العراق والضربة الامريكية للأرجنتين

جودت شاكر محمود
judat_mahmood@yahoo.com

2019 / 6 / 21

في العدد (2321) وبتاريخ (23/6/2008) وضمن محور مواضيع وابحاث سياسية من الحوار المتمدن أي قبل (11) عاما من الان، نشرتُ مقالة بعنوان (إيران والمنطقة والضربة الموعودة...وجهة نظر). وعلى مدى هذه السنوات الطويلة، هل أزفت الآن هذه الضربة.
أن الأوضاع في منطقة خليج البصرة وفي الإقليم تتسارع، والسياسة الإيرانية تتغول بمواقف العناد والتعنت، وهي ترفض أن تبدي أي مرونة في مواقفها بالرغم من رغبتها العميقة بتجاوز أي ضربة أمريكية قد تطيح بنظامها السياسي. في حين تضع أمريكا العديد من الخطط للمعركة القادمة حتى أن بعض تقارير تشير إلى ان أمريكا ضمن خطتها لضرب إيران ستهاجم (500) هدف في كل يوم، من الأهداف المنتقاة.
إيران قد ابتلعت الطعم الأمريكي ومن أول سياساتها اتجاه العراق بعد عام (2003) وسعيها لتجريد العراق من استقلاله السياسي والاقتصادي والعسكري والديني والمجتمعي، والذي أثار الرعب والخوف من طموحاتها التوسعية. والذي حقق لأمريكا وإسرائيل حلمهما باختراق الدرع الإيراني، والوصول إلى ما ترغب بكشفه ومعرفته من اسرار ومعلومات عن كل برامج إيران واسلحتها. وذلك ما تحدثنا عنه في مقالتنا تلك. والآن هدف السياسة الامريكية هو الدفع بالساسة الإيرانيون على اتخاذ المواقف التي ترغب بها أمريكيا من حيث يعلمون أو لا يعلمون، والتي تسعى لبقاء إيران على موقفها المتعنت، بل وإلى شيطنتها حتى يحين موعد ساعة الصفر. هذا من جانب ومن جانب آخر هي تمهد إلى تغيير توجهات العالم الغربي للوقوف معها ضد إيران، وأن تدفع بالقوى الأخرى في العالم للوقوف على خط الحياد في هذا الصراع، وذلك مثل روسيا والصين، وقد قطعت شوطا كبيرا في ذلك. أن موقف إيران الآن هو أشبه بمواقف العراق في حربة الأولى مع أمريكا عام (1991) أو في عام (2003).
في البدء راهن الايرانيون على مواقف دول الاتحاد الأوربي. ولكن استطاعت أمريكا أن تخلط الأوراق وتجعل دول ذلك الاتحاد في مواقف لا يحسدها أحد عليها. للنظر الى الوضع السياسي في بريطانيا وفرنسا، والى الوضع الاقتصادي في المانيا. ولم يقف الامر على ما جري في تلك الدول، ولكن، كان لصعود اليمين المتطرف في انتخابات الاتحاد الأوربي تتويجا لتلك السياسة الامريكية. كذلك لننظر إلى الوضع في الصين والصراع الأمريكي الصيني، وكذلك للوضع في فنزولا.. كما أن للتراشق الأمريكي الروسي سيدفع بروسيا بالوقوف على الحياد. وسيكون موقفها منصبا على الإعلام فقط. وللنظر إلى السودان(البشير) الدولة التي كانت على وفاق تام مع إيران، لكون نظام الحكم هناك إخواني، وهو امتداد طبيعي لنظام الحكم في إيران. كما أن هناك الكثير من الإيرانيين المتواجدين في الساحة السودانية (وليس هم وحدهم المتواجدون على الساحة السودانية، وانما هناك الكثير من المتطرفين ومن جميع انحاء العالم، تراهم في الشوارع أو في صالات المطار، حتى أن البعض منهم يحمل الجواز السوداني مثل بعض الافغانيين والفلبينيين والباكستانيين وغيرها من الدول)، ومن اللافت للنظر في عام (2008) كانت هناك لافتات تمجد بدولة العراق الإسلامية (الزرقاوي سابقا) في بعض شوارع أم درمان. والوضع في سوريا ولبنان واليمن والجزائر ليس بعيدا عن ما يجري في العالم اليوم، بشكل مباشر أو غير مباشر. اما بالنسبة للموقف التركي، فأن تركيا ستقف متفرجة، علما بأن الدور القادم بعد إيران سيكون لها، وهو ما تأكده الشواهد والإجراءات الامريكية.
لقد استطاعت أمريكا أن تلجم حركة الكثير من القوى والدول ومنعها من اتخاذ أي موقف مساند لإيران في صراعها مع أمريكا، وهي تعمل على حشدها إلى جانبها في هذا الصراع. ولكن، أن ما يهمنا من كل ما يجري هو الأوضاع في العراق. وهناك الكثير من التساؤلات التي تشغل الناس في هذا البلد. ما هو موقف العراق من هذه الاحداث؟ وهل سيقف العراق مع إيران، بالرغم من تصريحات البعض التي تدعو إلى الحياد، يقابلها في الطرف الاخر من يعد العدة للمشاركة في تلك الحرب؟ وهل سيكون العراق ساحة متقدمة لهذا الصراع؟ وما هي سياسة الولايات المتحدة إزاء تلك المواقف؟ وهل العراق مقبل على فوضى وخاصة مناطق الوسط والجنوب؟ لان المناطق الشمالية والغربية العربية هي في أزمة وقد استسلمت لأمر الواقع وهي الآن ترغب من أمريكا أن تمد لها يد العون والحماية للتخلص من الأوضاع التي تعيشها الآن.
هل ستحدث هناك نوع الفوضى تكون قادرة على تحول في قناعات والتوجهات السياسية للجماهير في مناطق الوسط والجنوب؟ وكيف سيتم ذلك؟ ومن هي القوى المرشحة للقيام بدور (داعش) في هذه المناطق هل هي جماعات مثل الصخري والحسني او الصدري أو التشكيلات الجديدة التي يتم الاعداد لها. علما بأن تلك القوى التي ستثير تلك الفوضى ستكون من الوسط الشيعي وليس من الوسط السني، لأن القوى السنية ليس لها حاضنة سياسية وجماهيرية في هذه المناطق. على الرغم من ان البعض حاول التمهيد لذلك بنشر بيانات نسبت لداعش في هذه المحافظة، وفي بعض مناطقها التي كانت تحسب على السنة سابقا قبل التغيير الديموغرافي وهي الان شيعية بالكامل مثل الزبير وابي الخصيب. ولكن، من يخدم هذا الاجراء، هل هو لتصفية البقية السنية في تلك المناطق، أم التمهيد لكسب الجماهير الشيعية من خلال أثارة خوفها من داعش، وهو سياسة تم اعتمادها كثيرا في الفترات السابقة كما يجري في كل انتخابات برلمانية، ودفع الناس للالتفاف حول القوى الجديدة التي سوف تظهر على الساحة العراقية... علما بأن غياب الحاضنة الشعبية، يؤدي إلى فشل تلك القوى في تحقيق مأربيها. كما أن السياسة الامريكية لن تقف عند ضرب المنظمات والتشكيلات المسلحة في العراق فقط، وإنما السعي لتغيير مواقف ومعتقدات وأفكار الجماهير الشيعية وكل من يسكن تلك المناطق من تلك القوى، كما فعلت في الانبار والموصل وصلاح الدين. ولكن...ما هي الفترة التي تم التخطيط لها لبقاء العراق في حالة الفوضى تلك؟ وهل ستتحقق نبوءات البعض ونرى ظهور الدجال والسفياني والمهدي المنتظر والمسيح.. وأين سيكون هذا الظهور في العراق أم إيران؟ وهل يتوقف الامر على ذلك أم ستسعى أمريكا بعد انتصارها إلى جعل العراق ثلاثة أقاليم أو تحويله إلى اقليمين.. لأن المناطق السنية في وضعها الحالي هذا لا تستطيع إقامة حكم خاص بها بمفردها، وإنما يتحقق ذلك من خلال المشاركة مع إقليم كردستان وتحت اشرافه. وهل ستبقى البصرة جزء من العراق، أم ستكون اقليما لوحدها.. علما بأن سياسة الحكومات المتعاقبة على العراق بعد (2003) أحدثت تغييرا ديمغرافيا هائلا فيها. نتيجة للنزوح الكثير من المحافظات الجنوبية الأخرى اليها. بعد إخراج الكثير من أهلها الأصليين من المسيحيين والصابئة والسنة وحتى الشيعة من الرافضين لسياسة هذه الأحزاب الحاكمة...إلى جانب الكثير من المثقفين وأصحاب الرأي والأطباء والمهندسين والفنانين ومن كل مجالات الحياة العراقية بتنوعها الفريد، إلى جانب عناصر ومؤيدي حزب البعث.. كان عدد سكان البصرة قبل الاحتلال يقارب المليونين... ولآن يصل عدد سكانها إلى (6) ملايين. علما بان جميع الخدمات التعليمية والصحية والكهربائية والماء الصالح للشرب، وحتى الشوارع هي ذاتها من العهد السابق ولم يجرى أي تطوير عليها بل بالعكس هناك تراجع كبير في تلك الخدمات.
حتى الصراعات في البصرة تتمحور حول منصب المحافظ أو على الدعوة لقيام الإقليم الآن، هو تعبير عن الصراع بين تلك القوى التي تحكم البصرة الآن.... حتى المظاهرات التي تخرج للمطالبة بفرص العمل أغلبها أن لم يكون جميعها من هؤلاء النازحين الذين جاءوا إليها بعد أن تركوا محافظاتهم، وبتوجيه من هذه الأحزاب للسيطرة على المحافظة لأن من يسيطر على البصرة يمسك برئة العراق. أن جوهر الصراع الآن هو من أي عشيرة سيكون المحافظ؟ وهل سيكون من الناصرية أو من العمارة؟ وإلى أي حزب من الأحزاب سيكون ولائه.. وكذلك حتى دعاة الإقليم هي دعوات من قبل تجمعات غريبة على البصرة جاءت لتستحوذ على المال والسلطة وتنشأ أمارتها الخاصة.. لكون البصريون تخلوا عن حماية هذه المحافظة.... ولكون الأحزاب الحاكمة وقياداتها هي من جاءت بتلك التجمعات النازحة إلى البصرة، بهدف الفوز بالانتخابات البرلمانية او مجالس المحافظات.. وإلى جانب كل ذلك لا ننسى دور بعض دول الجوار التي تقدم الدعم لهذه المشاريع الانفصالية.. وحلمها أن تكون البصرة جزء منها.... ففي البصرة هناك الكثير من الإيرانيين والافغان والباكستانيين.. والذين تم تجنسيهم من خلال البطاقة المدنية. ففي أي دعوة لأجراء استفتاء سيقوم هؤلاء بالدعوة لضم العراق لأحدى تلك الدول. قد يثير هذا الكلام لدى البعض بعض العنتريات ويدفعهم لإصدار اتهامات بدعاوي شيفونية أو عنصرية أو مناطقية.. من الكاتب ضد كل تلك الفئات.. لكني هنا أقول إن أهالي البصرة استقبلوا الجميع، ولكن حينما ذهب أهل البصرة الى الناصرية لم يسمح لهم بدخول المحافظة إلا بوجود كفيل يكفل عدم بقائهم أو سكنهم في المحافظة ويضمن خروجهم منها.. والطريف أيضا حينما ذهب بعض الشباب أو بعض العاملين للعمل في العمارة تم رفضهم بحجة أنهم ليسوا من أهل المحافظة والعمل من حق أبناء المحافظة حصرا. حتى في فترة أزمة ماء الشرب التي مرت بها البصرة، كانت محافظة الناصرية تقيم السدود لمنع الماء من الوصول الى اهوار القرنة، وقد كانت هناك الكثير من التحقيقات الإعلامية التي أكدت مصداقية هذا الموضوع.
أن الأيام القادمة حبلى بالأحداث.. لكن، من المؤكد، أن إيران ستتعرض لضربة أمريكية لا محالة أذا لم ترضخ للشروط الامريكية التي لا ترغب أمريكا أن توافق إيران عليها، ولذا فهي تعمل على الدفع بها بعيدا عن الموافقة عليها، ومحاولة تطمينها من عدم قيام الحرب وعدم رغبتها في قيامها. ولكن، حتى وأن وافقت إيران فأن التغيير فيها قادم. ولكن متى وكيف سيحدث ذلك؟ علما بأنه قد لا يختلف عن السيناريوهات التي طبقت على العراق سابقا. وأمريكا تنتظر الحدث الأكبر أو الغلطة الكبرى من الجانب الإيراني. ولكن، ما هو موقف إيران من العراق هل ستمتد العباءة الإيرانية لتغطي مساحة العراق، ام ستتحرك القوى الموالية لها للسيطرة على الأوضاع السياسة فيه. وهل ستكون ارض العراق هي ساحة معركة لتصفية الخلافات مع أمريكا. وهناك تساؤلات كثيرة منها يمكن طرحه والأخر لا يمكن طرحه حتى الآن.
إلى جانب ذلك ما هو الموقف من دولة الكويت، وهل ستتعرض إلى القصف الصاروخي الذي سيشمل الامارات والبحرين والسعودية والمنطقة الشرقية منها... أم أن جحافل التتر ستكرر ملاحمها على أرض الكويت (وهنا اقصد ما تبع دخول الجيش العراقي إلى الكويت عام (1990) من رعاع هدفهم السرقة والفرهود). وكيف سترد دولة الكويت بعد انتهاء هذه الفوضى... هل تحقق حلمها والاكتفاء بانتزاع أراضي جديدة من البصرة (الفاو، الزبير، صفوان، ام قصر) أم ستضم البصرة بالكامل تحت جناحها...علما بأن الأجواء النفسية لمواطني البصرة الاصليين وطموحاتهم قد لا تتعارض مع أي من هذه الإجراءات. لأن السياسات التي حدثت بعد عام (2003) غيرت اغلب المفاهيم لدى هؤلاء الناس، ولسان حالهم يقول (نفيتُ وأستوطن الاغراب في بلدي). كما حدث لدى المواطنين في المناطق التي سيطرت عليها (داعش) من رفض الامريكان وقاومهم أول الامر إلى الاستنجاد والترحيب بهم. وزيارة أمير دولة الكويت هل لمنع تلك الصواريخ عن أراضيه، حيث أن بعض وكالات الانباء تحدث عن نشر إيران لصواريخها في جنوب البصرة. ولكن يبقى السؤال الكبير والمهم هو: العراق إلى أين ذاهب؟ هل ذاهب إلى الفوضى؟ ومن ثم إلى التقسيم؟ وهل العراقيون حريصون على وحدة بلدهم أم سنرى أكثر من عراق؟ ومن الذي سيلعب دور الدجال والسفياني والمهدي، في الأشهر القادمة. علما بأن ليس هناك فرق بين الشخص الذي يحمل شهادة الدكتوراه والشخص الامي في تصديق الخرافات والاساطير لكونها أصبحت بعد عام (2003) جزء من شخصية وعقلية الفرد العراقي... أذن لننتظر ونرى.. وأن غدا لناظره قريب.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن