياً. ومهمة الخطوة الإقناعية الداعمة هنا. أن تعمق الآخر الإيجابية، وتعدل أو تغير الآثار السلبية. وليكن واضحاً أننا نتعامل مع بشر، وأن تكوينهم النفسي والاجتماعي هو الإطار الذي يرون من داخله معنى الإنجازات التي تحققت وكيفية الاستفادة منها، وبالتالي، تنعكس على عاداتهم وتقاليدهم واتجاهاتهم وسلوكياتهم. وهذه كلها أمور ينبغي أن تسير في الاتجاه الصحيح، بحيث ينتج عنها ثقافة تنظيمية صحيحة وعلاقات اجتماعية صحيحة وسلوكيات صحيحة وأساليب صحيحة لحياة أفضل. ولا ننسى أن العلاقات الاجتماعية في بيئة العمل أحد المعاني الهامة لها كإطار موقفي.

وثانيهما: يتجه إلى العاملين كأفراد. ويهدف إلى التأكيد على الهدف الإستراتيجي للتغيير حتى يزداد وضوحاً على اعتبار أنه يحدد نهاية الطريق لكل خطة، ويوضح ما تم إنجازه، وما هو مطلوب كأهداف مرحلية. ووضوح الهدف والطريق إليه يزيد من حماس العاملين ويعمق إحساسهم بذواتهم وقدراتهم. وبهذه الخطوات المهنية الثلاث المتكاملة مع كل خطوة إدارية من خطوات الخطة الإستراتيجية. نكون قد انتهينا من المرحلة الأولى الهادفة إلى إعادة بناء الواقع السلبي. ليصبح واقعاً سليماً. والتي تستعيد بها الشركات المصرية الخاسرة عافيتها وقدرتها على التطور والتقدم.

ويكون من السهل على العلاقات العامة أن تبدأ مرحلة جديدة، تطبق من خلالها مفاهيمها وخطواتها التقليدية على أساس من توفر قاعدتها التي تقوم عليها بتوفر هذا الواقع السليم الذي أسهمت في التصور خلال المرحلة السابقة.

وبهذا القصور نكون قد حولنا العلاقات العامة من أحد العوامل المتسببة في فشل الشركات المصرية إلى أحد العوامل التي أسهمت في إعادة بنائها. ولكن في هذه المرة يكون البناء على أسس علمية وتقنية سليمة ومتطورة.

الشركات المصرية الخاسرة كانت تعاني من غياب الثقة والسمعة الحسنة والعلاقات السليمة

سادساً: الاعتبارات التي تحكم التطبيق:

عرفنا أن الدور الجديد الذي قدمناه للعلاقات العامة في الشركات المصرية الخاسرة والفاشلة لا يقوم على مفاهيمها التقليدية. وبالتالي، فهو يتطلب عدداً من الاعتبارات التي تضمن تطبيقه تطبيقاً علمياً وواقعياً سليماً وفاعلاً.

فلا شك أن هذا الدور الجديد يتطلب وجود علاقات عامة سليمة وقوية وقادرة. فلقد أثبتت كل الدراسات العلمية لواقع العلاقات العامة في مصر أنها ضعيفة في إمكاناتها وممارساتها وقدراتها البشرية، ولذلك، فنحن لا نأمل خيراً إذا استمر الوضع على ذلك. ولسوف تظل من أسباب الفشل للمنظمات المصرية جميعها، ولن تصبح يوماً من أسباب القوة والتطور لها.

ثم إننا نعلم أن دراسات الإقناع في أقسام الإعلام بالجامعات المصرية، أضعف من أن تخرج ممارسين للعلاقات العامة على قدرة علمية وفنية تمكنهم من التطبيق في مواجهة الحالات الداعية إلى ذلك.

فهل يمكن أن نأمل في دور جديد للعلاقات العامة، تسهم من خلاله في إعادة بناء المنظمات المصرية الخاسرة والفاشلة؟ أننا إذا أردنا إجابة تحمل الأمل إلى قلوبنا وعقولنا. فإن على الإدارة العليا أن تؤمن بأهمية العلاقات العامة وقدراتها، وبالتالي، تعيد بناءها مادياً وفنياً وبشرياً، وعلى أقسام الإعلام ومراكز التدريب أن تعيد النظر في برامجها وتضيف إليها الإقناع من الناحيتين النظرية والتطبيقية. أننا في عصر العلم والمعرفة والتكنولوجيا، ومن الممكن أن نتقبل على مضي تخلفنا خطوة، فتحتاج إلى أسراع الخطى لنعوضه ما فات، أما أن نفقد الأمل وإلى الأبدـ، فهذا هو الممات.

سابعاً: الخاتمة والتوصيات:
كانت أوضاع العلاقات العامة في مصر بصفة عامة، وفي الشركات الخاسرة فيها بصفة خاصة، مدخلاً إلى تساؤل هام قامت عليه مشكلة هذا البحث. فإذا كنا نقول أن الواقع السليم أساس لقيام علاقات عامة سليمة، فهل معنى ذلك أن العلاقات العامة الضعيفة في هذه الشركات المصرية الخاسرة ليس لها دور تستطيع من خلاله أن تسهم في تطويرها وتقدمها؟!

العلاقات العامة كانت أضعف الأجهزة الإدارية في الشركات المصرية الخاسرة

وقد تبين من الدراسات العلمية أن هناك ثلاث حلقات متشابكة، تقدم معنى تفسيراً لما تعانيه منه هذه الشركات من واقع متدهور وفاشل، كما إنها يمكن أن تقدم لنا مدخلاً إلى إمكانية قيام هذه الشركات بتصحيح أوضاعها وواقعها، وهي: الإدارة وبيئة العمل والعلاقات العامة.

وكان علينا أن نثبت قدرة العلاقات العامة على التأثير في مثل هذه الأوضاع السيئة. إذا أردنا أن ندخل إلى دور إيجابي لها. وقد تمكنا من خلال الدراسات العلمية في مجالات الأقناع أن نصل إلى نظريات تفيد في تحقيق هذه الغاية. وبالتالي، تسهم في صنع تصور لقيام مثل هذا الدور المستهدف هنا، إذا أمكن توفير عدد من الضمانات التي توفر إمكانية تحقيق هذا الدور.

وبناء على ذلك، يكون على الباحثين أن يسهموا مستقبلاً في تطبيقات عملية، يتحول بها هذا القصور النظري لهذا الدور الجديد إلى دور يقوم على أسس واقعية وتجريبية، وبالتالي، نعيد صياغته بالكيفية التي تتوافق مع متطلبات التطبيق، ونكون بذلك، قد حققنا مفاهيم جديدة للعلاقات العامة، تتكامل مع المفاهيم التقليدية للوصول إلى علاقات عامة تمتلك قدرات أكبر تمكينها من خدمة المنظمات التي تعمل لها، حتى ولو كانت في ظروف ميئوس منها. وبذلك، تثبت العلاقات العامة أنها مهنة متطورة ومتجاوبة مع كل المتطلبات التي تفرضها الظروف والتحديات في مواجهة كل المنظمات.

هوامش الدراسة ومراجعها
My ths About Design 8 . Finn, D. & Nell Fujeta in Public Relations”. Management Review, .66. P. March 1964.3. No, 53. Vol

Hill, J. Public Relatiens: Arms of Modern 8 – 6, pp. 1958, Management. N.Y. :Harper

Lloyd, H. Public Relations. London: The Universities .17. p. 1963, Press

سيد عيسى: "الممكن والمحال في بيع القطاع العام" مجلة الأهرام الاقتصادي بتاريخ 10/2/1992. ص: 48.

أنظر من هذه الدراسات العلمية، ما يأتي:

علي السلمي: الإدارة المصرية: رؤية جديدة. القاهرة: هيئة الكتاب، سنة 79. ص ص: 119 – 142.

محمود محمد فهمي: قانون قطاع الأعمال اليوم: دراسة قانونية تحليلية. ملحق الأهرام الاقتصادي بتاريخ 10/2/1992. ص ص: 13 – 15.

حسين رمزي كاظم: الإدارة والمجتمع المصري. القاهرة: هيئة الكتاب، سنة 93. ص ص 19 – 24.

عايدة سيد خطاب "المشكلات المتعلقة بالجانب الإنساني في ظل ظروف الاندماج وشراء المنظمات مجلة الإدارة، المجلد 6 العدد الأول. يوليو 1993. ص ص: 6 – 15.

محمد ماهر عليش: مسئولية الإدارة في المشروع الحديث. ملحق الأهرام الاقتصادي، بتاريخ أول أغسطس سنة 1965. صفحة 5.

محمد ماهر عليش: المرجع السابق، ص ص 7 – 8.

فريدة زين الدين: "توصيف ثقافة المنظمة المتوافقة مع متطلبات الجودة الشاملة". مجلة الإدارة، المجلة 3 العدد 4 إبريل 1998. ص ص: 17 – 25.

Miller ,G. Burgoen, M. “Persuasion Research: Review and Commentary”. Communi Cation Year. 47 – 29. pp. 2.1978. book., Vol

Fihbein, M. “Investigation of the Relation ship between beliefs About An Object and An Attitude .16,1963. Toward that Object- Human Relations, Val .240 - 233. PP

Katz, D . The -function-al Approach to the Study of Summer,2! No, 24 Attitudes Public Opinion Q.,Vol 204 – 163. pp. 1960
ادارة الشركات المصرية٬ من على الرابط: dalileg.com ٬ تصفح بتاريخ :11-11-2018
ادارة شركات المساهمة٬ مدحت على٫ بيروت: دار العولمة٫ 2015٬ ص ص 222.

أنظر هذه الدراسة لنا بعنوان:

"مستقبل التخطيط الإستراتيجي في العلاقات العامة". مجلة الإدارة، المجلد 28 العدد 4 إبريل 1996. ص47.

انظر أيضاً هاتين الدراستين لنا بعنوان:

الأسس النظرية للإقناع. مكة المكرمة: مكتبة الفيصلية، سنة 1986. ص ص: 95 – 119.

المدخل إلى الإقناع في المؤسسات المعاصرة، جدة: مكتبة مصباح، سنة 1989، ص ص 139 – 198.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن